
أيمن خالد
صعود اليمين المتطرف الكاسح في انتخابات البرلمان الأوروبي، يمكن قراءته بمثابة مؤشر على التحولات الاجتماعية والسياسية القادمة والتي ستتجاوز في تأثيراتها القارة الأوروبية، فما تم وصفه بالزلزال السياسي في فرنسا والذي أدى إلى حل الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي) إنما يعني أن الهزات الأولية السابقة لم تكن كافية لحدوث هذا الزلزال الكبير والمفاجئ، والذي دفع بالرئيس الفرنسي للدعوة لانتخابات عاجلة نهاية يونيو، في صورة بدت كمحاولة لامتصاص هذه الاندفاعة لليمين المتطرف، فالتباطؤ قد يؤثر سلباً وعامل الوقت قد يكون في مصلحة اليمين المتطرف خلال الفترة القادمة.
من جانب، هناك الغموض الذي تشهده المسألة الأوكرانية، إضافة إلى تداعيات الحرب في غزة التي تسللت إلى الفصول الدراسية عبر تظاهرات الطلبة في الجامعات الفرنسية وغيرها الأوروبية، ثم سيل الأزمات السياسية الفرنسية في القارة السمراء وملفات الهجرة غير الشرعية الملحقة بها، وأجواء الجدل الداخلية حول هذه الملحقات التي تطرح ملف الهجرة مرتبطاً بالهوية والتضخم والبطالة، وهي مسائل عززت من صعود اليمين الأوروبي سابقاً، لكن الصورة الأخيرة للانتخابات تحمل صعوداً ملفتاً يحتاج إلى قراءات مجهرية خارجة عن السياق المألوف.
إذاً نحن أمام مشهدية لا تبدو مألوفة في العقل الأوروبي، فهناك وقبيل الانتخابات البرلمانية الأوروبية الأخيرة تأتي قصة التظاهرات الطلابية التي حملت عنوان الحرب في غزة، وهي التظاهرات التي جاءت كامتداد لما حصل في الجامعات الأميركية قبل ذلك بشهر، وبغض النظر عن الجهات التي ساندت أو دعت لهذه التظاهرات، غير أن قدومها إلى الجامعات الأوروبية لم يكن وفق التقويم الأوروبي، بقدر ما بدت على تماس من موعد الانتخابات البرلمانية الأوروبية، ما ترك أسئلة في غاية الحساسية.
فالعناوين للتظاهرات، والشركاء فيها، والخطاب الإعلامي الذي امتد من أميركا إلى أوروبا وصولاً إلى أستراليا، كانت محفزة لليمين المتطرف لكي يستفيد من كل هذا الصخب، فالعنوان الشرق أوسطي للمسألة، يعيد فتح أهم أوراق اليمين المتطرف، وأكثر القضايا إثارة للجدل في دول الاتحاد الأوروبي ما يدفع نحو ملامسة الانزياح المجتمعي نحو القضايا الوطنية التي بدأت تأخذ اهتماماً ملحوظاً خصوصاً ما بين أزمة التضخم التي ضربت الاتحاد الأوروبي، كواحدة من نتائج المسألة الأوكرانية، وهنا برزت قدرة اليمين المتطرف على الاستفادة من الظروف المؤاتية.
عموما كل هذا يأتي في الجانب الأول والمتداول على المستوى الإعلامي المحلي في القارة الأوروبية، وهو ما أفرز في الفترة الماضية ظاهرة الحكومات الشعبوية التي تم انتخابها في العديد من البلدان الأوروبية، لكن الجديد في الأمر هو المؤثرات الخارجية والتي كانت المسألة الأوكرانية واحدة منها، وبقيت الأزمة في خطاب أحزاب اليسار، والدعوات المنبثقة الداعية لحل المسألة الأوكرانية عبر التفاوض، ولكن الجديد القريب المتعلق بتظاهرات الجامعات، يذهب بعيداً جداً نحو ما يعيد التذكير بدور النخبة المثقفة في الثورة الفرنسية وأيضا النشاط الطلابي في ألمانيا النازية في الثلاثينيات ونشاط الطلبة الجزائريين في الجامعات الفرنسية إبان سنوات الاستقلال، ثم الأبرز من ذلك كله أحداث ربيع 1968 في فرنسا والتي تصدرها الطلبة آنذاك، ونتج عنها ظهور الحركات الاجتماعية التي كان لها بالغ الأثر في حياة الفرنسيين وبالتالي غيرت وجه فرنسا.
ثم يأتي الحراك الطلابي الأخير في الجامعات الفرنسية ليعرض على الواجهة السياسية مشكلة ليست داخلية، ليكون الأمر بمثابة صدمة أمام الساسة، وبالتالي تصبح هذه المادة ليست أمام اليمين فقط، إنما هي مادة مهمة فما الذي ستتركه وراءها من نقاشات وتصورات إذا ما حدثت قضايا مشابهة في الشرق الأوسط أو غيره.
النقطة الفاصلة في ما حدث في الجامعات الفرنسية مؤخراً هو نشاط حركة الإخوان المسلمين بشراكة يسارية واضحة، وضعت المعادلة السياسية في مأزق، فإشكالية ليست في صعود اليمين وحده، لأن هذا الصعود له محفزات إضافية.
فإلاخوان الذين بنوا مؤسساتهم وامبراطوريتهم المالية في المهجر، بات مشروعهم الخاص بهم مكشوفاً بوضوح، والذي يهدفون من خلاله على المدى البعيد "ليس إلى أسلمة أوروبا كما يرى اليمين" ولكن يريدون إحداث قطيعة بين أوروبا وبين بلدانهم في معادلة تبدو مضطربة، ليس لها ميزان سياسي عقلي أو نفعي، بمقدار ما لهم مقياس آني ولحظي، لأن فكرة بقاء الدولة الوطنية قائمة في العالم العربي يعتبرها الإخوان هي المعيق لمشروعهم الفكري والسياسي، وهنا تظهر حركة الإخوان كواحدة من الحركات الشعبوية التي تحاول اختراق عمق الثقافة الأوروبية، وتتماهى في انتهازية ظاهرة مع بعض أشكال القوانين التي تبدو سقفا يحميها مما تقوم به.
الصدمة الفرنسية في عنوانها الظاهر تبدو وكأنها تتعلق في صعود اليمين المتطرف، ولكن في جوهرها ثمة قلق من دور الإخوان المسلمين على دفع اليمين المتطرف نحو الصعود، وبالتالي كانت مقدرتهم على استغلال توقيت التظاهرات الطلابية بما يحرج الحكومات بما يعزز دور اليمين المتطرف، ما يعني أن الإخوان المسلمين باتوا لاعباً في السياسة الداخلية الأوروبية، وهذا ما لا يستطيع البوح به الساسة هناك، لأن هذا الكلام في هذا التوقيت إنما يصب في مصلحة اليمين المتطرف، والذي سيكون قد حصل على اعتراف من الحكومات الأوروبية أن قلقة من الأسلمة ومن تأثيرات المهاجرين هو حقيقي، خصوصاً أن قضايا المهاجرين أصبحت مطروحة بقوة على الجغرافيا الأوروبية إلى جانب القضايا الوطنية.
بالعوة قليلا إلى الوراء، في مشهد حرق القرآن الكريم في السويد، والذي كان له علاجه الطبيعي من خلال الدبلوماسية العربية والإسلامية، غير أن تصدر الإخوان للمشهد، تجاوزت تداعياته في السويد، نحو عموم القارة الأوروبية ما يجعلنا نسأل، هل أدركت أوروبا خطر الإخوان، وهل دخلت عهد التعبئة الصامتة في مواجهة الإخوان، وهل يدرك الأوروبيون أن في أجندة الإخوان المسلمين الخفية، ما هو أكثر من تفكيك البلدان العربية، وأن أحلامهم تصل نحو المساهمة في تفكيك الاتحاد الأوروبي.
عن "العربية. نت"