تعاون خفي بين داعش وإيران في سوريا: ما الجديد؟

تعاون خفي بين داعش وإيران في سوريا: ما الجديد؟

تعاون خفي بين داعش وإيران في سوريا: ما الجديد؟


27/07/2023

ربما، لا تعد المعلومات، التي كشف عنها المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره لندن، بخصوص وجود تحالف، خفي وغير معلن، بين داعش وإيران، أمراً جديداً أو مباغتاً. بل إنّ هذا التعاون البراغماتي بين "الولي الفقيه" وجماعات الإسلام السياسي، في نسختها السنية، وبما يتجاوز التباينات العقائدية، ظاهرياً، يؤشر إلى غلبة السياسة والمصالح المؤقتة على الاعتبارات الأيدولوجية.

تعاون خفي أم معلن؟

سبق لإيران أن غيّرت استراتيجيتها تبعاً للمواقف السياسية والبراغماتية، وقد حدث ذلك مع حكام كابل الجدد. فثمة تعاون مشترك بينهما لمحاربة داعش، راهناً، وقد كانت طالبان عدواً مباشراً لطهران لدرجة أنّ حرباً وشيكة كادت تقع بينهما، في تسعينات القرن الماضي، على خلفية تفجير القنصلية الإيرانية بمدينة مزار شريف، ومقتل 11 دبلوماسياً إيرانياً وصحفياً في أفغانستان. حساسية العلاقة بين أفغانستان وإيران ترجع إلى جملة اعتبارات جيواستراتيجية نتيجة الحدود المشتركة بينهما، وتمتد لنحو 500 ميل، فضلاً عن وجود أحزاب وحركات سنية مسلحة في الإقليم الحدودي سيستان بلوشستان، من جهة، والمكون الشيعي بأفغانستان من قومية الهزارة، وممثله السياسي "حزب الوحدة الشيعي الأفغاني"، من جهة أخرى.

فالثابت هو وجود تحالف تكتيكي بين الطرفين التي قد تباعد بينهما الأيديولوجيا. فالخبرة التاريخية والممارسات العملية، تكشف عن تنحية لكل الخلافات الظاهرية، الأمر الذي وصل إلى توفير ملاذات آمنة لقادة تنظيم القاعدة بعد عام 2001. وفي التقرير الأمريكي السنوي عن الإرهاب في العالم، الصادر نهاية عام 2021، فإنّ إيران "دعمت وكلاء ومجموعات شريكة في البحرين والعراق ولبنان وسوريا واليمن، بما في ذلك حزب الله وحماس". وتابعت: "واصل كبار قادة القاعدة الإقامة في إيران وتسهيل العمليات الإرهابية من هناك".

درويش خليفة: علاقة الحرس الثوري الإيراني مع القوى الجهادية في سوريا

ووفق مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن، هناك "تعاون وثيق بين حزب الله والحرس الثوري الإيراني وتنظيم داعش الإرهابي على الأراضي السورية". ففي نهاية عام 2022، نفذ التنظيم هجوماً على "سجن غويران" الذي يقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في مناطق الإدارة الذاتية بشمال سوريا، وتسبب في مقتل ستة من قوات الأمن.

تنحية الأيدولوجيا في سبيل السياسة

ولمّح عبد الرحمن في تصريحات خصّ بها موقع "الحرة" الأمريكي، إلى أن التعاون بين داعش وطهران يعود إلى هذه الفترة الزمنية التي يوثقها بالاعتداء على السجن الذي يحتجز فيه الآلاف من عناصر التنظيم الإرهابي، حيث كان نظام الملالي يزود فلول داعش بمعلومات استخبارية تتصل بالحملات الأمنية المشتركة بين "قسد" وقوات التحالف، الأمر الذي وصفه مدير المرصد أنّه "تعبير عن حسن نوايا" طهران تجاه داعش. وقال إنّ "الميليشيات الإيرانية كان تسهل عمليات مرور وتهريب عناصر داعش، بما فيها توفير الغطاء لبعض قادة التنظيم للتنقل بحرية من منطقة إلى أخرى داخل الأراضي السورية".

التعاون البراغماتي بين "الولي الفقيه" وجماعات الإسلام السياسي، في نسختها السنية، يؤشر إلى غلبة السياسة والمصالح المؤقتة على الاعتبارات الأيديولوجية

وفي حديثه لـ"حفريات" يوضح الكاتب والصحفي السوري، درويش خليفة، إلى أنّه، في السنوات القليلة الماضية، تكررت أقاويل عديدة بخصوص علاقة الحرس الثوري الإيراني مع القوى الجهادية في سوريا، تلك التي تدعي محاربتها لنظام "الأسد" حليف طهران في سوريا.

وهناك تقارير مصورة، منذ عام 2018 توثق "نقل أعضاء من تنظيم ما يعرف بـ"الدولة الإسلامية" (داعش)، الإرهابي، عبر الحدود اللبنانية من جرود لبنان عبر القلمون السوري إلى مدينة الميادين بالقرب من الحدود العراقية السورية"، حسبما يقول خليفة.

كما ذكرت تقارير أخرى، أنّ تشكيل داعش كان بالتنسيق مع الحكومة العراقية إبان رئاسة نوري المالكي للسلطة التنفيذية في العراق وبتنسيق كامل مع حلفائه في إيران، بحسب ما يقول الكاتب الصحفي السوري، لافتاً إلى أنّ "كل ما ذكر آنفاً، إنّما يعبر عن ضلوع النظام الإيراني وملالي طهران في تشكيل هذه التنظيمات ثم الاستفادة القصوى منها، سياسياً وإقليمياً، بل وتمويلها ونقل معلومات استخبارية مهمة وحساسة لها والإشراف عليها عبر أذرع خفية أو بالتنسيق مع شخصيات قيادية داخلها، فضلاً عن توفير ملاذات آمنة لها. فهذه التنظيمات أكثر من حاربت القوى الثورية المسلحة في سوريا منذ عام 2013، سواء من كانت القاعدة أو داعش".

بالتالي، يمكن القول إنّ الحرس الثوري الإيراني متورطاً في العمليات الإرهابية بواسطة هذه التنظيمات المسلحة والإرهابية، بحسب المصدر ذاته، وربما كانت تلك العمليات بتمويل وتخطيط منه، بشكل مباشر، لتحقيق أهدافه ومصالحه، السياسية والإقليمية.

حسن النوايا بين داعش وطهران

في العام الماضي، نفذ التنظيم الإرهابي أكثر من 200 عملية إرهابية، نجم عنها مقتل 307 شخص، منهم 58 مدنياً وطفل وامرأتان، و249 شخصاً من قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي، وفق المرصد السوري.

وتابع: "هناك تنسيق على مستويات عالية بين الميليشيات الإيرانية مع داعش، بحيث تقوم هذه الميليشيات نيابة عن الحرس الثوري بتزويد معلومات للتنظيم الإرهابي مقابل عدم اعتراض قوافل نقل وتهريب السلاح التي تجري على الأراضي السورية".

ويقول عبد الرحمن: "نفذت عناصر تنظيم داعش 100 عملية استهدفت فيها قوات التحالف وقوات سوريا الديمقراطية وقوات النظام السوري منذ بداية العام الحالي، لكنها لم تستهدف أيا من الميليشيات الإيرانية على الإطلاق، وسجلت حادثة يتوقع أنها كانت بتعامل فردي قتل فيها 6 عناصر من ميليشيات فاطميون الموالية لطهران. إيران كانت تريد من تنظيم داعش كف يدهم عن مهاجمة قوافلهم التي تعبر سوريا، خاصة تلك التي تقوم بتهريب السلاح لحزب الله. ولا تزال خلايا للتنظيم مختبئة في أماكن جبلية نائية في سوريا، تنفذ هجمات بين الحين والآخر تستهدف نقاطا للقوات الكردية وحلفائها وأخرى لقوات النظام السوري".

الكاتب السوري درويش خليفة لـ"حفريات": تكررت أقاويل بخصوص علاقة الحرس الثوري الإيراني مع القوى الجهادية في سوريا، التي تدعي محاربتها لنظام "الأسد"

ووفق الملف الأول من سلسلة التحقيقات التي يباشر المرصد الحقوقي في نشرها للكشف عن الصلات، الخفية بين طهران وداعش، فإنّ طهران اعتمدت على وساطة شيخ إحدى القبائل "له تاريخ طويل من التوسط في الصفقات بين الميليشيات الإيرانية وداعش". وقد بعث "الحرس الثوري الإيراني شيخ القبيلة برفقة قائد فرع الأمن العسكري في دير الزور من أجل مقابلة ممثل تنظيم داعش الذي يعرف باسم "أبو البراء"، حيث ناقشوا إمكانية تحقيق المصالح المتبادلة. وعرض (شيخ القبيلة) توفير الأسلحة والذخيرة وتأمين مرورهم لمناطق قوات سوريا الديمقراطية، مقابل الحد من الهجمات على قوافل الميليشيات الإيرانية".

العقل البراغماتي الإيراني

وفي اجتماع آخر، طلب ممثل داعش توفير الحرس الثوري الإيراني بمعلومات تفصيلية حول سجن غويران الذي يضم العديد من السجناء من قيادة وعناصر التنظيم، ووضعت خططاً للتعاون والحفاظ على الحوار المستمر بين الجانبين.

إذاً، نحن أمام عقل براغماتي في إيران لا يتوقف طويلاً أمام المسافة البينية التي تصنعها الحمولات الأيدولوجية. فالمرونة السياسية للنخبة الحاكمة تبدو خياراً استراتيجياً لمواجهة المتغيرات الطارئة في البيئة السياسية المعقدة، لتحقيق المصالح.

ويلفت الباحث المصري المختص بالشؤون السياسية، الدكتور مصطفى صلاح، إلى أنّ الإسلام السياسي، في نسخته السنية أو الشيعية، لا يبدو بهذا الاختلاف الجذري الذي تبعث به الناحية العقائدية التقليدية، موضحاً لـ"حفريات" أنّ "الأجندة السياسية تحفل بنقاط مشتركة عديدة، منها العداء للغرب وأمريكا وإسرائيل كما في خطابهم الدعائي، واصطفاف كل منهما على موقف واحد بخصوص فكرة محاربة "العدو القريب" والصدام مع الحكومات المحلية".

والصلات بين التنظيمات السنية المسلحة والإرهابية وقادة الحرس الثوري قديمة، وفق صلاح، لافتاً إلى أنّ القاعدة وطهران ارتبطا بعلاقات متفاوتة في فترة الصراع بالبوسنة والهرسك، ونجحت طهران بعد توفير ملاذات وحماية لقادة القاعدة على أراضيها، بعد عام 2001، أن توظف "ورقة القاعدة" سياسياً في علاقاتها بالولايات المتحدة.

وفي ما يخص داعش وإيران، لا يبدو الأمر جديداً أو مفاجئاً، وفق الباحث المصري المتحصص بالشؤون السياسية، حيث إنّ "مصلحة طهران الاستراتيجية في سوريا تقوم على تحويل الصراع إلى طائفي. كما أنّ المعلومات منذ عام 2017 تفضح وجود تسهيلات بشأن انتقال عناصر داعش من معبر البوكمال الحدودي بين العراق وسوريا، وذلك اللحظة ذاتها التي تزامنت مع سيطرة الحشد الشعبي على المنطقة الحدودية".

مواضيع ذات صلة:

كوابيس جديدة تلاحق ميليشيات إيران في سوريا.. وكيف تستغل تنظيم داعش؟

من وراء فرار الداعشيات من الهول؟.. تقارير إعلامية تكشف المستور

"داعش" و"القاعدة": إرهاب يتمدد بحثاً عن السلطة والنفوذ والذهب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية