تصعيد متبادل بين حركة النهضة والرئيس التونسي... والاحتجاجات تدخل مرحلة الخطر

تصعيد متبادل بين حركة النهضة والرئيس التونسي... والاحتجاجات تدخل مرحلة الخطر


03/02/2021

لا يُعدّ تصرف الرئيس التونسي قيس سعيد، بجولته الشعبوية أمس، خلال زيارة إلى وزارة الداخلية، مفاجئاً، فالمتابع لخطّ سير الرئيس يعلم أنه ليس من النوع الذي يُداهن أو يقبل التهديدات، خصوصاً إذا ما نالت على نحو مباشر من صلاحياته، لذا فقد كان متوقعاً أن يصدر ردّ على تهديدات حركة النهضة بتجاوز رضا الرئيس عن التعديل الوزاري الأخير.

وكان الرئيس التونسي قد اعترض على 4 وزراء في التعديل الوزاري الأخير الذي طال 11 وزيراً، ومرّره البرلمان دون عناء، وتقتضي الأعراف أن يؤدي هؤلاء الوزراء اليمين أمام الرئيس قبل مباشرة أعمالهم، وقد تمسّك الرئيس برفض استقبال 4 وزراء، وهم الذين تحوم حولهم شبهات فساد، ما يعني أنّ التعديل الوزاري يظلّ قيد "وقف التنفيذ".

 

حرص الرئيس سعيد خلال توجيهاته الخاصة للأمن على الموازنة بين مواجهة الفوضى والحرّيات، قائلاً: إنّ الدولة مستمرة، وإنّ رئيس الدولة هو الضامن لاستمراريتها

وقد حاولت حركة النهضة الإخوانية التقليل من أهمية تأدية القسم، وصرّح بعض القيادات فيها بأنّ الوزراء سيباشرون أعمالهم دونه، وكان ردّ الرئيس قد جاء أقصى ممّا يتوقعون، فعلى نحو عفوي أو مُدبّر، التف مواطنون حول الرئيس خلال جولته، يطالبونه بـ"حلّ البرلمان"، والدعوة إلى استفتاء، في مشهد ثوري حاشد.

وعملياً، لا يحقّ للرئيس التونسي حلّ البرلمان إلّا في عدة حالات؛ أولها عدم منح البرلمان الثقة للحكومة في ظروف معينة، والثاني عند استقالة ثلثي أعضاء البرلمان منه، ولا يستطيع سعيد حتى اللحظة توفير تلك الكتلة، إذ تمثل النهضة وحلفاؤها تلك الأغلبية (نحو الثلثين).

إقرأ أيضاً: حركة النهضة تهدد بتجاوز الرئيس التونسي في أزمة الوزراء الجدد... تفاصيل

ولا يمنع ذلك من أنّ المشهد الأخير الذي وقع ظهر الثلاثاء، وبثته الرئاسة عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، رجّ المشهد السياسي التونسي ليزيد قوة الزلزال الذي تشهده البلاد بالفعل، وتتزايد مخاطره بدخول فئات عدة في "إضراب عام"، لا سيّما إذا ما كان من بين هؤلاء طلبة الطب والصيدلة، في وقت تواجه فيه البلاد جائحة كورونا.

 
رئيس الجمهورية يتجول في شارع بورقيبة ويتحادث مع المواطنين و يقوم بزيارة إلى وزارة الداخلية

أدى رئيس الجمهورية قيس سعيّد بعد ظهر الثلاثاء 2 فيفري 2021 زيارة غير معلنة إلى وزارة الداخلية حيث عقد جلسة بحضور وزير الداخلية بالنيابة ورئيس الحكومة السيد هشام مشيشي ومدير عام الأمن الوطني وآمر الحرس الوطني ومدير عام وحدات التدخل وكاتب عام الوزارة، رئيس الديوان بالنيابة. وأكد رئيس الجمهورية على أن الدولة مستمرة وأن رئيس الدولة هو الضامن لاستمراريتها. وبيّن أن الدولة موجودة والحريات مضمونة وليس هناك علاقة عداء بين الأمنيين والمواطنين، كما أكد أنه لا يقبل أن يتم ضرب المؤسسة الأمنية كما لا يقبل بضرب الحريات، فلا نظام بلا حريات ولا دولة بلا أمن. وبين أن الأمن في خدمة الدولة لا في خدمة أي جهة أخرى مجددا دعمه للأمنيين وأشار في هذا السياق إلى محاولات البعض توظيف المؤسسة الأمنية واستغلال الأوضاع الحالية لفائدته، معربا عن ثقته في وعي الشعب التونسي، ومؤكدا على ضرورة تحقيق مطالبه في إطار التعايش السلمي بين السلطة والحرية، فلا وجود لأحد فوق القانون. كما تناول اللقاء مع القيادات الأمنية ضرورة توحيد العمل النقابي وذلك بإنشاء اتحاد عام لقوات الأمن الداخلي تكون له هياكل ممثلة عن طريق الانتخاب، وهو المقترح نفسه الذي كان تقدم به رئيس الدولة منذ سنة 2012. وقبل زيارته للداخلية قام رئيس الجمهورية بجولة في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، حيث التقى بعدد من المواطنين واستمع إلى مشاغلهم وانتظاراتهم، حيث عبر الكثير منهم عن ثقتهم ودعمهم المطلق لسيادة الرئيس داعين الى سرعة التحرك من أجل إنقاذ تونس من الوضع الصعب الذي تعيشه، وقد أكد رئيس الجمهورية مجددا أنه لن يترك الدولة ولا الشعب التونسي لقمة سائغة للمتربصين ببلادنا.

Posted by ‎Présidence Tunisie رئاسة الجمهورية التونسية‎ on Tuesday, February 2, 2021

ولم تصمت النهضة أمام تهديد الرئيس، غير المباشر، أو استناده إلى الجماهير كحكم محتمل أمام سيناريو "الاستفتاء"، فقد كتب أحد قيادات الحركة منشوراً متحدياً الشعبوية بالتواجد في المدن والقرى، في إشارة فسّرها البعض على أنها قد تنذر باقتتال أهلي، خصوصاً أنّ النهضة لوّحت من قبل بنزول عناصرها لمعاونة الشرطة ضدّ المحتجين.

وقال القيادي في حركة النهضة رفيق عبد السلام: إنّ البعض يُمني نفسه بحلّ البرلمان وإقامة نظام الحكم الفردي وتنسيقيات اللجان الثورية على طريقته، ويتصوّر أنّ المسألة أقرب إليه من حبل الوريد، وهو واهم متوهم.

إقرأ أيضاً: استطلاع جديد يكشف موقف التونسيين من الغنوشي وحركة النهضة الإخوانية

وأوضح عبد السلام، في تدوينة له على الفيسبوك، أنّ النظام السياسي الراهن ببرلمانه ومؤسساته ودستوره تحميه دولة وثورة وشعب... نحن هنا، عروقنا ضاربة في الأحياء والمدن والأرياف، ولا يغرّنكم بعض الضجيج والشعارات التي ترفعها تنسيقيات اللجان الشعبية.

النهضة في مأزقين

ورغم محاولات إظهار حركة النهضة تماسكها، فإنّ ذلك لا يخفي المأزق الذي تواجهه، فقد تكرّر الهتاف ضدّها وضدّ الحكومة مرّات عدة خلال المظاهرات التي انتهت بمواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن، وأسفرت عن توقيف عشرات في مؤشر على الغضب الشعبي من المؤسستين، على اعتبارهم المسؤولين الرئيسيين عن الأوضاع الاقتصادية وإدارة البلاد داخلياً.

في المقابل، فإنّ التظاهرات لم تنل من الرئيس الذي أكد خلال لقائه مع الجماهير في محيط وزارة الداخلية أنه لن يترك تونس والتونسيين لقمة سائغة في يد أحد، وأنّ القوانين موجودة لكنها لم تمرّر، في إشارة إلى تحميله مسؤولية الأوضاع للبرلمان.

يتزامن غضب الشارع في مواجهة حركة النهضة مع غضب داخلي في البرلمان، فقد حرّك الحزب الدستوري الحر لائحة جديدة لسحب الثقة من رئيس البرلمان

وحرص الرئيس خلال توجيهاته الخاصة للأمن على الموازنة بين مواجهة الفوضى والحرّيات، قائلاً، بحسب بيان الرئاسة: إنّ "الدولة مستمرّة، وإنّ رئيس الدولة هو الضامن لاستمراريتها. وبيّن أنّ الدولة موجودة والحرّيات مضمونة، وليس هناك علاقة عداء بين الأمنيين والمواطنين، وأكد أيضاً أنه لا يقبل أن يتمّ ضرب المؤسسة الأمنية، ولا يقبل بضرب الحرّيات، فلا نظام بلا حرّيات، ولا دولة بلا أمن".  

وبيّن أنّ الأمن في خدمة الدولة، لا في خدمة أيّ جهة أخرى، مجدّداً دعمه للأمنيين، وأشار في هذا السياق إلى محاولات البعض توظيف المؤسسة الأمنية واستغلال الأوضاع الحالية لفائدته، معرباً عن ثقته في وعي الشعب التونسي، ومؤكداً على ضرورة تحقيق مطالبه في إطار التعايش السلمي بين السلطة والحرّية، فلا وجود لأحد فوق القانون.

ويتزامن غضب الشارع في مواجهة "النهضة" مع غضب داخلي في البرلمان، فقد حرّك الحزب الدستوري الحر المعارض، بزعامة رئيسته عبير موسي، لائحة جديدة لسحب الثقة من رئيس البرلمان، رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي.

وقال النائب عن الكتلة الديمقراطية بدر الدين القمودي، في تصريح لـ"العربية": إنّ النواب بدؤوا يوم أمس في الإمضاء على عريضة سحب الثقة، مضيفاً أنّ كتلته تشترط الحصول على الأغلبية حتى لا يحقق الغنوشي نصراً آخر بعد سقوط لائحة سحب الثقة الأولى، لافتاً إلى أنّ بعض نواب قلب تونس أبدوا استعداداً للانخراط في هذا التحرّك.

وسبق أن أفلت الغنوشي من سحب الثقة بفارق عدّة أصوات فقط، وذلك في آب (أغسطس) الماضي.

الاحتجاجات

في غضون ذلك تتواصل المظاهرات في عدد من المدن التونسية، وتتفاقم بدخولها طور الإضراب العام، وينفّذ اليوم الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة الاستشفائيون إضراباً عاماً بمختلف المؤسسات الاستشفائية احتجاجاً على عدم تطبيق الحكومة للاتفاقية المبرمة بتاريخ 6  تشرين الأول (أكتوبر) 2020.

تتواصل المظاهرات في عدد من المدن التونسية

وتنصّ هذه الاتفاقية على مواصلة عمل اللجنة ثلاثية الأطراف التي تعمل على صياغة الإشراف المزدوج تحت إشراف وزارة الصحة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والنقابة، بالإضافة إلى تفعيل صرف منحة العودة الجامعية للأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة الاستشفائيين الجامعيين، بحسب ما أورده موقع "شمس إف إم".

...

وكانت نقابة الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة الاستشفائيون الجامعيون قد دعت، في بيان سابق، الحكومة إلى تحمّل مسؤوليتها، وإصدار الأوامر الحكومية قبل تاريخ 3 شباط (فبراير) 2021، معلنة استعدادها للتصعيد النضالي بخوض إضرابات متكرّرة بنسق تصاعدي في حالة عدم الاستجابة للمطالب المشروعة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية