تصاعد العمليات التركية شمال العراق.. هل نشهد تكرار سيناريو احتلال الشمال السوري؟

تصاعد العمليات التركية شمال العراق.. هل نشهد تكرار سيناريو احتلال الشمال السوري؟


04/05/2021

يبدو أنّ مستقبل العلاقات بين تركيا والعراق لن يكون أقل توتراً ممّا هو عليه، خصوصاً في ظل تصعيد التصريحات والمواقف التركية الاستفزازية للعراق، ما يرفع منسوب التوتر والاستياء، ويفضح الأطماع التوسعية لأردوغان في الشرق الأوسط.

وفي خطوة استفزازية جديدة، أجرى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، الأحد، زيارة تفقدية لإحدى قواعد بلاده في إقليم كردستان العراق، برفقة رئيس الأركان العامة، وقائد القوات البرية، حسبما نقلت وكالة الأناضول للأنباء.

وتأتي هذه الزيارة، عقب اجتماع مغلق لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، عُقد الجمعة الماضي، وقال فيه وزير الداخلية سليمان صويلو إنّ أنقرة ستمضي قدماً في عملياتها العسكرية بالقرب من حدودها في إقليم كردستان العراق، وفق ما ذكرته تقارير صحفية تركية.

ورداً على هذه الخطوة الاستفزازية، أعلنت وزارة الخارجية العراقية، الإثنين، استدعاء القائم بأعمال السفارة التركية لدى بغداد، احتجاجاً على دخول وزير الدفاع التركي خلوصي أكار للأراضي العراقية "دون موافقة السلطات العراقية".

 أعلنت وزارة الخارجية العراقية استدعاء القائم بأعمال السفارة التركية لدى بغداد، احتجاجاً على دخول وزير الدفاع التركي للأراضي العراقية دون موافقة السلطات العراقية

وقالت الخارجية العراقية إنّ الوكيل الأقدم لوزارة الخارجية السيد نزار الخيرالله استدعى القائم بأعمال السفارة التركية إلى مبنى الوزارة، وسلّمه مُذكّرة احتجاج عبّرت فيها الحكومة العراقية عن استيائها الشديد وإدانتها لقيام وزير الدفاع التركي خلوصی أكار بالتواجد داخل الأراضي العراقية بدون تنسيق أو موافقة مسبقة من قبل السلطات المختصة، ولقائه قوات تركية تتواجد داخل الأراضي العراقية بصورة غير مشروعة.

وكان تسجيل مصور، قد أظهر وزير الدفاع التركي برفقة رئيس الأركان العامة يشار غولر وقائد القوات البرية أوميت دوندار، السبت الماضي، وهم يزورون قاعدة عسكرية تركية في محافظة دهوك بإقليم كردستان.

وجود تركي دائم في العراق!

وأضافت الخارجية العراقية أنّه تم أيضاً إدانة "تصريحات وزير الداخلية التركي بشأن نية تركيا إنشاء قاعدة عسكرية دائمة في شمال العراق"، وذلك بعدما أكّد الوزير التركي نية بلاده تأسيس قاعدة عسكرية جديدة لها في منطقة متينا في كردستان العراق، وذلك على غرار "ما فعلناه في سوريا!"، وفق تعبير الوزير التركي.

وأعربت الحكومة العراقية عن رفضها "بشكل قاطع الخروقات المتواصلة لسيادة العراق وحرمة الأراضي والأجواء العراقية من قبل القوات العسكرية التركية".

وأكّدت الخارجية العراقية أنّ "الاستمرار بمثل هذا النهج لا ينسجم مع علاقات الصداقة وحسن الجوار والقوانين والأعراف الدولية ذات الصلة"، مشددة على "ضرورة تذكير الجارة تركيا أنّ الركون إلى الحلول العسكرية أحادية الجانب لا يمكن أن يكون السبيل الناجع لتسوية التحديات الأمنية المشتركة"، وفق بيان منشور على موقع الوزارة".

انتهاك تركي متواصل للسيادة العراقية

وهذه الخروقات التركية لسيادة العراق لا تُعدّ الأولى من نوعها، لكنّ وتيرتها قد ارتفعت بشكلٍ ملحوظ في الآونة الأخيرة؛ إذ أغار يوم أمس الإثنين سرب من الطائرات التركية، على مناطق جبلية شمال محافظة دهوك، مستهدفة مناطق وجود عناصر حزب العمال الكردستاني.

ووفق تصريحاتٍ أدلى بها مصدر أمني من قضاء العمادية لصحيفة "الشرق الأوسط"، فإنّ "طائرات حربية تركية استهدفت الساعة الواحدة بعد منتصف ليلة الإثنين قريتي كوركي وبنافي الواقعتين على سفح جبل متين، كما استهدفت قرية كافيا ومواقع أخرى على سفح جبل كارا".

قال وزير الدفاع التركي إنّ بلاده تنوي تأسيس قاعدة عسكرية جديدة لها، في منطقة متينا في كردستان العراق، وذلك على غرار "ما فعلناه في سوريا"، وفق تعبيره

ووفق شهود عيان "حلّقت طائرات حربية في سماء منطقة العمادية ليلة الأحد على الإثنين ومن ثم سُمع دوي 6 انفجارات بالقرب من قرية بنافي وكوركي، وبعد ذلك هرع السكان المدنيون في المناطق القريبة من القصف إلى ترك مراعيهم ومزارعهم وهربوا إلى مناطق قريبة من مركز قضاء العمادية خوفاً من استمرار القصف واستهدافهم".

ويقول هاشم أحمد، وهو أحد سكان العمادية "للشرق الأوسط"، إنّ "الطائرات التركية تستهدف أي وجود بشري في هذه المناطق ما يُعرّض حياة الرعاة والمزارعين للخطر، ويتسبب في مقتل عدد منهم وحرق مزارع ومراعي الفلاحين الذين لم يحصلوا على أي تعويض للأضرار المادية التي لحقت بهم".

وتُعدّ غارات أمس هي الخامسة من نوعها خلال أسبوع، حيث استهدفت الطائرات التركية مناطق حدودية في إقليم كردستان في قضاء عقرة والعمادية بسلسلة من الغارات.

حقائق وأرقام

وهذه العمليات العسكرية التركية مستمرة بالمناطق الحدودية في إقليم كردستان منذ أعوام بذريعة استهداف مواقع حزب العمال الكردستاني، لكنّ وتيرتها ارتفعت في الأعوام الـ 3 الماضية، وتسببت بمقتل ما لا يقل عن 50 مدنياً وإصابة العشرات علاوة على الأضرار المادية في المزارع والمراعي.

ووفق تقرير نشره موقع "نورديك مونيتور" السويدي، استناداً إلى سجلات أرسلتها بغداد إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تضاعفت الانتهاكات التركية ضد المجال الجوي والأراضي العراقية 3 مرات بالمتوسط اليومي منذ عام 2017.

وذكر الموقع السويدي أنّ الانتهاكات تتكرّر فيما يتعلّق بعمليات توغّل القوات التركية بالأراضي العراقية، والاحتفاظ بالقواعد، وعمليات القصف العابرة للحدود، ودخول الطائرات الحربية التركية للمجال الجوي العراقي، رغم تقدم بغداد بشكوى إلى مجلس الأمن.

اقرأ أيضاً: حزب العمال الكردستاني يكبّد تركيا خسائر بشرية كبيرة شمال العراق.. تفاصيل

وطبقاً لسجلات الموقع السويدي، انتهكت تركيا الأراضي العراقية ومجالها الجوي 3356 مرة ما بين 1 آب (أغسطس) عام 2017، و15 كانون الأول (ديسمبر) عام 2018، بمتوسط 7 انتهاكات في يومياً.

وازداد عدد الانتهاكات إلى 3.523 مرة بين 1 كانون الأول (ديسمبر) عام 2018، و4 كانون الأول (ديسمبر) عام 2019، بمتوسط يومي حوالي 10 انتهاكات.

وجرى تسجيل زيادة في الانتهاكات بين 13 تموز (يوليو) 2020، و7 كانون الثاني (يناير) الماضي عندما بلغ إجمالي الانتهاكات التركية 4068، وهو ما يساوي حوالي 23 انتهاكاً يومياً في المتوسط.

اقرأ أيضاً: لماذا لا تصفّي تركيا حساباتها خارج إقليم كردستان العراق؟

وممّا لا شك فيه أنّ الزيادة غير العادية في أعداد الحوادث التي أرسلت فيها تركيا القوات أو الطائرات الحربية إلى العراق هو مؤشر آخر على مدى اعتماد حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان على القوة الخشنة لإبراز طموحات حكومته.

هل يتكرر سيناريو احتلال شمال سوريا؟

ورغم أنّ أنقرة تُبرّر عملياتها باستهداف عناصر حزب العمال، إلّا أنّ خبراء عسكريين يؤكدون أنّ العمليات العسكرية التركية التي تستهدف مواقع عراقية بحجة القضاء على حزب العمال ليس لها أي تأثير على أرض الواقع، لأنّ قضية العمال الكردستاني لا تنتهي إلا من داخل تركيا، عبر المباحثات مع قادة الشعب الكردي.

وتعليقاً على مجمل هذه التطورات، يقول لطيف رشيد وزير الموارد المائية العراقي السابق، في حوار مع "سكاي نيوز عربية": "لا ينطلي على عاقل حديث تركيا عن حماية أمنها القومي وأمن حدودها، في سياق محاولاتها تبرير غزوها للمناطق الشمالية للعراق، لتكريس واقع جديد فيها، وإقامتها عشرات الثكنات، والقواعد العسكرية والاستخباراتية داخل إقليم كردستان العراق، وبعشيقة في محافظة نينوى، تحت ذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني".

اقرأ أيضاً: هل يشهد إقليم كردستان العراق "ربيعاً كردياً"؟

ويضيف الوزير العراقي السابق: "لو عدنا إلى الوراء قليلاً، سنجد أنّ الأتراك اتخذوا من داعش، ذريعة للتوسع أكثر فأكثر داخل أراضي العراق وإقليم كردستان، بهدف السيطرة على ولاية الموصل على وجه الخصوص، والآن بعد أعوام على دحر تنظيم داعش الإرهابي وهزيمته في العراق عسكرياً، نرى أنّ المواقع التي احتلها الجيش التركي لا يزال باقياً فيها، ولا يرفض الأتراك مناقشة الخروج منها فقط، بل هم يهددون باحتلال المزيد من المناطق كسنجار".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية