تركيا.. الدستور ساحة معركة

تركيا.. الدستور ساحة معركة


08/02/2021

حسام ميرو

تغيير الدستور التركي في عام 2017، الذي عدّل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، كان المأمول منه بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه «العدالة والتنمية» الاستفراد بالقرار السياسي التركي، وتهميش قوى المعارضة، وجعلها في أفضل الأحوال مجرد حليف في مرتبة متدنية، بامتيازات قليلة، لكن من دون أن تكون مؤثرة في رسم السياسات الكبرى، الداخلية والخارجية على حدّ سواء. 

وإذا ذهبنا خطوة أبعد من ذلك، انطلاقاً من رصد مجريات الأحداث خلال الأعوام السابقة، سنجد أن التعديل الدستوري، من الناحية العملية، منح الرئيس أردوغان القوة والإمكانات الضرورية لضرب الخصوم، ومركزة القرارات بيده، وبيد الدائرة الصغيرة المقربة منه، وتمهيد الساحة السياسية لبقاء الرئيس في منصبه لأطول فترة ممكنة.

 منذ شهرين تقريباً، تغيّرت لغة الرئيس أردوغان تجاه الاتحاد الأوروبي، متضمنة إشارات كثيرة إلى ضرورة التفاهم، وحل الخلافات، وتجاوز مرحلة سوء التفاهم، خصوصاً بعد أن أبدى الاتحاد الأوروبي موقفاً قوياً وحازماً تجاه سلوك تركيا في المتوسط، وتأجيج أزمتها مع الجارتين، اليونان وقبرص، في ملف التنقيب عن الغاز، ويبدو هذا التحول البراجماتي طبيعياً على ضوء فشل السياسات التركية في تغيير موازين القوى مع أوروبا، والأضرار الفادحة التي مني بها الاقتصاد التركي، جراء تراجع العلاقات وتأزمها بين تركيا ودول الاتحاد، خصوصاً ألمانيا وفرنسا.

 رهان أردوغان على اتباع سياسات هجومية في ملفات خارجية عديدة، مثل سوريا، وليبيا، والصراع الأرمني الأذربيجاني، والمتوسط، وغيرها، لم يثمر عن نتائج مباشرة أو استراتيجية، بل ما حصل هو على العكس من ذلك، فإذا كانت تلك السياسات لها أكثر من هدف، فإن أحد أهدافها تحويل أردوغان إلى رمز قومي، يستطيع أن يعكس هذه الرمزية المفترضة في صندوق الاقتراع، بما يسمح له بالاستمرار في الحكم، لكن الواقع الراهن يشير إلى وجود مشكلات كبرى تعيق أردوغان، بل ثمة إشارات كثيرة من قبل أحزاب وشخصيات عديدة، منها حلفاء سابقون، تفيد بإمكانية الدعوة إلى انتخابات مبكرة، من شأنها أن تنهي حكم «العدالة والتنمية»، وتطوي معه حكم أردوغان وسياساته الداخلية والخارجية.

 التصريحات الأخيرة لأردوغان حول ضرورة تغيير الدستور، أثارت جدلاً حاداً في الأوساط السياسية التركية، فقد بات معروفاً أن أردوغان يخشى فعلياً عدم قدرته على تحقيق نسبة 50+1، التي تؤهله للفوز مجدداً بمنصب الرئاسة، وبالتالي فإن ردود المعارضة التركية على تصريحاته عكست موقفها من حصيلة حكمه، ومن خياراته الراهنة، فقد اعتبرت أن الدعوة لتغيير الدستور هي «نتيجة إفلاس سياسي»، وأن الغاية من تغيير الدستور هي تعديل المادة المتعلقة بنسبة الفوز، بالإضافة إلى تضمين الدستور مواد تسهّل إغلاق الأحزاب السياسية، مثل حزب «الشعوب الديمقراطية»، وهو ما سيقود إلى حالة تفرّد أكبر في الحكم، وقد اعتبرت المعارضة أن تعديل الدستور في حال حدوثه ينبغي أن يكون في اتجاه معاكس لما يريده أردوغان، أي باتجاه استعادة نظام الحكم البرلماني، وهو ما جاء على لسان محرم أركيك نائب رئيس حزب «الشعب الديمقراطي»، أكبر أحزاب المعارضة التركية «المعارضة ستعمل على إسقاط أردوغان في الانتخابات المقبلة، وستدعو إلى تعديل الدستور أيضاً للعودة إلى نظام الحكم البرلماني بعد التغييرات التي أجراها أردوغان على مواد الدستور عام 2017، وسواءً كانت الانتخابات مبكرة أو في موعدها، فسوف نقدم نظاماً برلمانياً معززاً، وبالتالي دستوراً جديداً»

 سنوات الحكم الرئاسي في تركيا، تزامنت مع تراجع عام في مجمل المؤشرات الاقتصادية والمالية والمعيشية، في توجه معاكس للإنجازات التي كان «العدالة والتنمية» قد حققها في سنوات حكمه الأولى، والتي ساعدته في توسيع قاعدتيه الحزبية والشعبية، لكنّ هاتين القاعدتين شهدتا تراجعاً كبيراً، بعد خروج قادة بارين من الحزب، وانحسار القاعدة الشعبية نتيجة تراجع الأوضاع الاقتصادية، وزيادة معدلات التضخم، ونقص القدرة الشرائية، وأسهمت الإغلاقات المتكررة في العام الماضي نتيجة كورونا في زيادة مشكلات الاقتصاد التركي، في الوقت الذي لم تتمكن فيه البنوك من وقف تدهور قيمة العملة الوطنية، وهو ما دفع بجهات دولية إلى توقع زيادة نسبة العجز في سداد تركيا لديونها.

 وإذا كان من المبكر تخمين هوية الفائز في معركة تغيير الدستور بين أردوغان ومعارضيه، إلا أن المؤشرات الحزبية والاقتصادية تقول بأن المعارضة، مدعومة بمزاج شعبي مستاء، قد تتمكن من الدعوة لانتخابات مبكرة، وتغيير الدستور من رئاسي إلى برلماني، ما يعني الإطاحة ليس فقط بالرئيس، بل بمجمل ما مثله من سياسات على الصعد كافة.

عن "الخليج" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية