تركيا: أوهام السلاطين

تركيا: أوهام السلاطين


04/08/2020

عائشة المري

«منطق الباب العالي والدولة العليّة وفرماناتها مكانه الأرشيف التاريخي»، بهذه العبارات رد معالي الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، على البلطجة السياسية التركية، التي بدت في تهديدات وزير الدفاع التركي بحق دولة الإمارات العربية المتحدة، مؤكداً أن «التصريح الاستفزازي لوزير الدفاع التركي سقوط جديد لدبلوماسية بلاده»، ومضيفاً بأن «العلاقات لا تدار بالتهديد والوعيد، ولا مكان للأوهام الاستعمارية في هذا الزمن، والأنسب أن تتوقف تركيا عن تدخلها في الشأن العربي». 
التهديدات التركية الوقحة استدعت ردود أفعال رسمية وشعبية، إذ استنكرتها وزارة الخارجية بمملكة البحرين، مؤكدةً «تضامن مملكة البحرين مع شقيقتها دولة الإمارات العربية المتحدة، ووقوفها صفاً واحداً مع دولة الإمارات في موقفها الثابت بشأن التدخلات التركية في الشؤون الداخلية للدول»، كما أكد الدكتور مشعل بن فهم السُّلمي، رئيس البرلمان العربي تضامن البرلمان العربي مع الإمارات، ووقوفه معها ضد أي تهديدات تمس سيادتها وأمنها واستقرارها.

وتمتد الأذرع التركية في سوريا وليبيا والعراق بلا رادع، وتستحضر السياسات الأردوغانية في هذه الدول أحلام السلاطين العثمانيين لتسترجع من مقبرة التاريخ مناطق النفوذ البائد، راسمةً من خلالها سياسات واستراتيجيات الدولة التركية في العالم العربي وجواره الجغرافي، وقد تشكلت في السنوات الماضية ملامح الدور التركي العدواني في العالم العربي الداعم لجماعة «الإخوان المسلمين» على حساب الدولة القومية وللأنظمة التي تؤويها، ماضياً في محاولة وضع قواعد اقتصادية وعسكرية في بعض الدول العربية، وضارباً عرض الحائط بمصالح الدول العربية في الخليج والشرق الأوسط وأفريقيا، مستخدماً الموروث الثقافي والجغرافي لنشر النفوذ التركي تحت عباءة السلطان العثماني في الدول التي كانت ذات يوم ضمن السلطنة العثمانية. 
وفي تَمثُّل لأحلام الاستعمار العثماني، شكّل أردوغان «الجيش الانكشاري العثماني» بنسخته الحديثة من مرتزقة وإرهابيين، والجيش الانكشاري الإلكتروني من أنصار جماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية في الدول العربية.. يدافعون عن السياسات التركية أكثر من دفاعهم عن مصالح بلدانهم، وإن تعارضت مصلحة بلدانهم العربية مع المصلحة التركية كانت للمصالح التركية الأولوية لديهم. 
وثمة حاجة لتشكيل جبهة عربية لمواجهة التهديد التركي المتزايد للأمن القومي العربية، بجهود مضادة لتركيا والدول المتحالفة معها بزعامة قطر، ولمنع محاولة هذا التحالف استخدام مؤسسات العمل العربي المشترك، ولوقف التدخلات التركية في الدول العربية. ومع ذلك يغيب عن المشهد موقف عربي موحد في مواجهة قضية مصيرية كالتدخل العسكري التركي، ومحاولات أنقرة إشعال الحروب في دول عربية، وتوسيع نفوذها في ظل علاقة مشبوهة لبعض الدول العربية مع تركيا والدعم التركي القطري غير المسبوق لأفرع «الإخوان المسلمين» في الدول العربية، الأمر الذي ستصبح معه المنطقة مفتوحة على التدخلات الخارجية، سواء من تركيا أو من غيرها.

واليوم تستدعي التهديدات الهمجية لوزير الدفاع التركي وقفةً عربيةً جادةً تتجاوز حالة الصمت العربي تجاه التدخلات والتهدديات التركية، والتوصل إلى موقف سياسي يخفف من حدة الانقسام العربي عموماً، والذي استثمرته تركيا في المزيد من التدخلات العسكرية في ليبيا وسوريا والعراق، إن التهديدات التركية تستدعي تفعيل استراتيجية الردع العربية لمواجهة التدخلات الخارجية في المنطقة العربية، خاصة تلك القائمة على مغامرات استعمارية مدججة بأحقاد تاريخية، ترتكز عسكرياً على جيوش من المرتزقة، وإعلامياً على خونة وأبواق إخوانية، مما يستدعي بالضرورة تفعيل اتفاقيات الدفاع العربي المشترك. إنه بالفعل سقوط جديد للسياسة التركية، فالدبلوماسية القائمة على التهديد والعنجهية مفلسة، والأوهام السلطانية انتهت إلى مزبلة التاريخ.

عن "الاتحاد"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية