تحرر فكري أم أسلوب دعوي... لماذا يتجه الإسلاميون نحو الأدب؟

تحرر فكري أم أسلوب دعوي... لماذا يتجه الإسلاميون نحو الأدب؟

تحرر فكري أم أسلوب دعوي... لماذا يتجه الإسلاميون نحو الأدب؟


02/03/2024

تقارير وإحصاءات عديدة رصدت تزايد الإنتاج الأدبي بعد الربيع العربي خاصة من جانب الشباب، وهي ظاهرة بدأت قبل ذلك بـ (10) أعوام، لكنّها ازدادت بفعل بعض التغيرات التي صاحبت الثورة وأحدثت عدداً من التحولات، منها ما يتعلق بالوعي تجاه العديد من القضايا والأفكار، ويُعدّ جزءاً من هذه الظاهرة اتجاه عدد من الأفراد المنتمين إلى التيار الإسلامي بمكوناته الإخوانية والسلفية إلى كتابة الرواية، وهو اتجاه تزايد فيما بعد مع الصدام الذي وقع بين الإسلاميين والدولة على إثر انتهاء تجربة الإخوان في الحكم على نحو سريع؛ الأمر الذي ترتب عليه افتقاد الغالبية من مكونات التيار الإسلامي القدرة على ممارسة النشاط السياسي والدعوي كما كان في السابق، ووضع العديد من القيود عليه، ممّا أدى إلى ضعف حضورهم وتأثيرهم في المجتمع، فلجأ البعض منهم إلى ابتكار أدوات ومسارات جديدة من أجل استمرار هذا الحضور والتأثير.  

تقوم فلسفة الحركة الإسلامية على فكرتين؛ الأولى رفض الواقع، والثانية توفير البديل

والسؤال الذي نود طرحه هنا هو: هل هذا الاتجاه من جانب المنتمين إلى التيار الإسلامي يمثل نضجاً فكرياً يعكس تحولاً في نظرتهم تجاه الفنون والآداب بشكل عام، ويدل على تحرر العقل من أسر التنظيمات ومن القيود التي تضعها عليه وتحول دون قدرته على الإبداع كأثر من آثار التغيرات التي ترتبت على الربيع العربي، أم أنّ رؤيتهم للأدب تنحصر في كونه وسيلة دعوية جديدة تفرضها طبيعة المرحلة والظرف السياسي، ومتطلبات الدعوة والحضور والتأثير في المجتمع واستمرار السيطرة على الوعي؟  

الإسلاميون والإبداع

إذا نظرنا إلى الحركة الإسلامية سواء بمكونها الإخواني أو السلفي نجد أنّ طبيعة الشخصية التي يصنعها كل منهما لا تشجع على الإبداع عموماً ولا تهتم بالفنون أو الأدب؛ فعلى الرغم من أنّ البنا مؤسس جماعة الإخوان كان مهتماً بأن يمارس الإخوان بعض الفنون، وقد أسس عدداً من الفرق المسرحية في بعض الشُعب في محافظات مختلفة، وكانت هناك ممارسات لأشكال أخرى من الفنون حسب ما تناوله عضو الجماعة عصام تليمة في كتابه "حسن البنا وتجربة الفن" من أنّ الإخوان مارسوا فن النشيد والزجل، والكاريكاتير، والنكتة، وغير ذلك من الفنون، وقد كانت هذه الممارسات أحد أساليب البنا للانتشار في المجتمع والوصول إلى أكبر عدد من أفراده بغرض التأثير فيهم ونشر أفكار الجماعة واستقطاب ما يمكن منهم إلى عضويتها، إلا أنّه بعد وفاة البنا وسيطرة قيادات النظام الخاص على الجماعة سواء بشكل صريح أو خفي، أصبح اهتمام الجماعة الأكبر ينصب على بناء التنظيم والعمل على تغلغله في مفاصل المجتمع من خلال الجامعات والنقابات والمؤسسات المختلفة، وتم التركيز أكثر على تربية الأفراد وفق نمط عسكري قائم على السمع والطاعة، بهدف صناعة فرد لا يتمتع بحرية في الحركة ولا في الفكر، ينفذ فقط ما تمليه القيادة من سياسات وقرارات، وتم تنميط أفراد الجماعة وفق نمط شخصية واحد يتميز بطبيعة متناقضة مع متطلبات الإبداع الذي يحتاج إلى عقل حر وتفكير نقدي وخيال واسع، وهي أمور لم تكن متوافرة بدرجة كبيرة في زمن البنا الذي كان يسيطر على الجماعة كذلك بما له من كاريزما وتأثير ولا يعطي مساحة لحرية الأفراد في التفكير والعمل، إلا أنّ هذا الأمر ازداد بعد وفاته بصورة أكبر، أمّا التيار السلفي، فهو بطبيعته يولي اهتماماً أكبر بالعلم الشرعي دون أيّ فرع من فروع المعرفة الأخرى، فضلاً عن الفنون والآداب التي يراها مضيعة للوقت، وبالتالي لم يكن هناك تشجيع على ممارسة نوع من الفنون أو ممارسة الكتابة الأدبية، وكان الاهتمام ينصبّ على تعلم العلم الشرعي وممارسة الدعوة بأساليب التيار السلفي التقليدية.

الأدب الإسلامي كبديل

تقوم فلسفة الحركة الإسلامية على فكرتين؛ الأولى رفض الواقع، والثانية توفير البديل، حيث إنّ هذه الحركة ترى أنّ واقع المجتمعات قد ابتعد عن الإسلام بشكل كبير، ليس في التشريع أو القانون فحسب ولكن في كل أفكاره وتصوراته، وبالتالي لا بدّ من العمل على استعادة الإسلام ليكون هو الحاكم للمجتمع في القانون والاجتماع والسياسة والاقتصاد... إلخ، ومن هنا تعمل الحركات الإسلامية بكلّ مكوناتها، كلّ حركة منها حسب تصورها وفهمها للإسلام، على توفير البديل الإسلامي لكل شيء، فتسعى إلى إيجاد الأدب الإسلامي والنشيد الإسلامي والبنوك الإسلامية والحكومة الإسلامية... إلخ.

وبدأت هذه الفكرة من عند حسن البنا الذي عبّر في كتاباته عن مسـألة بُعد المجتمع عن الإسلام وضرورة العودة إليه مرة أخرى، ومن هنا كانت محاولاته في إنشاء فرق فنية تمارس التمثيل والغناء وغيرها من الفنون، كبديل "إسلامي" يحمل القيم والأفكار المنطلقة من الإسلام، وقد ظهرت الفكرة عند سيد قطب بشكل أكثر وضوحاً فيما بعد، عندما أعلن في كتابه (معالم في الطريق) أنّ الأمة المسلمة التي تتمثل في مجموعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم من المنهج الإسلامي قد انقطع وجودها منذ قرون طويلة، وأنّه لا بدّ من إعادة وجودها مرة أخرى، وقد وضع قطب مفهوم "الجاهلية" كتعبير عن ابتعاد المجتمعات عن الإسلام، ومفهوم "الحاكمية" كتعبير عن ضرورة إعادة الإسلام ليحكم مرة أخرى، حيث يرى أنّه مفهوم لا ينحصر فقط في تلقي الشرائع القانونية من الله وحده، والتحاكم إليها وحدها، وأنّ مدلول الشريعة لا ينحصر في التشريعات القانونية ولا في أصول الحكم ونظامه، ولكنّه يرى أنّ الشريعة لها مدلول واسع يعني كل ما شرعه الله لتنظيم الحياة، ويتمثل في أصول الاعتقاد، وأصول الحكم، وأصول الأخلاق، وأصول السلوك، وأصول المعرفة، ومن هنا يرى قطب أنّ الإسلام يتضمن تصوراً للحياة والكون والإنسان، وأنّه لا بدّ من الأخذ بهذا التصور ورفض كل الأفكار البشرية التي تتضمن تصوراً مغايراً، ومثلت هذه الفكرة أساس فكرة "الأدب الإسلامي" فيما بعد.

وتناول محمد قطب في كتابه (منهج الفن الإسلامي) قضية الفن والأدب بشكل خاص، وأكد على ضرورة أن يكون معبراً عن التصور الإسلامي، لأنّ الفن من وجهة نظره يجب أن يرسم صورة الوجود من زاوية التصور الإسلامي لهذا الوجود، وهو يرى أنّ الفن تعبير جميل عن الكون والحياة والإنسان من خلال تصور الإسلام عنهم، ويقول في كتابه: "الفن رؤية للواقع من خلال ذلك الانفعال الذاتي الخاص بالأشياء والأشخاص والأحداث، وتفسير لهذا الواقع في ذلك الضوء الخاص، والفن الإسلامي ينبغي أن يصدر عن فنان مسلم، عن إنسان يتلقى الحياة كلها من خلال التصور الإسلامي، وينفعل بها ويعانيها من خلال هذا التصور، ثم يقص علينا هذه التجربة الخاصة التي عاناها، في صورة جميلة موحية، وهذا هو الذي لم يتيسر من قبل في الأدب العربي"، ويرى تبعاً لذلك أنّ "الأمر بحاجة إلى مسلمين فنانين، يعيشون الإسلام في حسهم حقيقة واقعة، ويتلقون الحياة كلها بحس إسلامي ومن خلال التصور الإسلامي".

كان لهذه الرؤى تأثير على الحركة الإسلامية ظهر صداها في ثمانينات القرن الـ (20) عندما عمل عدد من الشخصيات المنتمية إلى بعض التنظيمات والتيارات الإسلامية من دول مختلفة من المتخصصين في الأدب وغيرهم على إنشاء "رابطة الأدب الإسلامي" ككيان معبر عن الظاهرة، وبهدف إيجاد البديل الإسلامي للأدب ليشغل جزءاً من المساحة التي يرى أصحاب هذا الاتجاه أنّه تسيطر عليها الأفكار الغربية البعيدة عن الإسلام، ويوضح هذ الهدف أحد أعضاء تلك الرابطة الدكتور محمد عادل الهاشمي، وهو أحد أعضاء جماعة الإخوان في سوريا، في كتابه (في الأدب الإسلامي... تجارب ومواقف)، حيث يقول: "منذ (3) عقود وأنا أذرع المصادر الشعرية والروائية بحثاً عن الكلمة المتأدبة المؤمنة، يجلوها لنا الأديب المسلم، في عصرنا القلق الذي اختلطت فيه الأفكار، من خلال التصور الإسلامي للوجود والحياة"، كما يوضح أهمية توفير "البديل الإسلامي" في الأدب فيقول: "من الواضح لكل دارس للأدب أننا كنا في القرن الماضي، وما نزال في جلّ عقود هذا القرن، نعيش على قيم الأدب الأوروبية ومذاهبها الأدبية...، وقد ابتعد أدبنا عن الدين الإسلامي والأخلاق الإسلامية، ممّا كان له أسوأ الأثر في تربية أجيالنا الجديدة، هنا جدّت الحاجة إلى أن يكون لنا أدب متميز أصيل، يستمد وجوده من التصور الإسلامي للحقيقة الإلهية وللكون والحياة والإنسان"، ويرى أنّ من الأهداف التي يسعى إليها أصحاب الاتجاه الإسلامي في الأدب "تجنيب الأدب المعاصر مزالق التغريب الأوروبي، وتأصيل الكلمة المتأدبة، وإرساء عامل الوحدة بين الأقطار العربية والإسلامية"، كما يرى نجيب الكيلاني، وهو أحد أعضاء جماعة الإخوان في مصر وأحد أبرز الروائيين الإسلاميين، أنّ الفن والدين يتشابهان في المضمون، فكلاهما يعبّر عن الحياة والنفس الإنسانية، كما يتشابهان في الغاية وهي سعادة الإنسان وبناء مجتمع أفضل، ولذلك يرى أنّ الفن والأدب لا بدّ أن ينطلقا من رؤية إسلامية، ويقول في كتابه (الإسلامية والمذاهب الأدبية): "لا بدّ للفن إذن من مضمون، ودعامة هذا المضمون أفكار وفلسفات مستمدة من واقع البشر الذي يتطابق حتماً مع واقعية الدين النظيف، المبرأ من الشوائب وهوى المفكرين المنحرفين".

من هنا يمكننا القول: إنّ "الأدب الإسلامي" كمفهوم وظاهرة يمثل جزءاً من رؤية الحركة الإسلامية للعالم، ومن مشروع ينطلق من رفض الواقع وما فيه من أفكار وثقافات وأنظمة لا تتوافق مع الإسلام، ويسعى إلى تغييره من خلال إيجاد البديل الإسلامي، وإنشاء واقع جديد يقوم على التصور الإسلامي حسب فهم الحركة له. 

الإسلاميون والأدب بعد الثورة

ساهم عدد من المتغيرات بعد الثورة في تزايد الإقبال على الرواية تأليفاً وقراءة، منها زيادة عدد الدُور التي دخلت مجال النشر بعد الثورة، وزيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي وفرت مساحة للتعبير عن الرأي ومنحت الفرصة للكثيرين في تعريف الجمهور بهم، ممّا ساعدهم فيما بعد على نقل تجربتهم في الكتابة في صورة كتاب مطبوع، وربّما كان للمناخ السياسي الذي نتج عن الصراع بين الإسلاميين والدولة دور في رغبة الكثيرين من هواة القراءة في الاتجاه نحو قراءة الرواية كنوع من التخفف من ثقل متابعة القضايا الفكرية والسياسية.

وكان الإسلاميون أيضاً جزءاً من هذه الظاهرة، فهناك العديد من المنتمين للتيار الإسلامي دخلوا مجال الكتابة الأدبية في الأعوام الأخيرة، والبعض منهم أصبح له جمهور كبير خاصة من الشباب، وإن كان الأمر هنا يتميز بسمات خاصة تجعله متميزاً عن الظاهرة بشكل عام؛ فقد كان لسقوط الإخوان من الحكم، والصراع الذي نشأ على إثره بين عدد من التنظيمات الإسلامية وبين الدولة، وتحجيم العديد من الأنشطة التقليدية التي تمارسها التنظيمات والتيارات الإسلامية الأخرى حتى ممّن لم يدخلوا في صدام مباشر مع الدولة؛ كان لهذا دور في وضع العديد من القيود أمام هذه التنظيمات للانتشار والحضور والتأثير في المجتمع، فكان الأدب هو البوابة التي ما تزال مفتوحة للدخول منها والعمل من خلالها لضمان البقاء واستمرار الحضور، فالأدب بطبيعته يتيح للكاتب الفرصة والمساحة للتعبير وبث الأفكار بشكل غير مباشر على العكس من أنواع الكتابة الأخرى، فربما من وجهة نظرنا كان هذا الاتجاه المتزايد نحو الرواية بعد الثورة يهدف إلى عدة أهداف؛ منها العمل على نشر الأفكار التي يحملها أعضاء تلك التنظيمات، وإيجاد البديل للأفكار الأخرى المخالفة من وجهة نظرهم للفكرة الإسلامية، وأيضاً لضمان الاستمرار والحضور والتأثير وإن بشكل غير مباشر، لكنّه في النهاية يجعل التيار الإسلامي وأفكاره حاضرة في الوعي، ومن الأهداف أيضاً توفير قاعدة شعبية من القراء والمتأثرين بالطرح الخاص بهذا التيار الذي سوف يمثل فيما بعد رافداً له إذا ما تغير الظرف السياسي في أيّ وقت ولأيّ سبب.

ويمكننا الاستشهاد بكلام لأحد المنتمين لجماعة الإخوان في مصر، والذي صدر له عدد من الروايات المنشورة في الأعوام الأخيرة، فقد كتب على موقع (فيس بوك) منشوراً تحت عنوان "تَسَلّل، زاحم" يوضح فيه بعضاً من هذه الأهداف، نذكر أجزاءً منه هنا، يقول: "موهوبون كثيرون ضاعت أعمارهم للأسف في انتظار مكتشف من أهل الضمير يملك الدعم والمال ليعينهم على مزاحمة الأشقياء من أرباب الإبداع المشوه والفنون الرخيصة، وليقنعوا قطاعات الطيبين من أهل المروءة والدين وأنصار الحرية المحضة، أنّ منصات الفن والكتابة والإبداع أولى عشرات المرات من منابر الزعيق والصياح وتكرار المكرر عن المكروه والمباح (يقصد قنوات الإخوان بالخارج)... وأمام هؤلاء حل بديل، هو التسلل إلى عالم الإبداع من أبواب خلفية عبر منافذ الأنظمة ومنظوماتهم المتاحة ومصالحهم الحكومية ومعاهدهم التعليمية... إنّ لوبي الشركات التجارية التي تحلِب العالم وتذبح الضمير الإنساني وتطارد الفطرة، تحتاج مواجهة أعمق مكراً وأكثر حذراً وأطول نفساً وأكثر انتشاراً من الحاصل الآن... إنّ تلك الأنظمة الداخلية في إقليمنا المنكود، والتي تقوم معظمها بدور الخفراء الحارسين لمصالح تلك الشركات، يحتاجون نوعاً جديداً من العمل المضاد لخفضٍ، ولو قليل، لشرورهم، وإيقافٍ، ولو بطيء، لانتشار سمومهم... تسلل زاحم هذه هي القاعدة الأساسية لصناعة أفراد من كل التيارات التي تريد أن تنزع البساط على المدى البعيد من تحت أقدام الطاغوت، والوصول تدريجيّاً إلى أحواض كبار المجرمين لتعكير صفوها... تسلل زاحم، إنّه شيء شبيه بالذئاب المنفردة، إلا أنّهم لن يتحزموا بالنواسف ولن يقتلوا أنفسهم ولن يهلكوا أبرياء، بل هم استشهاديون من نوع خاص للغاية، استشهاديون يتحزمون برسائل إنسانية عامة يكون جلّ سعيها للخير والحق والجمال، يباشرونها على المدى البعيد بشكل شخصي منفرد خفي هادئ مزاحم متسلل وسط أروقة الكبار، ويوالونها بالري والتسميد حتى ترمي ثماراً وتفرد ظلالاً... مفكرون، أدباء، نقاد، ممثلون، موسيقيون، تشكيليون، كتاب سيناريو، مخرجون، منتجون، ناشرون، مصممون، وكل سكة من هذه السكك بها عشرات التخصصات، وكل هذه السكك مفتوحة أو على الأقل مواربة، يمكن التسلل إليها بعيداً عن مقاعد السياسة، وتعقيدات التنظيمات، وبعيداً عن عيون خفراء الدرك التابعين للأنظمة، وستدور الأيام ويبحث عنك الطيبون؛ فتقول ها أنا ذا".

ملاحظات حول الظاهرة

هناك العديد من الملاحظات التي يمكن كتابتها حول ظاهرة "الأدب الإسلامي"، سواء في سياق نشأتها منذ البداية أو مع تزايدها بعد الثورة، منها أنّ الرواية تمثل في نظر الإسلاميين مجرد وسيلة من وسائل الدعوة أكثر من كونها نوعاً من الفن الذي يعبّر عن الواقع وتعكس ممارسته إيماناً بحرية الفكر والإبداع بشكل عام، فهو وسيلة يمكن اللجوء إليها في فترات التضييق الذي تعانيه التنظيمات كبديل للأنشطة الدعوية التقليدية الأخرى لنشر القيم والأفكار الإسلامية، ولذلك نجد من خلال أدبيات المتخصصين في الأدب الإسلامي رفضهم للأدب الذي يصدر عن فكر أو ثقافة أو إيديولوجيا لا تمثل الإسلام من وجهة نظرهم، وتأكيدهم على ضرورة أن يصدر العمل الأدبي نتاجاً للتصور الإسلامي عن الكون والحياة والإنسان، وهذا يعكس أزمة "الأدب الإسلامي" الذي لا يسعى أصحابه ليكون نمطاً معبراً عن فكر معين، ولكن ليكون هو النمط الوحيد الصحيح، وهي أزمة التنظيمات الإسلامية بشكل عام، والمتمثلة في الاعتقاد بامتلاك الحق المطلق ورفض أيّ توجه أو فكر آخر وعدم قبول التعدد والاختلاف، والسعي لإقامة نموذج في السياسة والثقافة والاجتماع والاقتصاد ليكون بديلاً عمّا هو قائم من نماذج أخرى، فمن الطبيعي أنّ كل نمط من أنماط الكتابة، بما فيها الكتابة الأدبية، يعكس فكر ورؤية صاحبه، لكنّ المشكلة تكمن عند أصحاب الاتجاه الإسلامي في الأدب في القناعة بأنّ فكرهم هو الصحيح المعبّر عن الإسلام، وأنّ أيّ فكر آخر هو فكر جاهلي، وبالتالي نحن هنا أمام نوع من أنواع التطرف الفكري يمثل سيفاً على رقبة الإبداع بشكل عام، كذلك فإنّ مفهوم الأدب الإسلامي لدى بعض منظّريه مثل نجيب الكيلاني الذي يتحدث عن ضرورة أن يعبّر الأدب والفن عن جوانب الخير في المجتمع ويدعو إليها، يتناقض مع مفهوم الفن الذي هو تعبير عن المجتمع بكل ما فيه من تناقضات، وهذه الرؤية للفن والأدب تجعله بعيداً عن الواقع، كما تجعل منه مجرد وسيلة دعوية كأنّها خطبة أو محاضرة دينية، ولذلك نجد عدداً من الروايات التي يكتبها إسلاميون أشبه بطريقة الوعظ منها إلى الأدب، وهذا لا يعني العكس، وهو أن يرسخ الفن والأدب القيم السلبية في المجتمع.

ومن الملاحظات أيضاً أنّ هذه الظاهرة في رأيي لا تعبّر عن توجه مؤسسي من تلك التنظيمات، سواء في السابق أو في الوقت الحالي، وإنّما تعبّر عن توجه فردي من بعض المنتمين للتنظيمات من الذين يرون في أنفسهم موهبة أو قدرة على الكتابة الأدبية ويؤمنون بأهميتها لتحقيق الأهداف التي ذكرناها، وهي ظاهرة مصاحبة لظاهرة أخرى تتم بشكل فردي أيضاً، وهي اتجاه العديد من أفراد التنظيمات لدراسة بعض فروع العلوم الإنسانية لأهداف مشابهة، أيضاً فإنّ هذا المسار الذي يتخذه الكتاب المنتمون إلى التيار الإسلامي يلفت الانتباه إلى ضرورة الاشتباك الفكري مع أفكار التنظيمات، وأنّ الإجراءات الأمنية ليست سوى وسيلة ربما تساهم في تغييب التنظيمات عن المشهد، لكنّه غياب مؤقت لا يمنع استمرار تأثيرها بصور مختلفة، ولا يحول دون إمكانية عودتها بعد أعوام.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية