
تتزايد القرائن التي تثبت زيادة تقبل حركة "طالبان" لوجود الجماعات الإرهابية في فنائها الخلفي، وذلك على الرغم من تعهداتها السابقة بفرض قيود صارمة على وجود مثل هذه الجماعات، وذلك بعد 3 أعوام على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
آخر هذه الدلائل، ما أعلنه زعيم مقاومة أفغاني يزور واشنطن الأسبوع الحالي بأن تنظيم "القاعدة" أقام تسعة معسكرات إرهابية جديدة في أفغانستان في عام 2024، وقال إن "هذه المعسكرات هي مراكز تدريب وتجنيد، وقد سمحت حركة طالبان لتنظيم القاعدة ببناء قواعد ومستودعات ذخيرة في قلب وادي بانشير، وهو أمر غير مسبوق؛ إذ كان من المستحيل لـ(القاعدة) تحقيقه حتى في حقبة التسعينيات"، وذلك وفقا لتقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية الأحد.
ومنذ سقوط أفغانستان في يد حركة "طالبان" في آب (أغسطس) 2021، قبل الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من البلاد، تفجّرت الجماعات الإرهابية، بما في ذلك تنظيم "القاعدة"، وفرع تنظيم "داعش في خراسان"، وحركة "طالبان الباكستانية"، والحركة المتطرفة في أوزبكستان، من حيث الحجم ونطاق عملها.
وقد أكد علي ميسام ناظري، وهو كبير الدبلوماسيين في جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية، التي تتخذ من وادي بانشير، شمال كابل، مقراً لها أن " حدود البلاد غير الخاضعة للحراسة سمحت للمقاتلين الأجانب من الدول العربية، والجيران من وسط آسيا، وأوروبا، بالتدفق إلى أفغانستان، ويشير ناظري إلى أن هناك 21 جماعة إرهابية معروفة باتت تعمل الآن داخل البلاد".
سوق سوداء للأسلحة
وتابع ناظري قائلاً إن "البلاد أصبحت بمثابة سوق سوداء مفتوحة للأسلحة المتبقية، والتي عادةً ما يكون الكثير منها أمريكية"، وقال ليفرمور: "تعاني حركة (طالبان) المشكلة نفسها التي واجهناها على مدى 20 عاماً؛ إذ إنه من الممكن السيطرة على المركز، أو السيطرة على الطريق الدائرية، إلى حد ما، ولكن بمجرد أن تبدأ في النظر من هناك إلى الخارج، خصوصاً في الاتجاه الشرقي من البلاد، وبعض تلك التضاريس الوعرة هناك، فإنك ستجد أن هذا هو المكان الذي تمكنوا فيه (تنظيم داعش) من إقامة قاعدة عمليات قوية للغاية".
وصف ناظري العلاقة بين حركة "طالبان" والجماعات الإرهابية في كابل بأنها "صلبة"
ووصف ناظري العلاقة بين حركة "طالبان" والجماعات الإرهابية في كابل بأنها "صلبة"، مشيراً إلى أن الحركة حتى قدمت جوازات سفر للمقاتلين الإرهابيين الأجانب للسماح لهم بدخول البلاد.
في الأثناء، يشكك مسؤولو الاستخبارات الأمريكية، بشكل علني على الأقل، في مدى إمكانية أن تصبح أفغانستان قاعدة انطلاق للإرهاب، وكان نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، ديفيد كوهين، قد صرَّح في مؤتمر في ميريلاندبأن الوكالة لا تزال على اتصال بحركة "طالبان" في محاولة لوقف الأنشطة الإرهابية، بحسب صحيفة "الشرق الأوسط".
وقال إن "الاستخبارات الأميركية تمكنت من تحذير السلطات النمساوية من تهديد تنظيم (داعش) ضد حفل المغنية الأميركية تايلور سويفت الذي كان من المقرر إقامته في العاصمة النمساوية، فيينا، في شهر آب (أغسطس) الماضي".
طالبان لم تتخلى عن القاعدة
هذا ويشير الباحث في شؤون الحركات المتطرفة، منير أديب، إلى أن حركة طالبان لم تتخلى عن "تنظيم القاعدة" يوما واحدا وكانت ومازالت "داعم أساسي" للتنظيم منذ أكثر من 20 عاما.
ومنذ عودتها للسلطة مرة أخرى، "تسهل طالبان توسع تنظيم القاعدة بالأراضي الأفغانية، وتوفر "غطاء" للتنظيم، وتدافع عنه داخل أفغانستان، وبذلك استطاعت القاعدة تدشين معسكرات جديدة داخل البلاد، وفق حديثه لموقع "الحرة".
كما تحدث، بحسب ما نقل موقع "الحرة"، عن "علاقة حميمية" بين طالبان والقاعدة، و"تنامي" لوجود التنظيم على الأراضي الأفغانية، في ظل "حالة من التسامح وتسهيل تحرك عناصر وقادة التنظيم".
سمحت حركة طالبان لتنظيم القاعدة ببناء قواعد ومستودعات ذخيرة في قلب وادي بانشير وهو أمر غير مسبوق
ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة الذي صدر عن فريق الدعم التحليلي ورصد الإرهاب خلال كانون الثاني (يناير) الماضي، فإن "القاعدة" في أفغانستان أنشأت عدداً من المعسكرات للتدريب ولديها مستودعات للأسلحة، إذ جاء في هذا التقرير أن العلاقة بين "طالبان" و"القاعدة" لا تزال وثيقة وأن التنظيم يتمتع بحرية العمل في أفغانستان من خلال إنشاء ثمانية مراكز عسكرية في أجزاء مختلفة من أفغانستان ومنها في غزني وبروان ولغمان وأرزغان ومستودع للأسلحة في بنجشير.
وتعتقد "الأمم المتحدة" أن تنظيم القاعدة لديه معسكرات تدريب في 10 مقاطعات على الأقل من مقاطعات أفغانستان البالغ عددها 34 مقاطعة، رغم نفي طالبان العلني وجود التنظيم في البلاد.
كيف عثر تنظيم القاعدة على موطئ قدم جديد في أفغانستان
هذا ويرى أحمد ضياء سراج، الذي تولى إدارة عمليات الاستخبارات في أفغانستان بصفته رئيسًا للمديرية الوطنية للأمن حتى سقوط كابول في آب/ أغسطس 2021، أن طالبان استوعبت ما تبقى من تنظيم القاعدة في تحالف بحكم الأمر الواقع، حيث يشارك زعماء المجموعتين بانتظام في محادثات في العاصمة.
في الفترة بين عامي 2017 و2018، قاد ضياء سراج حملة قمع ضد عناصر تنظيم القاعدة، حيث تم اعتقال أكثر من 400 منهم. وخلال الاستجوابات، كما يقول، وصف هؤلاء الأسرى مؤامرات مستمرة لاستهداف الغرب، والتي دبرها مئات القادة والمقاتلين الذين ما زالوا مختبئين.
يقول ضياء سراج، الأستاذ الزائر في قسم دراسات الحرب في كلية كينجز لندن، لصحيفة الإندبندنت: “بعد فترة وجيزة من استيلاء طالبان على كل شيء، أحضر أعضاء القاعدة عائلاتهم إلى داخل أفغانستان”.
حركة طالبان لم تتخلى عن "تنظيم القاعدة" يوما واحدا وكانت ومازالت داعم أساسي للتنظيم
“وكان المثال الأكبر هو الظواهري عندما كان في كابول. وقد سمعت أن العديد منهم أعادوا عائلاتهم [إلى أفغانستان]. ولماذا لا؟ هذا هو المكان الأكثر أمانًا لهم على هذا الكوكب. إنهم ليسوا مجرد مجموعات إرهابية، بل لديهم عائلات مرتبطة ببعضها البعض”.
منذ استيلائها على السلطة في أفغانستان في 15 أغسطس 2021، لم تتحرك حركة طالبان فقط للقضاء على حقوق المرأة وإمكانية الوصول إلى المدارس وأماكن العمل، بل خفضت أيضًا من مستوى توفر التعليم الرسمي بشكل عام، مما ترك مئات الآلاف من الأطفال والشباب عرضة للتجنيد في الجماعات المتطرفة. وفي الوقت نفسه، تغمر البلاد الأسلحة، وهي بقايا حرب استمرت عقدين من الزمن.
القاعدة يتوسع بجهود سرية
إلى ذلك، كشف تقرير نشره موقع long war journal أن التنظيم يواصل توسيع أنشطته في أفغانستان من خلال تشييد معسكرات تدريبية والسيطرة على مدارس دينية، بعد مرور أكثر من سنة ونصف على مقتل زعيم تنظيم القاعدة السابق أيمن الظواهري،
كما أكدت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة في تقرير سابق، إن التهديد الذي يشكله تنظيما القاعدة وداعش والجماعات التابعة لهما "لا يزال مرتفعاً" في مناطق الصراع في أفغانستان والقارة الإفريقية، كما ارتفعت مستويات التهديد في بعض المناطق ومن بينها أوروبا، مشيرة إلى أن العلاقة بين حكام حركة طالبان الأفغانية وتنظيم القاعدة لا تزال "وثيقة".
وقالت اللجنة: "على الرغم من عدم استرداد أي من الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة القدرة على شن عمليات في مناطق بعيدة، فإن لديها طموحات عالمية، وتم الحصول على معلومات تفيد بجهود سرية لإعادة بناء القدرات العسكرية لديها".
وقد انفصل تنظيم داعش عن القاعدة منذ أكثر من عقد، واجتذب مؤيدين من جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من هزيمته في العراق عام 2017 وفي سوريا بعد ذلك بعامين، قالت اللجنة إن القوة المشتركة لتنظيم داعش في البلدين لا تزال تتراوح بين 3000 و5000 مقاتل.