تاريخية العلاقة بين البارزاني وإيران.. كيف تعاطى الزعيم الكردي مع متغيرات التاريخ؟

إيران

تاريخية العلاقة بين البارزاني وإيران.. كيف تعاطى الزعيم الكردي مع متغيرات التاريخ؟


13/02/2019

لم يغادر الزعيم الكردي الراحل، ملا مصطفى بارزاني (1903-1979)، قريته بارزان في كردستان العراق، كي يشارك في تأسيس أول جمهوريّة كرديّة في محافظة مهاباد بكردستان إيران، ترفاً أو سعياً وراء خوض المغامرات وركوب الأهوال؛ بل بهدف تحقيق الحلم الكردي في دولة مستقلة، ولو على مساحة محافظة من محافظات ومدن "الوطن الكردستاني"، المقسّم بين أربع دول (تركيا، العراق، إيران، وسوريا).

اقرأ أيضاً: الأكراد والثورة الإيرانية.. مسلسل بلا نهاية من المآسي

كان ذلك عام 1946؛ بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ومغادرة الإنجليز والفرنسيين منطقة الشرق الأوسط، وتحوّل مناطق تقاسم النفوذ بين هاتين الدولتين إلى دول لشعوب المنطقة، وإبقاء الكرد على أرضهم وجبالهم وسهولهم منذ آلاف السنين، من دون دولة، ولو على ألف كيلو متراً مربّعاً!

فـ "الظلم والإجحاف والغبن الدولي – التاريخي" التي لحقت بالكرد، حاول بارزاني الأب إزالتها وتغييرها، عبر المشاركة في تأسيس جمهوريّة كردستان في مهاباد، ولم ينجح وقتذاك، نظراً إلى الظروف الدولية وانقلاب ستالين على الكرد.

14 تموز 1958

عد زوال النظام الملكي، ومجيء عبد الكريم قاسم (1914-1963)، في 14 تموز (يوليو) 1958، عهداً جديداً إذ حاول بارزاني الأب أن يعطي فرصة لحكّام العراق الجدد. وأيّد الثورة، وساندها، ووافق على الدعوة التي وجهها له عبد الكريم قاسم، بالعودة من الاتحاد السوفييتي السابق إلى العراق، وتم إسكانه في قصر نوري السعيد، وصرف راتب وزير للجنرال ملا مصطفى بارزاني.

حاول بارزاني الأب إزالة الظلم الدولي الذي لحق بالكرد عبر المشاركة في تأسيس جمهوريّة كردستان في مهاباد

وفي هذا السياق، يقول الصحفي الكردي، هوشنك أوسي، لـ "حفريات": إنّ "الهمّ لم يكن في القصور والمناصب ومتاع الدنيا، بل الحريّة وحقوق الشعب الكردي"، مبيناً أنه "بعد أن لمس من بغداد التسويف والمناورة والمماطلة في الالتزام بالوعود وإقرار حقوق الكرد القوميّة، طبقاً لما ورد في الدستور المؤقت حينئذ؛ طالب بارزاني وحزبه بإلغاء الأحكام العرفيّة الاستثنائية، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، والتوقّف عن التدخّل في الحياة المدنية والنقابية والسياسية، والبدء في الانتقال إلى بناء الدولة الوطنية وإجراء الانتخابات"، وحاول الحزب الديموقراطي الكردستاني الضغط على نظام عبدالكريم قاسم، وأعلن إضرابه السياسي الشهير، في كردستان، في أيلول (سبتمبر) 1961.

 

ثورة الكرد الأولى على بغداد

ويتابع أوسي: "بغداد سعت إلى إنهاء الإضراب بقوة سلاح الشرطة والجيش والطائرات الحربيّة، وحرّكت قطعات كبيرة من الجيش باتجاه كردستان، بهدف حسم الأمور الدستورية والسياسية، والإطاحة بالمطالب الكردية عبر استخدام القوة العسكرية، وغلق كلّ الأبواب أمام القيادة الكردية"، مشيراً إلى أنّه "لم يبقَ أمام الكرد سوى خيار المقاومة والدفاع عن النفس، وهكذا بدأت المعارك في 11 أيلول (سبتمبر) 1961، وانكسر الهجوم العسكري العراقي، وحدثت انعطافة تاريخية ودموية في العلاقة بين الكرد وبغداد، لم يكن الكرد مسؤولين عنها".

اقرأ أيضاً: كيف تدير واشنطن حساباتها في شرقي الفرات بين النظام السوري وتركيا والأكراد؟

وتابع الباحث الكردي قوله: "ومن هنا، يمكن فهم مغادرة بارزاني الأب قصور بغداد، ولجوئه إلى كهوف ووديان جباله، وأعلن الثورة على النظام العراقي في 11 أيلول (سبتمبر) 1961؛ فكانت ثورة الكرد الأولى على بغداد".

صدام حسين ومصطفى بارزاني

التفاوض مع القوميين العرب في العراق

وبعد تولّي الرئيس العراقي، عبد السلام عارف، (وهو قومي عروبي) الحكم؛ اتفق مع عدد من القادة الكرد (سياسيين وعسكريين)، ومن ضمنهم البارزاني، على حلّ شامل للقضية الكردية؛ حيث أعلن اتفاق نيسان (أبريل) عام 1964، والذي تضمن منح الكرد الحقوق الثقافية والإسهام في الحكم وبعض الحقوق الأخرى، ويعزو الباحث هاشم الجاف عدم ديمومة ذلك إلى "التيار القومي العربي الذي تمكن من التسلل إلى السلطة، ونسف كل ما اتفق عليه، فاستمرت الدولة بإجراءاتها القمعية للشعب الكردي، فتجدد النزاع المسلّح بين الطرفين، وظلت القضية الكردية تؤرق حكومة بغداد، والبارزاني يعارض ويهاجم القيادة العراقية".

هاشم جاف: قطع الشاه الإيراني، محمد رضا بهلوي، دعمه للبارزاني على أعقاب اتفاقية الحكم الذاتي 1974‎

ويضيف لـ "حفريات"؛ "وبعد تسعة أعوام من الحرب بين الكرد بقيادة البارزاني اضطرت الحكومة العراقية إلى الاتفاق مع البارزاني، في اتفاقية الحكم الذاتي للأكراد عام 1970، التي لم تدم طويلاً بسبب انقلاب قيادة حزب البعث على اتفاقية الحكم الذاتي عام 1974، وتوقيعهم اتفاقية مع شاه إيران تنازل بموجبها العراق عن شط العرب، وعن المطالبة بالأحواز مقابل توقف إيران عن تقديم الدعم العسكري واللوجستي للثوار الكرد، فقد كان البارزاني مدعوماً من الشاه الإيراني، محمد رضا بهلوي، الذي قطع دعمه للبارزاني على أعقاب هذه الاتفاقية، اتفاقية الجزائر التي أبرمت بين إيران والعراق بمبادرة أمريكية جزائرية، كان عرابها وزير الخارجية الجزائري، آنذاك، عبد العزيز بوتفليقة"، مبيناً أنّ "مصطفى البارزاني غادر بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث توفي فيها عام 1979، في مستشفى جورج واشنطن إثر مرض عضال".

الصفحة الرئيسية