تأثراً بأحداث غزة... أين تتجه أسواق النفط العالمية؟

تأثراً بأحداث غزة... أين تتجه أسواق النفط العالمية؟

تأثراً بأحداث غزة... أين تتجه أسواق النفط العالمية؟


15/10/2023

من المتوقع أن تؤثر أزمة التصعيد في غزة، التي دخلت أسبوعها الثاني مطلع الأسبوع الجاري، بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي، الذي يعاني أصلاً جراء الأزمة الأوكرانية وجائحة كورونا، بما في ذلك أسعار النفط التي يتوقع أن ترتفع بشكل كبير في غضون الأسابيع المقبلة.

وتتأثر حركة أسعار النفط بالأحداث التي لا تتعلق بصورة مباشرة بعمليات العرض، بدءاً من الأحداث الجيوسياسية، مثل الأحداث المناخية الكبرى إلى حالات عدم الاستقرار الإقليمي أو الجيوسياسي، وفق دراسة حديثة صادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، تحت عنوان" تأثير التصعيد في غزة: هل  ستشهد أسعار النفط ارتفاعاً ملحوظاً؟"، للباحث الاقتصادي أحمد سلطان.

 توتر أسواق النفط العالمية

 وتذكر الدراسة، على سبيل المثال، عدداً من الأحداث التاريخية التي أثرت في رفع أسعار النفط، أبرزها ما حدث في الصدمة النفطية الأولى التي أُطلقت على الحظر النفطي العربي عام 1973، حيث أدت إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير بنحو حوالي 230%، بالإضافة إلى قرار منظمة أوبك عام 2017 خفض إنتاجها من أجل الحفاظ على أسعار النفط عالمياً، ممّا أدى أيضاً إلى ارتفاع أسعار النفط بنسبة بلغت حوالي 7%، وأيضاً انتشار الأوبئة مثلما حدث في بداية عام 2020 وتأثيرها القوي على انخفاض أسعار النفط عالمياً. 

وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتُسهم في تعقيد المشهد النفطي العالمي، حيث أدت إلى ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات لم تحدث منذ (14) عاماً، بحسب الباحث.

ومنذ بداية العام الحالي تشهد أسواق النفط العالمية حالة من عدم الاستقرار، وجاءت التطورات الأخيرة في غزة لتعكس مساراً جديداً في أسعار النفط والمشهد النفطي العالمي؛ فقد ارتفعت أسعار النفط الخام إلى حوالي (89) دولاراً للبرميل في بداية الأسبوع وقفز خام برنت، وهو مؤشر النفط العالمي، بنسبة 5% في التعاملات المبكرة في آسيا، وذلك قبل أن يتراجع ليرتفع بنسبة حوالي 4%، إلى حوالي (88) دولاراً للبرميل.  

إسرائيل قد استهلكت حوالي (215) ألف برميل من النفط يومياً في الأعوام الأخيرة

 يحدث ذلك، وسط مخاوف من أن تؤدي تلك الأحداث المتتالية إلى زيادة التوتر في المنطقة، ممّا قد يؤثر على إنتاج كبار منتجي النفط، وفق الدراسة.  

الوضع النفطي لطرفي الصراع

تشير الدراسة إلى أنّ إسرائيل قد استهلكت حوالي (215) ألف برميل من النفط يومياً في الأعوام الأخيرة، وتشكل تركيا المصدر الأول لشحنات النفط الخام إلى إسرائيل، والتي تأتي عبر خطوط الأنابيب من أذربيجان والعراق، وتحديداً من إقليم كردستان العراق، وتُعدّ نيجيريا والجابون وكازاخستان والبرازيل من بين كبار المصدرين إلى إسرائيل.

وقد أظهر التعليق المفاجئ لتدفقات النفط الخام من شمال العراق، على الرغم من أنّه كان بشكل مؤقت، خلال الأشهر الماضية، مدى اعتماد إسرائيل على مزيج خام كردستان مخفض السعر إلى حد كبير، وأوضح الانقطاع مدى تأثير هذه الاضطرابات على أمن الطاقة الإسرائيلي، حيث يعود السبب بشكل خاص إلى غياب إمكانية تأمين إمدادات بديلة بشكل سريع في ظل وجود عقوبات غربية على مُنتِج النفط الخام الرئيس موسكو.

بالرغم من أنّ الصراع الحالي في غزة لا يُمثل تهديداً مباشراً لخطوط الإمدادات النفطية أو مصادره الرئيسة في المنطقة، إلّا أنّ الأسواق النفطية تنظر إلى أبعد من ذلك تحديداً، فوفق الدراسة، هناك العديد من المخاوف بشأن احتمالية توسع الصراع ليشمل أطرافاً أخرى، ولا سيّما طهران

 وعلى الجانب الآخر، عانى قطاع غزة من نقص حاد في مصادر الطاقة، يتجلى أثر ذلك بانقطاع التيار الكهربائي أكثر من (13) ساعة يومياً نتيجة توفر أقل من 45 % فقط من احتياج المواطنين للكهرباء، كما أنّ معظم مناطق الضفة الغربية تحصل على الكهرباء عن طريق شرائها من شركة الكهرباء الإسرائيلية، ممّا يجعل المواطنين الفلسطينيين عرضة لابتزاز الشركة الإسرائيلية، حيث يبلغ متوسط استهلاك فلسطين من الطاقة الكهربائية سنوياً نحو (1.8) ألف ميجاوات، منها قرابة (600) ميجاوات لقطاع غزة.

وتعتمد فلسطين على إسرائيل حالياً للحصول على نحو 95 % من الطاقة الكهربائية، والنسبة المتبقية من الأردن ومصادر الطاقة الشمسية، ولذلك تعمل السلطة الفلسطينية من خلال صندوق الاستثمار الفلسطيني على تدشين الشركة الوطنية لتوليد الطاقة الكهربائية في مدينة جنين شمال الضفة الغربية، لتكون قادرة على توفير حوالي (450) ميجاوات من الكهرباء.

كيف يؤثر الصراع على أسواق النفط؟

بالرغم من أنّ الصراع الحالي في غزة لا يُمثل تهديداً مباشراً لخطوط الإمدادات النفطية أو مصادره الرئيسة في المنطقة، فإنّ الأسواق النفطية تنظر إلى أبعد من ذلك تحديداً، ووفق الدراسة، هناك العديد من المخاوف بشأن احتمالية توسع الصراع ليشمل أطرافاً أخرى، ولا سيّما طهران. 

 فقد ارتفع إنتاج النفط الإيراني بنحو (750) ألف برميل يومياً منذ بداية عام 2023، بالإضافة إلى وصول مستويات الإنتاج النفطي الإيراني إلى أعلى مستوى لها في (5) أعوام بحوالي (3.3) ملايين برميل يومياً، حيث استفادت طهران من تخفيف التوترات مع واشنطن وتجاوزها لقضية صادرات النفط الإيراني واحتياطياتها النفطية الكبيرة.    

ويُشكّل ذلك تحركاً يهدف إلى احتواء ارتفاع أسعار النفط من قبل الإدارة الأمريكية، في وقت تتمسك فيه كل من المملكة العربية السعودية وروسيا بخفض إنتاجهما من النفط، ولذلك أسهم التخفيف في ترويض أسعار النفط الخام، وخاصة بعد الخفض الكبير للإمدادات من الرياض وموسكو وبقية أعضاء تحالف (أوبك بلس). 

أيضاً تثار مخاوف جديدة بشأن التوتر في الشرق الأوسط، والتي تُشكل حوالي ثلث العرض العالمي، حيث تُمثل تكاليف الطاقة محركاً أساسياً لارتفاع الأسعار العالمية.

ارتفاع الطلب العالمي على النفط

كشفت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) الإثنين الماضي عن توقعاتها المستقبلية فيما يتعلق بالطلب على النفط، وأنّه سيستمر في الارتفاع خلال العقدين المقبلين، رغم الجهود المبذولة على المستوى العالمي للحدّ من التغير المناخي، وفق ما أوردته الدراسة.

 ارتفع إنتاج النفط الإيراني بنحو (750) ألف برميل يومياً منذ بداية عام 2023

وقد توقعت منظمة (أوبك) في تقريرها السنوي للعام 2023 أن يصل الطلب على النفط إلى حوالي (116) مليون برميل يومياً بحلول عام 2045، ما يزيد بنسبة حوالي 17% عن مستواه عام  2022، (109) ملايين برميل من النفط يومياً.

ولذلك تراهن (أوبك) التي تضم بين دولها الأعضاء الـ(13) السعودية ودول الخليج وفنزويلا، أنّ مُحرك الطلب العالمي على النفط الخام سيكون الدول من خارج منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، وفي طليعتها الهند.  

واعتبرت (أوبك) أنّه من أجل تلبية هذا الطلب يجب رصد استثمارات جديدة في إنتاج الوقود الأحفوري بقيمة قد تصل إلى حوالي (14) تريليون دولار وذلك بحلول 2045، أي بمعدل حوالي (610) مليارات دولار كل عام.   

وعلى الجانب الآخر، تُعدّ واشنطن لاعباً رئيساً في المشهد النفطي العالمي، وتتأثر بشكل كبير عندما ترتفع الأسعار أو تتخطى حاجز (100) دولار للبرميل، ولذلك يمكنها الاستفادة من احتياطيها النفطي الاستراتيجي من أجل الحد من التأثير في أسعار البنزين، وفي شعبية الرئيس الأمريكي جو بايدن. 

ويرى الباحث أنّه في حال ارتفعت أسعار النفط بسبب التوترات في منطقة الشرق الأوسط، فمن المؤكد أنّ الإدارة الأمريكية ستفكر في احتياطي النفط الاستراتيجي، وعلى الرغم من أنّه عند أدنى مستوى له منذ (40) عاماً، فإنّه ما يزال به ما يكفي من النفط للتعامل مع أزمات أخرى.

 سيناريوهات تتنظر أسواق النفط

في ضوء التصعيد المحتمل بين الجانبين يضع الباحث (3) سيناريوهات من المتوقع أن تشهدها سوق النفط تأثراً بالأزمة.

السيناريو الأول: التأثير على أسعار النفط سيكون محدوداً، وذلك نظراً لبُعد منطقة الصراع الحالية عن خطوط الإمداد النفطية المهمة.  

يظل الخطر الأكبر على أسواق النفط العالمية هو الطاقة الإنتاجية المحدودة؛ إذ إنّ الهدف الدائم لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وتحالف (أوبك بلس) هو الاستثمار في السعة الإنتاجية الفائضة لبراميل النفط؛ بهدف الاستفادة منها في مواجهة أيّ صدمة للحفاظ على استقرار أسعار النفط الخام

السيناريو الثاني: في حالة التصعيد في غزة ودخول أطراف جديدة في الصراع، من الممكن أن يؤدي إلى عودة الإدارة الأمريكية لتضييق الخناق على صادرات النفط الإيراني، والتي وصلت إلى مستويات عالية، وهو الأمر الذي قد يدفع أسعار النفط للأعلى، فوق مستويات (100) دولار للبرميل.  

السيناريو الثالث: مراقبة حركة الأسعار، وبالتالي فإنّ التركيز الرئيس لأسواق النفط سينصبّ في المرحلة المقبلة على مدى حجم الرد الإسرائيلي، إذا ما ثبت تورط طهران في الهجوم الأخير؛ ولذلك فإنّ الخطر الأكبر سيتمثل في هجوم إسرائيلي مباشر على إيران.

وبحسب الدراسة، سيظل الخطر الأكبر على أسواق النفط العالمية هو الطاقة الإنتاجية المحدودة؛ إذ إنّ الهدف الدائم لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وأيضاً تحالف (أوبك بلس) هو الاستثمار في السعة الإنتاجية الفائضة لبراميل النفط؛ بهدف الاستفادة منها في مواجهة أيّ صدمة للحفاظ على استقرار أسعار النفط الخام.  

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية