بورصة شراء الأصوات تخيم على انتخابات لبنان... وهذا ما يقوم به حزب الله

بورصة شراء الأصوات تخيم على انتخابات لبنان... وهذا ما يقوم به حزب الله


18/04/2022

مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية في لبنان وتزايد وضوح التحالفات السياسية والإعلان عن باقي لوائح المرشحين وأسماء أعضائها، يبدو أنّ مسألتين تحتلان الجزء الأكبر من اهتمام المرشحين والناخبين، هما: شراء الأصوات، وممارسات "حزب الله" التابع لإيران، لاستمالة أصوات اللبنانيين.

وفيما كانت الرشاوى الانتخابية في الماضي تتخذ أشكالاً متوافقة مع حاجات المرحلة، ارتبطت الانتخابات المقبلة بمتطلبات المواطنين الملحّة، وأخذت أشكالاً لم يعهدها اللبنانيون في السابق، كالمساعدات أو دفع الأحزاب لفواتير اشتراكات مولدات الكهرباء الخاصة للناخبين، أو تأمين الكهرباء لمنطقة معينة، أو تقديم مولدات كهربائية لبلديات ومستشفيات، كذلك تأمين منح تربوية ورعاية صحية وأدوية مفقودة، أو حتى قسائم شراء محروقات، وقسائم تبضع مواد غذائية، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الألمانية.

وفي السياق، يمكن تناول ممارسات حزب الله اللبناني، حيث أعلن بدوره تخصيص أكثر من (18) مليار ليرة و(18) مليون دولار للمساعدات المعيشية، توزّعت على النحو التالي: بطاقة السَّجاد استفادت منها أكثر من (27) ألف عائلة، ومائدة الإمام زين العابدين التي استفاد منها عشرات آلاف الأشخاص، ومقطوعات مالية للفقراء والأيتام لأكثر من (13) ألف مستفيد، ومساعدات تموينية لـ(215) ألف عائلة.

ورغم الكشف عن طرق حزب الله في شراء الأصوات بالانتخابات، فقد زعم عضو المجلس المركزي نبيل قاووق أنّ الحزب هو الأكثر شعبية في البلاد.

زعم عضو المجلس المركزي نبيل قاووق أنّ حزب الله هو الأكثر شعبية في البلاد

وادّعى "قاووق"، في تصريح صحفي أوردته قناة المنار الشيعية أنّ "جمهور المقاومة سيثبت للقريب والبعيد أنّه أهل الوفاء، وأهل لأن يحمل المسؤولية ليحمي الكرامة والمقاومة، ويوجّه ضربة سياسية كبيرة لكلّ المشاريع الخارجية لاستهداف المقاومة"، قائلاً: "نحن نريد الانتخابات لإنقاذ البلد، وهم يريدونها معبراً لمواجهة المقاومة، يعني جرّ البلد إلى الفتنة".

هذا، ورصدت جمعيات متخصصة مخالفات جمّة ورشاوى مقنّعة، مع اقتراب موعد الانتخابات، وسط توقعات ببلوغها مستويات قياسية عند اشتداد المنافسة، وقبيل ساعات من إقفال صناديق الاقتراع.

وقال تقرير لشركة الأبحاث والدراسات "الدولية للمعلومات" يوم الجمعة الماضي: إنّ المال الانتخابي يلعب في انتخابات 2022 دوراً كبيراً ومؤثراً في ظل الأزمة المالية الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها أكثر اللبنانيين في المناطق كلها.

 

الرشاوى الانتخابية اتخذت العديد من الأشكال، كالمساعدات أو دفع فواتير الكهرباء، أو تأمين منح تربوية ورعاية صحية وأدوية مفقودة، أو حتى قسائم شراء محروقات وغذاء

 

وقالت الشركة عبر موقعها الإلكتروني: إنّه وفقاً للرصد والمتابعة لحركة شراء الأصوات، فقد جاءت دائرة بيروت الأولى في المرتبة الأولى، حيث يتراوح اليوم سعر الصوت ما بين (100 و300) دولار أمريكي، ومن المتوقع أن يشهد ارتفاعاً كبيراً في الأيام المقبلة، ممّا يدفع الكثيرين إلى التريث وعدم الالتزام، بانتظار "ارتفاع السعر"، وفق ما تشير إليه "الدولية للمعلومات".

وفي المرتبة الثانية أتت دائرة كسروان ـ جبيل، إذ قالت "الدولية للمعلومات": إنّ سعر الصوت سجل بين (100 و150) دولاراً أمريكياً.

وحلّت دائرة زحلة في المرتبة الثالثة؛ إذ بلغ سعر الصوت حالياً نحو (2.5) مليون ليرة لبنانية (سعر الصرف الرسمي 1507 ليرات، (24800) ليرة اليوم في السوق السوداء).

ولفتت "الدولية للمعلومات" إلى أنّ دائرة الشمال الثالثة (بشري ـ زغرتا ـ الكورة ـ البترون) أتت بالمرتبة الرابعة؛ حيث تبين أنّ بعض المرشحين يسددون اشتراكات الكهرباء والفواتير الصحية، ويعدون بشراء الأصوات، لكنّ السعر لم يُحدَّد حتى الآن.

وتشهد منطقة الشمال الثالثة المنافسة الأبرز والأشد على الصعيد المسيحي، خصوصاً بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر"، ولا سيّما في البترون، حيث يترشح جبران باسيل صهر الرئيس ميشال عون.

 

حزب الله اللبناني يعلن عن تخصيص أكثر من (18) مليار ليرة و(18) مليون دولار للمساعدات المعيشية

 

على صعيد متصل، أطلقت "الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات" (لادي) تقريرها الثاني لمراقبة الحملات الانتخابية للفترة الممتدة بين 15 و31 آذار (مارس) 2022، وذلك بالتعاون مع مؤسسة "مهارات".

ورصد التقرير الذي نشرته قناة الجديد اللبنانية حالات عنف وضغط أو تخويف ناخبين ومرشحين، ومساعدات ووعود ورشاوى انتخابية، واستغلال النفوذ لغايات انتخابية، واستخدام موارد عامة لغايات انتخابية، إلى جانب الخطاب المذهبي التحريضي الطائفي، والعنصري، والقدح والذم والتجريح.

في دائرة بيروت الأولى يتراوح سعر الصوت ما بين (100 و300) دولار أمريكي

من ناحية ثانية، لا تقتصر التجاوزات على المرشحين، بل دخلت أيضاً على خطها الشاشات اللبنانية، التي تستبشر خيراً بالموسم الانتخابي لتحقيق أرباح طائلة، خصوصاً هذا العام، في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي لم تسلم هي الأخرى منها.

وكثر الحديث عن وسائل الإعلام التي لا تلتزم بلائحة الأسعار التي تقدمها لهيئة الإشراف على الانتخابات، ولا سيّما على صعيد الإعلان الانتخابي، مع الإشارة إلى أنّه في عام 2018 تخطت كلفة الدقيقة الواحدة على الهواء عتبة الـ5 آلاف دولار أمريكي، وفاقت الـ20 ألفاً قبل يوم من موعد الاستحقاق النيابي، وأحيلت وقتها (45) وسيلة إعلامية إلى محكمة المطبوعات.

 

"الدولية للمعلومات": المال الانتخابي يلعب في انتخابات 2022 دوراً كبيراً ومؤثراً في ظل الأزمة المالية الاقتصادية الاجتماعية التي يعيشها أكثر اللبنانيين

 

وحول قدرة الدولة على مواجهة الرشاوى الانتخابية، قال رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات اللبنانية القاضي نديم عبد الملك لموقع قناة "الحرة": "لن تستطيع الهيئة مكافحة الظاهرة، رغم أنّها عازمة على ذلك، وستقوم بكامل دورها القانوني بالإمكانات المتاحة لديها ووفقاً لصلاحياتها. لكن وبالرغم من ذلك، فإنّ الرشوة الانتخابية تمثل آفة تاريخية في المجتمع اللبناني من الصعب ضبطها وملاحقتها أو إنهاؤها بشكل كامل".

من جهته، قال علي سليم المدير التنفيذي لـ"الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات" في تصريح صحفي: إنّ الواقع المعيشي المتردي يؤدي إلى تعزيز حضور الرشوة الانتخابية ومفعولها في التأثير على خيارات الناخب اللبناني وسلوكه، وفق معطيات الجهات المراقِبة للانتخابات، ومن بينها التي رصدت ازدياداً أكبر في وتيرة التقديمات والرشاوى الانتخابية، مقارنة بالدورات الانتخابية الماضية.

ورصدت جمعية "لادي" في تقريرها الأخير توزيع المستلزمات والحاجيات النسائية، كالفوط الصحية، التي ارتفع ثمنها بشكل كبير يفوق قدرة نسبة كبيرة من نساء لبنان على شرائها، حيث رصدت الجمعية تقديمات من هذا النوع في منطقة البقاع الغربي.

 

جمعية "لادي" ترصد حالات عنف وضغط أو تخويف ناخبين ومرشحين، ومساعدات ووعود ورشاوى، واستغلال النفوذ، وخطاب مذهبي وتحريضي طائفي وعنصري

 

كذلك وثقت "لادي" توزيع حليب أطفال من قبل بعض المرشحين في شمال لبنان، بالإضافة إلى توزيع حصص غذائية، أو ما يُعرف بـ "الإعاشات"، وإقامة ولائم غداء وعشاء على شرف الناخبين في المناطق، كذلك وصل الأمر ببعض الأحزاب إلى حدّ إعلانها عن حملات تنظيف لمناطق بيئية، واستثمرت أحزاب أخرى في أزمة تكدس النفايات في الشوارع، وتبرعت بإزالتها من مناطق معينة على نفقتها الخاصة.

وتُعتبر جريمة الرشوة الانتخابية واحدة من أبرز الجرائم التي تؤثر سلباً على نزاهة وشفافية تنظيم العملية الانتخابية، كونها تطال إرادة الناخبين وتنتقص من مبدأ حرية التصويت، وقانون الانتخابات اللبناني تضمّن التفافاً على حظر الرشاوى الانتخابية، وفق ما يؤكد كلٌّ من سليم وعبد الملك.

وتنقسم المادة (62) من قانون الانتخاب، التي تتعلق بالرشوة الانتخابية، إلى فقرتين: الأولى تنصّ على "حظر الالتزامات والنفقات التي تتضمن تقديم خدمات أو دفع مبالغ للناخبين، أثناء فترة الحملة الانتخابية، ومنها على سبيل البيان لا الحصر التقديمات والمساعدات العينية والنقدية إلى الأفراد والجمعيات الخيرية والاجتماعية والثقافية أو العائلية أو الدينية أو النوادي الرياضية وجميع المؤسسات الرسمية".

وترفع الفقرة الثانية من المادة الحظر عن التقديمات والمساعدات المذكورة أعلاه، "إذا كانت مقدمة من مرشحين أو مؤسسات يملكها أو يديرها مرشحون أو أحزاب درجوا على تقديمها بالحجم والكمية نفسها بصورة اعتيادية ومنتظمة، منذ ما لا يقل عن (3) أعوام قبل بدء فترة الحملة الانتخابية، وفي هذه الحالة لا تُعتبر المدفوعات والمساعدات المقدمة أثناء الحملة الانتخابية خاضعة للسقف الانتخابي".

عبد الملك: الرشوة الانتخابية تمثل آفة تاريخية في المجتمع اللبناني، ومن الصعب ضبطها وملاحقتها أو إنهاؤها بشكل كامل

 

ويصف رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات اللبنانية الفقرة الثانية بأنّها تشريع "للرشوة المقنعة" مؤكداً أنّ الهيئة قد طالبت مراراً بإلغاء تلك الفقرة من القانون، وهو ما لم يحصل، "وبالتالي القانون نفسه لم يعتبرها من المحظورات".

ويعتبر سليم أنّ صياغة القانون "مصيبة بحدّ ذاتها" يصحّ من بعدها السؤال: "وما هي الرشوة الانتخابية؟" وذلك نسبة إلى الواقع اللبناني، حيث إنّ جميع الأحزاب والشخصيات السياسية والتيارات المرشحة "تمتلك منظومة زبائنية متجذرة، ودائماً تشتري ولاءات الجماهير عبرها، وتحافظ على شعبيتها من خلالها، وبالتالي هذا القانون جاء تشريعاً لنشاط هذه المنظومة الزبائنية بكلّ وضوح، وهذه المادة القانونية مهمتها ترسيخ إعادة إنتاج الطبقة السياسية الحاكمة نفسها".

وفي هذا السياق، يلفت عبد الملك إلى أنّ جرم الرشوة عادة ما يتم بين شخصين، الراشي والمرتشي، ويُعتبران شريكين في الجرم، وتتم ملاحقتهما قانونياً، "من هنا يأتي السؤال: من سيتكلم عن الآخر؟ لا الراشي ولا المرتشي، إلّا إذا ضبطت الرشوة بالجرم المشهود عندئذ تلقائياً قوى الأمن ستحيلهم مباشرة على النيابة العامة".

ويناشد رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات جميع الناس والأحزاب والمرشحين وكلّ من يرصد انتهاكاً أو رشاوى، "أن يتقدموا للهيئة بشكاوى، لنتمكن على أساسها من التحرك والتحقيق، خاصة أنّه ليس لدى الهيئة جهاز رقابي على الأرض ليرصد ويتابع ويحقق بهذه الممارسات".

هذا بالإضافة إلى بند سقف المصروفات لكلّ مرشح وكتلة، والتي أتاحت قدرات مالية إضافية للمرشحين لشراء الأصوات.

ويبقى السؤال في ظل الأزمات الاقتصادية والحراك الشعبي ضد المسؤولين والنواب: هل ستكون نتائج الانتخابات كسابقاتها، أم ستشهد تغيراً كبيراً في النتائج؟

مواضيع ذات صلة:

الانتخابات اللبنانية: كيف يستفيد حزب الله من غياب تيار المستقبل؟

"كارنيغي": حزب الله بات الأكثر تأثيراً في الفضاء السيبراني... ما دور إيران؟

تقرير حديث: سوريا "دولة مخدرات".. وهذا دور حزب الله

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية