بعد طالبان.. الجماعة الإسلامية المصرية تعيد تأصيل العنف

بعد طالبان.. الجماعة الإسلامية المصرية تعيد تأصيل العنف


08/09/2021

بينما كان الإخوان وهم في السلطة يمارسون الإقصاء لكل خصومهم، أصبحت الجماعة الإسلامية هي الحليف الأكثر التصاقاً بهم، فقامت بالإعداد لما يسمى (جمعة الشريعة) بميدان التحرير، وشاركت في كل الفعاليات الإخوانية، وبدأ قادتها مثل عاصم عبدالماجد في كل الملفات المطروحة على الساحة الإعلامية، وحين أقام الرئيس الإخواني الأسبق محمد مرسي مؤتمراً دعا فيه للجهاد بسوريا، كان عبد الماجد أول من أقام ما يسمى (جبهة الأنصار) لجمع الشباب للسفر إلى هناك، والآن وعقب دخول طالبان إلى كابول تناسى قادة هذه الجماعة مبادرتهم التي أطلقوها في العام 1997 ضد العنف، واعتبروا أنّ النموذج الطالباني لا بد وأن يُحتذى، وهو حمل السلاح والمقاومة حتى الوصول إلى السلطة.

تحولات الجماعة الفارقة

وفي تصريح خاص لـ "حفريات"، قال ناجح إبراهيم، أحد مؤسسي هذه الجماعة، إنّ التنظيم دخل مع الحكومة، خاصة في التسعينيات في صدامات شديدة غير مبررة مع الشرطة المصرية، وبدأ كل منهما يواجه الآخر مواجهة شرسة وصلت حد الاغتيال من طرف الجماعة الذي واجهته الشرطة بالتصفيات والإعدامات والمحاكم الاستثنائية، وأعدم في التسعينايت قبل المبادرة قرابة مائة فرد من الجماعة.

شعار الجماعة

انتهت هذه المرحلة السوداء بمبادرة منع العنف التي أنهته إلى غير رجعة، ونصت على وقف كامل للعنف من جانب واحد "جانب الجماعة الإسلامية" دون قيد أو شرط، ووقف كل البيانات المحرضة عليه، وتأخر تجاوب الدولة إلى وقت عجيب وهو بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 وتفجير البرجين الأمريكيين، حيث ظن الجميع أنّها لن تتجاوب فإذا بها تفعل العكس.

اقرأ أيضاً: المنشق عن الجماعة الإسلامية عوض الحطاب: العنف لن يتوقف بوجود أمراء الدم

كان اللواء أحمد رأفت هو صاحب فكرة تفعيل المبادرة طوال كل هذه السنوات من 1997 وحتى 2001 حيث بدأ تفعيلها، وهو الذي تشجّع لها وآمن بأهميتها وغامر بمستقبله لكي تنجح ونجحت وحققت عدة أهداف أهمها: وقف العنف نهائياً، حل الجناح العسكري للجماعة طواعية وتسليمه لأسلحته، تسليم الهاربين لأنفسهم طواعية ومعاملة الدولة لهم معاملة حسنة، تغيير فكر العنف نهائياً وهذه أهم خطوة، عودة الهاربين من كل الدول طواعية.

تحالف الجماعة الإسلامية كان بمثابة القشة التي قصمت ظهرها وأرجعتها إلى دائرة الصدام مع الدولة

وحين فشل الإخوان في العام الذي حكموا فيه، كان عبود الزمر موجوداً بشكل شبه يومي في قصر الاتحادية بجوار مرسي، وكانت جماعته تناور لتبقى في صدارة المشهد الإعلامي بشكل شبه يومي، وحين شعر الإخوان أنهم سيتركون الحكم قرروا الاعتصام في ميدان رابعة، وكان قادة الجماعة الإسلامية على رأس المعتصمين معها، وفوق المنصة توالوا في إلقاء الكلمات التهديدية للجيش المصري.

اقرأ أيضاً: الجماعة الإسلامية في لبنان: سيناريوهات الواقع المأزوم في ظل الاستقطاب الإقليمي

يقول ناجح إبراهيم: بعد قيام ثورة 25 يناير بدا لبعض قادة الجماعة أنّ القيود التي كانت عليها قد زالت وأنها لابد وأن تنخرط في العمل السياسي وتتحرك في الشارع المصرى، وفي هذا التحرك أخطأت أخطاء استراتيجية جسيمة، هذه الأخطاء قرأَتها مبكراً بعض قيادات المبادرة الأصلية التي تتكون أساساً من كرم زهدي وناجح إبراهيم وحمدي عبدالرحمن والدواليبي، وأنّ الجماعة ستنزلق مرة أخرى إن عاجلاً أم آجلاً نحو الصدام مع الدولة، فآثروا الابتعاد واستقالوا من الجماعة في عز مجدها ووهجها، إيثاراً للمبادئ التي رسخوها في مبادرة منع العنف، وحذّروا قيادتها من هذا النهج.

ناجح إبراهيم.. أحد مؤسسي الجماعة

ويتابع: لكنهم ما لبثوا أن ساروا في نفس الطريق وتحالفوا مع الإخوان ومع المجموعات السلفية التي كانت تنتهج فكر التكفير من قبل ثم تركته وتتركز في القاهرة والدلتا وهي تختلف عن مجموعات "سلفية الإسكندرية" التي لم تنتهج العنف أو الصدام مع الدولة أبداً، وقام بعض قادة الجماعة بحشد الشباب للسفر إلى سوريا، ومعظم الذين أرسلوا إما قُتلوا هناك أو عادوا للسجون المصرية، وكانت طموحات الجماعة وقتها سياسياً ودعوياً أكبر من طاقاتها وإمكاناتها وأكبر من قدرة مؤسسات الدولة المصرية من قبولها كقوة تشارك في حكم البلاد وهي غير مؤهلة لذلك، وأخطر ما وقعت فيه آنذاك هو تصعيد خطابها بألسنة بعض قادتها البارزين، ومشاركة الكثير من أفرادها في اعتصامي رابعة والنهضة، وكان هذا الخطاب تكفيرياً حربياً استعلائياً في معظم مصطلحاته، وكان أكثر حدة من قيادات إخوانية على منصة رابعة، لقد أضاعت سنوات ما بعد ثورة 25 يناير كل ما فعلته الجماعة أيام مبادرة منع العنف.

الطريق إلى لائحة الإرهاب

فشلت التجربة السياسية للإخوان وحلفائهم؛ فاعتزلت الجماعة المشهد السياسي ورفضت القبول بالنتيجة التي وقعت، وأعلنت انضمامها لما يسمى (تحالف دعم الشرعية)، وانفتحت مسارات الصدام والعنف على مصراعيها، سواء من التنظيمات التكفيرية المسلحة المتمركزة في سيناء، أو من خلايا تكونت حديثاً من شباب منتمٍ للتنظيمات التقليدية بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة، لاستهداف مؤسسات الدولة السيادية والأمنية وعلى رأسها الجيش والشرطة؟

عقب دخول طالبان كابول تناسى قادة الجماعة مبادرة العام 1997 ضد العنف واعتبروا هذا النموذج لا بد أن يُحتذى

كانت الجماعة الإسلامية حاضرة بقوة؛ إذ إنّها أمسكت العصا من المنتصف، فقررت تهريب بعض قادتها للخارج، ومنهم طارق الزمر، ورفاعي طه، الذي قتل فيما بعد بسوريا، وعاصم عبدالماجد، ومن المحطات الخارجية، أطلقوا تصريحاتهم للدعوة لما يسمى الثورة والشرعية، ورفع بعض قادتهم شعار الجماعة القديم، وهو السيف وفوقه الآية، و"قاتلوهم حتى لا تكون فتنة"، وكان منهم ممدوح علي يوسف، رئيس الجناح العسكري السابق للجماعة، وأبو العلا عبد ربه أحد قتلة الكاتب فرج فودة، وإسلام الغمري، ورفاعي طه، الذي كفّر الرئيس السيسي فيما بعد،  ومحمد الصغير، المقيم بتركيا، الذي دعا مجموعة (العقاب الثوري) الإخوانية المسلحة، لاحتلال صعيد مصر، تمهيداً لطوفان "الثورة المسلحة" – بحسب وصفهم.

إنّ تحالف الجماعة الإسلامية مع الإخوان الذي تم تدشينه فيما يسمى بـ"تحالف دعم الشريعة" كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر الجماعة، وأرجعتها إلى دائرة الصدام مع الدولة، لقد تصورت الجماعة خطأ أنّ مؤسسات الدولة المصرية الأمنية يمكنها التسامح مع الجماعات الإسلامية بحيث تصل إلى كراسى السلطة الأولى، وهذا خطأ استراتيجي كبير، أن تتصور حركة إسلامية أنّها تنتقل فجأة من السجن إلى حكم دولة كبيرة في مصر، وتتصور أنّ أجهزة ومؤسسات الدولة يمكن أن تسكت على ذلك، فـ"من العسير نقل الجماعات من فقه الدعوة إلى فقه الدولة، ومن فقه الجماعة إلى فقه الدولة"، وفق شهادة ناجح إبراهيم.

أضاعت سنوات ما بعد ثورة 25 يناير كل ما فعلته الجماعة الإسلامية أيام مبادرة منع العنف

لقد فقدت الجماعة الإسلامية نتيجة للتحالف مع الإخوان بعض أبنائها الذين قتلوا في رابعة وبعض قادتها الذين صعدوا علي منصة رابعة، وفروا في أنحاء البلاد المختلفة وحُكم عليهم بالإعدام، وبعضهم سافر إلى سوريا ليعيد تجربة أفغانستان وقتل هناك مثل رفاعي طه، وأهم ما خسرته من التحالف هو ضياع جزء كبير من هيبة المبادرة في النفوس وقيمة هذه التجربة الفريدة التي نقلت الجماعة إلى مربع السلمية فجاءت تجربة التحالف مع الإخوان والمشاركة في رابعة وفي المظاهرات المتكررة بعد خلع مرسي ليعيد الجماعة مرة أخرى إلي المربع صفر، لتحتاج مرة أخرى إلى مبادرة جديدة أكثر جرأة وتحولاً.

طالبان ومستقبل الجماعة

بعد أن كانت الجماعة الإسلامية المصرية نموذجاً للمراجعات الفقهية أُدرجت على لائحة الإرهاب، وهذا القرار كان صادماً ولم يكن متوقعاً لا سيما أنّها أصدرت بيانات كثيرة ضد العنف والتفجيرات، وحاربت داعش فكرياً، لكن الدولة المصرية لم تنسَ لها مشاركة عناصر منها مع مجموعات العنف الإخوانية، وقد شمل ذلك 164 شخصاً من رموزها وأنصارها.

الآن وعقب سقوط كابول بيد طالبان دخل قادة الجماعة في مرحلة جديدة اعتبروا فيها أنّ نموذج طالبان لا بد وأن يحتذى في حمل السلاح والإصرار عليه حتى الوصول للسلطة، وبمراجعة تصريحات أهم منظري التنظيم وأحد مؤسسيه الأوائل ومسؤول لجنته الإعلامية، عاصم عبدالماجد، سنجده دائم المهاجمة لما يسميه "النظام المصري"، وحلفائه، وقد كان مما ذكره أنّ "قطار طالبان السريع الذي دهس أمريكا، ثم دعس متمردي الشمال يبدو أنه سيحطم جماعات الضعف الإسلامية، وسيحيل أيضاً بعض الهيئات التي تدعي وصاية علمية على المسلمين إلى الاستيداع"، معتبراً بذلك أنّ هناك جماعات ضعف وجماعات قوة تحمل السلاحّ.

اقرأ أيضاً: عمر عبدالرحمن.. الأب الروحي لتكفيرية "الجماعة الإسلامية"

وقال عبدالماجد أيضاً: "إنّ الجماعات الإصلاحية ستضطر للتماهي مع الأنظمة القمعية في بلادنا على غرار ما يحدث في المغرب، أو ستختفي فترات طويلة ليس بسبب القمع فقط ولكن لأنّها فقدت بريقها وظهر واضحاً أنّ مشروعها الإصلاحي غير عملي، وأنّه يتحطم دائماً مخلفاً خسائر فظيعة لأنّ المستقبل للأقوياء لا للإصلاحيين!".

في الختام لقد خلصنا إلى أنّ تحولات مبادرة وقف العنف، لم تكن كافية، وكانت تكتيكية إلى حد كبير؛ لأنها غفلت عن مسائل مهمة، وهي وضع تصحيح لمفهوم تكفير الحاكم والخروج عليه، وأحكام الديار.. إلخ، ما أدى إلى تراجعها فور الدخول في اختبار الثورة، وتفسخ النظام الذي كان يشرف عليها في السجون، في طرح عبدالماجد الجديد، دلالة كبيرة على ذلك.

الصفحة الرئيسية