بعد سنوات صنع الله العجاف... ما مصير القطاع النفطي الليبي؟

بعد سنوات صنع الله العجاف... ما مصير القطاع النفطي الليبي؟


17/07/2022

يتحمل رئيس المؤسسة الوطنية للنفط المقال مصطفى صنع الله مسؤولية الكثير من الأزمات والمشاكل التي مرّ بها القطاع النفطي الليبي والمؤسسة المعنية بإدارته، فقد عصف بالقطاع الكثير من الأزمات المتعلقة بالتجهيزات للمنشآت النفطية، هذا بالإضافة إلى تعامله مع مهربين للنفط والسماح لهم لفترات كبيرة بممارسة نشاطاتهم دون أيّ تحرك رسمي من قبله.

ورغم رفض صنع الله تسليم المؤسسة لمجلس الإدارة الجديد بعد بقائه في المنصب مدة (8) أعوام بشكل غير شرعي، إلا أنّ المواطن الليبي والمجتمع الدولي لمسا التغيير منذ اليوم الأول من استلام مجلس الإدارة الجديد برئاسة فرحات بن قدارة، فقد رُفعت القوى القاهرة عن حقول نفطية وأعيد فتح المغلق منها، وعادت عجلة ضخ النفط للدوران بعد توقف دام أشهراً طويلة، بعد التعهدات التي قدّمها لشيوخ وأعيان قبائل بمنطقة الهلال النفطي.

وخلال الأعوام الـ8 التي قضاها صنع الله في منصبه، تحكّم في النفط الليبي وعائداته، ومنع توريد مليارات الدولارات إلى المصرف المركزي، وواجه اتهامات في عدة قضايا فساد، قبل أن يقرر رئيس الحكومة منتهية الولاية عبد الحميد الدبيبة إقالته قبل أيام.

ووفقاً لموقع الساعة 24  الليبي، فإنّ صنع الله كان على علم بعمليات تهريب الوقود، كما أنّ تهاونه في هذا المجال نتج عنه ولادة مافيا تهريب الوقود والاتجار به في السوق السوداء بمناطق عدة من ليبيا وخارجها.

وقال الموقع إنّ صنع الله غضّ الطرف عن عدد من التقارير التي أوضحت الآلية التي من خلالها يتم تهريب الوقود إلى دول الجوار المحاذية لحدود ليبيا الجنوبية.

خلال الأعوام الـ8 التي قضاها صنع الله في منصبه، تحكّم في النفط الليبي وعائداته، ومنع توريد مليارات الدولارات إلى المصرف المركزي

وأضاف الموقع في تقرير له أنّ صنع الله لم يهتم بموضوع التهريب رغم الخسائر الكبيرة التي تتكبدها الدولة، كما أنّه رفض مراراً إنشاء مصفاة للتكرير في وادي الشاطي بالمنطقة الجنوبية للحدّ من استغلال المواطنين وبيعهم الوقود بأسعار مضاعفة، ولم يلتفت حتى إلى المحطات التي تبيع الوقود بأسعار السوق السوداء.

ورغم مساعي القوات المسلحة الليبية لإيقاف التهريب، إلا أنّ المافيا التي أصبح لها امتداد إقليمي ودولي بسبب إهمال صنع الله، ما تزال مستمرة.

هذا، وكشفت وسائل إعلام كثيرة، منها قناة الحدث الليبية، أنّ صنع الله متورط في العديد من ملفات الفساد، ولا يتبع مبدأ الشفافية، إلا في فترات خلافه مع خصومه السياسيين، وأنّ ديوان المحاسبة الليبي لديه سجلات ضخمة من تجاوزات صنع الله، خصوصاً في احتكاره ثروات البلاد لدعم الميليشيات، ولم تُعرض على النائب العام لأسباب غير معلومة.

 

المواطن الليبي والمجتمع الدولي لمسا التغيير منذ اليوم الأول لاستلام بن قدارة، فقد رُفعت القوى القاهرة عن حقول نفطية وأعيد فتح المغلق منها

 

بدوره، قال وزير النفط والغاز في حكومة الوحدة الوطنية الليبية منتهية الولاية محمد عون: إنّ رئيس المؤسسة المقال مصطفى صنع الله "دمّر" الثروات الوطنية الليبية، وإنّ حكومة الوحدة قررت تجريده من الصلاحيات جميعها المتعلقة بتسيير المؤسسة.

وأضاف عون في تصريح صحفي، أوردته صحيفة المرصد الليبي، أنّ رئيس المؤسسة المقال رفض تطوير المؤسسة، ومارس الكثير من التعسف ضد عدد من العاملين فيها، مشدداً أنّه لن يترتب عن هذا القرار أيّ ضرر أو آثار سلبية على سير العمل وانتظامه في مؤسسة النفط.

وأكد وزير النفط والغاز في حكومة الوحدة الوطنية الليبية أنّ مصطفى صنع الله كان "يستقوي بأطراف دولية، ويدّعي أنّ عمله لا ينبع من القرارات الصادرة عن حكومة الوحدة الوطنية"، معتبراً أنّ هذا الموقف يمثل "خيانة عظمى يعاقب عليها القانون الليبي".

وكشف عون أنّ مجلس إدارة المؤسسة المقال "تم تشكيله بطريقة غير قانونية منذ العام 2011، ممّا يجعله مجلساً مفتقداً للغطاء القانوني، وطوال هذه المدة كان مصطفى صنع الله يقوم بجملة من الأدوار التي لا تمتلك شرعية قانونية"، على حدّ قوله.

 

صنع الله كان على علم بعمليات تهريب الوقود، كما أنّ تهاونه في هذا المجال نتج عنه ولادة مافيا تهريب الوقود والاتجار به في السوق السوداء

 

وفي بعض أوجه فساده، نقل موقع "العين" معلومات حول قيامه بتعيين أكثر من (100) مستشار، أغلبهم من تيارات الإسلام السياسي، خاصة من النافذين لدى الميليشيات.

وتكشف وثيقة أنّ "صنع الله قام بتعيين عبد الباري العروسي، وزير النفط السابق، والوسيط بين صنع الله في بداياته وبين تنظيمات الإسلام السياسي، مستشاراً بإحدى الشركات النفطية، بالمخالفة للقانون، وبحسب نص الوثيقة فإنّه تم استحداث الوظيفة من أجله شخصياً.

محمد عون: إنّ رئيس المؤسسة المقال مصطفى صنع الله "دمّر" الثروات الوطنية الليبية

ولم يكتفِ صنع الله بذلك، بل كلف الميليشيات التي تسيطر على المؤسسات النفطية بحمايتها، والتي قامت بعمليات التهريب وبعضها مطلوب دولياً، مثل مهرب الوقود محمد كشلاف وآخرين، الذين عملوا على حماية صنع الله في مقابل السماح لهم بالعمل.

وقد استخدم صنع الله الميليشيات في كافة الأعمال غير الشرعية، من بينها -وفقاً لاتهامات أجهزة أمنية ليبية مختلفة- الوقوف وراء تفجير مؤسسة النفط 2018، أثناء سفره بالخارج لحرق أرشيفها من عقود ومستندات عن احتساب مخزون كميات النفط ومنظومة المبيعات النفطية، وحقوق الشركاء الأجانب.

 

صنع الله متورط في العديد من ملفات الفساد، وديوان المحاسبة الليبي لديه سجلات ضخمة من تجاوزاته

 

ورغم ادعاء صنع الله أنّ تنظيم داعش الإرهابي هو المسؤول عن الحادث، إلا أنّ تقرير لجنة الخبراء بالأمم المتحدة رفض ذلك، مؤكداً أنّ من نفذ هذا الفعل "مجموعة غير معلومة التبعية، وهو ما أثارته التحقيقات الأولية في الحادث، خاصة مع سهولة وصول المهاجمين إلى قلب مبنى المؤسسة رغم كلّ الإجراءات الأمنية".

كما أكد التقرير أنّ "ما حدث ليس عليه بصمات تنظيم داعش، إذ لم يحدث نسف للمبنى ولكن حرق المستندات وتدمير المكاتب، والتنظيم لم يعلن تبنّيه الحادث حتى اليوم".

ولم يكتفِ صنع الله بهذا القدر من الدعم المتبادل مع الميليشيات، بل طالب بتشكيل قوة خاصة تابعة له بحجة تأمين المؤسسات النفطية، وهو ما أكده في تصريح سابق لوكالة رويترز  عام 2019.

وقال صنع الله حينها إنّ الحل الأفضل لتأمين النفط كإجراء فوري هو بتوفير قوة مختلطة تتبع للمؤسسة الوطنية للنفط، ضمن إطار أمني متفاوض عليه وبدعم من الأمم المتحدة.

هذا الحلم بأن تكون هنالك ميليشيات تتبع صنع الله مباشرة ظل يراوده إلى أن حققه قبل أيام من عزله من منصبه عندما استشعر الخوف من إقالته.

ففي مطلع تموز (يوليو) الجاري نقل صنع الله تبعية جهاز حرس المنشآت النفطية إلى المؤسسة ليضمن ولاءهم له والوقوف في صفه في حال تمّت إقالته.

من هو مصطفى صنع الله؟

مصطفى صنع الله مواطن ليبي من أصل تونسي، حاصل على بكالوريوس هندسة كيميائية من جامعة طرابلس (الفاتح سابقاً) عام 1985، والتحق بعدها للعمل بشركة راس لانوف في مصنع الإيثيلين، إلى أن تم تجميده وإيقافه عن العمل بها بسبب سلوكه المشين عام 2009

لم يُعرف لصنع الله أيّ خبرات في أيّ مؤسسات أخرى تؤهله لتعيينه فيما بعد رئيساً للمؤسسة الوطنية للنفط.

وجاء الإيقاف بسبب ما عرف حينها بقضية التآمر والتواصل مع جهات أجنبية، لينتقل إلى العمل في مصنع الإسفلت حتى قيام ثورة شباط (فبراير) 2011.

ولم يُعرف لصنع الله أيّ خبرات في أيّ مؤسسات أخرى تؤهله لتعيينه فيما بعد رئيساً للمؤسسة الوطنية للنفط، حيث تقتصر خبرته على العمل بشركة راس لانوف، وأتيحت له هذه الوظيفة فقط بعد سحب أغلب الخبرات الأجنبية بسبب مشاكل النظام السابق مع أمريكا وأوروبا.

وتروي المصادر أنّ سبب إقالة صنع الله من شركة راس لانوف هو عمله على عقد الصفقات مع الجهات الأجنبية، حيث دخل في صراع مع مدير الشركة محمد عبد الرحيم أحميد القذافي، الذي تقدّم بشكوى ضده إلى الجهات المختصة.

 

صنع الله قام بتعيين أكثر من (100) مستشار أغلبهم من تيارات الإسلام السياسي، وكان يحاول تشكيل وحدة عسكرية تابعة له

 

وبعد وضعه على قائمة التنصت الهاتفية هو وعدة شخصيات أخرى، وجهت السلطات له مع آخرين اتهامات بإحداث الحريق في الخزانات في راس لانوف عام 2001، وتعمد إحداث أخطاء فنية متكررة في المواصفات للمواد والإنشاءات، والتآمر على لجنة إدارة الشركة لتحقيق مصالح شخصية.

في أعقاب قيام ثورة الـ17 من شباط (فبراير) عام 2011، استغل صنع الله حالة الغضب الشعبي وأبلغ رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل عبر شخصيات مقربة منه، أنّه كان من معارضي النظام السابق.

ومن ثمّ عاد صنع الله إلى المناصب الإدارية، وبدأ في مشوار التودد إلى المسؤولين حتى تمّ ترشيحه لعضوية مؤسسة النفط بالاعتماد على جماعة الإخوان وعلى الميليشيات المسلحة.

واستمر صنع الله في دعم الجماعات الإرهابية بشتى الطرق، بما في ذلك الدعم المباشر من خلال نقل مصابي الميليشيات والجماعات الإرهابية إبّان حرب طرابلس 2019 عبر طيران المؤسسة الوطنية للنفط للعلاج بالخارج، رغم مناداته مراراً بتجنيب المؤسسة وأصولها الصراع السياسي.

استمر صنع الله في دعم الجماعات الإرهابية بشتى الطرق

وكان رئيس الحكومة منتهية الولاية عبد الحميد الدبيبة قد أقال قبل أيام صنع الله، مستغلاً وجوده خارج ليبيا لأداء فريضة الحج.

وبحسب القرار، فإنّ الدبيبة عيّن مجلس إدارة جديداً للمؤسسة الوطنية للنفط برئاسة فرحات بن قدارة، وهو آخر محافظ للبنك المركزي في عهد معمر القذافي، كما شكّل بموجب القرار ذاته لجنة للاستلام والتسليم.

بدوره، أعرب صنع الله رفضه قرار حكومة الوحدة الوطنية باستبداله، وتقدم بشكوى على الدبيبة إلى النائب العام تتعلق بمخالفة القوانين الناظمة لعمل المؤسسة، ودفعه ميليشيات مسلحة للسيطرة على الوضع في المؤسسة والتدخل بالشؤون الإدارية.

مواضيع ذات صلة:

3 أسباب.. لماذا لن تنخفض أسعار النفط قريباً؟

تأثيرات تجميد عائدات النفط على الانقسام السياسي في ليبيا

إعادة فتح الحقول والموانئ النفطية في ليبيا... هل عُقدت أي اتفاقيات؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية