بعد خطط بريطانيا بترحيلهم... هل تعيد أوروبا حساباتها تجاه المهاجرين؟

بعد خطط بريطانيا بترحيلهم... هل تعيد أوروبا حساباتها تجاه المهاجرين؟


19/06/2022

تصر بعض الدول الأوروبية، على رأسها بريطانيا واليونان، على اتخاذ إجراءات للحدّ من الهجرة غير الشرعية، حتى لو كانت على حساب حقوق الإنسان، أو تستند إلى انتهاكات تطال أشخاصاً هربوا من الحروب والإرهاب والمجاعات، دون مراعاة أيّ من الأسس الدولية والقوانين التي تلزم تلك الدول بتوفير الأمن والأمان لهؤلاء المهاجرين.

سياسة أوروبا المتشددة بدأت من بريطانيا؛ حيث يمكن لأيّ مهاجر وصل إلى بريطانيا عبر بحر المانش بطريقة غير شرعية أن يجد نفسه يوماً ما في رواندا.

ورغم أنّه على إثر قرار للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ألغيت مساء الثلاثاء الماضي في آخر لحظة رحلة كان من المقرر أن يغادر بموجبها (7) أشخاص إلى هذا البلد الأفريقي. لكن تصرّ بريطانيا على المضي قُدماً في سياستها، رغم الانتقادات الكثيرة التي تواجهها، فلماذا اختارت لندن هذه السياسة المتشددة تجاه ملف الهجرة؟

اختارت حكومة المحافظين البريطانية سياسة مثيرة للجدل في مواجهة تدفق المهاجرين إلى أراضيها عبر بحر المانش، بطردهم إلى رواندا في صفقة بين لندن وكيغالي، انتُقدت بشدة من الأمم المتحدة ومعها المنظمات الحقوقية المدافعة عن المهاجرين، وفق وكالة "فرانس برس".

وارتفع عدد المهاجرين العابرين لبحر المانش باتجاه بريطانيا بشكل كبير منذ مطلع العام، حيث عبر أكثر من (10) آلاف مهاجر القناة بشكل غير شرعي انطلاقاً من الأراضي الفرنسية، مستخدمين زوارق صغيرة، وهو ما شكّل موضوع خلاف متواصل بين لندن وباريس بعد البريكسيت.

ارتفع عدد المهاجرين العابرين لبحر المانش باتجاه بريطانيا بشكل كبير منذ مطلع العام

وألغيت مساء الثلاثاء أول رحلة جوية كان يفترض أن ترحل من بريطانيا إلى رواندا مهاجرين في إطار هذه الصفقة، بعد مراجعات قضائية جرت في اللحظات الأخيرة. وبهذا الشأن، قالت منظمة "كير فور كاليه" المتخصصة في الدفاع عن طالبي اللجوء، في تغريدة على تويتر: إنّ "آخر تذكرة طيران ألغيت، لا أحد سيغادر إلى رواندا".

ومن جانبها، ذكرت وكالة الأنباء البريطانية "بي إيه"، نقلاً عن مصادر حكومية في لندن الثلاثاء، أنّ الرحلة الجوية ألغيت بسبب قرارات أصدرتها في اللحظات الأخيرة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. لكن يبدو أنّ الحكومة البريطانية مصرة على المضي قُدماً في سياستها، فقد أكدت وزيرة الداخلية بريتي باتيل أنّه "لن تثبط عزيمتنا عن فعل الشيء الصحيح وتنفيذ خططنا للسيطرة على حدود بلادنا".

وكانت الرحلة التي ألغيت في آخر لحظة شبه فارغة، حيث لم يتجاوز عدد الذين كانت الحكومة تستعد لترحيلهم الـ7 أشخاص فقط، حسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية عن منظمة "كير فور كالي"، بعد إلغاء بطاقات سفر (24) شخصاً من أصل (31) بموجب عدة طعون. ويوجد ضمن هؤلاء المهاجرين إيرانيون وعراقيون وألبان وسوري.

من جهتها، اعتبرت المتحدثة باسم المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين، رولا أمين، أنّ "موقف المفوضية واضح ومبدئي. وتجد أنّ هذا التطور أمر خطير جداً قد تكون له عواقب كارثية على طالبي اللجوء واللاجئين، وسابقة خطيرة ستضر وتقوض نظام حمايتهم".

 

رولا أمين: سياسة بريطانيا وتطورها أمر خطير جداً، قد تكون له عواقب كارثية على طالبي اللجوء واللاجئين، وسابقة خطيرة ستضر وتقوض نظام حمايتهم

 

وندد مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، بخطة المملكة المتحدة، معتبراً أنّها "كلّها خطأ"، ولم تلاقِ هذه الخطة في التعاطي مع ملف الهجرة غير الشرعية ترحيباً من أطراف مختلفة في الداخل البريطاني أيضاً، على رأسها الأسرة المالكة والكنيسة الأنغليكانية.

وكتب الزعماء الروحيون للكنيسة الأنغليكانية، وبينهم رئيس أساقفة كانتربري جاستن ويلبي ويورك ستيفن كوتريل و(23) أسقفاً، في رسالة نشرتها صحيفة التايمز الثلاثاء الماضي، أنّ "هذه السياسة غير الأخلاقية تغطي بريطانيا بالعار". من جانبه، وصف الأمير تشارلز خطة الحكومة البريطانية لإرسال طالبي لجوء إلى رواندا بأنّها "مروعة"، وفق ما نقلت شبكة "سي إن إن".

وتستفيد كيغالي من هذه الصفقة مالياً، التي يعتبر منتقدوها أنّها أبرمت على حساب حقوق المهاجرين. وتجني منها هذه الدولة الأفريقية بموجب اتفاق مع لندن مبلغ (120) مليون جنيه إسترليني (144) مليون يورو، كتمويل أوّلي للخطة.   

وخلال مؤتمر صحفي في كيغالي، قالت المتحدثة باسم الحكومة يولاند ماكولو: إنّ هذا الاتفاق يُشكّل "حلاً لنظام اللجوء العالمي الفاشل". وأضافت: "لا نرى أنّ من غير الأخلاقي أن نمنح الناس منزلاً"، مشيرة إلى أنّ رواندا ستكون "سعيدة" باستقبال "آلاف المهاجرين".

اعتبرت المتحدثة باسم المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين، رولا أمين، أنّ موقف المفوضية واضح ومبدئي

ومن المفترض أن يوضع المهاجرون المرحلون من بريطانيا في "فندق الأمل" Hope Hostel  في كيغالي، "وهو ليس سجناً"، بحسب مديره، إنّما فندق يملك فيه النزلاء حرية الخروج والدخول. وتتهم منظمات غير حكومية بانتظام الحكومة الرواندية بقمع حرية التعبير والمعارضة السياسية.

وهذه ليست هي المرة الأولى التي تستقبل فيها رواندا طالبي لجوء من دولة أخرى؛ إذ اتفقت كيغالي والاتحاد الأفريقي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في عام 2019 على أنّه يمكن إجلاء المهاجرين في مراكز الاحتجاز الليبية المزرية طواعية إلى رواندا على متن رحلات جوية تديرها الأمم المتحدة.

ولم تتوقف سياسة بريطانيا على الترحيل؛ بل تجاوزتها إلى مراقبة المهاجرين حتى يتم ترحيلهم؛ حيث  تطبق نظاماً إلكترونياً لتتبع بعض المهاجرين في إطار برنامج تجريبي لوزارة الداخلية، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية أمس.

 

هذه ليست المرة الأولى التي تستقبل فيها رواندا طالبي لجوء، إذ اتفقت مع الاتحاد الأفريقي ومفوضية اللاجئين عام 2019 على إجلاء المهاجرين من ليبيا

 

وذكرت الوزارة أنّ البرنامج الذي يمتد (12) شهراً، وبدأ يوم الأربعاء الماضي، سيختبر ما إذا كانت المراقبة الإلكترونية طريقة فعالة لمنح الإفراج عن المهاجرين بنظام الكفالة في قضايا الهجرة لمن يفدون إلى البلاد عبر طرق "غير ضرورية وخطرة".  

أمّا اليونان، فقد حذّرت نهاية أيار (مايو) الماضي من أنّها لن تسمح بالدخول غير القانوني للمهاجرين عن طريق البر أو البحر، بعد الزيادة الحادة في محاولات الدخول عبر جزر بحر إيجة والحدود البرية مع تركيا خلال الفترة الماضية.

وقال وزير الحماية المدنية تاكيس ثيودوريكاكوس لقناة (إيه.إن.تي1) التلفزيونية اليونانية: "لن نسمح لأيّ شخص بدخول اليونان بطريقة غير شرعية، سواء من إيفروس أو عبر الجزر، فليدرك الجميع ذلك"، حسبما نقل موقع "يورو نيوز".

وكانت الدولة الواقعة على البحر المتوسط على خط المواجهة في أزمة الهجرة في أوروبا عامي 2015 و2016، عندما وصل مليون لاجئ فرّوا من الحرب والفقر من سوريا،  وكانت السلطات اليونانية قد أفادت أنّها منعت عدداً كبيراً من الدخول، وقالت بيانات الشرطة إنّ نحو (12) قارباً يقلّ مئات المهاجرين حاول دون جدوى العبور من الساحل التركي إلى الجزر اليونانية.

تاكيس ثيودوريكاكوس: "لن نسمح لأيّ شخص بدخول اليونان بطريقة غير شرعية، سواء من إيفروس أو عبر الجزر، فليدرك الجميع ذلك"

وتفيد بيانات حكومية أنّ نحو (11) ألف مهاجر دخلوا اليونان عبر الحدود البرية اليونانية التركية في منطقة إيفروس أو عبر جزر بحر إيجة في الأشهر الـ4 الأولى من هذا العام بزيادة 25% عن الفترة نفسها من العام الماضي.

وفي ألمانيا، سمحت السلطات بترحيل لاجئين سوريين إلى بلادهم، لا سيّما بعد انتهاء حظر الترحيل في نهاية عام 2020.

وأعلنت السلطات مرات متعددة أنّها بصدد ترحيل كلّ لاجئ لم يقم بتصويب أوضاعه من خلال الحصول على إقامة قانونية عن طريق العمل أو الزواج من ألمانية، أو الذين يثبتون بشكل لا شك فيه أنّهم معرّضون للخطر الكبير في حال عودتهم إلى بلادهم، حسبما نقلت "الإندبندنت".

هذا، وتظهر مبادرة تضامن مع اللاجئين الذين يصلون عبر البحر الأبيض المتوسط التي أطلقتها دول أوروبية تناقض المواقف، حيث يرى البعض أنّ هؤلاء اللاجئين لا يعاملون على قدم المساواة مع الذين يصلون من أوكرانيا.

واجتمع وزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ يوم 16 حزيران (يونيو) الجاري لمناقشة سياسة الهجرة واللجوء، وقد اختلفت التوقعات بشأن ما سيتم تقريره، حسبما أورده موقع "مهاجر نيوز".

لم تتوقف سياسة بريطانيا على الترحيل؛ بل تجاوزتها إلى مراقبة المهاجرين حتى يتم ترحيلهم

وتحدث جيرالد دارمانين، وزير داخلية فرنسا عن الأمل في "ثورة صغيرة"، بينما قالت نانسي فيزر وزيرة الداخلية الألمانية إنّها "واثقة" من أنّها هي وزملاؤها سيكونون قادرين على اتخاذ خطوة إلى الأمام عندما يتعلق الأمر بواحد من أكثر الموضوعات إثارة للانقسام في الاتحاد الأوروبي.

ولم يحدث اجتماع وزراء داخلية الاتحاد ثورة، لكنّهم دعموا فكرة انطلاقة جديدة. فقد وافقت غالبية دول الاتحاد الأوروبي على ما سمّته آلية التضامن الطوعية. وقالت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر إنّ حوالي (12) دولة وافقت على استقبال لاجئين ومهاجرين يصلون من البحر الأبيض المتوسط، خاصة أولئك الذين تم إنقاذهم في البحر، ومن بين هذه الدول ألمانيا وفرنسا ولوكسمبورغ وبلغاريا ورومانيا.

وقالت فيزر: إنّ ألمانيا وفرنسا تأخذان زمام المبادرة عندما يتعلق الأمر بإعادة توطين طالبي اللجوء في جميع أنحاء الاتحاد.

عدد من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى لن تستقبل المزيد من اللاجئين، بل ستقدّم بدلاً من ذلك المساعدة المالية لتلك البلدان التي ستستقبل طالبي اللجوء.

 

اليونان حذّرت من أنّها لن تسمح بدخول المهاجرين عن طريق البر أو البحر، بعد الزيادة الحادة في محاولات الدخول عبر جزر بحر إيجة والحدود مع تركيا

 

ولم يتقرر بعد عدد الأشخاص الذين سيتم نقلهم بين دول الاتحاد الأوروبي التي اختارت المشاركة في المبادرة. يذكر الاقتراح، الذي قدمته فرنسا في شهرها الأخير خلال رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي، (10) آلاف لاجئ سنوياً. ومن المقرر أن تستمر المبادرة لمدة عام واحد، لكن من المحتمل أن يتم تجديدها في المستقبل.

النمسا من بين دول الاتحاد الأوروبي التي لا تؤيد هذه الاتفاقية الجديدة. وقال وزير داخليتها جيرهارد كارنر في تصريحات صحفية: إنّه يعارض إرسال "إشارة خاطئة للمهربين، إشارة مفادها أنّ أوروبا منفتحة وتستقبل الجميع".

ومن غير المرجح أن توقع المجر وبولندا على الاتفاق، فقد حافظتا على سياسات لجوء وهجرة منغلقة على مدى الأعوام الماضية، وكلتاهما عارضتا منذ فترة طويلة خطط إعادة التوطين.

وعلى الرغم من أنّ هذه المبادرة الجديدة تعمل فقط على أساس طوعي وليست ملزمة قانونياً، إلا أنّ الكثيرين يرونها خطوة أولى نحو المضي قدماً في الإصلاحات المتوقفة منذ فترة طويلة في سياسة الهجرة واللجوء في الكتلة.

اتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً لأول مرة يمنح جميع الأوكرانيين الحق في حماية مؤقتة في أيّ بلد ضمن الاتحاد

على مدى أعوام، كانت دول الاتحاد الأوروبي الـ (27) تحاول التوصل إلى حل وسط. وتميل الدول الواقعة على الحدود الخارجية للاتحاد، خاصة تلك الموجودة منها في الجنوب، مثل إيطاليا وإسبانيا ومالطا واليونان وقبرص، التي يصل إليها معظم اللاجئين، حيث يلزم نظام اللجوء الحالي للاتحاد الأوروبي، الدولة التي يصل إليها الشخص بمعالجة ملفه.

وخلال موجة الهجرة واللجوء عام 2015، وصل أكثر من مليون مهاجر عبر البحر الأبيض المتوسط، ممّا تسبب في صراع داخل دول الاتحاد الأوروبي حول توزيع الأعداد الكبيرة من الوافدين.

في عام 2020، حاولت المفوضية الأوروبية، الجهة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، اتباع نهج جديد واقترحت ميثاقاً بشأن اللجوء والهجرة. ولكن منذ ذلك الحين، لم يتغير الكثير  على الأقل عندما يتعلق الأمر باللاجئين من دول أخرى غير أوكرانيا.

خلال آذار (مارس)، اتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً لأول مرة يمنح جميع الأوكرانيين الحق في حماية مؤقتة في أيّ بلد ضمن الاتحاد. ووفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين، تم تسجيل أكثر من (4.8) ملايين لاجئ أوكراني في جميع أنحاء أوروبا، وقد تسجل (3.2) ملايين شخص في برامج الحماية.

مواضيع ذات صلة:

صعود اليمين المتطرف في الغرب: أبعد من استهداف المهاجرين

الأمم المتحدة تلتفت إلى المهاجرين على الحدود اليونانية التركية

كيف سيواجه الاتحاد الأوروبي تدفق المهاجرين من تركيا؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية