بعد الاعتراف الأمريكي بالإبادة الجماعية للأرمن.. ما تداعيات القرار على تركيا؟

بعد الاعتراف الأمريكي بالإبادة الجماعية للأرمن.. ما تداعيات القرار على تركيا؟


27/04/2021

في إعلان تاريخي، اعترف الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم 24 نيسان (أبريل) الحالي بأنّ مذبحة الأرمن التي ارتكبت على يد الإمبراطورية العثمانية في العام 1915 كانت "إبادة جماعية"، وهو تصنيف تجنبه الرؤساء الأمريكيون لفترة طويلة خوفاً من الإضرار بالعلاقة الأمريكية التركية، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست".

يأتي قرار بايدن بعد حملة ضغط مطولة قام بها أعضاء في الكونغرس وجماعات أمريكية أرمينية

تعود المذبحة إلى بداية القرن العشرين عندما كانت دولة أرمينيا تحت الحكم العثماني، وأثناء الحرب العالمية الأولى تشكك القادة العسكريون العثمانيين في ولاء الشعب الأرميني، وفي يوم 24 نيسان (أبريل) 1915، ألقت السلطات العثمانية القبض على المفكرين والمثقفين الأرمن، وقام الجيش العثماني بطرد الأرمن من ديارهم، وأجبرهم على المسير لمئات الأميال إلى الصحراء وحدود سوريا الحالية، وتم حرمانهم من الغذاء والماء، ووقعت مجازر عشوائية وتم مقتل العديد بغض النظر عن العمر أو الجنس، وتم اغتصاب والاعتداء الجنسي على العديد من النساء في نهاية المطاف لقيت نسبة كبيرة من الأرمن الذين يعيشون في الأناضول حتفهم.

 يعتبر كثير من المؤرخين والأكاديميين أنّ تلك المذابح تمت تحت رعاية الدولة العثمانية وبرضاها، ومن المعترف به على نطاق واسع أنّ مذابح الأرمن تعتبر من جرائم الإبادة الجماعية الأولى في التاريخ الحديث.

 تسعى أرمينيا لأكثر من 30 عاماً من أجل الاعتراف الرسمي العالمي بأنّ ما جرى إبادة جماعية، بالرغم من أنّ تركيا تؤكد أنّها كانت حرباً أهلية هدفها استقلال الأرمن، وتستذكر هذه الأحداث سنوياً في 24 نيسان (أبريل)، بيوم الشهيد الأرمني، أو يوم الإبادة الجماعية للأرمن.

 

الخطوة رمزية إلى حد كبير إلا أنّها تعد مؤشراً ذا دلالة نحو تغيرات جذرية ستشهدها السياسة الأمريكية تجاه تركيا

يأتي قرار الرئيس الأمريكي بعد حملة ضغط مطولة قام بها أعضاء في الكونغرس وجماعات أمريكية أرمينية، تحرص على أن تعتمد الإدارة الأمريكية "مصطلح الإبادة الجماعية " تفسيراً لما تعرض له للأرمن وهم تحت الحكم العثماني، مما دفع جو بايدن بوعد ناخبيه خلال حملته الانتخابية، بأنه سيعترف بالفظائع التي جرت للأرمن باعتبارها إبادة جماعية، وفي اعترافه قال: "نتذكر أرواح جميع من لقوا حتفهم في الإبادة الجماعية للأرمن ونجدد التزامنا بمنع حدوث أحداث مشابهة مرة أخرى".

رغم أنّ هذه الخطوة رمزية إلى حد كبير، ولن يترتب عليها أي عقوبات تجاه تركيا، إلا أنّها تعد مؤشراً ذا دلالة نحو تغيرات جذرية ستشهدها السياسة الأمريكية تجاه تركيا.

اقرأ أيضاً: الإبادة الجماعية للأرمن والنفاق التركي وفقدان الإحساس بالواقع

وحول أهمية هذا القرار لأرمينيا يقول الدكتور أرمين مظلوميان رئيس الهيئة الوطنية الأرمنية: "إن اعتراف جو بايدن بالإبادة الأرمينية -وهو أول رئيس أمريكي يفعل ذلك- جاء وفاء لوعوده الانتخابية، وهو انتصار كبير لعدالة القضية الأرمينية، مؤكداً على أنّ مرور 106 أعوام على الجريمة لا يسقطها إنسانياً ولا تاريخياً، فمازال الأحفاد يعانون من هول ما لاقاه أجدادهم، وواجب المجتمع الإنساني الاعتراف بهذه الإبادة للتطهر من أحد أسوأ الأعمال الوحشية في التاريخ".

الذكرى السادسة بعد المئة لهذه المأساة

 وأضاف مظلوميان، في حديثه لـ"حفريات"، أنّ "إصرار الأرمن على إحياء ذكرى المذابح التي عاشها الأجداد على يد العثمانيين، ليست للانتقام؛ فالجريمة أصبحت في حوزة التاريخ، ولكنها رسالة تنبيه للحاضر بضرورة نبذ العنف والعنصرية والاستعلاء وكل أشكال التعصب، وأيضاً هي رسالة محبة للعالم وللإنسانية جمعاء وتوثيق للإبادة الأرمينية وتبديد سياسة الإنكار التركية".

اقرأ أيضاً: الأرمن ونازية رجب

ويستكمل مظلوميان "إنّ سياسة الإنكار من قبل الحكومات التركية لن تفيد الانسانية بل تضرها، ولا ننسى أنّ نحو 30 دولة اعترفت رسمياً أنّ ما تعرض له الأرمن في بداية القرن الماضي هي إبادة جماعية من بينها فرنسا وروسيا وكندا ولبنان، لذا فإنّ القرار الأمريكي جاء كخطوة على طريق إعادة الحق والعدل التاريخي لأحفاد ضحايا الإبادة وتعويضهم، وترسيخ لحقوق الإنسان في المجتمع الدولي المتحضر ودعوة قوية لمنع إبادات أخرى في المستقبل".

محمد الإمام: وسم التراث العثماني بارتكابه جرائم يوقف استخدام هذه الميزة التاريخية لأردوغان ويعطل مشروعه 

ودعا مظلوميان، منظمات الضغط الأرمينية للعمل على تعميق العلاقات بين أرمينيا والولايات المتحدة، والعمل من أجل إعادة الأسرى الأرمن المحتجزين في أذربيجان، فضلاً عن دعوة المجتمع الدولي حذو خطوة الإدارة الامريكية والاعتراف بأول إبادة في القرن العشرين.

من جانبه، يثمن أستاذ التاريخ المعاصر والمختص بالشأن الأرمني، الدكتور محمد رفعت الإمام، هذه الخطوة الأمريكية مؤكداً لـ"حفريات" أنّها خطوة نحو إعادة الاعتبار للأرمن؛ "إنّ ما ارتكبته الدولة العثمانية تجاه الأرمن العام 1915 جريمة تاريخية في حق الإنسانية، و"إبادة جماعية" وفقاً (لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها) التي أقرتها الأمم المتحدة في العام 1948 والتي دخلت حيز التنفيز في بداية 1951، ووفق الاتفاقية تُعرّف الإبادة الجماعية بأنها "أعمال ترتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة قومية أو عرقية أو دينية"".

ويشير الإمام، إلى إنّ "القرار الأمريكي مر بثلاث مراحل بدأ بموافقة مجلس النواب الأمريكي ثم موافقة مجلس الشيوخ وأخيراً اعتماد وموافقة الرئيس الأمريكي جو بايدن"، مستدركاً "رغم الاعتراف الأمريكي والدولي بأنها جريمة إبادة، إلا أنّ تركيا لن يقع عليها أي عقوبة مباشرة، فالقانون الدولي للإبادة الجماعية لن يحاسب على الجرائم التي وقعت قبل 1950 وإن كان يدينها إنسانياً، قيمة القرار الأمريكي أنه يعطي معنوية كبيرة للأرمن ويسمح لهم بطرح قضية استرداد أراضيهم شرق الأناضول مرة أخرى".

اقرأ أيضاً: بعد الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن.. ماذا عن المأساة الفلسطينية؟

وحول أسباب اعتراف الرئيس بايدن بالإبادة الجماعية للأرمن في هذا التوقيت أشار الإمام، إلى أنّ "تركيا خلال فترة الرئيس رجب طيب أردوغان تحاول استخدام التراث العثماني كقوة ناعمة تسمح لها بالسيطرة على دول الشرق، ووسم هذا التراث بارتكابه مذابح وجرائم وإبادات جماعية يوقف استخدام هذه الميزة ويعطل المشروع التركي بعض الشيء".

اقرأ أيضاً: لماذا قرر بايدن الاعتراف بإبادة الأرمن؟ وما تداعيات القرار؟

ويتابع: من ناحية أخرى هي رسالة شديدة اللهجة للجانب التركي تشير إلى استعداد واشنطن للاعتراف بمذابح أخرى، مثل ما حدث للأكراد أو لليزيديين أو للعلويين، كل هؤلاء ارتكبت الدولة التركية بحقهم مذابح مثبتة وتقع تحت طائلة الاتفاقية الدولية لمنع الإبادة الجماعية "وإذا أقرها المجتمع الدولي ستقع تركيا تحت طائلة العقوبات لا محالة".

اقرأ أيضاً: ماذا يعني اعتراف بايدن بإبادة الأرمن؟.. وكيف جاءت ردود الفعل التركية والدولية؟

ويستكمل الإمام: "وسبب أنّ الرسالة شديدة اللهجة إصرار أنقرة على الانحياز لموسكو في الفترة الأخيرة، وعلى وجه الخصوص فيما يخص استخراج اليورانيوم من دول القوقاز مما يعد تعارضاً مع المصالح الأمريكية، وبالتالي أرادت واشنطن من هذا القرار أن تكشير أنيابها قليلاً لحليفها القديم، لفك هذا التقارب"، ولا يستبعد الإمام تفاقم الأزمات بين أنقرة وواشنطن في المستقبل القريب.

مع الوضع في الاعتبار أنّ كل الإدارات الأمريكية السابقة رغم تبنيها لوجهة النظر الأرمينية إلا أنّها لم تعتبرها "إبادة جماعية"، يرى الكاتب والباحث السياسي، الدكتور سامح عسكر، أنّ "هذا القرار يتسق مع دعاية بايدن وحملته الانتخابية بأنه راعٍ لحقوق الإنسان، متابعاً في حديثه لـ"حفريات" أنّ "قرار الرئيس الأمريكي باعتبار ما وقع للأرمن في 1915 جريمة إبادة جماعية، يحقق أكثر من فائدة لبايدن؛ فهو يثبت جديته في تبني قيم حقوق الإنسان، ويؤكد وفاءه بوعوده الانتخابية للأمريكيين من أصول أرمينية، كما يسمح  القرار له بتصفية الحسابات مع أنقرة التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء في شمال العراق وشمال سوريا والتهرب من تعهداتها بترحيل المرتزقة من ليبيا".

اقرأ أيضاً: الذكرى الـ106 لـ"المذبحة".. أبرز المعترفين بالإبادة الجماعية للأرمن

 وحول قيمة هذا الاعتراف، أكد عسكر أنّ "من المهم إدراك قوة وحجم الجالية الأرمينية في الولايات المتحدة الامريكية التي تمكنت بنجاح في فرض وجهة نظرها على الناخب وفي دوائر اتخاذ القرار، وأرمينيا تحتاج هذا الدعم المعنوي، فهي دولة بينية مهمة في اللعبة الجيوسياسية، يجب أن تظل آمنة، حيث يمر من أرمينيا بترول آسيا الوسطة والقوقاز إلى أوروبا".

من جانبها ترفض الدولة التركية عبر سنوات وبمختلف الحكومات اعتبار ما وقع للأرمن مذبحة أو إبادة جماعية، ترى أنّ الوفيات كانت نتيجة لحرب أهلية مقرونة بالمرض والمجاعة، حيث كانت الخسائر قد وقعت في كلا الجانبين.

بطبيعة الحال، انتقدت الدولة التركية قرار الرئيس الأمريكي وقالت إنه ليس له أي أساس قانوني "وسيفتح جرحاً عميقاً" في العلاقات الثنائية. وقالت وزارة الخارجية التركية "هذا البيان الأمريكي الذي يشوه الحقائق التاريخية لن يقبله ضمير الشعب التركي وسوف يفتح جرحاً عميقاً يقوض الصداقة والثقة المتبادلة بيننا"، وأضافت أنّها ترفض وتستنكر البيان "بأشد العبارات".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية