بعد اتهامهم بالإلحاد... ملاحقات أمنية تطال شباباً عراقيين

العراق

بعد اتهامهم بالإلحاد... ملاحقات أمنية تطال شباباً عراقيين


22/10/2018

لا يبرح محمد رضا شارع المتنبي، وسط العاصمة بغداد؛ حيث يمارس طقسه الثقافي كل يوم جمعة من أيام الأسبوع، مع أصدقاء له من شتى مناطق العاصمة؛ إذ يواجه رضا تهمة الإلحاد نتيجة مناكفته لممارسات دينية، أغلبها ذات طابع سياسي في العراق.

ويعدّ شارع المتنبي أحد أشهر الشوارع في بغداد، وأقدم سوق للكتب فيها، وقد صار بلا منازع أبرز الأماكن الثقافية التي يرتادها آلاف العراقيين.

اقرأ أيضاً: الإلحاد في العالم العربي: نقد التدين أم هدم الدين؟

ويشير شيوع التجمعات الثقافية المناهضة لأسلمة الدولة والمجتمع في المتنبي، إلى وجود رفضٍ واسع للسلوكيات المهيمنة على طابع البلاد المدني.

ويقول رضا لـ "حفريات": "أنا لست ملحداً، لكنّ الأجواء التي نعيشها، كشبيبة متطلعة للحياة، تقودنا إلى الحنق على الوضع العام المزري في العراق"، مبيناً أنّ "قوى الإسلام السياسي، الحاكمة منذ عقد ونصف العقد، أفسدت الحياة المدنية التي يتمتع بها العراقيون على مدار الأعوام الماضية".

تجمع ثقافي في ساحة القشلة بشارع المتنبي

كثرة الطقوس الدينية

ويتساءل رضا عن "جدوى تعطيل الحكومة لأيام عدة من العام، بحجة كثرة الطقوس الدينية؟"، لافتاً إلى أنّ "المسؤول الحكومي (المتدين) يداري فشله بخداع الناس، عبر مشاركتهِ إياهم بتلك الممارسات الروحية على مدار تلك العطل".

باحث إسلامي: حرية التعبير وغيبوبة العقل الديني في ثالوث الطقوس والخرافة والتطرف وراء ظاهرة الإلحاد

ويرهن رضا تحسّن الأوضاع العامة في بلاده، بـ "وجود قوى مدنية حقيقية تعمل على استنهاض كفاءات رصينة، تصوغ قوانين لا تمييز فيها على أساسٍ ديني أو عرقي أو مذهبي".

وفي السياق ذاته؛ يبدي أنس خالد أسفه لما يتعرض له "الشباب المتمرد" من تهمٍ تضعه في خانة "الإلحاد" أو "التعصب اللاديني".

ويؤكد لـ "حفريات" أنّه يعمل بمعية شباب آخرين على "إقامة ندوات تثقيفية في شارع المتنبي، يرتادها الكثير من الناس، من أجل إشاعة وعي مناوئ للطائفية الدينية المقيتة، ورفض ممارسة أسلمة المجتمع على نطاق ما حصل في الوقت الحالي".

اقرأ أيضاً: العراق.. الأحزاب الدينية تُطارد الشباب بتهمة الإلحاد

أما عمار الحسن، فقد اختلف نسبياً مع رضا وخالد، وأشار بوضوح إلى أنه يميل نحو التيارات الإلحادية، مبيناً أنّ "التيار الديني هو من يقف وراء ما يجري في العراق منذ العام 2003".

شارع المتنبي في بغداد

ظواهر طارئة على المجتمع

من جهتهم؛ قلّل مفكرون وباحثون إسلاميون من انتشار ما يسمى بـ"ظاهرة الإلحاد" في العراق، لافتين إلى أنها "ظاهرةً طارئة" على المجتمع في الوقت الراهن.

اقرأ أيضاً: قصص حقيقية لشباب مغاربة تحوّلوا من التطرف الديني إلى الإلحاد

ويقول غالب الشابندر، وهو مفكّر إسلامي، إنّ "ظاهرة الإلحاد التي بدأت تنتشر في الأعوام الأخيرة في العراق، وكثر الحديث عنها، هي ظاهرة طارئة على المجتمع، وليست ظاهرة أصيلة"، مشيراً إلى أنها "جاءت كردِ فعلٍ على الوضع العام للبلد، فضلاً عن غياب الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، الذي ولد لنا هذه الشريحة ممن يسمون أنفسهم بالملحدين".

غالب الشابندر: إنّ ظاهرة الإلحاد طارئة على المجتمع وليست أصيلة

ويضيف لـ "حفريات": "من السذاجة أن يعلن شاب بعمر الـ 17 عاماً إلحاده، وهو لم يطّلع على كتب الفلسفة القديمة والحديثة، وآراء الفلاسفة من الإيمان".

ناشطون: لسنا ملحدين لكن لدينا أسئلة أثارتها سلوكيات الإسلاميين وقوى الإسلام السياسي الحاكمة منذ أعوام

أما الباحث الإسلامي غيث التميمي، فيعزو أسباب شيوع ظاهرة الإلحاد إلى "ثورة المعلومات المتوافرة في الإنترنت، وحرية التعبير التي وفرتها مواقع التواصل الاجتماعي، وغيبوبة العقل الديني في ثالوث الطقوس والخرافة والتطرف".

ويتابع التميمي إنّ "هناك أسباباً أخرى، مثل عدم تصدي العلماء والمؤسسات الدينية لمعالجة الإشكالات التي تواجه الموروث الديني، وكذلك جرائم الجماعات الجهادية والميليشيات التي تستند لنصوص الدين والفقه"، لافتاً في الوقت ذاته إلى "غياب مرجعيات رصينة علمياً قادرة على استيعاب أزمات الشباب وتساؤلاتهم".

ملاحقات أمنية وتنديدات حقوقية

وعلى ضوء الاتهامات الإلحادية الموجهة لبعض الناشطين في الحراك المدني؛ أعلنت إدارة قضاء الغراف المحلية بمحافظة ذي قار، مطلع الشهر الحالي، اعتقالها أحد الناشطين في القضاء.

اقرأ أيضاً: منظمة دولية تكشف عدد المفقودين في العراق

ويقول مدير القضاء، ضيدان العقيلي لـ "حفريات" إنّ "القوات الأمنية اعتقلت واحداً من مجموع أربعة ملحدين، صدرت بحقّهم أوامر قبض قضائية"، مشيراً إلى "مواصلة الأمن ملاحقة الثلاثة الهاربين".

وأضاف "هذه المجموعة تعقد الندوات داخل المجالس الثقافية التي تحصل في الناحية، وتهدف إلى نشر الإلحاد وتوسيع قاعدته الجماهيرية في الساحة".

 

إلى ذلك؛ رأى المركز العراقي لدعم حرية التعبير (حقوق)، عملية اعتقال أحد الناشطين في محافظة ذي قار بتهمة الإلحاد "إرهاباً بحدّ ذاته".

ودان المركز، في بيان صحفي "الطريقة غير الدستورية والسعي في قمع آراء الناس"، مطالباً وزير الداخلية، قاسم الأعرجي بـ"الإفراج عن الناشط المعتقل، ومحاسبة المتسبّبين في اعتقاله".

اقرأ أيضاً: عندما اتهم رشيد رضا طه حسين بالإلحاد والكُفر!

وعدّ المركز، "أساليب الاعتقالات التي تتبعها المؤسسات الأمنية من دون مذكرات قضائية، إرهاباً بحدّ ذاته بحقّ المواطنين"، متعهداً بـ "توفير فريق دفاع قانوني بهذا الشأن".

الموقف القانوني من الإلحاد

بدورهم، ينفي خبراء قانونيون وجود مادة دستورية تعاقب من يتبنى الإلحاد عقيدة، مؤكّدين أنّ القانون يقف على مسافة واحدة من جميع العراقيين.

يبيح الدستور العراقي لمواطنيه حرية الاعتقاد الديني ويعاقب على مسألة ازدراء الأديان ويؤكد حرية العراقيين في الالتزام بأحوالهم الشخصية

ويقول الخبير القانوني، أحمد الساعدي إنّ "قانون العقوبات رقم (١١١ لسنة ١٩٦٩) لم ينص على عقوبة الإلحاد، بل نص ضمناً على ازدراء الأديان أو إهانة رموزها أو تعطيل شعائرها"، مشيراً إلى أنّ "عقوبة الأخيرة (ازدراء الأديان) تصل  بالحبس لمدة لا تزيد على ثلاثة أعوام، أو استبدالها بالغرامة".

ويؤكد الساعدي لـ "حفريات" أنّ "الدستور العراقي نصّ في المادة (41) منه، على أنّ العراقيين أحرارٌ في الالتزام بأحوالهم الشخصية، بحسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم"، مبيناً أنّ "كلمة اختياراتهم هذه تبيح لكلّ شخص الاعتقاد بما يراه وفق منظوره، علماً بأنّ هذه المادة لم تنظّم بقانون كما نصّ الدستور منذ إقراره بالاستفتاء".

شباب يرتادون شارع المتنبي لشراء الكتب

ويحمّل الساعدي "سياسة الأحزاب المتأسلمة التي عاثت بالعراق فساداً وخراباً، مسؤولية انتشار ظاهرة الإلحاد"، مبيناً أن "تلك الأحزاب بعيدة عن مبادئ وروح وسماحة الدين الإسلامي الحنيف".

وكانت المرجعية الدينية في النجف، قد أقرت، في نيسان (إبريل) الماضي، بوجود ظاهرة الإلحاد في العراق، مبينة أنّ الكثير من الشباب انضوى تحت يافطات إلحادية نتيجة ما وصفته بـ"الانغماس في الشبهات الفكرية" التي قادتهم لذلك.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية