
تستعد تونس لإجراء الانتخابات الرئاسية في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، والتي تشهد لأول مرة منذ 2011 غياب عناصر الإخوان عن المنافسة، برغم محاولاتهم المستمرة بالتشويش على هذا الاستحقاق عبر تأجيج الأوضاع ومحاولة تأليب الرأي العام التونسي.
في الأثناء تحقق تونس نجاحات أمنية متتالية، أحدثها اعتقال عنصرين إرهابيين أحدهما صدرت بحقه أحكام بالسجن لمدة 36 عاماً. وقالت الإدارة العامة للحرس الوطني إن وحدات خاصة ألقت القبض على العنصرين في عمليتين منفصلتين. واعتقل العنصر الأول في مدينة الفحص بولاية زغوان شمال غرب البلاد.
وهو عنصر مفتش عنه لدى السلطات الأمنية والقضائية وصادرة بحقه أحكام بالسجن لمدة 36 عاماً بتهمة "الانتماء إلى تنظيم إرهابي". واعتقل العنصر الثاني في بنزرت شمال البلاد، وهو أيضاً مفتش عنه لدى الأمن والقضاء وصدر ضده حكم بالسجن لمدة سنة بنفس التهمة. وعرفت تونس هجمات إرهابية دامية بعد عام 2011، لكنها انحسرت بشكل ملحوظ منذ سنوات قليلة بعد تصفية العديد من القياديين في التنظيمات الإرهابية والمتحصنة في الجبال والمرتفعات.
نجاحات أمنية
هذا وتمكّنت القوات المسلحة الأمنية والعسكرية التونسية من القضاء على أغلب العناصر الإرهابية المحصنة في الجبال التونسية، وأكد الناطق باسم وزارة الداخلية التونسية، فاكر بوزغاية، في تصريحات سابقة نقلتها وكالة الأنباء التونسية، أن عدد العناصر الإرهابية المتحصنة بالمرتفعات تقلّص من 117 عنصرًا خلال العامين 2014 و2016 إلى 11 عنصرًا لعام 2023، ينتمون إلى كتيبة "جند الخلافة" الموالية لتنظيم "داعش" الإرهابي.
تواصل الوحدات الأمنية والعسكرية تعقب المجموعات الإرهابيّة المسلحة المتحصنة بالمرتفعات وخاصة منها الغربية
وتواصل الوحدات الأمنية والعسكرية تعقب المجموعات الإرهابيّة المسلحة المتحصنة بالمرتفعات وخاصة منها الغربية، ومنها ما يُعرف بـ "كتيبة عقبة بن نافع" المنضوية تحت لواء "تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" أو المجموعات التابعة لـ "جند الخلافة".
وهو ما يعني نهاية ما يسمى "كتيبة عقبة بن نافع" المبايعة لتنظيم "قاعدة الجهاد بالمغرب الإسلامي" الإرهابي، وإنهاك "كتيبة جند الخلافة" الداعشية الإرهابية.
استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب
هذا وبدأت تونس تطوير استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب تجمع بين الجهود الأمنية والتربوية والثقافية، وتعتمد على تعاون متعدد الأطراف محلياً ودولياً، وقال خبراء ومحللون إن الحكومة التونسية تسعى لتحصين المجتمع ضد التطرف ومواجهة الإرهاب من خلال نهج شامل ومتكامل.
وقد تم إطلاق "حملة اتصالية متكاملة للتعريف بالاستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف العنيف والإرهاب للأعوام الخمسة المقبلة"، في محاولة لتعريف كل المتدخلين في القضايا التي لديها علاقة بـ"التطرف العنيف والإرهاب" بمضامين هذه الاستراتيجية وأولوياتها.
في السياق، قال المحلل السياسي التونسي باسل ترجمان إن تونس نجحت في وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب، بعد تعطيلٍ استمر لسنوات بسبب محاولات بعض الأطراف السياسية منع تحقيق ذلك، موضحاً أن المسألة ليست فقط ذات بعد أمني أو عسكري في التصدي للإرهاب، بل تتعلق أيضاً بتحصين المجتمع عبر مشاركة جميع الأطراف في كل مؤسسات الدولة، بهدف التصدي للجماعات الإرهابية وأيضاً بغية تفكيك الفكر المتطرف.
عدد العناصر الإرهابية المتحصنة بالمرتفعات تقلّص من 117 عنصرًا خلال العامين 2014 و2016 إلى 11 عنصرًا لعام 2023
وبيّن ترجمان لصحيفة "الاتحاد" أن الإرهاب قبل أن يكون عملاً إجرامياً أو عسكرياً يستهدف تدمير البلاد، هو مجموعة من الأفكار المتطرفة التي تحاول بعضُ الجماعات نشرها عبر التلاعب بالنصوص الدينية، وهذا معروف منذ تأسيس حركة "الإخوان" الإرهابية، المنبع الأول لكل الجماعات الإرهابية التي انتشرت في العالم.
2012 بداية الإرهاب
وبحسب إذاعة "موزاييك" التونسية فقد ظهر اسم "كتيبة عقبة بن نافع" الإرهابية لأول مرة، مع اغتيال الشهيد أنيس الجلاصي، في جبل السنك الذي يعتبر امتدادا لجبل الشعانبي بولاية القصرين، في كانون الأول/ديسمبر من سنة 2012، عندما بلغت الوحدات الأمنية معلومات حول تواجد مجموعات غريبة عن المنطقة في الجبل المذكور.
لحقتها عملية تبادل إطلاق نار، واستشهاد الجلاصي، ثم مع عملية "هنشير التلة 1"، في شهر جويلية من سنة 2013، والتي ارتقى فيها 8 شهداء من أبناء المؤسسة العسكرية، في جبل الشعانبي، في شهر رمضان.
وتلتها عمليات لا تقل دموية عن "هنشير التلة 1" وما سبقها أو لحقها من عمليات غرس للألغام تقلدية وغير تقليدية الصنع، مما أدى إلى إصابات مختلفة في صفوف عسكريين وأمنيين ورعاة مدنيين، أهمها "هنشير التلة 2" التي ارتقى فيها 15 شهيدا عسكريا، يوم 16 جويلية 2014، إضافة لاستهداف دورية حرس وطني في بولعابة، في فيفري من سنة 2015، في عملية راح ضحيتها 4 شهداء، واقتحام منزل وزير الداخلية الأسبق لطفي بن جدو، قبلها، في شهر ماي من سنة 2014، مما أدى لاستشهاد 4 أمنيين.
ولم تقتصر جرائم هذا التنظيم على ولاية القصرين، بعد اغتنامه لطبيعة جغرافيتها الجبلية الممتدة الصعبة، ليجد له موطن قدم في جبال الشعانبي والسمامة وبيرينو، بل نفذ عديد العمليات الإرهابية بجبال الكاف وجندوبة أيضا.
تشويش إخواني
وأكد الرئيس التونسي قيس سعيد، مرارا، على ضرورة التصدّي لجهات تعمل على تأجيج الأوضاع في البلاد، بهدف إحداث نوع من الارتباك في المشهد، مشددا على أنه يجب مواجهة كل جهة تعمل من أجل تأجيج الأوضاع، وهي جهات معلومة مرتبطة باللوبيات وبشبكات الفساد التي لا غاية لها سوى التنكيل بالتونسيين في حياتهم بكل الوسائل والطرق، في رسالة قال مراقبون إنها لجماعة الإخوان.
وتقول أوساط سياسية، إنه منذ الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها في الخامس والعشرين من يوليو 2021، يكرّر الرئيس التونسي دعواته إلى ضرورة الاهتمام بالجانب الأمني ومزيد اليقظة ضدّ المخاطر المهدّدة للأمن والاستقرار في البلاد.
ظهر اسم "كتيبة عقبة بن نافع" الإرهابية لأول مرة مع اغتيال الشهيد أنيس الجلاصي في جبل السنك الذي يعتبر امتدادا لجبل الشعانبي
وتعتبر وزارة الداخلية ركيزة الحكم في تونس وقد أقال سعيد في مايو الماضي الوزير السابق كمال الفقي الذي يعتبر من أبرز المقربين إليه.
وبحسب تقديرات محللين لصحيفة "العرب" اللندنية، فإنه مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، التي لن يشارك فيها الإخوان، من الطبيعي جدا أن يتصاعد منسوب المخاطر الأمنية والسياسية والاجتماعية، التي قد تؤثر على الوضع العام في البلاد.
وقاد الإخوان في الآونة الأخيرة حملات تسعى للتشكيك في نزاهة الانتخابات المنتظرة، والزعم بعدم وجود حرية من أجل إرباك المسار الذي يتبناه الرئيس، لكن سعيد أكد خلال شهر آذار/مارس الماضي أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستتم في موعدها، مشيرا إلى أن المعارضة التي قاطعت الاستحقاقات السابقة “تعد العُدّة لهذا الموعد”.
ويكرر قيس سعيد أن هناك لوبيات تعمل على التنكيل بالتونسيين عبر افتعال الأزمات في علاقة بالمواد الغذائية مثل الحليب بهدف تأجيج الأوضاع الاجتماعية.
ومثل ملف الغرفة السوداء في الوزارة من بين أبرز الملفات التي أثارت جدلا واسعا خلال السنوات الماضية فبعد فترة من النفي كشفت تقارير رسمية وجودها، في ما أكد الرئيس التونسي على سعيه لمواجه المؤامرات في الغرف المظلمة وإيقاف كل من يسعى للتعاون مع الجهات الخارجية.