ترجمة: مدني قصري
رافائيل شيفريلون-غيبرت؛ عالمة سياسية وباحثة في معهد البحوث للتنمية (IRD) وفي المركز الوطني للبحث العلمي CNRS، ومحاضرة في جامعة باريس1 بانثيون سوربون، وباريس 4 سوربون، وباريس 7دينيس ديدرو.
أليسْ فرانك؛ محاضرة في الجغرافيا بجامعة باريس 1 بانثيون سوربون (UMR PRODIG)، متخصصة في السودان. في الحوار مع "Les clés du Moyen-Orient" تعود إلى الأحداث السياسية في البلاد، قبل الانقلاب وبعده، وردود فعل الشعب السوداني، فضلاً عن ردود الفعل الإقليمية والروسية والأمريكية والأوروبية.
هنا تفاصيل الحوار:
في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021 أطاح انقلاب عسكري السلطة الحاكمة بعد سقوط نظام عمر البشير عام 2019؛ كيف نُظّمت الحياة السياسية في السودان بعد الثورة؟
يجدر التذكير من ناحية أنّ عمر البشير رجل عسكري، ومن ناحية أخرى أنّ نهاية نظام البشير بدأت بانقلاب عسكري مماثل لِما حدث في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي؛ لأنّ الجنود المقرّبين من البشير هم الذين استغلوا الاحتجاج العام ضدّ النظام من قبل المدنيين للاستيلاء على السلطة. بدأت الاحتجاجات الكبيرة ضدّ نظام البشير في وقت مبكر من كانون الأوّل (ديسمبر) 2018، وكانت هي نفسها صدىً للاحتجاجات الأخرى التي حدثت قبل عدة أشهر. وفي نيسان (أبريل) 2019 أطاح عسكر تابعون لنظام عمر البشير بهذا الأخير. لكنهم لم يسلّموا السلطة للمدنيين، بالتالي، طمسوا الإرادة الثورية. وبمجرد وصولهم إلى رأس الدولة، وعلى الرغم من خطابهم المؤيدة للنظام الجديد سرعان ما كشفوا عن وجههم الحقيقي من خلال عدم التردّد في استخدام القوة ضد المدنيين العزل الذين لم يقبلوا بهذا الاغتصاب. لسوء الحظّ، كان انقلاب الشهر الماضي تذكيراً بهذا السيناريو المحزن؛ لأنّه في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) ذبح الجيش مرّة أخرى المدنيين الذين دانوا الانقلاب العسكري الجديد؛ لذلك بدأت مواجهة بين المدنيين والجيش من جديد. وقد أجبرت هذه المواجهة، التي كان ثمنها باهظاً، في ربيع عام 2019 على حساب مئات الأرواح البريئة، الجيشَ على تقاسم السلطة: تم التوقيع على قانون دستوري، في آب (أغسطس) 2019، لتنظيم انتقال سياسي مشترك بين المدنيين والجيش، مع إنشاء مجلس سيادي يضمّ أعضاء من كلا المجموعتين. كان من المقرر أن يتولى الجيش قيادة مجلس السيادة خلال العامين الأولين من الفترة الانتقالية، ثم كان على هذا الأخير أن يفسح المجال للمدنيين. بين عامي 2019 و2021 كان عبد الفتاح البرهان، راعي انقلاب تشرين الأول (أكتوبر) 2021 على رأس هذا المجلس.
إذا كان مجلس السيادة هذا يضمّ جزءاً عسكرياً فإنّ الحكومة في المقابل كانت مدنية، لكن أصبحت نهاية العامين وشيكة ولم يفكر الجيش في إعادة السلطة إلى المدنيين، وباستخدامه للوصفات القديمة واستغلاله لصعوبات الحكومة في مواجهة أزمة اقتصادية عميقة استنكر الجيش تصرفات المدنيين وأدان إدارتهم للبلاد، ولجأ إلى إذكاء الانقسامات داخل مجموعتهم من خلال استقطاب المتمردين من المناطق االمحيطة الذين تخلوا عن أسلحتهم واندمجوا في عملية الانتقال في خريف 2020، وهكذا كانت هذه الأزمة الاقتصادية الخطيرة وعدم تكافؤ التنمية مسؤولَين جزئياً عن سقوط نظام البشير في عام 2019. كان السكان قد احتجوا على نقص المواد الضرورية والتضخم المرتفع للغاية. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنّ الجيش ضخّ، على الفور، مبالغ كبيرة من المال بعد الانقلاب من أجل تجنب الارتفاع المفاجئ في الأسعار الذي يحدث عادة بعد الانقلابات. وفي نهاية تشرين الأول (أكتوبر) ظلت الأسعار مستقرّة إلى حدّ ما.
من الضروري أن يفكر المجتمع الدولي مستقبلاً في فرض الإصلاحات الاقتصادية التقشفية التي إنْ كانت ضرورية فهي لن تمنح سوى القليل من الحظّ للتحولات الديمقراطية في السودان
وهكذا، عندما رأى العسكر انتهاء فترة رئاستهم لمجلس السيادة بدؤوا يلوّحون بالمخاطر الاقتصادية، كما لعبوا على مستويات مختلفة في تخويف السكان من انعدام الأمن؛ في البداية من خلال الاستفادة من ظاهرة "انعدام الأمن اليومي" في أحياء العاصمة على وجه الخصوص، مع مناخٍ مدعوم من الجرائم الصغيرة تم ربطها أيضاً بالصعوبات الاقتصادية، إضافة إلى ذلك؛ ففي الشهر السابق لانقلاب تشرين الأول (أكتوبر) نُفِّذت عمليات لنشر القوات المسلحة في الخرطوم بهدف إحباط محاولات الانقلاب وتفكيك خلايا داعش السودانية، مما زاد من مناخ التوتر وخوف السكان السودانيين إزاء سيناريو الفوضى المحتملة. خاصة أنّ ذكرى الحرب الأهلية التي مزّقت جنوب البلاد بعد استقلاله عام 2011، وكذلك ذكرى الحروب التي عرفتها مناطق مختلفة من البلاد، مثل دارفور أو قرب ليبيا أو الأزمة الإثيوبية الحالية، تُشكّل عوامل تخويف حقيقية بالنسبة للسكان المدنيين.
وبهذا المعنى؛ فإنّ وجود الجيش في عميلة الانتقال السياسي يطمئن جزءاً من السكان بطريقة ما، حتى لو رغب هؤلاء السكان في إقامة نظام مدني. كانت التوترات ملموسة منذ بداية الشراكة بين المدنيين والعسكر، لكنّها نمت وتطورت بشكل لافت في الشهور الأخيرة. وإدراكاً منهم لهشاشة هذا التحالف غير الطبيعي، ومع ارتيابهم في رغبة الجيش الحقيقية في التنازل عن السلطة، دعا المدنيون إلى الخروج إلى الشوارع لإحياء ذكرى ثورة 21 تشرين الأول (أكتوبر) 1964، التي أنهت عهد الحكم العسكري للجنرال عبود، كدلالة على دعم وجود المدنيين في قلب النظام، وقد استجاب مئات الآلاف من السودانيين لهذه الدعوة، وخشي الجيس من الانتظار لفترة أطول للاستيلاء على السلطة بمفرده، أمام إعادة تنظيم محتملة للسكان دعماً المدنيين.
ألذلك كان هناك نوع من الانسجام في استعادة السلطة هذه بالقوة من قبل الجيش؟
في الواقع، منذ بداية الثورة، لم يرغب الجيش في تقاسم السلطة مع المدنيين، وتشهد على ذلك الصعوبات التي واجهتها الهيئة المكلفة بالتحقيق في العنف الذي تعرّض له المتظاهرون السلميون، بعد إطاحة البشير وتولي الجيش السلطة عام 2019 استمرّ المدنيون في الضغط على الجيش لإقامة حكومة مدنية، ونزلوا إلى الشوارع ونظموا اعتصاماً أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، وقد انتهى ذلك الاعتصام بمذبحة أثناء تفريقهم العنيف في 3 حزيران (يونيو) 2019، وكان الرجل الثاني في مجلس السيادة الحالي، محمد حمدان دقلو، الملقب بـِ حميدتي، والذي قاد القوات التي فضّت الاعتصام تحت نيران إدانات ثقيلة من قبل هذه اللجنة. حميدتي، وأصله من دارفور يقود قوات الدعم السريع، وهي فرع من جهاز الأمن السوداني لم يكن قد تم بعدُ دمجه في الجيش النظامي؛ فهو منبثق من ميليشيات دارفور التي اعتمد عليها نظام البشير لشنّ الحرب في دارفور والسيطرة على هذه المنطقة، وكذلك على الحدود مع ليبيا، وهم الجنجويد المشهورون الذين نعرف سمعتهم المشؤومة. كان حميدتي إذاً أحد هذه الشخصيات المقربة من البشير الذين ظلوا في السلطة بعد سقوط الأخير، مثلما كان الجنرال برهان الرقم واحد في مجلس السيادة، وكان هذا الأخير قد تم اقتراحه على رأس هذا المجلس من قبل العسكر الذين تولوا السلطة في ربيع عام 2019، في مواجهة الرفض الكبير من قبل المدنيين لمرشحهم الأول أحمد عوض بن عوف، وفي ذلك الوقت لم يكن الجنرال البرهان معروفاً لعامة الناس.
إنّه جندي من مجموعة مميزة من وسط البلاد، وبالتالي فهو لا يمثل تغييراً كبيراً. يضم الوسط المناطق المحيطة بالخرطوم والمناطق الواقعة في الشمال على طول وادي النيل، والتي تعدّ تقليدياً مناطق متميزة منذ السيادة المشتركة الأنجلو- مصرية. درس في مصر وهناك أقام الربهان علاقات مع المشير السيسي. لقد خدم في المسارح الرئيسة للجيش السوداني لمدة عشرين عاماً، لا سيما في دارفور واليمن، وهو يندرج تماماً ضمن استمرارية نظام البشير. ومع ذلك فقد ظل مجهولاً نسبياً، ما سهّل وساعد قبوله من قبل السكان السودانيين عام 2019، على عكس أحمد عوض بن عوف.
ظلّ العسكر يؤجلون وتيرةَ الإصلاحات الكبرى التي قام بها المدنيون: لقد منعوا بالتالي العديد من الإجراءات المتخذة لـ "تنظيف" جهاز الدولة من الروابط القديمة مع نظام البشير
منذ توليهم السلطة، ظلّ العسكر يؤجلون ما وسعهم ذلك وتيرةَ الإصلاحات الكبرى التي قام بها المدنيون: لقد منعوا بالتالي العديد من الإجراءات المتخذة لـ "تنظيف" جهاز الدولة من الروابط القديمة مع نظام البشير، خاصة على مستوى القضاء، حيث تمت، إلى حدّ كبير، إعاقة إقالة القضاة المؤيدين للنظام القديم. وكان إنهاء مهام اللجنة المكلفة بتفكيك مصالح النظام القديم واستعادتها أحد الإجراءات الأولى التي نفذها الجيش بعد هذا الانقلاب الجديد، وهو ما يشهد على أنّ المدنيين قد لمسوا قضايا حساسة للغاية تورطت فيها بشكل مباشر شخصيات عسكرية تابعة لمجلس السيادة.
تؤكدان أنّ خطاب العسكر الذي يقف وراء الانقلاب قد استند إلى حدّ كبير إلى تشويه قدرة ومصداقية الحكومة المدنية على تولي الوضع الاقتصادي للبلاد، وعلى الانقسامات التي تغذي المدنيين؛ هل هذه الخلافات حقيقية؟
لا شكّ في أنّ لانقسام المدنيين، الذي أشار إليه العسكريون، نصيباً من الواقع؛ ففيما عدا الخلافات السياسية الكلاسيكية، أي تلك المتعلقة بالخيارات التنظيمية الرئيسة للمجتمع التي تعكس وجهات نظر متحفظة وليبرالية إلى حد ما، يجب أن ندرك أنّ الحكومة المدنية قد كافحت حتى تدمج في برنامجها إشكالية الأطراف التي ظلت تاريخياً مهمشة مقارنة بوسط البلاد. عام 2019 أقصى الاتفاق الدستوري الأوّل، الذي أنشأ الحكومة المدنية ومجلس السيادة، الجماعاتِ المسلحة في الأطراف، لا سيما سكان دارفور. لقد اشتكى هؤلاء الدارفوريون وأكدوا دورَهم في سقوط نظام البشير، وسلطوا الضوء على نضالهم الذي خاضوه على مدى خمسة عشر عاماً، بالتالي، طالبوا بحقهم في أن يكونوا جزءاً من عملية الانتقال مع التنديد أصلاً باتفاقية تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكر، والذي لم يُقِم لهم وزناً في حساباته.
لقي هذا الطلب أخيراً استجابة من قبل حكومة عبد الله حمدوك المدنية، التي عملت على إعادة دمج الجماعات المسلحة في العملية الانتقالية وأدّت إلى توقيع اتفاقيات جوبا في خريف عام 2020. وقد شملت هذه الاتفاقيات ممثلين عن الجماعات المسلحة من الأطراف في عملية الانتقال على الجانب المدني، لأنّه على الرغم من كونها مجموعات مسلحة فقد ادّعى المتمرّدون أنّهم يمثّلون سكانَ الأطراف ويرغبون في الجلوس مع المدنيين، ومع ذلك فإنّ اندماج هذه المجموعات لم يكتمل، ومع ذلك لم يمنع صعوباتِ الحكومة من الحدّ من التباينات التاريخية للأطراف، وهو جانب سرعان ما أدركه الجيش الذي تمكن من قلب هذه الجماعات ضدّ معسكرها. في الأشهر الأخيرة أعربت الحركات الدارفورية المندمجة مع المدنيّين عن استيائها من عدم إدماج الأطراف في خيارات الحكومة المدنية، هذا الإدماج الضعيف يمثل إشكاليةً تعود إلى القرن التاسع عشر وإلى نشأة الدولة السودانية نفسها، وقد لعب الجيش على هذه المطالب المحبطة والتي يمكن القول إنّها مشروعة، ولعب على هذا الانقسام. واليوم تحوّلت هذه المجموعة، التي اندمجت في الطرف المدني في السلطة إلى جانب الجيش، كما يشهد على ذلك اليوم انتشار الجماعات الدارفورية المسلحة في الخرطوم إلى جانب القوات التي يقودها حميدتي، وكان لتغيير المعسكر ثقله في ميزان القوى وربما دفع الجيش إلى تنفيذ انقلابه في هذه اللحظة بالذات.
ماذا كان ردّ فعل الشعب السوداني على هذا الانقلاب؟
إدراكاً منهم للتوترات الشديدة داخل المجلس الانتقالي أظهر السكان دعماً ساحقاً للحكومة المدنية أثناء الدعوة إلى التظاهر، الخميس 21 تشرين الأول (أكتوبر)، كان الجميع يخشى أن يرتكب الجيش مجازر جديدة، كما حدث عام 2019، لكنّ التجمعات الكبيرة في ذلك اليوم مرّت دون الكثير من المتاعب، لكن بعد 48 ساعة ردّ الجيش بانقلاب دانه السكان السودانيون على نطاق واسع وأقاموا على الفور حواجز في الأحياء لعرقلة مرور القوات الأمنية. وقد لجأ السكان إلى تنظيمٍ مختلف قليلاً عما كان عليه في ربيع عام 2019، مفضّلين تنظيم مظاهرات واسعة النطاق والدعوة إلى إضراب عام بدلاً من إقامة اعتصام كان قد يعرّضه للعنف من قبل جهاز الأمن، كما طالبوا المجتمع الدولي بالتنديد بالانقلاب والضغط على الجيش. كان لا بدّ، بأيّ ثمن، من تجنب انتهاء التنديد السلمي بهذا الانقلاب في الشارع بحمّام دم جديد مغلق. للأسف، هذه الاحتياطات لم تكن كافية، وأسفرت المواجهات عن عشرات القتلى منذ أن اغتصب الجيش الثورة، لكن يصعب على العسكريين أن يخمدوا بالقوة احتجاجاً لا يتوقف عن التنديد بالانقلاب؛ لأنّهم لا يستطيعون الاستغناء عن شكلٍ من أشكال الدعم من قبل المجتمع الدولي في مواجهة الصعوبات الاقتصادية التي تواجه البلاد.
كما يزعم العسكر أنهم أرادوا تصحيح أخطاء الحكومة المدنية ويدّعون أنهم يريدون استعادة السلطة في النهاية، ومع ذلك لا يخفى على أحد أنّ الجيش يسعى بالفعل لحماية مصالحه التي يشعر أنّها أصبحت مهدّدة، رسمياً يدعو الجيش إلى تشكيل حكومة تكنوقراط من أجل مصلحة البلاد التي تمزّقها انقسامات المدنيين، وتحت خطر تدهور الأمور في الشوارع، حيث يواصل المتظاهرون نزولهم إليها، نجح الجيش في فرض حكومة مدنية جديدة يسيطر هو عليها بالكامل، كما بحث الجيش عن عبد الله حمدوك الذي احتجزه منذ توليه السلطة.
اقرأ أيضاً: إثيوبيا والسودان يفران من تهديدات الداخل بالمواجهة عبر الحدود
إلا انّ الغالبية العظمى من المدنيين غير راضين وينظمون مقاومتهم، لكن سيتعيّن عليهم التمسك بالتمرد مع الاستمرار فيه على المدى. استمرت الإضرابات بالفعل أكثر من ستة أشهر، عام 2019، وتدهورت الحياة الاقتصادية بشكل أكبر خلال عامي الفترة الانتقالية؛ لذلك يستعد المدنيون لمواجهة طويلة الأمد، لأنهم يدركون أنّ الجيش سيرفض التنازل عن السلطة، ومع ذلك لا يمكن للجيش أن يكتفي ببلد مشلول بسبب الإضراب في خضم أزمة اقتصادية متفاقمة. ستُظهر الأشهر القليلة المقبلة ما إذا كان المدنيون سيتمكنون من التفاوض بشأن انتقال حقيقي إلى الحالة المدنية، أو ما إذا كانت الدولة ستبقى عسكرية أساساً مع واجهة مدنية بسيطة. وسوف تستخدَم الخلافاتُ الداخلية في كلّ مجموعة إلى أقصى حدّ من قبل كلّ معسكر. يميل بعض المدنيين إلى الخطاب القاسي، رافضين أية مفاوضات لا تضمن بالكامل دولة مدنية. بينما يسعى آخرون، الأكثر تشاؤماً إلى عدم إقصائهم من القوة الجديدة الناشئة، ويبدو أنّهم يميلون إلى تسوية غير متكافئة.
كيف كان رد فعل المجتمع الدولي على الانقلاب؟
كانت ردود الفعل متغيرة؛ بعض الدول الغربية، وكذلك شركاء السودان الكلاسيكيون، لم تشجب الانقلاب على الفور؛ فهذه الدول تنظر بعينٍ إيجابية إلى حدّ ما بشأن إقامة دولة عسكرية. بالنسبة لمصر، التي ترى أنّ الحفاظ على علاقات طيبة مع السودان أمرٌ ضروري من خلال المفاوضات حول مياه النيل، يظلّ نظام السودان نظيراً لنظامها. وهناك دول لها مصالح اقتصادية في السودان وهي راضية تماماً عن السلطة في أيدي الجيش، كما تتمتع السعودية والسودان بعلاقات تاريخية؛ فالرياض أقامت استثمارات كبيرة في الزراعة وهاجر جزء من السكان السودانيين إلى المملكة العربية السعودية منذ السبعينيات، بالتالي، كانت استجابتهم ضعيفة للغاية، كما ساعد تدخل الجيش السوداني في اليمن نيابة عن المملكة العربية السعودية في تشكيل تقارب مباشر إلى حدّ ما بين البلدين في السنوات الأخيرة.
من ناحية أخرى، شعرت الولايات المتحدة بأنّها تعرضت للغشّ والخداع؛ ففي يوم الأحد نفسه كان مبعوثهم الخاص مع البرهان في محاولة لثنيه عن تنفيذ الانقلاب. كان معروفاً في الواقع أنّ الجنود كانوا يفكرون في الأمر، ومع ذلك؛ ففي اللحظة التي صعد فيها المبعوث الأمريكي إلى طائرته انطلق الانقلاب. كانت الولايات المتحدة قد اشترطت إلى حدّ كبير انسحاب السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب وإمكانية إعادة اندماج البلاد في المجال الاقتصادي الدولي بتغيير النظام.
اقرأ أيضاً: ناشطون سودانيون يشخّصون لـ "حفريات" أسباب استمرار الاحتجاجات الشعبية
روسيا أيضاً من بين الدول التي تستثمر في السودان. نظراً لعدم قدرة الشركات الغربية على الاستثمار في السودان، بسبب الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة، انضمّ شركاء مثل روسيا أو الصين إلى شركاء السودان التقليديين، بين عامي 2000 و2010، ونتيجة لذلك لا ترحّب هاتان الدولتان بانفتاح السودان الذي يمثل في نظرهما منطقة محمية بسبب هذه القيود؛ وهكذا كان الروس أكثر ميلاً لدعم الجيش.
لقد اتخذت الدبلوماسية الأوروبية خطاباً مختلفاً بعض الشيء؛ بالنسبة إلى فرنسا ليس السودان شريكاً إستراتيجياً كبيراً، لكنّه يظلّ شريكاً إقليميا مهمّاً بسبب قرب تشاد وليبيا. وفق "Africa Intelligence" قبل أسابيع قليلة من الانقلاب دعت وزارة الخارجية الفرنسية والمديرية العامة للأمن الداخلي جهازَ الأمن السوداني لمناقشة القضايا المتعلقة بليبيا. في 21 تشرين الأول (أكتوبر)؛ وجهت السفارة الفرنسية دعوة إلى البرهان للمشاركة في مناقشات بشأن ليبيا، في باريس في تشرين الثاني (نوفمبر)؛ فعلى هذا النحو تغذي فرنسا حواراً مع الطرف الأمني في البلاد، وهو ما يميل إلى جعل المؤسسة العسكرية ذات مصداقية كشريك دولي في المواجهة القائمة مع المدنيّين، فإذا كانت هناك أسباب مفهومة توضح ذلك فقد عمل هذا الاتجاه ضدّ المدنيين الذين دعمتهم فرنسا مع ذلك في الربيع الماضي، خلال القمة التي نُظِّمت في باريس لتسوية جزء من الديون السودانية والسماح لها بالعودة إلى دوائر صندوق النقد الدولي، وفي هذا الصدد؛ من الضروري أن يفكر المجتمع الدولي مستقبلاً حول دوره في فرض الإصلاحات الاقتصادية التقشفية التي إنْ كانت ضرورية فهي لن تمنح سوى القليل من الحظّ للتحولات الديمقراطية التي بدأت، إنْ لم توازنها استثماراتٌ ضخمة.
مصدر الترجمة عن الفرنسية:
www.lesclesdumoyenorient.com