باحثان مصريان يفندان مزاعم "داعش" بعد هجوم غرب سيناء.. ماذا قالا؟

باحثان مصريان يفندان مزاعم "داعش" بعد هجوم غرب سيناء.. ماذا قالا؟


11/05/2022

عاد الحديث عن تنظيم "داعش سيناء" إلى سطح المشهد المصري مرة أخرى، على خلفية الهجوم الإرهابي الذي استهدف نقطة رفع مياه غرب سيناء، السبت 7 أيار (مايو) الجاري؛ الذي راح ضحيته 10 جنود وضابط مصري، وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الحادث.

الهجوم الإرهابي جاء بعد أيام من تصريح للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول نجاح أهداف العملية العسكرية في سيناء، وقرب إعلان تطهيرها بالكامل من بقايا تنظيم داعش بعد إزالة الألغام والمتفجرات التي زرعها التنظيم الإرهابي في مدن وقرى شمال سيناء.

إعلان التطهير جاء بعد أربعة أعوام من المواجهة الشاملة، التي بدأتها الدولة المصرية في شباط (فبراير) 2018، تحت مسمى "العملية الشاملة سيناء"، ردّاً على أكبر هجوم دموي نفذه تنظيم داعش سيناء، على أحد مساجد المحافظة وقت صلاة الجمعة، راح ضحيته 300 شهيد من أبناء سيناء الرافضين لممارسات داعش الإرهابية في مدن المحافظة.

هناك إشارات دالة على تورّط جماعة الإخوان في التعاون مع عناصر داعش المتبقية في سيناء، لارتكاب وتنفيذ عدد من العمليات في الداخل المصري ما يطلق عليه تعاون الضعفاء

توقيت هجوم غرب سيناء أعاد للأذهان العديد من التساؤلات حول حقيقة الوضع في سيناء، وهل انتهى التنظيم بالفعل؟ ودفعت طبيعة المكان المستهدف في العملية البعض إلى الحديث عن تأكيد النجاح المصري في القضاء الفعلي على داعش، نتيجة استهداف محطة لرفع المياه أسّسها الجيش المصري للمساهمة في تطوير المحافظة؛ وكان داعش سابقاً يستهدف في عملياته الإرهابية الكمائن الشرطية، وأماكن تمركز القوات المسلحة في مدن سيناء، وهو ما لم يحدث في تلك العملية الأخيرة، التي ظهرت وكأنّها محاولة من داعش للتواجد الإعلامي ليس أكثر.

إستراتيجية "الذئاب المنفردة"

الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، عمرو فاروق، يشير إلى أنّ العملية الشاملة في سيناء قضت تماماً على تنظيم داعش، وعلى غالبية القيادات المؤثرة  والفاعلة في مكونه التنظيمي، ومنعت إقامة أية تمركزات على مدار السنوات الماضية، وحجمت أية تحركات للعناصر التكفيرية، لا سيما داخل مثلث العريش رفح الشيخ زويد، نتيجة إنشاء جدار "العريش الجنوبي"، المزوّد ببوابات وكاميرات مراقبة وأجهزة إلكترونية، فضلاً عن تنفيذ حرم المطار الآمن (مطار العريش)، وتدشين ارتكازات عسكرية حصينة بشكل عرضي جنوبي المدينة.

عمرو فاروق: الهجوم المسلّح على "محطة المياه" لم يكن الهدف منه الاشتباك مع القوات المسلحة

يضيف فاروق، في تصريح لـ "حفريات"؛ أنّ انهيار فكرة التمركز الجغرافي للعناصر الإرهابية داخل سيناء دفعها للاتجاه نحو إستراتيجية "الذئاب المنفردة" و"الخلايا الانغماسية"، التي تسعى لتنفيذ عمليات عشوائية لتحقيق أكبر قدر من المكاسب بأقل التكاليف، وتمنحها القدرة على البقاء والاستمرارية، موضحاً: "هي عمليات تدخل في إطار "حروب الشوارع"، أو "حروب المدن"،  بعيداً عن المعارك النظامية، وإستراتيجيات المواجهة المسلحة التقليدية، ورغم ذلك باءت غالبيتها بالفشل نتيجة يقظة الأجهزة الأمنية في توجيه الضربات الاستباقية التي أجهضت معاقل التنظيم وبنيانه".

ويرى فاروق؛ أنّ عملية استهداف نقطة رفع مياه غرب سيناء، وكمين "الطاسة" في سيناء عملية سياسية، الهدف منها الضغط على الدولة المصرية، فيما يخصّ تحركاتها وملفاتها الخارجية؛ "خاصّة أنّ العملية استهدفت تمركزاً حيوياً إستراتيجياً، في الجانب الغربي من الوسط السيناوي، بعيداً عن عمليات التمشيط المخولة إلى "اتحاد قبائل سيناء" بالتنسيق مع القوات المسلحة المصرية في مناطق الاتجاه الشرقي".

يوضح فاروق: "الهجوم المسلّح على "محطة المياه" لم يكن الهدف منه الاشتباك مع القوات المسلحة، في ظلّ إصابة 5  مدنيين، إلى جانب عناصر من وحدة تأمين "المحطة"، التي استنجدت بقوات كمين "الطاسة" التي تبعد نحو 6 كيلو مترات تقريباً عن مكان تنفيذ العملية (وفق شهود العيان)؛ ما يعني أنّ الهجوم يحمل مجموعة من الرسائل، ربما أهمّها تعطيل أحد مسارات "خطّ الغاز العربي"، والتأثير سلباً على صورة الدولة المصرية، خاصة أنّ هذه المنطقة صحراوية وغير مأهولة بالسكان. ثانيها؛ استهداف البنية الإستراتيجية المساهمة في تنمية الوسط والغرب السيناوي، والقريبة من حواضن قناة السويس. ثالثها؛ صناعة البروباغندا الإعلامية التي تمنح التنظيم الداعشي "القوة الوهمية" لروافده وأتباعه، من خلال العمليات الخاطفة المدروسة، تحت مسمى "الجهاد منخفض التكاليف"، والإيحاء الشكلي بقدرته على البقاء والمواجهة".

دائرة التبعية السياسية للغرب

ويرى فاروق أنّ خروج الدولة المصرية عن دائرة التبعية السياسية للغرب الأمريكي، في الكثير من القضايا، سواء القضية الليبية، والأزمة الروسية الأوكرانية، وإعادة هيكلة خريطة القوى الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط، يمثّل دافعاً قوياً للنيل من استقرارها، في ظلّ التشابكات على الساحة السياسية الدولية في المرحلة الراهنة.

وينوّه فاروق إلى أنّ "السلفية الغزاوية" تمثّل المورد الأساسي والفاعل في دعم فلول التنظيم الداعشي في العمق السيناوي، بحكم بيعتها لـلبغدادي، قبل مقتله، في تشرين الأول (أكتوبر) 2019 ، فضلاً عن كونها مصدر تدريب وتأهيل للعناصر، نظراً لخبرتها الطويلة في معارك "حرب العصابات" المسلحة.

الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، عمرو فاروق لـ"حفريات": تعاون قبائل سيناء مع القوات المسلحة والشرطة المصرية، كان بمثابة نقطة فاصلة في معركة استئصال العناصر التكفيرية المسلحة وملاحقتهم

وأشار الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، إلى أنّ "العملية الشاملة سيناء"، لم تتوقف على تأمين الحدود الشرقية الشمالية، لكنّها امتدّت لتشمل جميع المنافذ الحدودية والأهداف الحيوية والإستراتيجية الأخرى، منها: تأمين الحدود الغربية والجنوبية، وإعاقة تمركز العناصر التكفيرية المسلحة في الصحراء الغربية ومدن صعيد مصر، ومنع تحويلها لممرات في توريد الأسلحة والذخائر التي يتمّ استخدامها في تنفيذ العمليات الإرهابية، وذلك عن طريق تكثيف الضربات على الاتجاهين الغربي والجنوبي، مع تمشيط الطرق والمدقات الجبلية لملاحقة العناصر التكفيرية، بتنسيق مشترك بين قوات حرس الحدود والقوات الجوية.

ونوّه فاروق إلى أنّ تعاون قبائل سيناء مع القوات المسلحة والشرطة المصرية، كان بمثابة نقطة فاصلة في معركة استئصال العناصر التكفيرية المسلحة وملاحقتهم وإعاقة توطينهم داخل أرض الفيروز، رغم معاناتهم واستهداف الكثير من أبنائهم سواء بالقتل أو الخطف نتيجة تقديمهم الكثير من المعلومات حول الخلايا الداعشية الكامنة، موضحاً أنّ الدولة المصرية اتجهت للتوسع في التنمية الشاملة داخل الأراضي السيناوية، من خلال إقامة عدد من المشاريع الكبرى، على مستوى البنية التحتية والتجمعات السكنية، والتوسّع في إنشاء شبكة الطرق ومحطات توليد الكهرباء، ومحطات تنقية المياه والصرف الصحي، والعمل على تطوير الثروة الزراعية والسمكية، وتطوير قطاعي التعليم والصحة.

صناعة "البروباغندا" الإعلامية

من جانب آخر، يرى الباحث في شؤون جماعات الإسلام السياسي، حسام الحداد، أنّ استهداف نقطة رفع مياه غرب سيناء يعدّ من العمليات الدعائية بشكل كبير للتنظيم الإرهابي الذي فقد الكثير من تمركزاته في الشيخ زويد ورفح والعريش وبئر العبد.

حسام الحداد: داعش، منذ عام أو يزيد، لم يستطع تنفيذ عملية واحدة في سيناء، إلا هذه العملية

ويرجع الحداد ضعف نفوذ داعش سيناء إلى الضربات القوية والمؤثرة التي تلقّاها على يد الجيش المصري والعملية الشاملة التي قام بها بداية من 2018، موضحاً أنّ نجاح العملية في ضرب المراكز الإرهابية وأماكن تواجد هذه العناصر بجانب قطع طرق الإمدادات والدعم اللوجستي المختلفة وتجفيف قنوات التمويل تسبّبت في إضعاف التنظيم ما أدّى به في النهاية إلى ترك هذه المراكز والتوجه إلى الأطراف.

ويشير الحداد، في تصريح لـ "حفريات"، إلى أنّ داعش، منذ عام أو يزيد، لم يستطع تنفيذ عملية واحدة في سيناء، إلا هذه العملية، التي استهدف فيها نقطة مدنية؛ جرياً على التوجه الجديد للتنظيم على مستوى أفرعه في أفريقيا التي تستهدف المدنيين، موضحاً: "في نيجيريا وبحيرة تشاد ومالي والنيجر يتمّ استهداف المدنيين المسيحيين في عملية أطلق عليها تنظيم داعش "الثأر للشيخين"، ولا تخرج هذه العملية عن ارتباطها بهذه العمليات في أفريقيا".

ينوّه الحداد إلى أنّ هناك إشارات دالة على تورّط جماعة الإخوان الإرهابية في التعاون مع عناصر داعش المتبقية في سيناء، لارتكاب وتنفيذ عدد من العمليات في الداخل المصري ما يطلق عليه تعاون الضعفاء: "نتيجة ما تلقّته الجماعة من ضربات في الآونة الأخيرة على يد الدولة المصرية ومحاصرتها، داخلياً وخارجياً، وقد نبهنا من هذا، منذ كانون الثاني (يناير) الماضي، ففي ظلّ حالة الانهيار والتلاشي تحاول الجماعة تنفيذ عمليات للإعلان عن وجودها وأنّها ما تزال عاملة في الساحة وتقوم بتنفيذ بعض العمليات للضغط على الدولة المصرية واستغلال هذه العمليات في محاولة زعزعة ثقة المواطن في مؤسساته الأمنية، هذا إلى جانب استغلالها في نشر الإشاعات والأكاذيب لتأكيد زعزعة الثقة وخلق حالة من الخوف والتوتر المجتمعي".

يضيف الحداد: "لن تستمر هذه العمليات كثيراً لأسباب عدة، أوّلها: عدم وجود تمويل كافٍ لدى هذه الجماعات، وهو ما اتّضح من العملية الأخيرة في هجوم استخدمت فيه أسلحة خفيفة، ولم يكن هجوماً مكثفاً كالعمليات السابقة للتنظيم، وكذلك ضعف العناصر المنفذة، مما يدلّ على انحسار التجنيد وعدم القدرة التدريبية لدى التنظيم، وكذلك عدم وجود دعم لوجيستي كاف كما كان موجود في السابق وضعف التسليح، كلّ هذا يبشر بقرب انتهاء هذا التنظيم وما تبقى منه من بعض العناصر لا يستطيع الصمود كثيراً أمام ضربات المؤسسة الأمنية واتحاد القبائل الذي أخذ على عاتقه تطهير سيناء من هذه العناصر".

مواضيع ذات صلة: 

شبح تنظيم سيد قطب في محاولة هجوم سيناء

هجوم غرب سيناء... ما الرسائل والدلالات؟

دماء في سيناء.. معركة مصر مع الإرهاب طويلة




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية