انعدام ثقافة التبرّع بالأعضاء في أرض الشهداء فلسطين

انعدام ثقافة التبرّع بالأعضاء في أرض الشهداء فلسطين


25/07/2020

بعد انتظاره ما يزيد عن ثلاثة أعوام، للبحث عن متبرع لإجراء عملية جراحية لزراعة كلية، وبعد أن تقطعت به السبل لإيجاد ذلك المتبرع، اضطر بيومي أبو بكر، من بلدة ياسوف، قضاء سلفيت شمال الضفة الغربية، أن يقبل تبرّع زوجته بإحدى كليتيها لإنهاء معاناته، والتي استمرت 12 عاماً، عانى خلالها من قصور كلوي حادّ.

أبو بكر (53 عاماً) فضّل منذ البداية البحث عن متبرع وعدم تعريض حياة زوجته للخطر، بعد أن أثبتت التحاليل والفحوصات الطبية ملاءمتها للتبرع بكليتها، رغم عدم تردّد زوجته منذ البداية بإجراء العملية له، حيث تجلّت قيمة الحياة أمامها لإنهاء معاناة زوجها لممارسة حياته الطبيعية.

استشاري الأمراض الباطنية وزراعة الكبد والكلى، أشرف عوض الله لـ"حفريات": تجارة الأعضاء في فلسطين ليست ظاهرة، وهي حالات فردية، يلجأ فيها الناس إلى بيع أعضائهم نتيجة الأوضاع الاقتصادية

وأصدر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عام 2017، قراراً بتنظيم نقل وزراعة الأعضاء البشرية، وفيه تمّ منع أيّة عملية تمويل أو بيع أو شراء لأعضاء جسم الإنسان مقابل أجر مادي، سواء كان ذلك داخل فلسطين أم خارجها، وأيّة عملية تتعلق بزراعة الأعضاء أو نقلها يجب أن تبتّ فيها لجنة عليا خاصة مستقلة، وتحدّد أماكن خاصة للقيام بذلك، وهي التي تقرر أيضاً إمكانية استخدام الأعضاء المتبرع بها للبحث العلمي.

وقامت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا"، بإجراء استطلاع للرأي العام نفذته في جميع المحافظات الشمالية، خلال الفترة الواقعة بين 27 و30 آب (أغسطس) 2018، ونشرت نتائجه التي أظهرت أنّ "73.3% من المواطنين هم مع التبرع بالأعضاء البشرية، في حين 26.7% هم ضدّ التبرع".

وأجاز قاضي القضاة ومستشار الرئيس محمود الهباش، التبرع بالأعضاء البشرية، لكن بضوابط، مؤكداً أنّ "الشريعة الإسلامية تدور في مجملها على تحقيق مصالح العباد"، وموضحاً في حديثه لبرنامج "زراعة الأعضاء"، الذي يبثّ عبر تلفزيون "فلسطين": أنّ "التبرع بالأعضاء من قبل إنسان على قيد الحياة هو جائز في حال كان العضو لا يؤثر على استمرار حياة المتبرع أو الانتفاع بالحاسة، أو يمكن للمتبرع أن يستغني عنه".

ندرة المتبرعين

وأضاف أبو بكر، في حديثه لـ "حفريات": "مرضى الفشل الكلوي يموتون بسبب ندرة المتبرعين في الأراضي الفلسطينية، نتيجة انعدام ثقافة التبرع بالأعضاء، وهناك العديد من المرضى يمرون بظروف صحية حرجة، ويعوّلون على من يتبرع لهم، وهم في انتظار متبرعين لزراعة أعضائهم النابضة بالحياة في أجساد من أهم أشدّ حاجة إليها، لفتح بارقة أمل لهم للاستمرار في حياتهم".

مرضى الفشل الكلوي يموتون بسبب ندرة المتبرعين في الأراضي الفلسطينية

وتابع: "بعد مشاهدتي إعلاناً على إحدى صفحات التواصل الاجتماعي لشخص يريد بيع إحدى كليته، نتيجة تردّي أوضاعه الاقتصادية، اعتقدت للوهلة الأولى أنّ الإعلان سيكون طوق النجاة لي لإجراء عمليتي الجراحية، وبعد التواصل معه عبر رقم هاتف تركه على إعلانه، قام بطلب مبلغ 45 ألف دولار أمريكي لبيع كليته".

اقرأ أيضاً: التبرع بالأعضاء: هل يصطدم بالشريعة؟

وأخيراً، قرّر أبو بكر، وهو في أمس الحاجة إلى زراعة كلية، ألا يبني سعادته على تعاسة هذا الرجل الذي يودّ بيع كليته، والذي يتجاهل المخاطر التي قد يتعرض لها، رغم مقدرته المالية على شراء كليته، إلا أنّه آثر الحصول على كلية زوجته وإجراء عملية زراعة كلية في إحدى مستشفيات الضفة، وقد تمت العملية بنجاح، ليعود لممارسة حياته الاعتيادية مجدداً، مع احتياجه لبعض المتابعات الطبية بين الفينة والأخرى.

ألم وحسرة

لا يختلف مرض الطفلة سندس أبو نار (15 عاماً) عن المريض أبو بكر، والتي تتحدث بألم وحسرة، وقد أتى المرض عليها وشحب ملامح وجهها، وتقول لـ "حفريات": "قبل تسعة أشهر شعرت بتغييرات مرضية، كالإرهاق والتعب والخمول وانحسار في البول، وبعد ذهابي برفقة والدي إلى المستشفى وإجراء التحاليل اللازمة، تبين أنني أعاني من فشل كلوي، وأنّ الكلية لدي تعمل بنسبة 25% فقط".

اقرأ أيضاً: التبرع بالجثث والأعضاء البشرية للبحث العلمي: هدف نبيل وانتهاكات كثيرة

وتضيف أبو نار، من بلدة كفر اللبد قضاء طولكرم: "الطبيب المعالج أخبر والدي بأنّني في حاجة ماسة إلى إجراء غسيل كلوي، أو البحث عن متبرع لزراعة كلية، حتى لا تتفاقم حالتي الصحية"، مبينةً أنّه "بعد إجراء كافة التحاليل لأشقائها والدتها ووالدها وبعض الأقارب، والذين تهافتوا للمساعدة والتبرع بإحدى كليتهم، إلا أنّه تبين عدم صلاحيتهم جميعاً للتبرع، وكان من يصلح منهم يعاني من أمراض مزمنة أخرى متعددة، تمنع تبرعه لخطورة الأمر الصحي عليه بعد ذلك".

قوائم انتظار طويلة

وتابعت: "ذهب والدي إلى المركز الوطني لزراعة الأعضاء، والذي تمّ افتتاحه خلال عام 2010، وقد أخبروه بعجم وجود أية كلية لزراعتها لي، وذلك في ظلّ عدم وجود متبرعين، وقد تم وضعي ضمن قوائم انتظار الطويلة لمرضى يلاحقهم شبح الموت، لحين إيجاد كلية من متبرع تتناسب مع حالتها".

 ومنذ تلك اللحظة دخلت العائلة في دوامة، وانقلبت حياتها رأساً على عقب، وهم يرون أمام أعينهم كيف تبذل ابنتهم، تلك التي كانت كالزهرة الجميلة في يوم ما، جراء تفاقم وضعها الصحي بشكل مستمر، بانتظار متبرع يبعث الحياة والأمل لها من جديد.

ثقافة التبرع بالأعضاء في فلسطين تكاد تكون شبه غائبة

ويرى استشاري الأمراض الباطنية وزراعة الكبد والكلى، أشرف عوض الله؛ أنّ "التبرع بالأعضاء الحيوية لجسم الإنسان يغطي 15% فقط من حاجة المرضى، الذين يلجأون لزراعة أحد أعضائهم البشرية، بعد فشل استمرارها بالعمل بشكلها الطبيعي، ليكون الحلّ الأمثل هو زراعة عضو جديد، بعد استئصال العضو المصاب، مبيناً أنّ من أكثر الأعضاء عرضة لحدوث فشل في عملها الكبد والكلى".

ويضيف عوض الله، لـ "حفريات": "ثقافة التبرع بالأعضاء في فلسطين تكاد تكون شبه غائبة، وذلك بسبب رفض الأهالي التبرع بأعضاء المقربين منهم أثناء موتهم سريرياً (دماغياً وقلبياً)، متجاهلين أنّ التبرع بأعضاء شخص واحد من شأنه أن ينقذ حياة خمسة مرضى هم في حاجة ماسة إلى أعضائه".

ولفت إلى أنّ "الطواقم الطبية في فلسطين على درجة عالية من المهارة والخبرة في إجراء عمليات زراعة الأعضاء وتحديداً الكلى، وذلك إذا أكدت الفحوصات الطبية صلاحية زراعة العضو للمتلقي دون وجود أيّ خلل آخر في جسده، بالإضافة إلى السرعة في أخذ العضو ونقله لجسم المريض في أقل فترة ممكنة، والتأكد من عمله بشكل سليم".

تجارة الأعضاء ليست ظاهرة

وتابع عوض الله: "هناك شروط طبية وقانونية للمتبرع، وهو أن يكون بكامل أهليته العقلية، وألّا يقل عمره عن 18 عاماً، وأن يكون من أقرباء المريض، وألا يتقاضى أيّ مقابل مادي أو معنوي، كما يشترط أن يكون العضو المراد نقله سليماً، ولا يمكن أن يحمل صفات وراثية، مثل الأعضاء التناسلية وغيرها".

لا يختلف مرض الطفلة سندس أبو نار (15 عاماً) عن المريض بيومي أبو بكر، والتي تتحدث بألم وحسرة، وقد أتى المرض عليها وشحب ملامح وجهه

وبيّن أنّ "تجارة الأعضاء في فلسطين ليست ظاهرة، وتكون على شكل حالات فردية، يلجأ فيها الناس إلى بيع أعضائهم نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية التي يمرون بها، وهو فعل مخالف ويجرمه القانون الفلسطيني، ولضمان مكافحة الاتجار بالأعضاء البشرية، يتم تقديم موافقة كتابية من قبل المتبرع على استئصال عضوه المراد التبرع به، دون أي مقابل مالي وبكامل إرادته العقلية".

وطالب عوض الله بضرورة قيام وزارة الصحيحة بنشر البرامج التوعوية في المؤسسات التعليمية والقنوات الإعلامية، للتثقيف حول أهمية التبرع بالأعضاء البشرية، وحثّ الناس على التبرع بأعضائهم بعد الموت، وكذلك تطوير الكوادر الطبية، للقيام بعمليات زراعة المزيد من الأعضاء البشرية، والتي تخفف على المرضى معاناة السفر والتكاليف المالية العالية.

الصفحة الرئيسية