اليمن الذي مزّقه جناحا الإسلام السياسي

اليمن الذي مزّقه جناحا الإسلام السياسي


25/05/2022

خيرالله خيرالله

مزق الإسلام السياسي، بجناحيه، اليمن. مزّق اليمن جناح "الإخوان المسلمين" و"جناح الحوثيين" (جماعة أنصار الله). برع الحوثيون في استغلال الانقلاب الذي نفذه "الإخوان" (التجمّع اليمني للإصلاح) على علي عبدالله صالح ليحولوا جزءاً من اليمن إلى موطئ قدم لإيران. صار شمال اليمن قاعدة صواريخ إيرانيّة، على غرار ما كان عليه اليمن الجنوبي، حتّى العام 1990، مجرد قاعدة سوفياتيّة وموطئ قدم لموسكو في شبه الجزيرة العربيّة.

مرت قبل أيّام الذكرى الـ32 لإعلان الوحدة اليمنيّة. كان ذلك في الثاني والعشرين من أيّار (مايو) 1990 عندما رفع علي عبدالله صالح، الرئيس الشمالي، وعلي سالم البيض، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يحكم الجنوب، علم الوحدة في عدن. ذاب كيانان سياسيان كانا يشكلان دولتين مستقلتين باسمين مختلفين في دولة واحدة ذات علم واحد واسم جديد هو الجمهوريّة اليمنيّة.

أعلنت الوحدة من عدن بعد أربع سنوات على انهيار النظام في الجنوب نتيجة أحداث 13 كانون الثاني (يناير) 1986 التي أسفرت عن خسارة علي ناصر محمّد السلطة في مواجهة خصومه في الحزب الاشتراكي. كانت بداية العام 1986 نقطة التحوّل في الجنوب، كما كانت نقطة تحوّل على الصعيد اليمني كلّه بعدما تبيّن أن النظام في الشطر الجنوبي الذي عاش بين 1967 (تاريخ الاستقلال) و1990، تاريخ إعلان الوحدة، لم يكن من النوع القابل للحياة على الرغم من أن الجنوب المستقلّ كان يمكن أن يكون مزدهراً. يعود ذلك إلى توافر عوامل كثيرة، من بينها الثروة البشرية ومؤسسات الدولة التي تركها الاستعمار البريطاني. هجّر النظام في الجنوب، الذي سيطر عليه الاتحاد السوفياتي على مراحل، خيرة الجنوبيين وأفرغ الجنوب من كلّ مقومات الحياة، اقتصادياً وسياسيّاً. قضى على الدور الذي كان يمكن أن يلعبه اليمن الجنوبي في إطار الانفتاح على محيطه بدل تحولّه إلى دولة معادية لهذا المحيط.

عاشت الوحدة عملياً اثنين وعشرين عاماً. انتهت مع خروج علي عبدالله صالح من موقع الرئاسة. انتهت عملياً مع انتهاء حكم الرئيس اليمني السابق الذي استمرّ 33 عاماً. هذا لا يعني أنّ علي عبدالله صالح لم يرتكب أخطاء، خصوصاً في مرحلة السنوات الأربع الأولى من الوحدة بدءاً بحرب صيف 1994 وانتهاء بالطريقة التي أدار بها مرحلة الانقلاب "الإخواني" عليه تحت غطاء "الربيع العربي" في شباط (فبراير) 2011.

هناك في هذه الأيّام بالذات من لا يزال يتحدّث عن الوحدة اليمنيّة في ظلّ تجاهل تام للواقع القائم على الأرض. انتهت الوحدة اليمنيّة، التي كانت في مرحلة معيّنة ضرورة، بعدما سقطت صنعاء على مرحلتين ولم تعد تمثّل المدينة المركز في اليمن. سقطت بعدما عمّ القتال شوارعها في العام 2011 وبعدما سيطر عليها الحوثيون في 21  أيلول (سبتمبر) 2014. لكنّ السقوط الأكبر كان في حلّ الجيش اليمني، بما يشبه القرار الأميركي بحلّ الجيش العراقي بعد 2003. كان القرار بحلّ الجيش اليمني الخطيئة القاتلة للرئيس السابق عبد ربّه منصور هادي الذي سيطرت عليه عقدة سلفه. أراد الانتقام من علي عبدالله صالح. انتهى به الأمر أن انتقم من اليمن.

ماذا بعد قيام "شرعيّة" جديدة في اليمن يمثلها مجلس القيادة الرئاسي الذي على رأسه سياسي محترم هو رشاد العليمي؟

لا جواب عن هذا السؤال في غياب التعاطي مع الواقع. يفرض هذا الواقع، قبل أيّ شيء آخر، تمديد الهدنة القائمة التي بدأت مطلع نيسان (أبريل) الماضي. يفرض ثانياً الانطلاق من أنّ اليمن في حاجة إلى صيغة جديدة في إطار فيدرالي أو ما شابه ذلك. من غير الطبيعي أن إعلان الوحدة في 1990 كان إعلاناً عن انتهاء الوجود السوفياتي في اليمن الجنوبي وأن تمرّ ذكرى الوحدة في السنة 2022 فيما إيران تسيطر على الشمال اليمني.

يبدأ البحث عن صيغة جديدة لليمن يعيداً من وهم الوحدة مع ما يعنيه ذلك من طرح لسؤال في غاية البساطة: هل يمكن إعادة بناء الجيش اليمني كون ذلك يشكّل منطلقاً للانتهاء من وضع غير طبيعي تمثله سيطرة "الحرس الثوري" الإيراني على جزء من اليمن؟ ثمّة حاجة إلى البحث في صيغة جديدة لليمن تعيد الربط بين مناطقه ومحافظاته من جهة وبينه وبين العالم من جهة أخرى. لن يكون ذلك ممكناً من دون تحقيق أمرين. الأمر الأوّل التأكيد للحوثيين أنّهم جزء من الحل في اليمن وثانيهما إقناع هؤلاء بأن مشروعهم السياسي، وهو جزء من المشروع التوسّعي الإيراني، لا يمكن أن يتحقّق.

ثمّة من سيعتبر الكلام عن إعادة بناء الجيش اليمني بمثابة دعوة إلى العودة إلى دولة الوحدة، كدولة مركزيّة. هذا ليس صحيحاً. الصحيح أن وجود الجيش اليمني أو جيوش يمنيّة تمارس ضغوطاً على الحوثيين على جبهات مختلفة هو المدخل للبحث في صيغة جديدة للبلد. الحوثيون لا يفهمون إلّا لغة القوّة. لن يأتوا إلى الحوار من دون لغة القوّة لا أكثر ولا أقلّ...  

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية