طارق أبو السعد
فمن الوجوه الحقيقية لتنظيم الإخوان الإرهابي أنهم "طابور خامس" مضاد للمجتمع.
والطابور الخامس هم الجواسيس، الذين ينتمون إلى الوطن ظاهريًّا، وإلى غيره ينتمون فعليًّا، فيقومون غالبا على نشر الانهزامية وتفتيت اللحمة الوطنية، وإعاقة أي تنمية، وتشتيت الوعي الجمعي، وزرع الفتنة الدينية بين طوائف المجتمع، وغرس الغضب والحقد الطبقي، فضلا عن قيامهم بنشر الشائعات، وهو ذات ما يقوم به "الإخوان" على مر العصور.
لقد وُلدت جماعة الإخوان الإرهابية بهذا الوجه منذ اللحظة الأولى، في نهاية عشرينيات القرن الماضي، وقت كان المجتمع المصري يلتف حول قضية الاستقلال والدستور والحريات، كأحد مكتسبات ثورة 1919، التي رسخت الروح الوطنية ولقيم المواطنة والانتماء، ثم ظهر الإخوان في مصر لاعبًا في الحياة السياسية والاجتماعية بتشجيع الاحتلال الإنجليزي، فقاموا بتغيير أولويات النضال الوطني بالدفع نحو الاستقلال، وجعلوا مكانه "نضالا لاستعادة الخلافة"!
وبعد أن كان المواطن يسعى لاستكمال الدولة الوطنية بدستور يلتف حوله الجميع، جعلوه يتخلى عنه تحت ادعاء أنه "دستور بشري"، وهي كلمة حق يُراد بها باطل، وبدلا من زرع الانتماء للوطن زرعوا كراهيته، بالتركيز على سلبياته فقط، وبدلا من أن يكون الفرد إيجابيًّا في أي تغيير أو تنمية، نشروا بين الناس السلبية والتخاذل والتشفّي وكراهية الشعب، وبعد أن كان المصريون كتلة واحدة، شركاء في هموم الوطن، نشروا التعصب والاستقطاب والعنف والاحتراب الداخلي، فحرقوا الكنائس وفجّروا حارات اليهود، وكفّروا كل من خالفهم الرأي.
إنّ تحويل الفرد الإخواني إلى طابور خامس أو عنصر هادم للوطن لا تتمّ بين يوم وليلة، بل تتم عبر عملية تربوية شديدة التعقيد يتمّ فيها تغيير عقله ووجدانه وتبديل منظوره للأشياء، ومع تغيير انتماءاتهم وتوليد كراهيتهم للمجتمع وللوطن، يتمّ غرس القابلية للتحوّل، ثم تكتمل الجاهزية للقيام بأدوار الطابور الخامس.
فالمرحلة الأولى تبدأ بتقليل الانتماء، فبدلا من تنمية الحس الوطني وتقوية روابط الانتماء يقومون بتحويل مشاعر أتباعهم ومؤيديهم إلى الانتماء لأقطار أخرى إقليمية، وبدلا من أن يلتفوا حول مشاريع نهضوية وتنموية، يلتفون حول مشاريع وهمية ثبت تاريخيا أن الزمن تجاوزها، وبدلا من تكريم رموز الوطن من النوابغ، سواء أدباء أو علماء، قاموا بتشويههم واتهامهم بأنهم ضد الدين، وأنهم شركاء في مؤامرة على العرب والمسلمين.
يبدأ الإخوان بخفض الروح الوطنية، عبر تقديم تعريف جديد للوطنية، وهذا ما قام به حسن البنا، مؤسس التنظيم، فقد قال في رسالة "دعوتنا":
"أمّا وجه الخلاف بيننا وبينهم، فهو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة، وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية، فكلّ بقعة فيها مسلم يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وطنيّ عندنا، له حرمته وقداسته وحبّه والإخلاص له والجهاد في سبيل خيره، وكلّ المسلمين في هذه الأقطار الجغرافية أهلنا وإخواننا نهتم لهم ونشعر بشعورهم ونحسّ بإحساسهم".
نلاحظ الهمز واللمز عن الوطنية بمعنى الحدود الجغرافية، وكأنها أمر لا يقبله الإسلام، ثم يقدّم مفهوم الوطنية لأعضاء الجماعة على أنه "كل مكان فيه مسلم"، ثم يوضح سيد قطب، منظّر الجماعة الإرهابية، كلام "البنا" في كتابه "معالم على الطريق" بقوله: "وطن المسلم الذي يحنّ إليه ويدافع عنه ليس قطعة أرض، وجنسية المسلم التي يُعرف بها ليست جنسية حكم، وعشيرة المسلم التي يأوي إليها ويدفع عنها ليست قرابة دم، وراية المسلم التي يعتزّ بها ويستشهد تحتها ليست راية قوم، وانتصار المسلم الذي يهفو إليه ويشكر الله عليه ليس غلبة جيش".
المرحلة الثانية في الإخوان زعزعة الثقة في المجتمع، إذ يتمّ التقليل من مظاهر الوطنية والاستهانة بها، مثل تحية العلم أو الوقوف أثناء السلام الجمهوري، بزعم أنّ هذا "مُنافٍ للشريعة الإسلامية"، مدّعين أنّ الوطنية الحقة ليست الوقوف للعلَم ولا تحيته، بل العمل لصالح الوطن، وهذه التعاليم الشيطانية شفوية متوارثة داخل التنظيم، وكراهية تحية العلَم معروفة لديهم، هم فقط ينكرون هذا الاتهام إمّا تخفيا وتُقية، وإمّا تفويتا على مُخالفيهم من إثارتها لما لها من حساسية خاصة بالتنظيم وأفكاره المتطرفة.
بعد العديد من تلك الرسائل، تصبح لدى المواطن قابلية للتبيعة والهزيمة النفسية،، متهما المجتمع بكل نقيصة وتقزيم طموحاته، ثم التركيز على السلبيات وحدها، وتعظيم الفروق الاقتصادية في الطبقات، والدفع للاحتراب الداخلي والتشكيك الدائم في مؤسسات الدولة، وفي صوابية رسالتها.
المرحلة الثالثة: العمل على تفتيت اللحمة الوطنية واجتماع الكلمة، ففي عام 1946، عندما عقد طلبة الجامعات المؤتمر العام الأول لهم في 9 فبراير/شباط من العام نفسه في جامعة "فؤاد الأول" -جامعة القاهرة حاليا- وطالبوا بإلغاء اتفاقية 1936، وجلاء الإنجليز التام عن مصر، وأسّسوا مع العمال المنتفضين لجنة أطلقوا عليها اسم "اللجنة الوطنية للعمال والطلبة".. هنا عارضهم الإخوان، وقاموا بتكوين "اللجنة القومية للطلبة"، وعندما دعت اللجنة الوطنية إلى الإضراب العام وإعلان يوم 21 فبراير/شباط سنة 1946 يوما للجلاء، رفض الإخوان دعم تظاهراتهم ضد المحتل، وظلوا طوال الأزمة يعملون على تفتيت قوى الطلبة وإعاقة المظاهرات، زاعمين أن الوطن "ليس بالتخوم وإنّما بالعقيدة"، وأنّ الحرب تحت راية الوطن "ضدّ الإسلام"! وأنّ الجنسية "بالدين وليست بالدولة"، وأنّ الجماعة هي "التطبيق الوحيد للإسلام"، ويجب أن ينتمي إليها المسلم، فهي "دين ودولة"، حسب زعمهم!
المرحلة الرابعة: إعلاء قيمة الاغتراب داخل المجتمع، فقد دعا حسن البنا إلى عدم الاحتكام أمام القضاء، والاحتكام لقضاء الجماعة فقط، وتوجد لجان في الجماعة للفصل في المنازعات المدنية بين أعضائها، حتى لا ينتمي الأفراد لمؤسسات بعيدة عن الجماعة.
ودعا سيد قطب للعزلة الشعورية بين أعضاء الجماعة والمجتمع، لتكون حاجزا اجتماعيا ونفسيا تمنع تبادل التفاعل الثقافي بينهما، وأن يظل أتباعهم من الجماعة أسرى لأفكار البنا وقطب، مع استمرار توليد الكراهية ضد الوطن، بزعم أنّ هذا الوطن شعبه "يعيش في جاهلية"، مع التشكيك في مؤسسات وطنية كالجيش، ورويدا رويدا يجد عضو الإخوان نفسه منغمسا في عشق التنظيم وأعضاء التنظيم ويتبدل حبّ الوطن والدولة ومؤسساتها إلى كراهية شديدة.
عضو الجماعة الإرهابية، الذي تربّى على كل ما سبق، سيقوم بالمهمّة بكلّ إخلاص، فيصنع الشائعات ويروّجها، ويستهدف عقول ووجدان الشعب، والمحيطين به، سيسخر من القوات المسلحة بزعم أنها "جيش غير قادر على الانتصار"، حتى يجاريه المتواصلون معه، ثم يحاول أن يبث الفرقة بين المصريين وينشر ثقافة التخاذل، سيهاجم كلّ من يُظهر انتماءه للوطن ويحرّض عليه اللجان الإلكترونية التابعة للإخوان لتُسكت صوته أو تجعله مادة لسخرية الآخرين، سيقوم الإخوان بالتركيز على هفوات تقع من أفراد في مؤسسات الدولة للتشكيك في كل التصرفات والقرارات، ثم التركيز على قضايا ثانوية وتقديمها على أنها قضايا ذات أولوية، وأخيرا السخرية من الوطن واسمه، مثل هتاف المصريين "تحيا مصر".
كلّ هذه هي أدوار الطابور الخامس والقابلية للجاسوسية، يقوم بها أعضاء تنظيم الإخوان الإرهابي بمستويات متفاوتة، منهم مَن أعلن ذلك بكلّ وضوح، آلاف التدوينات لأعضاء من الإخوان غير مشهورين، كلها ولاء لدول وأوطان غير أوطانهم ودولهم، وضد الجيش وضد وطن لا يؤمنون به ولا يعترفون به ولا يدينون بالفضل له، ولأنّ التنظيم أخبرهم بأنّ دولة ما تؤيد "الإسلام الإخواني" يتحولون في غمضة عين عاشقين لها، مدافعين عنها، مستعدّين للذود عنها بدمائهم.. هكذا حوّلتهم الجماعة إلى جواسيس وأتباع.
هذا التاريخ الطويل في بئر الخيانة ليس حكرا على إخوان مصر فحسب، بل كلّ عضو في هذه الجماعة هو مشروع طابور خامس وجاسوس محتمل ضد وطنه في أي دولة كان، يكنّ لوطنه الشعور البغيض نفسه.
المعركة مع تنظيم الإخوان ومن يقف وراءهم طويلة وتحتاج إلى نفَس طويل وقدرة نفسية هائلة على تحمّل ما تقترفه الجماعة وأتباعها، وينبغي على جميع مكوّنات المجتمع التكاتف للتصدي لفكرهم وألاعيبهم، فأخطار الإخوان لا تُجدي معها أنصاف الحلول.
عن "العين" الإخبارية