الهجوم على معبد الغريبة التونسي: حادث أمني أم تدبير إخواني إرهابي؟

الهجوم على معبد الغريبة التونسي: حادث أمني أم تدبير إخواني إرهابي؟

الهجوم على معبد الغريبة التونسي: حادث أمني أم تدبير إخواني إرهابي؟


10/05/2023

بعد أشهر من الهدوء الذي أعقب سلسلة تفجيرات دامية ضربت تونس، أعاد حادث إطلاق النار الذي وقع بمحيط معبد الغريبة اليهودي في جربة مساء الثلاثاء على يد عون أمن، أعاد الخوف والرعب إلى نفوس التونسيين الذين عانوا من تاريخ مؤلم مع الإرهاب.

وانقسم التونسيون منذ وقوع الحادث؛ بين من يعتبره عودة خبيثة للإرهاب لحصد المزيد من أرواح التونسيين وضرب صورة البلد بالخارج، تنفيذاً لتعليمات إخوانية يتخبّط قادتها من أجل التنفس، فيما يستبعد شق واسع من التونسيين أن يكون الهجوم إرهابياً، معتبرين أنّه مجرّد حادث أمني.

وقد تأخرت السلطات التونسية في التفاعل مع الحادث إعلامياً، لكن لاحقاً نشرت وزارة الداخلية التفاصيل في بيان، أكدت فيه أنّ "عون حرسٍ تابع للمركز البحري للحرس الوطني بأغير جربة، أقدم مساء الثلاثاء على قتل زميله باستعمال سلاحه الفردي، والاستيلاء على الذخيرة، ثم حاول الوصول إلى محيط معبد الغريبة، وعمد إلى إطلاق النار بصفة عشوائية على الوحدات الأمنية المتمركزة بالمكان التي تصدّت له ومنعته من الوصول إلى المعبد، وأردته قتيلاً".

تأخرت السلطات التونسية في التفاعل مع الحادث إعلامياً

وأضافت الداخلية أنّ "العملية أسفرت عن إصابة (6) أعوان أمن، بإصابات متفاوتة الخطورة، توفي أحدهم، كما توفي (2) من الزوار، وأصيب (4) أشخاص آخرين بجروح متفاوتة، تم نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج".

كما أكدت وزارة الداخلية أنّه "تمّ تطويق المعبد، وتأمين جميع المتواجدين داخله وخارجه"، مشيرةً إلى أنّ البحث متواصل "لمعرفة دواعي هذا الاعتداء الغادر والجبان".

المعتدي كان يرتدي درعاً واقياً من الرصاص

وعن تفاصيل الهجوم، أكد وزير السياحة السابق روني الطرابلسي اليوم الأربعاء أنّه كان متواجداً مساء أمس بمعبد الغريبة بجربة عند وقوع الهجوم، وأوضح في تصريح لإذاعة (موزاييك) التونسية أنّ الحادثة وقعت بعد مغادرة الوفود للمعبد، وتمّ سماع صوت إطلاق نار في المكان.

وقال الطرابلسي: إنّ مرتكب الهجوم كان يرتدي زيّاً مدنيّاً، لكن بفضل حنكة أعوان الأمن تم التفطن له، والتصدّي له بسرعة كبيرة، مضيفاً: ''لولا التدخل السريع، لحدثت الكارثة، لأنّ مئات الزوار كانوا في المكان نفسه".

أعاد حادث إطلاق النار الخوف والرعب إلى نفوس التونسيين الذين عانوا من تاريخ مؤلم مع الإرهاب

وأشار إلى أنّ المعتدي كان يرتدي درعاً واقياً من الرصاص، ويحمل سلاح كلاشنيكوف استولى عليه من الأمني الذي قام بقتله قرب المركز البحري للحرس الوطني بأغير، ممّا جعل عملية القضاء عليه تستغرق القليل من الوقت.

ولفت وزير السياحة السابق إلى أنّ الشابين اللذين راحا ضحيّة الهجوم كانا يختبئان خلف حافلة خلال إطلاق النار، لكنّهما أصيبا وفارقا الحياة.

وحول الحالة الصحية للمصابين، كشف أنّه، حسب المعطيات الأولية، يوجد بين المصابين شخص في حالة حرجة.

وشدّد روني الطرابلسي على أنّ هذا الهجوم قد يؤثر على صورة تونس في العالم، خاصّة أنّ أغلب وسائل الإعلام قد تناولته، متابعاً: "لهذا يجب أن يتوحّد الجميع، وعدم إعطاء الإرهاب أيّ فرصة لبثّ دعوات التفرقة أو التقسيم بين أبناء الشعب الواحد، وعلينا مواجهة مشاكلنا بكل صراحة، ووضع حدّ للخلط بين القضية الفلسطينية-الإسرائيلية وبين يهود جربة".

ترجيح لكفة الإرهاب

فور وقوع الهجوم، تداول نشطاء التصريح الذي تحدث فيه زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي عن حرب أهلية إذا تم إبعاد النهضة أو بقية الأحزاب، وهو التصريح الذي يقبع من أجله في السجن حالياً، واعتبروا أنّ هذه العملية كانت إعلاناً لما يُعرف بـ "تحرير المبادرة"، وبالتالي السماح للذئاب المنفردة بالقيام بما تراه ناجعاً، دون انتظار إشارة أو إذن من القيادة المركزية للحركة.

 الطرابلسي: إنّ مرتكب الهجوم كان يرتدي زيّاً مدنيّاً، لكن بفضل حنكة أعوان الأمن تم التفطن له

هذا، واعتبر أمين عام حزب العمال حمة الهمامي اليوم الأربعاء أنّ الهجوم "عمليّة إرهابيّة"، وأنّ منفذ العملية الإرهابية ينتمي إلى الجهاز الأمني، وهو ما يطرح أكثر من سؤال.

وتساءل الهمامي في تصريحات أدلى بها لإذاعة (شمس) التونسية: "هل العملية وليدة اللحظة أو مخطط لها؟ وهل هناك اختراق في الجهاز الأمني؟"، كما شدد الهمامي على أنّ الإرهاب مرفوض بشكل مطلق، لافتاً إلى أنّ هذه الظاهرة لم تنتهِ لا في تونس، ولا على المستوى العالمي، لافتاً إلى أنّ هذا الهجوم ستكون له انعكاسات على النشاط السياحي.

من جانبه، اعتبر الصحفي التونسي سعيد خزامي، في تدوينة نشرها على حسابه بموقع "فيسبوك"، أنّ الهجوم الدامي في جربة لا يمكن إلّا أن يكون عملية إرهابية، وأمّا الهدف، فهو محاولة إحداث بؤرة فوضى لإرباك الوضع الأمني، وضرب صورة تونس أمام العالم.

فور وقوع الهجوم تداول نشطاء التصريح الذي تحدث فيه زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي عن حرب أهلية إذا تم إبعاد النهضة أو بقية الأحزاب

وقال في التدوينة: "إلى أن تكتمل الأبحاث بشأن ما جرى، وقد تصعب بعد أن تمّت تصفية الفاعل، فإنّنا نميل إلى الاعتقاد بأنّ العملية أكبر مِن مجرد انتقام شخصي معزول. واضح أنّ منفذ الهجوم قد خطط لاقتحام كنيس الغريبة اليهودي وقتل ما يستطيع من زوّاره. ويبدو أنّ إصراره على اقتحام الكنيس هو الذي جعله يدخل في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن الحارسة للمبنى، حتى أنّها عالجته بالرّصاص لوقف تقدمه، إنّما ليس مِن دون ثمن بحديث بيان وزراة الداخلية عن وفاة رجل أمن و(2) من زوّار الكنيس، إضافة إلى إصابات مُتفاوتة الخطورة...".

حادثة معزولة

بالمقابل، ثمّن رئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة أحمد الطيب، في تصريح لإذاعة (موزاييك) التونسية، التدخل الأمني السريع للوحدات الأمنية بجربة في التصدي للهجوم، وشدد على أهمية العمل التواصلي لوزارتي الداخلية والخارجية بشفافية وإعطاء المعلومة الدقيقة، مؤكداً أنّ وكالات الأسفار الأجنبية تتابع الوضع في تونس.

واعتبر الطيب أنّها عملية معزولة تقع بشكل يوميّ في عدة دول في العالم، قائلاً: "تونس ليست بمنأى عن ذلك".

وأكد رئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة أنّ الهجوم يُعتبر محنة صغيرة بالنظر إلى نجاعة وجدية التدخل الأمني، مشيراً إلى التضامن والتواصل الإيجابي للسفارات الأجنبية ووزارات الخارجية لعدد من الدول.

حمة الهمامي: الهجوم "عمليّة إرهابيّة" ومنفذ العملية الإرهابية ينتمي إلى الجهاز الأمني

ولم ينفِ الإعلام التونسي صراحة صفة الإرهاب عن الحادثة، وتجنّب تداول أخبار عن ذلك، كما استبعدته وزارة الداخلية ضمنياً، إذ تعمدت عدم الحديث عن الطابع الإرهابي للحادث، وتجنّبت الشخصيات السياسية والرسمية الحديث عن هجوم إرهابي.

بالمقابل، اختلف نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في التعليقات الفيسبوكية عن طابع الهجوم، إذ اعتبره البعض مجرّد خلاف بين زميلين أمنيين، وذهب آخرون إلى أنّه حادث أمني غير مخطط له.

اعتبر الطيب أنّها عملية معزولة تقع بشكل يوميّ في عدة دول في العالم، قائلاً: تونس ليست بمنأى عن ذلك

ويجتذب موسم الزيارة السنوية لمعبد الغريبة، وهو أقدم معبد يهودي في أفريقيا، مئات اليهود من أوروبا وإسرائيل إلى جزيرة جربة التي تُعدّ منتجعاً سياحياً رئيسياً قبالة سواحل جنوب تونس، وتبعد (500) كيلومتر عن العاصمة تونس.

وفُرضت إجراءات أمنية مشددة على الزيارة اليهودية منذ أن هاجم أحد متشددي تنظيم القاعدة المعبد عام 2002 بسيارة مليئة بالمتفجرات، ممّا أدى إلى مقتل (14) سائحاً ألمانياً و(3) تونسيين وفرنسيين اثنين، إضافة إلى إصابة (30) آخرين، وقد قتل المسلح الذي فجر السيارة.

معطيات إسرائيلية

مباشرة على إثر الحادث، سارعت صحيفة (جيروزاليم بوست) العبرية إلى التأكيد، نقلاً عن مسؤول حكومي إسرائيلي: المنظمات الإسرائيلية واليهودية كانت على علم بتهديدات يتعرّض لها التونسيون اليهود منذ أشهر، وهناك مخطط سرّي لموجة هجرة كبيرة، لكن من غير الواضح ما إذا كان أفراد الجالية اليهودية مهتمين بالهجرة إلى إسرائيل.

الصحيفة نقلت عن المسؤول الحكومي الرفيع أنّ حكومته "ناقشت في اجتماع مغلق مع زعماء يهود قبل شهرين العمل على مراقبة الوضع مع الوكالة اليهودية ومع وزارة الهجرة والاندماج، في محاولة لإحداث تأثير ومحاولة جلب هؤلاء اليهود إلى إسرائيل".

وغرّد وزير شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية عميشاي شكلي (الليكود) بعد العملية بشأن المناقشات السرّية حول الجالية اليهودية التونسية: "منذ حوالي شهر ونصف في ظل التوترات في البلاد عقدنا مع الوكالة اليهودية مناقشة طارئة لوزارتي شؤون المغتربين والاندماج، واتفقنا على عمل مشترك من شأنه مساعدة أفراد الجالية الذين يرغبون في الهجرة إلى إسرائيل".

ردود فعل دولية

وكانت واشنطن أول من تفاعل مع الحادث، إذ استنكرت الخارجية الأمريكية اليوم الأربعاء الهجوم الذي تزامن مع زيارة الغريبة في جزيرة جربة، مشيدة بـ "التحرك السريع لقوات الأمن التونسية".

وقال ماثيو ميلر، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، في تغريدة عبر (تويتر): "تستنكر الولايات المتحدة الهجوم الذي وقع في تونس، بالتزامن مع الزيارة السنوية التي يقوم بها اليهود من مختلف أنحاء العالم لكنيس الغريبة اليهودي"، وتابع المتحدث: "نقدم تعازينا للشعب التونسي، ونثني على التحرك السريع لقوات الأمن التونسية"، وفق تعبيره.

من جهتها، قالت السفارة الفرنسية في تونس: إنّها أقامت "وحدة أزمة" وخط طوارئ ساخن بعد مقتل (5)، بينهم فرنسي، و(3) أمنيين في إطلاق نار في جزيرة جربة، وأدانت السفارة بشدة هذا الهجوم، وقدمت تعازيها لعائلات الضحايا.

كما أثنت السفارة الفرنسية على التدخل السريع للوحدات الأمنية الذي حال دون وصول المعتدي إلى معبد الغريبة.

مواضيع ذات صلة:

تونس: هل حركة النهضة الإخوانية وراء "هجوم جربة"؟

حج اليهود إلى تونس... فرصة لتجاوز العمليات الإرهابية ومظهر للتسامح الديني

خطايا الغنوشي وأبنائه... هكذا أداروا تونس خلال عقد من الزمن



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية