الناقد الديني أحمد القبانجي.. بين التنوير والتثوير

الناقد الديني أحمد القبانجي بين التنوير والتثوير

الناقد الديني أحمد القبانجي.. بين التنوير والتثوير


28/01/2024

يندك المرء في روحانية إيران، طالما يبحث عن المعنوي في ذلك الحيّز الحضاري العميق. الروحانيات حاضرة في كلّ ملمح من ملامح الحضارة الفارسية؛ بما فيها الفنون والغناء والموسيقى، حيث دائماً ما تستأنس المسامع بالحناجر الصادحة من أعماق الروح لتسقط في الروح أيضاً. الدين في إيران أبرز ملمح روحيّ تبصره العيون، وتستشعره الحواس. 
يحضر الدين بقوة في أعماق تلك المساحة الحضارية من الشرق. وذلك الحضور حاضر قبل الثورة "الإسلامية"، وبعد مجيئها أيضاً. حاول أنفار من العراقيين المهاجرين عنوة لتلك البلاد أن يستثمروا في الروحانيات؛ لعلها تقيهم عوالم الماديات المتوحشة، فضلاً عن جفاف الحياة هناك.

يتعرّف أحمد القبانجي، المقاتل بفيلق بدر، على المضامين الروحية في مؤلفات علماء إيران المعاصرين، وأبرزهم آية الله عبد الحسين دستغيب (قتل 1981م)، والأخير يُعدّ من كبار الأخلاقيين والثوريين في عالم إيران المعاصر. يبرع القبانجي في المسالك المعنوية التي نهلها من معين دستغيب، وعَمَدَ إلى ترجمة مؤلفاته الكثيرة، وأبرزها (سلسلة أصول الدين). تعينه هذه الطاقة الروحية على مواجهة ضرائب الحرب التي خاضها مع الجناح المسلح للمجلس الأعلى الإسلامي ضد نظام صدام حسين، والتي كلفته فقدان إحدى يديه، وإعاقة شيء من جسده. كان ربيب الخنادق والمعنويات، على خط معاكس لرفاقه "الجهاديين"، إذ كان زاهداً، عابداً، متقشفاً، يعيش على طريقة العرفاء والمتصوّفة. 

آية الله عبد الحسين دستغيب

وعلى الرغم من سكونيته المعرفية، إلا أنّ الشغف قاده إلى قراءة مجمل الأفكار في عالمي الشك واليقين. تأثر القبانجي لاحقاً بطروحات كانط، ونيتشه، وسورين كيركورد، وحاول أن يخلق لنفسه هوية معرفية من جديد.

بعد سقوط النظام العراقي السابق في نيسان (أبريل) 2003؛ اندفع إلى الساحة العراقية بقوة طالباً الإصلاح الديني على الطريقة اللوثرية. قساوة الاجتماع الديني في العراق دفعته إلى الاجتماع المُعلمن الذي استقبل "المعمم الجديد" وتصديره تحت يافطة التنوير. أرجحية التطرف الديني واللّاديني في العراق منعت القبانجي من الوقوف على الحياد الصلب. حاول في بداية الأمر أن يصدر أطروحته المعنوية، وتمكن من إصدار مطبوعات عدة تؤنسن العلاقة بين السماء والأرض، كما تمكن من تسويق كتابه المعنوي الشهير (الله والإنسان)، وهو كتاب ظنه العلمانيون طرحاً نقدياً جريئاً "للمقدّس"، بيد أنّ محتواه ضمّ محاضراته الملقاة عن الأخلاق الدينية في معسكرات إيران طيلة أعوام الحرب. 

 

قسوة الإسلاميين دفعت القبانجي إلى فقدان التوازن الذاتي، والميل نحو كفة المناوئين للأطروحة الدينية برمتها

 

قسوة الإسلاميين دفعت القبانجي إلى فقدان التوازن الذاتي، والميل نحو كفة المناوئين للأطروحة الدينية برمتها، ونجح في تقديم ندوات وفعاليات نالت من رمزيات "الإسلام المحمدي"، وذلك تحت عناوين "القراءة المادية للدين"، دون أن يخفي نزعاته الشخصانية لدى محاكمته لأفكار الخصوم في الدائرة الاجتماعية المضادة.

أحد الشخصيات الفاعلة في أوساط الثقافة العراقية، والتي عملت على تسويق القبانجي بوصفه داعية تنوير في تلك الأوساط، سألته عن سرِّ ابتعاده في الآونة الأخيرة عن ذلك السيد الذي يعيش وحيداً في مدينة السليمانية، أجاب: القبانجي أطروحة قديمة، وليس عنده شيء جديد.

الشغف قاد القبانجي إلى قراءة مجمل الأفكار في عالمي الشك واليقين

جوابٌ مفاجئ، يؤدي إلى نتيجة سلبية بشأن ما يطرحه ذلك الناقد الديني، الذي طرح طرحاً تثويرياً للخلافات الشائكة في العقيدة الإسلامية، والذي يرضي طرفاً ثقافياً في العراق، وهو الطرف اللّاديني الذي تماهى كثيراً مع طروحاته، وحينما نفدت تلك الطروحات، تخلى ذلك الطرف عن القبانجي الذي ما زال يؤمن بمشروعه الذي يصفه بالتنوير، علماً أنّ الكثير يراه تثويراً لخلافات الماضي لا أكثر، لأنّ التنوير ليس تشخيص الخلل فحسب، وإنّما وضع المعالجات لها أيضاً، لكي تسير الحياة برفعة وتقدّم.

مواضيع ذات صلة:

المرجع الشيعي علي الأمين يفتح النار على حزب الله وإيران

الشيعة العرب..هكذا سيطرت إيران على الخطاب الشيعي

الشيعة العرب..هكذا استغلت وشوهت إيران قضايا الوطن العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية