الميرغني يعود للسودان: للتعبّد أم للتسوية السياسية؟

الميرغني يعود للسودان: للتعبّد أم للتسوية السياسية؟

الميرغني يعود للسودان: للتعبّد أم للتسوية السياسية؟


28/11/2022

تأتي عودة شيخ الطريقة الختمية، وزعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل محمد عثمان الميرغني من مقر إقامته في العاصمة المصرية القاهرة إلى الخرطوم، في وقت تشهد فيه البلاد زخماً كبيراً نحو انفراجة في الأزمة السياسية، التي تعيشها منذ 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021 بعد فض الجيش الشراكة مع قوى إعلان الحرية والتغيير.

وحظيت عودة الزعيم الديني والسياسي السوداني باحتفاء كبير من مريدي الطريقة الختمية وجموع الإسلاميين وغيرهم من القوى السياسية التي ترى فيه عودته إضافةً نحو الخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد.

عودة الزعيم

ووصل الزعيم الميرغني إلى الخرطوم في 21 من الشهر الجاري بعد ما يزيد عن تسعة أعوام قضاها خارج البلاد. وكان في استقباله جمهور الطريقة الختمية وشخصيات سياسية وحزبية من بينها رئيس مبادرة نداء أهل السودان للوفاق الوطني الطيب الجد.

وتتزامن العودة مع حدثين كبيرين للبلاد والحزب؛ الأول قرب التوقيع على إعلان سياسي بين الجيش وقوى سياسية بزعامة الحرية والتغيير، والثاني انقسام أبناء السيد الميرغني بشأن الموقف من الإعلان السياسي المرتقب. وكان نجله القيادي بالحزب محمد الحسن وقع على وثيقة الدستور الانتقالي الذي أعلنته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، والذي بات أساس المفاوضات التي ترعاها أطراف أممية ودولية بين الجيش والحرية والتغيير - المجلس المركزي. بينما وقع نجله الآخر نائب رئيس الحزب جعفر محمد عثمان الذي يحظى بدعم والده على الإعلان السياسي لتحالف الحرية والتغيير - الكتلة الديمقراطية (مجموعة اتفاق سلام جوبا) تحت لافتة المبادرة السودانية للترتيبات الدستورية.

د. عماد الدين حسين: التسوية السياسية بين الجيش والحرية والتغيير شبه جاهزة للتوقيع

ويقول الأكاديمي والخبير الإستراتيجي، عماد الدين حسين بحر الدين أنّ التسوية السياسية بين الجيش والحرية والتغيير شبه جاهزة للتوقيع، بينما يشهد الشارع حراكاً من الإسلاميين الرافضين لهذه التسوية.

وأضاف لـ"حفريات": يبدو أنّ عودة الميرغني جاءت لتوحيد صفوف الأحزاب الاتحادية ومنع انقسام جديد على خلفية موقف قيادات الحزب من التسوية السياسية. وأشار الأكاديمي السوداني إلى أنّ الحزب الاتحادي الأصل لديه قواعد شعبية عريضة في شرق ووسط البلاد وسيكون له دور في التسوية الجارية.

ويرى الناشط السياسي السوداني محمد عثمان الذي عمل مديراً لمكتب السيد محمد عثمان الميرغني لعدة أعوام عقب نفيه إلى مصر بعد انقلاب نظام الإنقاذ عام 1989، أنّ السيد شيخ طريقة صوفية قبل أن يكون زعيماً سياسياً لأكبر حزب بالسودان وفق عدد الأصوات في آخر انتخابات ديمقراطية. وأضاف لـ"حفريات": "السيد لم يعد بذات نشاطه السياسي السابق وانقطع للتعبد والإكثار من أذكاره وأوراده".

تتزامن عودة الميرغني مع حدثين كبيرين؛ الأول قرب التوقيع على إعلان سياسي بين الجيش وقوى سياسية والثاني انقسام أبناء السيد الميرغني بشأن الموقف من الإعلان السياسي المرتقب

وذكر لـ"حفريات" بأنّ رمزية عودة السيد هي استدعاء لتوجهه الوسطي المتسامح وحرصه على العدالة التي خرج من بلاده لأجلها ليعيش خارج السودان لعقود بسبب عدم قبوله جرائم النظام البائد.

بدوره قال الناشط السياسي عامر على الحاج إنّ عودة الميرغني جاءت في إطار صراعات كبيرة داخل الحزب الاتحادي الذي يشهد انقسامات منذ عقدين، امتدت في الآونة الأخيرة إلى قلب بيت الميرغني، ما دفع مولانا محمد عثمان إلى التدخل لإقصاء ولده الحسن.

ولفت الناشط السوداني إلى أنّ الميرغني وجه ولده جعفر بمواجهة التفلت داخل الحزب الاتحادي، بهدف الحفاظ على نواة الحزب والطائفة الختمية والتمهيد لجمع الاتحاديين من أجل المشاركة الفاعلة في الشأن السياسي.

التسوية السياسية

وألقى الميرغني خطاباً سبق عودته بعدة أيام في الذكرى السنوية رقم (34) لتوقيع اتفاق السلام مع زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان الراحل جون قرنق عام 1988، في ظل الديمقراطية الثالثة في البلاد (1985 - 1989) بعد ثورة أبريل على نظام الرئيس جعفر نميري.

عامر الحاج: السودان بعد الثورة شهد ظهور قوى سياسية غير منظمة

وقال فيه إنّ البلاد تمر بمرحلة دقيقة تحتاج للنظر بحكمة والاعتبار بالتجارب. محذراً من أنّ "الخطوات المستعجلة في الاتجاهات الخاطئة لإنضاج حلول قبل وقتها، من شأنها أن تجلب مفسدة وضرراً كبيراً على البلاد". وأشاد الميرغني بمواقف القوات المسلحة ورفض الإساءة للجيش السوداني وقال إنّه "الضامن الوحيد لاستقرار البلاد".

ويقول الناشط السياسي عامر علي الحاج إنّ السودان بعد الثورة شهد ظهور قوى سياسية جديدة غير منظمة سياسياً نشأت على عجل واضح لسببين؛ وجود غلبة سكانية لمن هم أصغر من 40 عاماً ولا ينتمون لأحزاب سياسية بسبب جمود الحياة السياسية في عهد الإنقاذ، والثاني الدعم الدولي من جهات خارجية لهذه القوى على غرار ما شهدته بلدان الربيع العربي في عام 2011.

وأفاد الحاج بأنّ الأحزاب السياسية الكبيرة القديمة مثل حزب الأمة القومي والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل والإسلاميين على اختلاف فرقهم لم يكونوا فاعلاً أساسياً في الأحداث ما بعد 2019.

الأكاديمي السوداني عماد بحر الدين لـ"حفريات": عودة الميرغني جاءت لتوحيد صفوف الأحزاب الاتحادية ومنع انقسام جديد على خلفية موقف قيادات الحزب من التسوية السياسية

وذكر أنّ الحراك في الشارع منقسم اليوم إلى فريقين؛ الرافضين للتسوية الحالية ومنهم الاتحادي والإدارات الأهلية والطرق الصوفية والإسلاميين ويمثلون المجتمع القديم، مقابل فريق لجان المقاومة التي تعرقل العملية السياسية وترفع شعارات ترفض التفاوض مع الجيش وتؤيد التدخل الأجنبي.

من جانبه دعا الناشط السياسي محمد عثمان الأطراف السياسية الفاعلة إلى الاستفادة من الطاقة الإيجابية التي خلفتها عودة السيد الميرغني. وقال إنّ عودة السيد الميرغني "أعطت دفعة قوية إلى المرتكزات الوطنية والخط السياسي الوطني وسيادة حكم القانون والتحول السلس نحو الدولة المدنية الديمقراطية والحفاظ على الموروثات المعروفة في تراثنا الوطني والديني".

جمع شتات الاتحاديين

وعلى صعيد البيت الاتحادي الذي يشهد خلافات حادة بين أفراد أسرة السيد محمد عثمان الميرغني بسبب الزج باسم الحزب في التسوية السياسية التي تقوم على دستور تسييرية نقابة المحامين من المؤكد أنّ وجود الميرغني في الخرطوم سيمثّل دفعة قوية نحو إعادة جمع شتات الحزب.

ويرى المدير السابق لمكتب السيد الميرغني، محمد عثمان أنّ على بعض مجموعات الحزب الحذر من محاولة استغلال عودة السيد من قبل عناصر النظام البائد الذين لهم مخططات لإعادة نظامهم من خلال اختراق الحزب الاتحادي وجرجرته لتحالفات معادية للتغيير السياسي.

ونوه بأنّ مجموعات من (قحت) تحاول الاستفادة من عودة السيد لشرعنة انفرادها بالقرار السياسي وتشكيل حكومة بدعوى أنّ جماهير الاتحاديين وزعيمهم معهم وفي ذات الوقت عدم إشراكهم في القرار السياسي.

محمد عثمان: على جميع الطامعين في المناصب عدم إزعاج السيد وإرهاقه أكثر مما فعلوا

وفي نيسان (أبريل) الماضي، وقع ممثلو الأحزاب والفصائل الاتحادية السودانية على وثيقة إعلان الوحدة التنسيقية للأحزاب والفصائل الاتحادية السودانية، وهم؛ الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، الحزب الاتحادي الديمقراطي، الحزب الاتحادي الديمقراطي - الشرعية الثورية، الحركة الاتحادية، التيار الاتحادي الحر، تيار أبناء الجزيرة، والاتحادي الديمقراطي - الهيئة القيادية. غير أنّ هذه الخطوة المهمة اصطدمت بعقبة الخلافات المتجذرة في الحزب منذ تأسيسه، وأعلنت الفصائل الاتحادية عدا الاتحاد الديمقراطي فصل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل من تنسيقية الوحدة الاتحادية بسبب خلافات بينية.

ويرى المدير السابق لمكتب السيد الميرغني أنّ السيد قدم للسودان ما يكفي على حساب طريقته وأسرته الممتدة وبيته وصحته. وأضاف "يجب على جميع الطامعين في المناصب عدم إزعاج السيد وإرهاقه أكثر مما فعلوا، وتركه لخلوته وتعبده  بين مسجد والده وبيته".

وشدد الناشط محمد عثمان أنّ على الاتحاديين البحث عن وحدتهم والالتزام بتعاليم السيد وتعاليم جده مؤسس الطريقة الختمية، والتي من أهمها قهر حب الرياسة وتطهير النفس من الطغيان.

وتأسس الحزب الاتحاد الديمقراطي عام 1967 بعد اندماج حزبي الوطني الاتحادي بقيادة الزعيم الأزهري وحزب الشعب الديمقراطي بقيادة علي الميرغني.

مواضيع ذات صلة:

على وقع الحروب القبلية والأزمات السياسية... الشارع السوداني يغلي مجدداً

هل اقترب المدنيون والعسكريون من التوصل لاتفاق سياسي في السودان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية