المهاجرون في أوروبا كبش فداء.. ظاهرة حديثة أم إرث تاريخي؟

المهاجرون في أوروبا كبش فداء.. ظاهرة حديثة أم إرث تاريخي؟


03/02/2019

ترجمة: علي نوار


تقود النزعة للدفاع عن مجتمع ما نحو البحث عن كبش فداء، حان وقت إنهاء الحراك الدنيء الذي يستهدف الوافدين من الخارج، ومواجهة استغلال المخاوف الناجمة عن ذلك.
يُحكى أنّ مثقفاً تركياً سئل عن السبب، من وجهة نظره، وراء دأب الاتحاد الأوروبي على رفض انضمام بلاده إلى التكتّل الأوروبي، فما كان منه سوى أن أجاب ساخراً: "لست أدري، ربما لأنّنا كبش فداء!".

اقرأ أيضاً: اتفاق الهجرة يشعل أعمال عنف في بروكسل
وبعيداً عن السخرية المريرة، إلا أنّ كلمات هذا المثقف التركي منتقاة بعناية؛ لتعبّر عن الدور الذي يقع على عاتق أفراد أو مجموعات من البشر، على سبيل المثال المهاجرون، والذين يجري تحميلهم ذنباً ما، وينالون عقاباً على وضع هم غير مسؤولين عنه بأي حال من الأحوال، والمعايير التي توضع على أفراد أو مجموعات كي يصبحوا أهدافاً للهجوم، هي بالطبع محدّدة ومعيّنة، لكنّها لا تستوفَى إلّا بوجود شرط مسبق؛ ألا وهو ضعف وعجز الضحايا عن حماية أنفسهم.

مجموعة من المهاجرين الذين تم إنقاذهم في ملقة

يضاف إلى ذلك؛ أنّ معايير انتقاء كبش الفداء تنبع من نزوع نحو الدفاع بغية تفريغ خلافات داخلية لدى المجموعة التي تصدر الاتهامات، هذه الخلافات التي تطرأ على العلاقات فيما بين الأشخاص، أو حتى بين الطبقات؛ داخل الأسرة، أو داخل التركيبة الاجتماعية، أو داخل نموذج مجتمعي، تكتسب مشروعية عن طريق إيجاد كبش الفداء هذا الذي يفتقر للقوة الفعلية أو حتى الرمزية.

إزاء وجود أزمة حادّة ينشأ البحث عن مدان ويعاد بناء روح التضامن الجمعي في مواجهته

أمّا كبش الفداء في حدّ ذاته؛ فهو مصطلح مشتق من أسطورة عبرانية قديمة، تقول إنّ اليهود كانوا يتطهّرون من خطاياهم عن طريق نقلها إلى كبش (عزازل)، كانوا يقتادونه إلى الصحراء؛ حيث يتركونه هناك. ويشير المجاز في يومنا هذا إلى أيّ هدف بريء يتعرّض للعنف العقابي من الآخر، وهو مثال أنثروبولوجي عالمي الطابع.

وقد صيغت نظريات عديدة في محاولة لتحليل هذه الظاهرة، لكن أبرزها هي مساهمة رينيه جيرار؛ الذي وضع فرضية في هذا الصدد، عبر كتابه المعنون (العنف والمقدّس). ويدرس جيرار في هذا العمل المعنى الرئيس وراء مصطلح "كبش فداء"؛ بوصفه اتجاهاً كامناً لدى البشر، ويحذّر الباحث، في البداية، على أنّ فكرة كبش الفداء، تعكس بجلاء، علاوة على التقليل من شأن الهدف الموصوم، ميلاً للحسد يستند إلى الرغبة في الحصول على ما لدى الآخر، أو بعبارة أخرى؛ ذلك التوق لانتزاع شيء يتمتّع به شخص ما، وحرمانه منه (مثل منصب في العمل)، وبناءً على فكرة جيرار؛ فإن هذه النزعة الكامنة في أعماق الإنسان تولّد نوعاً من العنف لا يمكن السيطرة عليه في حد ذاته؛ لأنّه يمسّ لبّ الرابطة الاجتماعية، ويؤدّي إلى نشوب صراع يتواجه فيه الجميع مع الجميع، وهذا الصراع قادر على محو أيّ شكل من أشكال المجتمع المتحضّر، ولأجل تخفيف حدّة هذه الحرب والسيطرة على النزوع نحو الحقد، ابتكرت المجتمعات كبش الفداء، الذي يتحمّل أوزار العنف، ويدفع كلفتها بالتضحية.

اقرأ أيضاً: ميثاق أممي جديد حول الهجرة .. تعرف عليه
وتنبع الحاجة لإيجاد كبش فداء والتضحية به عندما يبدأ المجتمع في التعرّض لأزمة عميقة تضرب توازنه الداخلي، وهنا تبدأ عملية البحث عن المسؤول، ويُعاد في مواجهته تشكيل التضامن الجمعي، وفي الحقيقة؛ إنه على مدار التاريخ القديم والحديث، لطالما كانت هناك نزعة نحو التضحية بالآخر، إما لتعزيز الرابطة الداخلية لمجتمع ما، بعد أن أصابها الوهن، أو لإشباع العنف الناجم عن الحقد على حدٍ سواء.

اقرأ أيضاً: اتفاق الهجرة الدولي يقسم الكنديين
وقد لعب اليهود دور كبش الفداء من المنظور الروحي، ولفترات طويلة من تاريخ المسيحية على مرّ قرون؛ فلطالما تعرّضوا في المخيّلة (وبشكل مستمر في الواقع كذلك) للوصم وبصورة منهجية، فإذا كانوا يتمتعون بالثراء، كانوا يُخشون ويُحقد عليهم من جانب الأثرياء، الذين ينظرون لهم بكراهية؛ وكذلك من جانب الفقراء الذين كانوا يرون أنّهم يتحكّمون في دورة النقود، كما أنّ ثقافتهم تسبّبت في جعلهم يظهرون كما لو كانوا يتّصفون بالخبث؛ والتضامن فقط داخل مجموعتهم الدينية، كردّة فعل إزاء التهميش الذي يتعرّضون له، كما أنّ هذه الثقافة جلبت عليهم وبالاً لا ينتهي من الاتهامات بالتخطيط للمؤامرات والخيانات، وقد بلغ العنف في بعض الحالات درجة الأزمة الحادة داخل المجتمع، وصولاً إلى محاولة إبادته،. ولعلّ الكتاب الأكثر تعبيراً عن ذلك هو (كفاحي)؛ الذي وضعه الزعيم النازي الراحل، أدولف هتلر، والذي ألقى فيه باللائمة كاملة على اليهود فقط؛ بسبب كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون" المشكوك في صحته.

ملصق يحمل رسالة "أوقفوا اتفاقية الهجرة"
أما اليوم؛ فإنّ الأجنبي والمهاجر يمثّلان، لأسباب عدّة، كبش الفداء المثالي، أولاً: بسبب انفراط العقد الاجتماعي، الناشئ عن العولمة اللا سلطوية في الوقت الحالي، التي تعمل على تفكيك الأعمدة الرئيسة التي يرتكز عليها استقرار المجتمع، ما يؤدّي إلى اتّساع هوة انعدام المساواة ويعمّق حالة التنافس بين هؤلاء الأكثر احتياجاً، وبالتالي خلق آليات صدامية بين الرغبات التي تنبع من النظر إلى ما في يد الغير، وبالطبع يصبح المهاجرون في خضم هذا التنافس في موقف هشّ؛ بسبب وفودهم من الخارج لا أكثر ولا أقل.

تظهر في الرفض دائماً بصمات الماضي ممزوجة بالكوابيس الحديثة، تلك المخاوف التي لم تنجح الثقافة المتحضّرة في استئصالها

وتقودنا الجزئية السابقة إلى السبب الثاني الناجم بصورة تلقائية عنها؛ وهو "عدم انتماء" المهاجر إلى البلد الذي يعيش فيه؛ فهو أجنبي يُنظر إليه كعنصر دخيل وغير شرعي، لذا فإنّه يتحوّل إلى فريسة سهلة لفخّ الوصم، والنقطة الثالثة تكمن في المنافسة معنا، والتي تؤثّر على وضعنا، ومن هنا تحديداً ينبثق تبرير العنف، بداعي أنّ الأمر يتعلّق بالسعي نحو الحيلولة دون إحداث تغيير على هويتنا الأصلية، وقد أوردت صحيفة "الباييس"، على سبيل المثال، واقعة تلك المرأة التي كانت تصرخ على أحد المهاجرين قائلة له: "أنت أجنبي!"، قبل أن تذكّره بأنّ "وثائق الجنسية يمكن الحصول عليها ولكن يمكن التجريد منها أيضًا"؛ هذه المرأة تعبّر عن اتجاه غير هيّن نحو العنصرية الغريزية، إذاً؛ فالعنف تجاه الضحية أو كبش الفداء ينطلق دوماً من الرؤية البرّية للآخر، المرتبطة بشكل وثيق بالغريزة، وليس المنطق، ولا وجود للآليات العقلانية والمنطقية في هذه النظرة على الإطلاق إلا فيما بعد، وفقط من أجل إيجاد مبرّرات للاستبعاد والتهميش والحاجة للتضحية كأمور مشروعة.

اقرأ أيضاً: أرقام صادمة عن ضحايا الهجرة غير الشرعية
ويُروّج للعنف، الذي يفجّره الدهماء السياسيون، باعتباره إجراء للحماية من "خطر" المهاجرين؛ حتى إن كانوا شرعيين، والذين يُزجّ بهم في النهاية بالبوتقة نفسها مع المهاجرين غير الشرعيين.
وداخل إطار الرفض الذي يعاني منه كبش الفداء، تظهر بصمات الماضي ممزوجة بالكوابيس الحديثة، تلك المخاوف التي لم تنجح الثقافة المتحضّرة في استئصالها، وتمثّل معاداة السامية التاريخية ورهاب الإسلام الحالي خير دليل على الأحكام المسبقة المحفورة في الوعي، حتى لم يكن هناك إدراك بذلك، ويمكن رصد مظاهر هذا الخوف في النكات والدعابات؛ بل وفي وصف الأحداث اليومية، أما تبعات هذا الأمر فلا تعدّ ولا تحصى، سواء بالنسبة إلى الضحايا أو للمجتمع نفسه، فمن ناحية من يتعرّضون للتضحية؛ تصبح الحياة معركة يومية تواجههم من منظور الانتقاص من شأنهم، أما لدى المجتمع فإنّ العواقب تكون وخيمة؛ حيث تتراجع دولة القانون وتنهار هويته الثقافية.

اقرأ أيضاً: لماذا تختلف قضية الهجرة حالياً عن الأزمات السابقة؟

من ناحية أخرى؛ تؤدّي عولمة الاقتصاد التي تدفع أعداداً كبيرة من أبناء الشعوب للنزوح، لا محالة إلى كوزموبوليتية المجتمعات، وينتج عن ذلك تخوفات وعجز عن الفهم، وأحياناً رفض.
وفي السياق ذاته؛ قد ترى الطبقات الاجتماعية الأقل مكانة في المجتمعات الأوروبية الأفراد المهاجرين كدخلاء أو أعداء في المنافسة الاجتماعية، الصعبة بالفعل بالنسبة إلى هذه الشرائح.

اقرأ أيضاً: طريق البلقان الجديدة..الهجرة بوصفها قطعة من الجحيم

والواقع؛ أنّ الأحزاب السياسية ذات الفكر القومي الشعبوي تخصّصت في اللعب بورقة هذه المخاوف واستغلالها، ويدور خطاب هذه الأحداث حول أفكار بسيطة وبدائية وفعّالة إلى حدّ كبير: المهاجرون "يجرّدون" أبناء الوطن من فرص العمل، مسامية الحدود تسهم في غزو المهاجرين، الاتحاد الأوروبي يمنعنا من التحرّك، الانفتاح يقوّض قيمنا الخاصة، و.... إلخ.

تنبع الحاجة لإيجاد كبش فداء والتضحية به عندما يبدأ المجتمع بالتعرّض لأزمة تضرب توازنه الداخلي والبحث عن المسؤول

ومن اللّافت للنظر هنا؛ كيف أنّ مارين لوبان في فرنسا، وماتيو سالفيني في إيطاليا، رفعا صوتهما حدّ الصراخ عقب إقرار اتفاق أوروبي حول الهجرة، ليصفاه بـ "اتفاق مع الشيطان"، وأدّى ذلك الموقف بالطبع إلى جلب تبعات سلبية على المهاجرين، وتكمن المشكلة هنا في خرق المحظور وإطلاق العنان للنزعة القمعية، وهو ما ظهر لاحقاً، وبشكل فوري، في صورة أفعال وممارسات لا تتوقّف، من بينها الاعتداءات اللفظية والجسدية، كما أنّ الفاشية الجديدة القائمة في يومنا هذا تضفي صبغة من العقلانية على هذه المواقف، التي تعبّر عن الرّهاب وتستغلّ ضعف الفئات المجتمعية المنبوذة، أو التي تشعر بالعزل، وتخبّئ الأسباب الحقيقية وراء هذه الهشاشة، مع إبراز مشاعر ومبررات مرضية للذات رغم أنّها خاطئة.

اقرأ أيضاً: الهجرة غير الشرعية تحيي تجارة الرقيق في ليبيا!
وتقدّم الحالة الفرنسية دليلاً دامغاً؛ فقد ظهر حزب جان ماري لوبان كقوة سياسية ذات ثقل خلال الانتخابات البلدية، التي أجريت عام 1983، عن طريق الاعتماد على عدة عناصر: أزمة البطالة، تفكيك صناعة السيارات بسبب نقل مصانع إنتاجها إلى الخارج، بطالة المهاجرين الذين كان عدد ضخم منهم يعملون في هذه المصانع (خاصة رينو وسيتروين)، وكان هؤلاء وقتها هم أوّل من سدّد تكلفة انفراط العقد الاجتماعي، ويضاف إلى ذلك وجود نظرة ما بعد كولونيالية تتصادم معهم؛ نظراً إلى أنّ معظم المهاجرين كانوا وافدين من دول المغرب العربي، ومن جانب آخر؛ جرى تصوير مشروع الاتحاد الأوروبي على أنّه خطر سيقضي على الهوية الوطنية وعظمة البلاد داخل أوروبا المهووسة بالتجارة.

اقرأ أيضاً: من جديد.. القضاء يعارض قراراً لترامب بخصوص المهاجرين
وبفضل هذه المكوّنات؛ ازدهر خطاب الفاشية الجديدة في فرنسا، والذي عملت مارين لوبان على تجذيره وتجويده عن طريق إضافة مكوّن آخر هو العنصرية، وقد أصبح حزب "الجبهة الوطنية"، بزعامة مارين لوبان (كريمة مؤسس الحزب)؛ هو الأكثر تأييداً من جانب الطبقة العاملة في فرنسا، ويقترب بشكل حثيث من السلطة السياسية، لكن الانتصار الأهم من كل ذلك؛ أنّه بات يمثّل مرجعية لليمين المتشدّد على مستوى القارة الأوروبية.


ويمكن دراسة حالة ألمانيا من المنظور ذاته: الصدمة الناجمة عن أزمة اليورو، التي تعزى إلى تبذير دول الجنوب الأوروبي، الأزمة الكامنة والناتجة عن اندماج مواطني شرق ألمانيا، وكذلك ارتفاع معدلات الفقر (10 مليون ألماني تقريباً لا يعرفون معنى الرفاه في البلاد)، فضلاً عن وصول اللاجئين، هذه هي المحاور التي استند إليها حزب (البديل من أجل ألمانيا) بلا مواراة، كي يفتح أسهم انتقاداته ضدّ أوروبا في البداية، قبل أن يصوّب نيرانه حالياً إلى المهاجرين بصفة عامة، والمسلمين منهم بصفة خاصة.

اقرأ أيضاً: تفاصيل تفكيك المغرب شبكة لتهريب المهاجرين
أما في إيطاليا، فقد تسبّبت الآثار السلبية لسياسات التقشف الحاد التي أضيف إليها ارتفاع معدّل البطالة لمستويات غير مسبوقة فضلًا عن توافد اللاجئين بشكل كثيف إلى الأراضي الإيطالية وتفكّك النظام الحزبي (الذي تعود أسسه إلى الفترة التي شهدت دخول رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلسكوني إلى الوسط السياسي خلال حقبة التسعينات)، في صعود مطّرد لحركة (خمس نجوم) الشعبوية. كل ذلك أسفر عن انتصار لتيار اليمين المتشدد الذي لا يتوقّف عن اللعب بورقة كبش الفداء- وهم المهاجرين بالتأكيد- منذ عدة عقود.

اقرأ أيضاً: استطلاع يحدّد موقف الأستراليين من المهاجرين المسلمين

ويختلف الموقف بالنسبة إلى إسبانيا، التي لم تشهد بعد أيّة مغامرات؛ فما تزال إسبانيا هي الدولة الأكثر اعتدالًا في هذا الصدد، مقارنة بباقي دول أوروبا في الوقت الحالة، رغم أنّ هناك مؤشرات لموجة من الحسّ الوطني، شيئاً فشيئاً، وتعود أسباب ذلك بشكل كبير إلى ظهور حركات محدودة تتبنى الفكر القومي وبصورة أكبر أزمة (الحزب الشعبي)، يمين الوسط، وهما عاملان قد يفضيان إلى نتائج لا يمكن احتواؤها على مجتمع ما تزال الديمقراطية فيه شابة، ونموذج لإدارة الدولة لم يحظ على الإطلاق بموافقة الجميع، وفي مواجهة المهاجرين، لا سيما هؤلاء المسلمون منهم، تستنفر مشاعر دينية وأحكام مسبقة قديمة، تجعل المهاجرين فريسة، وعرضة للسقوط في مأزق كبش الفداء.

اقرأ أيضاً: مهاجرون يفضّلون الموت على هذا..

يمكن استدعاء نماذج أخرى من دول مختلفة (هولندا والنمسا والمجر وبولندا ...إلخ)؛ حيث إنّ الآلية نفسها موجودة ونشطة في هذه البلدان؛ حيث يتم تحميل الهجرة والاتحاد الأوروبي جميع الأوزار، ويجري انتقاد ضياع القيم، لكنّ هذه الحركات القومية الشعبوية تعرف في صميم ذاتها، ومهما كانت طبيعة برنامجها الانتخابي، أنّ هذا هو الطريق الأقصر نحو الوصول إلى السلطة.

اقرأ أيضاً: عمدة بلدة إيطالية يدفع ثمن تعاطفه مع المهاجرين

ومن الجليّ بشدة؛ أنّ الركود الذي يعاني منه الاتحاد الأوروبي في هذه الآونة، وغياب سياسات قادرة على إعادة توليد الأمل والتضامن في الهوية الجمعية، تفسح المجال أمام جميع أنواع الدعاية السلبية، ما يؤدّي إلى حالات من الشقاق المجتمعي، لعلّ حركة (السترات الصفراء) في فرنسا، التي يبدو أنّها ترتدي القميص الرسمي للفاشية الجديدة.

اقرأ أيضاً: المهاجرون في أوروبا: تحديات الاندماج وعائق الهوية

إزاء وضع المهاجرين في موقف كبش الفداء، هناك ثلاثة جوانب ينبغي العمل عليها وبصورة سريعة؛ فمن الضروري السعي نحو تحقيق أكبر قدر ممكن من الإجماع بين القوى الديمقراطية من أجل حماية دولة القانون المُهدّدة من قبل الفاشية الجديدة، كما يجب بناء هذا الإجماع على فكرة محورية؛ هي أنّ الهجرة حدث اجتماعي وليست شأناً سياسياً، ويجب التعامل معه آخذين في الاعتبار الاحتياجات الاقتصادية والحقوق والواجبات، كما يجب أن تخرج الهجرة من المشهد السياسي، وهذا أمر لا غنى عنه كي لا يحدث شرخ غير قابل للترميم في الهوية الجمعية، كما أنّه لا مناص من صياغة سياسة تعليمية تعزّز مبادئ الاحترام في المجتمع المضيف، وتلاقي الهويات وتأصيل فكرة التعايش المشترك جنباً إلى جنب، وأخيراً؛ من المهم متابعة ما تبثّه وسائل الإعلام؛ نظراً إلى الدور الحيوي الذي تلعبه في تشكيل الوعي الجمعي، هذه هي التحدّيات الصعبة، لكنّ الأمر يستحق، لأنّه يتعلّق بحماية الإنسانية جمعاء.


المصدر: تحليل للمفكر السياسي الفرنسي الجزائري سامي نعير، نشرته صحيفة "الباييس" الإسبانية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية