المعركة من أجل حياة السود والكفاح من أجل تحرير فلسطين

المعركة من أجل حياة السود والكفاح من أجل تحرير فلسطين


كاتب ومترجم جزائري
26/05/2021

ترجمة: مدني قصري

الصراع الفلسطيني مطلبٌ وطني وجماعي، منحصر في إقليم محدّد، لكنّه أيضاً جزء من ديناميكية دولية، تدين، مُقتفيةً أثَر "حياة السود مهمة"  Black Lives Matter، العنصريةَ، وتعزّز الحقوقَ الفردية والجماعية

"المعركة من أجل حياة السود، والكفاح من أجل تحرير فلسطين مرتبطان متّصلان كلّ منهما بالآخر، نحن نعارض أن تُستعمَل أموالُنا لتمويل الشرطة العسكرية، والاحتلال وأنظمة الاضطهاد العنيفة والصدمات، نحن نقاوم الحرب، نحن ضدّ الاحتلال، ونحن ضدّ الفصل العنصري".

كان لهذه الكلمات التي نطق بها كوري بوش، صدىً منقطع النظير، في 14 أيار مايو، في غرفة مجلس النواب. في قلب السلطة الأمريكية، حليفة إسرائيل الدائمة.

في تغريدة على تويتر، أضاف هذا الديمقراطي المنتخب عام 2020، ممثل ميسوري، قائلاً: "النضالات السوداء والفلسطينية من أجل التحرير نضالات مترابطة، ونحن لن نستسلم طالما نحن محرومون من حريتنا".

خطاب معزول، على الرغم من أنّ الولايات المتحدة أكدت رسمياً، على لسان أمين الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، "الدعم الكامل" من الولايات المتحدة لحق إسرائيل "في الدفاع عن نفسها"، في قلب العملية القاتلة للجيش الإسرائيلي في غزة، والقمع ضدّ الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، في القدس الشرقية وفي إسرائيل.

ضمّ كوري بوش صوتَه إلى أصوات الديمقراطيين؛ رشيدة طالب، وآيانا بريسلي، وإيلهان عمر، وأَلِكسندرية أوكاسيو كورتيز، الفريق الذي يُربك من أوجهٍ عدة، المؤسسةَ الديمقراطية.

ربط المطالب الفلسطينية بالديناميكية المناهضة للعنصرية القادمة من الولايات المتحدة يقدِّم للقضية الفلسطينية تجدّداً وانتعاشاً في سياق لهثٍ وطني يتّسم بفقدان شرعية السلطة الفلسطينية وإقصاء حماس دولياً

التحليل نفسه نجده في كلمات برني ساندرز، في منبرٍ نشرته "نيويورك تايمز"، يقول السيناتور في  مجلس الشيوخ في ولاية فيرمونت الديمقراطي: "نشهد ظهورَ جيل جديد من الناشطين الذين يرغبون في بناء مجتمعات قائمة على الاحتياجات البشرية والمساواة السياسية، لقد رأينا هؤلاء الناشطين في الشوارع الأمريكية خلال الصيف الماضي، بعد اغتيال جورج فلويد. نراهم في إسرائيل، نراهم في الأراضي الفلسطينية".

ويضيف ساندرز، اليسناتور الديمقراطي: "يجب أن ندرك أنّ حقوق الفلسطينيين مهمّة، للأرواح الفلسطينية قيمتها".

من اللافت أنّ هذه المواقف لا تركز على الحقوق الوطنية للفلسطينيين كشعب فقط بقدر ما تركز على حقوق الفلسطينيين وحرياتهم كأفراد.

إنه تحوّلٌ  يعكس تطوّر "القضية الفلسطينية"، ويربطها بحركة عالمية أخرى ضد العنصرية وعدم المساواة وحقوق الإنسان. وهو ما لخّصته راشدة طالب، التي وُلد أبوها في القدس الشرقية، وأمّها في رام الله، في هذه الصيغة: "ترتبط حرية الفلسطينيين بمكافحة الاضطهاد في جميع أنحاء العالم".

ديناميات سياسية جديدة

مع ظهور حركة "حياة السود مهمّة" Black Lives Matter، يندرج التضامن مع الفلسطينيين ضمن حركة أوسع من الحقوق البشرية والمدنية.

تاريخياً، يعود التضامن بين السود الأمريكيين والكفاح الوطني الفلسطيني إلى عقود، لقد أنشأت الناشطة في مجال حقوق الإنسان، أنجيلا ديفيس، صلةً بين من ناحية، النضال من أجل الحقوق المدنية والمُجمّع الإصلاحي السجني الأمريكي، وبين من ناحية أخرى، النظام العسكري الذي يَحكم بِتسلطٍ الحياةَ الفلسطينية في الأراضي المحتلة، أو التي تحت الحصار في غزة.

صورة لجورج فلويد على الجدار العازل الذي أقامته إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة (أ ف ب)

علاوة على ذلك؛ ففي السبعينيات، تبنّت حركة التحرير الإفريقية الأمريكية "حزب الفهد الأسود" Black Panther Party القضية، واتصلت أيضاً بمنظمة التحرير الفلسطينية.

ومنذ عهد قريب، ظهرت روابط قوية بين الاحتجاجات في الولايات المتحدة وفي فلسطين؛ ففي فيرغسون، دعت لافتاتٌ إلى التضامن مع الفلسطينيين خلال الاحتجاجات التي أعقبت مقتل مايكل براون على يد ضابط شرطة، عام 2014.

"لا نستطيع التنفس منذ عام 1948"

وفي فلسطين رُسِمت صورةُ جورج فلويد على الجدار الفاصل الذي أقيم في الضفة الغربية المحتلة، وترديداً لصدى الكلمات الأخيرة لهذا القتيل الذي مات مختنقاً تحت وطأة شرطيٍّ أمريكي، تم التلويح مؤخراً بعبارة "لا نستطيع التنفس منذ عام 1948" خلال الاحتجاجات التي جرت في القدس.

وبالتالي فإنّ "القضية" الفلسطينية تندرج إذاً ضمن هذه الحركة العالمية، وتُحوّل الانتباهَ من النضال الفردي من أجل حقوق شعب ككيان وطني إلى وعيٍ عالمي بالحقوق الفردية لكل فرد، المسألة السياسية تتحرّك  بالمبدأ نفسه، وهو مبدأ المساواة الفردية الذي تمّ طرحه بدلاً من مبدأ الحرية الجماعية.

اقرأ أيضاً: رسالة إلى بايدن من الديمقراطيين بشأن فلسطين... ماذا جاء فيها؟

من الواضح أن هذا التغيير مدينٌ بالكثير لحركة "حياة السود مهمّة" black Lives Matter، التي بدأت بعد مقتل الأمريكي من أصل أفريقي، جورج فلويد، لقد أتاحت "حياة السود مهمّة" Black Lives Matter بالفعل إعادة صياغة المسألة العرقية بمنطق الهيمنة على العالم، وأوجدت تضامناً دولياً يوحّد الحركات المناهضة للعنصرية في جميع أنحاء العالم.

وهكذا تنشأ جسور التضامن، بناءً على هذه القاعدة والشرعية، ضاعفت منظمة "حياة السود مهمة" الدعوات الموجّهة إلى اهتمام حكومة الولايات المتحدة، لإجبار إسرائيل على إنهاء انتهاكات حقوق الإنسان، صرح العديد من النشطاء الذين اكتسبوا سمعة بشكل لا لبس فيه بأنّ الصمت حول فلسطين يشبه الصمت على الظلم العنصري في الولايات المتحدة.

إسرائيل تدرّب قوات شرطة قمعية في جميع أنحاء العالم

على هذا النحو، دانت المنظمة المحلية لحركة حياة السود مهمة Black Lives Matter في باترسون، في نيوجيرسي، عنفَ الدولة الإسرائيلية، قائلة: إنّ "نضالاتنا مرتبطة من نواحٍ عديدة، لا سيما أنّ هذه القوات الإسرائيلية نفسها التي طردت بالقوة السكان الأصليين للشيخ جراح، هي  التي تدرّب قوات شرطة قمعية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة".

أسود من أجل فلسطين

كما تم إنشاء مجموعة على فيسبوك تحت اسم "أسود لأجل فلسطين" Black For Palestine، لقد منحت رحلةُ شاب فنان وناشط أسود إلى فلسطين، نغمةَ إحساس فريد، كما لو أنها انتعشت عند رؤيته الواقع الفلسطيني.

لقاء بين ياسر عرفات وهيوي بيرس نيوتن، المؤسس المشارك لحزب الفهود السود، في بيركلي، 26 أغسطس 1970

يروي الشاب فيك منسا؛ أنّه لاحظ اعتقال جنود إسرائيليين لفتى فلسطيني، ويلاحظ: "للمرة الأولى في حياتي، لم أشعر بزنجيتي، جواز سفري الأمريكي، وهذا من المفارقات، منحني مكانة أعلى في التسلسل الهرمي الاجتماعي في القدس، مقارنة بمسقط رأسي شيكاغو".

يمكن تفسير ترسّخ القضية الفلسطينية في هذه الديناميكية العالمية، بوضوح، من خلال ظهور الشبكات الاجتماعية، التي تجعل من الممكن تجاوز الاتصالات الرسمية، على مختلف المنابر الاجتماعية، ينظّم جيلٌ جديد بالكامل من النشطاء نفسَه في جذور، ومنصات اتصال قوية ثابتة، لبناء مجتمع مدني عالمي حقيقي، يأخذ فيه الفلسطينيون مكانَهم.

هناك جيل فلسطيني جديد متعدّد اللغات، على دراية بأكواد (مفاتيح) واستعمالات المعلومات والاتصالات، شباب متعلم تعليماً عالياً، الفلسطينيون هم أعلى السكان تعليماً في العالم العربي

في السياق الفلسطيني، سواء كان شتاتاً، أو إسرائيلياً أو غزّاوياً، أو في الضفة الغربية، هناك جيل جديد متعدّد اللغات، على دراية بأكواد مفاتيح واستعمالات المعلومات والاتصالات، شباب متعلم تعليماً عالياً، الفلسطينيون هم أعلى السكان تعليماً في العالم العربي، يتّحِدون على الرغم من التشرد الجغرافي أو السياسي.

لا شكّ في أنّ لهذا الانضمام إلى هذه الديناميكية العالمية المناهضة للعنصرية، وفتح فضاءات نقدية وسياسية جديدة، مزايا عديدة، بما في ذلك الإفلات من الاتهام الشائن بمعاداة السامية، الذي يُشوّه ويجمّد أيّ انتقاد للسياسة التي تنفذها دولة إسرائيل، اتهام يتعارض أيضاً مع أصوات المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية والدولية، مِن بتسيلم B’Tselem إلى "هيومن رايتس ووتش"، التي تدين الآن نظاماً قريباً، أو مماثلاً، للفصل العنصري في إسرائيل.

في الولايات المتحدة، هناك فجوة صارت ملحوظة بشكل متزايد في الجالية اليهودية الأمريكية، خاصة بين جيل الشباب؛ فمن خلال الدفاع عملياً عن كلّ ما تفعله الحكومة الإسرائيلية، أصبح قادة المنظمات اليهودية الأمريكية التقليدية أنفسهم الضامنين الأخلاقيين للقادة الإسرائيلين.

ومع ذلك، فإنّ الجيل الأصغر من اليهود الأمريكيين يرى، أكثرَ من الجيل الذي سبقه، أنّ إسرائيل قوّة محتلة، ومن بين هذا الجيل ""IfNotNow وهو عبارة عن مجموعة متنامية من النشطاء بين اليهود الأمريكيين من الجيل Y وZ، إنهم يعارضون السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية، والقدس الشرقية وقطاع غزة.

"لم تخبرني أبداً"

لقد جذبت احتجاجاتهم العامة الآلافَ من المشاركين في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وقد سلطوا الضوء على الحملات عبر الإنترنت التي تتهم المؤسسات اليهودية بالكذب عليهم، ودعم هذه المؤسسات للظلم ضدّ الفلسطينيين، إن حملتهم على الإنترنت "لم تخبرني أبداً" تجمع شهادات الشباب اليهود الذين صدمهم واقع الاحتلال.

اقرأ أيضاً: هل ستكون حرب غزة مقدمة لسلام حقيقي مع الفلسطينيين؟

مع مرور الوقت، أصبح حلّ الدولتين شعاراً فارغاً، بل وَهْماً ضرورياً لِما يسمى بـ "المجتمع الدولي"، إنّ ربط المطالب الفلسطينية بالديناميكية المناهضة للعنصرية القادمة من الولايات المتحدة يقدِّم للقضية الفلسطينية تجدّداً وانتعاشاً في سياق لهثٍ وطني يتّسم بفقدان شرعية السلطة الفلسطينية وإقصاء حماس دولياً.

إنّه هروبٌ سياسي بقدر ما هو طريق جانبي يسمح بتجاوز السياسة الواقعية التي ربما دفنت بسرعة كبيرة القضية الفلسطينية، لا سيما عبر اتفاقيات التطبيع اتفاقيات إبراهيم.

أصوات أمريكية ضدّ السياسة الأمريكية

تبدو مكاسب راسخة، وكأنّها منقوشة على الحجر في العلاقة الإسرائيلية الأمريكية، وكأنّها بدأت تتصدع، ولو بشكل طفيف، هناك أصواتٌ، حتى وإن كانت معزولة، بدأت تُسمَع في الولايات المتحدة للتنديد بمسايرة البلاد للسياسة الإسرائيلية.

كما انتقدت النائبة الديمقراطية المنتخبة، أيانا برسلي، خلال كلمتها، المساعدة العسكرية الأمريكية، قائلة: "لا يمكننا أن نظلّ صامتين عندما ترسل حكومتنا 3,8  مليار دولار كمساعدات عسكرية لإسرائيل تُستخدم لهدم منازل الفلسطينيين وسجن الأطفال الفلسطينيين وتهجير العائلات الفلسطينية، الميزانية انعكاس لقيمنا".

اقرأ أيضاً: لماذا يزدهر اليوم هذا الكذب على الفلسطينيّين وباسم فلسطين؟

هذه الأصوات المعارضة تبلبل الموقف الرسمي للحزب الديمقراطي حول السياسة الإسرائيلية، كما أشارت صحيفة "نيويورك تايمز"، كما تشير إلى تناقض الرئيس جو بايدن نفسه، الذي استند في حملته إلى شجب كلّ العنصرية، وبدا كأنّه يعيد توجيه سياسته الدولية نحو مزيد من الاهتمام بحقوق الإنسان.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.middleeasteye.net/fr



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية