المصرية سارة صبري: رائدة فضاء أم سائحة في رحلة فضائية؟

المصرية سارة صبري: رائدة فضاء أم سائحة في رحلة فضائية؟


02/08/2022

فرحة عارمة تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي والصحف المصرية التي لا تختلف كثيراً عن رواد هذه المواقع بعد الإعلان عن فوز المهندسة المصرية سارة صبري برحلة فضائية لم يُحدد موعدها بعد، على متن كبسولة فضائية يحملها الصاروخ الفضائي "نيو شيبرد" التابع لبرنامج فضائي أطلقته شركة "بلو أوريجين"، لمالكها الملياردير الأمريكي، مؤسس أمازون، جيف بيزوس.

إلى هذا الحد يبدو كل شيء معقولاً، ويستحق الاحتفاء، ولكن هل ستنطلق المهندسة المصرية إلى الفضاء بصفتها "رائدة فضاء" بالمعنى الصحيح للمصطلح؛ لتكون أشبه برواد الفضاء الذين ينطلقون على متن رحلات فضائية ضمن مهام علمية، مثل التي تطلقها وكالة ناسا ووكالة الفضاء الروسية والأوروبية والصينية واليابانية، بل وحتى رواد فضاء ينطلقون في مهام مشتركة مع دول أخرى، إن لم تكن دولهم تملك بنية فضائية مستقلة، أم ستنطلق على متن رحلة فضائية سياحية، لتستحق لقب أول مصرية تصعد إلى الفضاء بصفتها سائحة، مثل عشرات غيرها من رجال الأعمال وكل من يمكنه تحمل تكلفة تذاكر السياحة الفضائية التي تطلقها عدة شركات في الولايات المتحدة؟

أول مصرية في الفضاء

انتشرت قصة المهندسة سارة صبري عقب إعلان منظمة "Space for Humanity" غير الربحية، فوزها بالمنحة الممولة الثانية للسفر في رحلة فضائية سياحية ضمن برنامج شركة "Blue Origin" بتاريخ 22 تموز (يوليو). ولم يُحدد موعد بعد لإطلاق الرحلة التي ستنطلق على متنها المهندسة المصرية إلى الفضاء، وتحمل رقم  "NS-22" وهي الرحلة رقم 22 للشركة، والسادسة المأهولة في تاريخها، منذ الإعلان عن رحلتها السياحية الأولى والتي انطلقت في تموز (يوليو) العام الماضي، وتبعتها أربع رحلات كان آخرها في شهر حزيران (يونيو) الماضي، والتي كان على متنها أول سائحة فضاء من المكسيك، كاتيا إشازاريتا، والتي مولت رحلتها المنظمة ذاتها التي ستمول رحلة المهندسة سارة صبري.

فازت المهندسة المكسيكية كاتيا إشازاريتا بالنسخة الأولى من المنحة

وبحسب موقع شركة "Blue Origin" من المتوقع إطلاق الرحلة رقم 22 في الأشهر الأخيرة من العام الجاري، وتضم الرحلة إلى جانب المهندسة المصرية خمس شخصيات وهم؛ اليوتيوبر الأمريكي، كوبي كوتون، وتمول رحلته مبادرة "MoonDAO" غير الربحية المهتمة بإتاحة الوصول للفضاء للجميع، ورجل الأعمال البرتغالي، ماريو فيريرا، والمستكشفة البريطانية - الأمريكية، فانيسا أوبراين، ورائد التكنولوجيا، كلينت كيلي، ومدير شركة اتصالات سابق، ستيف يونغ.

قررت إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية أنّه لا يحق للسائحين الذين يدفعون مقابل رحلاتهم الفضائية دون المدارية أو المدارية الحصول على لقب رواد الفضاء وحمل شارته

لكن ما أدى إلى خلق حالة من الجدل بين شخصيات من الوسط العلمي المصري، هو توصيف رحلة المهندسة سارة على أنّها "رائدة فضاء" بدلاً من "عضو في رحلة فضائية سياحية"، وساهم في إحداث هذا الخطأ النقل المغلوط للخبر من مختلف المواقع الصحفية المصرية.

وزاد الأمر اضطراباً دخول وكالة الفضاء المصرية على خط الجدل بإعلانها تهنئة المهندسة سارة كأول رائدة فضاء، بل والرد على عالم فضاء مصري يعمل في الوكالة اليابانية للفضاء حين أوضح أنّ رحلة سارة سياحية ولا ينطبق عليها وصف رائد فضاء.

رائدة أم سائحة؟

وبحسب موقع "Space For Humanity" الذي دفع ثمن تذكرة المهندسة المصرية على متن رحلة شركة "Blue Origin" يمكن لأي فرد التقديم في برنامج الرحلة المسمى "Citizen Astronaut Program"، وكانت النسخة الثانية التي فازت فيها سارة صبري أغلقت التقديم في 22 من شباط (فبراير) الماضي.

ويضع الموقع شروطاً للتقديم منها؛ السن فوق 18 عاماً، إجادة الإنجليزية، الدور المجتمعي القيادي، وغير ذلك من الشروط التي تشبه في مضمونها متطلبات العديد من الوظائف مثل الشغف وحب الإنسانية والقدرة على التعامل مع المشاكل.

وبحسب السيرة الذاتية للمهندسة سارة صبري، فقد درست هندسة الطيران في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، وتخرجت من دورة رواد الفضاء، وأسست مبادرة "DSI" والتي تهدف إلى تسهيل إجراء الأبحاث في الفضاء.

وأثارت هذه السيرة المنشورة عبر حسابها على موقع "LinkedIn" التي تضمنت حديثاً عن مساعدتها لوكالة الفضاء المصرية في العديد من المشاريع البحثية، الجدل الكبير، ما دفع متخصصين إلى الرد عليها.

د. محمد حسن: يبلغ زمن الرحلة التي ستكون على متنها سارة صبري 11 دقيقة

وبحسب ما كتبه عدة صحفيين علميين عبر "فيسبوك"، فما درسته المهندسة سارة صبري عن علوم الفضاء هو دورة مجانية لمدة أسبوعين عبر موقع "EDX" التعليمي، ومتاح لأي فرد، والتدريبات التي وصفتها بأنها لرواد الفضاء هي مجرد دورة تدريبية لمدة أسبوعين على التحمل البدني، في حين أنّ الدورة التي تقدمها ناسا لرواد الفضاء تبلغ مدتها عامين.

وقال الباحث في علوم الفضاء، والخبير السابق في الوكالة اليابانية لاستكشاف الفضاء (جاكسا)، الأكاديمي محمد سيد علي حسن: "لا يحق للسائحين الذين يدفعون مقابل رحلاتهم الفضائية دون المدارية أو المدارية الحصول على لقب رواد الفضاء وحمل شارته".

وأضاف لـ"حفريات": "هذا ما قررته إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية (Federal Aviation Administration)‏ قبل بدء رحلات بلو أوريجين السياحية العام الماضي، وهي الشركة نفسها التي اشترت منها منظمة الفضاء من أجل الإنسانية تذكرة سارة صبري".

أخطاء صحفية

وبحسب أستاذ علوم الفضاء المصري: "يبلغ زمن الرحلة التي ستكون على متنها المهندسة سارة صبري 11 دقيقة، وستصل كبسولة السياح إلى حدود الفضاء عند خط كارمان؛ وهو الخط الفاصل بين الغلاف الجوي والفضاء. ولن تدور الكبسولة حول الأرض ولو حتى ربع دورة واحدة، فقط ستطلع الكبسولة فوق خط كارمان بواسطة صاروخ لأقل من ثلاث دقائق ثم تسقط سقوط حر داخل الغلاف الجوي، وقبل الوصول لسطح الأرض بمئات الأمتار تُفتح ثلاث مظلات لتقليل السرعة لتهبط برفق على بعد أميال قليلة من موقع الإطلاق، وهي رحلة مبرمجة آلياً بالكامل".

الباحث في علوم الفضاء د. محمد سيد علي حسن لـ"حفريات": لن تدور الكبسولة حول الأرض ولو حتى ربع دورة واحدة، فقط ستطلع الكبسولة فوق خط كارمان لأقل من 3 دقائق

وبناءً على ما سبق؛ ستكون المهندسة سارة صبري أول مواطن / ـة مصرية يصعد إلى الفضاء، على متن رحلة سياحية ممولة من منظمة غير ربحية، بعد فوزها بالنسخة الثانية من المسابقة التي أطلقتها المنظمة، ولا علاقة لها بريادة الفضاء بالمعنى العلمي، وإلا سيُعتبر عشرات الأشخاص من رجال الأعمال والفنانين وكل من سيصعد على متن رحلات فضائية سياحية رواد فضاء. ويشبه إطلاق لفظة "رائد فضاء" على سارة صبري كإطلاق لفظة "طيار" على كل من استقل طائرة من الركاب.

وفي حديثه لـ"حفريات" قال الصحفي العلمي المستقل، معتصم البارودي: "أحد أسباب انتشار هذا من النوع من الأخبار بدون سياق مناسب لها على المنصات الإعلامية هو ندرة المنصات الإعلامية المهتمة بالعلوم، والتي يعمل فيها صحفيون ومحررون علميون، وهنا لا أقصد بالضرورة أنّ لهم خلفية علمية، بل أن تكون العلوم هي محط تركيزهم، ولديهم الأدوات والسبل والمعرفة بمجتمع البحث العلمي للتحقق من صحة الأخبار العلمية".

البارودي: عدد المنصات المتخصصة في العلوم في العالم العربي لا يتجاوز سبعاً

وتابع البارودي: "عدد المنصات المتخصصة في العلوم بالتحديد في العالم العربي لا يتجاوز سبعاً، وهو رقم ضئيل جداً بالنسبة لحجم الجمهور العربي، وكم المعرفة العلمية الواجب تقديمها، وفي المواقع الشعبية ذات الجمهور الواسع ربما لا نجدد بضعة صحفيين علميين".

وحذر الصحفي العلمي المصري، من خطورة ذلك: "بسبب ندرة توظيف الصحفيين العلميين حدث انتشارٌ واسع للأخبار المغلوطة مع بداية أزمة كورونا، وهو الأمر الذي هدد حياة العديد من الناس، فالعلوم مثل الاقتصاد لا يمكن لغير المتخصص فهم تفاصيلها ونقلها بطريقة صحفية للجمهور".

وتبلغ سارة صبري من العمر 29 عاماً، وهي مهندسة ميكانيكية ومؤسسة مبادرة الفضاء العميق (DSI) غير الهادفة للربح، وتم اختيارها في عام 2021 لإكمال مهمة القمر التناظرية لمدة أسبوعين، التي تحاكي الظروف القاسية لتجربة الرواد في الفضاء. ولا يعني ما سبق أنّها لا يمكن أنّ تكون "رائدة فضاء" فربما تؤهلها هذه الرحلة وتجربتها الثرية في المبادرات حول الفضاء، إلى جانب دراستها لتنضم لبرامج رواد الفضاء الحقيقية، التي ترعاها وكالات الفضاء مثل ناسا.

مواضيع ذات صلة:

ما تداعيات انسحاب روسيا من وكالة الفضاء الدولية؟

نحو فضاء إماراتي تفخر به العرب

ما هو الإطار القانونيّ لصراعات الفضاء في المستقبل؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية