المراقد.. بين المصالح والعَقائد

المراقد.. بين المصالح والعَقائد


20/04/2022

رشيد الخيّون

أعلنت الجماعة الصّرخيَّة (يوم الجمعة 8 أبريل 2022)، رفض البناء على القبور، عبر خطبٍ ألقاها ممثلو الصَّرخي، ودخل القضاء العِراقي طرفاً، تحت مبرر وأد الفتنة، وتنفيذاً للمادة(372) عِقاباً لـ«مَن أهان علناً رمزاً أو شخصاً، هو موضوع تقديس، أو تمجيد، أو احترام لدى طائفة دينيّة»(قانون العقوبات العِراقي لسنة 1969).

بدأ الصَّرخيّون جدلهم في «المراقد» مِن موقع مرجعهم الرَّسمي، الذي يعرفونه بـ«المرجع الدِّيني الأعلى آية الله العُظمى»، تحت شعار «إصلاح الفِكر والعقيدة والأخلاق»، وما سمَّوه: «تأسيس العقيدة بعد تحطيم صنميَّة الشّرك، والجهل، والخُرافة»(موقع الصّرخيِّ). ثم أشاروا إلى ما يسند دعوتهم مِن المصادر الإماميّة المعتبرة، كالرّواية عن عليِّ بن أبي طالب(اغتيل: 40هج): «بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة فقال: لا تدع صورة إلا محوتها، ولا قبراً إلا سويته»(الكُليني، الكافي). و«مَن جدد قبراً، أو مثل مثالاً، فقد خرج مِن الإسلام»(بحار الأنوار، الحدائق النَّاضرة)، ولم تُذكر استثناءات في ما ورد.

نعم، حصل انفلات خلال الصَّحوة الدينية، التي ظهرت، في ما يخص التَّدين الشّيعي، بتزايد المراقد، نتجت «إمَّا خضوعاً لقوة الأحلام والاعتقاد بصحتها، أو حصول ظواهر فوق طبيعية ترجمت بكونها آيات دالة على وجود قبر لمقدَّس في الموضع، أو تفسيراً لوجود قبر تاريخيّ يمنح في النّهاية اسماً مألوفاً»(شمس الدِّين، المراقد المزيفة)، ونضيف بناء المرقد لأجل الارتزاق منه، ومعلوم ماذا يُحيط به كي يُوشى بالتَّقديس!

جمع رجل الدِّين محمد حرز الدِّين(ت: 1945) ما تمكنه مِن المراقد في كتاب، صدر بمجلدين، «مراقد المعارف»(1969و1971)، وبعد عقود أصدر عباس شَمس الدِّين- وهو مِن الوسط الدِّيني، مثله مثل الصَّرخيِّ، كان على صلة بمحمد محمد صادق الصَّدر(اغتيل: 1999) وخارج التَّيار الصَّدريّ الممثل بمقتدى الصَّدر- كتاب «المراقد المزيفة في العِراق»(بغداد 2018)، ذَكر بين المزيفات مراقد بنات الحسن، وأولاد موسى الكاظم، وغيرها «يملأنَ عرضاً في العِراق وطولاً». أشار إلى تزايد المراقد بإيران، مِن ألف وخمسمائة إلى عشرة آلاف وسبعمائة مرقد بعد الثَّورة. أما المرجعيات الدِّينية، والحكم بإيران، فالتزموا «دع النَّاس على غفلاتهم»(المراقد المزيقة). تلك الغفلات مطلوبة للهيمنة، الدِّينيَّة والسِّياسيَّة.

نجد في الكتابين أعاجيب في ظهور المراقد والأضرحة والمقامات، حتَّى وصلت الرَّثاثة إلى تجمع أصحاب عمائم مِن حزب «ولاية الفقيه» حول موضعٍ بصفوان، جنوب البَصْرة، لتشييد بناء على ما يعتقد أَسبغ الخميني الوضوء فيه(ت: 1989)! تحول الأمر، مِن المصالح والمناكفات، جهة تُشيد المرقد وأخرى تدعو تهدمه، إلى انهيار عقلي جماعيّ، والمصلحة بشدّ الرِّحال إلى ما عُرف بالسّياحة الدِّينيَّة.

ليس الحلّ بدعوة الصَّرخييَّن إلى هدم المراقد، مع أنَّها غدت وباءً بالعراق، ولا بحرق مساجد الصَّرخييَّن، وتدخل القضاء باعتقالهم وإقفال مكاتبهم، بينما مكاتب مَن أفتوا بالقتل والكراهيَّة منتشرة ومدعومة حزبيَّاً، مثل مكاتب محمد كاظم الحائري وغيره. \إن الحلّ بتحسين التعليم، وتقييد خطب المنابر، فبث الخرافة ليس مِن الحريَّة، وتحسين الأوضاع المعاشيَّة، واعتماد سياسة تنويريَّة واضحة، بعيدة عمَّا تبثه القوى الظَّلاميّة وتسمّيه ثقافة. هذا، وإلا سيبقى الجهل يغزو عقول النَّاس وهو الموت بعينه، بشعار دعهم «على غفلاتهم»! لكنَّ المشكلة بين هؤلاء الغافلين صاروا أعضاءً في البرلمان المشرع للقوانين، ومَن تسلم مناصب عليا، وصوتوا على الدُّستور النَّافذ، فكيف يدعون على غفلاتهم؟ لأبي الطَّيب(اغتيل: 354هج): «أماتكمُ مِن قَبلِ موتِكم الجَهلُ/ وجرَّكُمُ مِن خِفّةٍ بكمُ النَّملِ»(العُرفُ الطَّيب).

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية