المدارس التابعة لـ"الإخوان".. هل هي بداية لفصل الطلبة عن المجتمع؟

الإخوان المسلمون

المدارس التابعة لـ"الإخوان".. هل هي بداية لفصل الطلبة عن المجتمع؟


05/03/2019

في السبعينيات من القرن الماضي؛ استجمعت القوى الإسلامية شتاتها، الذي استمر منذ سقوط الملكية، مبشّرين أتباعهم، بعقود من حكم الإسلام، واهتموا فيها بركيزة التعليم كدعامة أساسية، لتنشئة الكادر الإخواني منذ نعومة أظفاره، فكانت المدارس الإسلامية التي انتشرت في أرجاء مصر، منذ بداية الثمانينيات وحتى سقوط الجماعة في أحداث 30 حزيران (يونيو) 2013.

اقرأ أيضاً: "البيان" الذي لم يُصدره الإخوان المسلمون
ولكن إلى أيّ مدى امتدّ تأثير تلك المدارس على أبنائها، وما هو حجم تأثير السقوط المدوي لأسطورة الجماعة، في نفوس شبابها من أبناء تلك المدارس؟!
أدرك حسن البنا أهمية المنظومة التعليمية مبكراً

البنا وإشكالية الجيل المسلم
أدرك مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، حسن البنا، أهمية المنظومة التعليمية مبكراً؛ لذلك كان "تنظيم الطلبة" أحد أهم الأجنحة التي كان يشرف عليها بنفسه، فبعد تأسيس الجماعة العام 1928، راودت فكرة التنظيم الطلابي أحلام البنا، باعتبارها الظهير الأقوى للجماعة؛ فظهر التنظيم الطلابي، للمرة الأولى، العام 1932، بعد أن انتقل حسن البنا إلى القاهرة، ليتسلم عمله في مدرسة عباس الأول، وبعد أن أسس دعائم دعوته، لينضم إليه خمسة من الطلاب كانوا: محمد عبد الحميد أحمد (كلية الآداب)، وإبراهيم أبو النجا الجزار (كلية الطب)، وأحمد مصطفى (مدرسة التجارة العليا)، ومحمد جمال الفندي (كلية العلوم)، ومحمد رشاد الهواري (كلية الحقوق)، ومحمد صبري (الزراعة العليا) مكونين رابطة أطلقوا عليها "شباب الإسلام"، وقاموا بالتواصل مع كبار الشخصيات الإسلامية آنذاك، التي ترحب بدعوة الجماعة، على رأسهم الشيخ طنطاوي جوهري، الذي قدّم دعمه لرابطتهم، وعدّها دماءً جديدة تسري في الأمة لتعلي راية الإسلام، وقد أعلنت مجلة "الإخوان المسلمين"، في الثلاثينيات، صدور الرابطة، ودعت شباب الجامعات للانضمام إليها، لينعقد المؤتمر الأول لهم، في شباط (فبراير) العام 1938.

أدرك مبكراً البنا أهمية التعليم لذلك كان "تنظيم الطلبة" أحد أهم الأجنحة التي كان يشرف عليها بنفسه

لم يتوقف حلم البنا عند تلك النقطة؛ بل امتد ليشمل تأسيس جيل يتشرب الدعوة من المهد إلى اللحد، عبر المدارس الإسلامية؛ حيث أنشأ معهد حراء للبنين، أمهات المؤمنين للفتيات بالقرب من مقر الجماعة في الاسماعيلية، والتي وضع مناهجها الدراسية بنفسه، بعد أن قدّم مشروعاً إلى وزارة المعارف، العام 1938، يطالب فيه بدمج التعليم العام مع التعليم الأزهري، منتقداً تواجد المدارس الأجنبية في مصر، مطالباً بإعادة هيكلة المناهج لتصبح منسجمة مع تعاليم الإسلام، مصدرها الأساسي القرآن الكريم والسنّة النبوية، واستمر في دعوته حتى انتهت الحرب العالمية الثانية.

اقرأ أيضاً: كيف يتحرك العمل الإخواني المسلح في مصر؟
وفي العام 1946؛ اتجه إلى محمد حسن العشماوي، الذي كان صديقاً له ووزير المعارف في ذلك الوقت، وعليه منحت الوزارة دعماً لمدارس الإخوان المسلمين، يُقدر بجنيه واحد لكل تلميذ، مع تحمّل نفقات الكتب المدرسية، ومستلزمات المدرسة، طبقاً لخبر نشرته جريدة "الأهرام" المصرية، في تشرين الثاني (أكتوبر) العام 1946، وفي كتابه "الحركة السياسية في مصر"؛ يرصد المستشار طارق البشري، كيف استغلت جماعة الإخوان المسلمين العداء بين حكومة إسماعيل صدقي باشا، وحزب الوفد آنذاك، فآزروه في حربه ضدّ الوفد، مقابل أن يصعد نجمهم السياسي، وتقدم الحكومة الدعم اللازم للحركة الطلابية لهم في الجامعات، ودعم المدارس العيني والنقدي، وهو ما أنجح تأسيس مدارسهم بفضل حكومة صدقي، التي لم يدم وفاقها طويلاً مع الإخوان.
استغلال نكسة حزيران
ترتكز سيكولوجية الإنسان المهزوم، على اللجوء إلى وسيلة روحانية، يستطيع من خلالها استرداد خساراته النفسية والمادية، سيما لو كانت تلك الوسيلة هي الدين مدعماً بالنص الإلهي، الذي التجأ إليه الكثيرون من أبناء التيارات الإسلامية، التي كانت في سباتها طيلة فترة الخمسينيات والستينيات، بفعل المدّ الثوري الناصري.

قدّم البنا مشروعاً إلى وزارة المعارف العام 1938 يطالب فيه بدمج التعليم العام مع التعليم الأزهري

وجاءت نكسة حزيران (يونيو) 1967، لتوقظهم فزعين من وقع الهزيمة في نفوس الشعب العربي بأكمله، فبدأت ما سمّاه الباحثون "موجة الصحوة الإسلامية"، منذ السبعينيات، والتي استخدمها السادات، لضرب قوى الناصرية، وترسيخ دعائم حكمه اليميني، المستند إلى الانفتاح الاقتصادي، والتحالف مع القوى الأمريكية لمواجهة المدّ الشيوعي، الممثل في الاتحاد السوفييتي، وقد تعالت تلك الصحوة بعد الثورة الإيرانية.
وفي تلك الفترة لم يبزغ نجم جماعة الإخوان المسلمين فحسب، بل هناك أبناء شرعيون لتلك الجماعة، نتجوا أثناء التحالفات والمراجعات التي حدثت في فترة الاعتقالات، في الستينيات، نشأت منها الجماعة الإسلامية، التي تبناها السادات لمواجهة حراك اليسار المصري.

اقرأ أيضاً: رسمياً.. بدء سريان حظر "رموز الإخوان" في النمسا
وقد تبلور هذا التبني، في انتفاضة الخبز، العام 1977؛ حين هرع طلاب الجماعة الإسلامية منتفضين ضدّ طلاب الأحزاب اليسارية، مشوّهين صورتهم، وكان هذا بمثابة انقلاب من النظام بتحالف مع الأصولية ضدّ القوى اليسارية المعارضة، بدأ الإخوان هذه المرة في استغلال نظام السادات لعودة مدارسهم مرة أخرى، مع صعود عمر التلمساني، مرشداً للجماعة، في منتصف السبعينيات، وأنشأ مدارس "المنارة" الإسلامية، فيما تبنّت هذه المدارس في منهاجها اتباع رسائل حسن البنا، التي كتبها في مستهل حياته لإصلاح عملية التعليم، من وجهة نظره.

 

 

 

بين المنهج والتطبيق

بدأت مجلة الإخوان في نشر رسائل حسن البنا؛ التي يستهدف من خلالها إصلاح التعليم، كان أولها ما نشر في كانون الأول (ديسمبر)1930؛ وهي رسالة بعنوان "أنجع الوسائل في تربية النشء تربية إسلامية خالصة"، يستفيض فيها البنا في وضع أسس إسلامية لما يجب أن تكون عليه المنظومة التعليمية في المجتمع الإسلامي، محاولاً استقطاب أمثلة من التراث لا تتواكب مع روح العصر، الذي بحكم التغيرات العالمية، أصبح منفتحاً على مصراعيه، وما يزال الإخوان في مدارسهم ينتهجون خطاه.

دعمت "المعارف" العام 1946 مدارس الإخوان المسلمين مالياً في عهد وزيرها محمد حسن العشماوي صديق البنا

في تحقيق نشرته جريدة "الشروق" المصرية، في آذار (مارس) 2013؛ بعنوان "يوم في مدرسة إخوانية"، استهلتها في الطابور الصباحي الذي ينشد فيه الطلاب أناشيد جهادية، تحثهم على جهاد الأعداء، وتعكس ولاءهم للبنا ورموز الجماعة، إلى الفصل التام بين الذكور والإناث، والتزام جميع الفتيات والمدرسات للبس الحجاب، ولا وجود لغير المسلمين بين جدران المدرسة، مع أنّ اللائحة القانونية للمدارس الإخوانية لا تمنع التحاق غير المسلمين بها، ولكن هكذا جرى العرف، ثم كتاب الرشاد، الذي يطارد الطالب منذ المرحلة الابتدائية، وحتى دخوله إلى الجامعة، وهو المنهاج المعتمد للتربية الإخوانية في تلك المدارس.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون ومغامرة العقل المستقيل
حالة من الانفصال الاجتماعي يحياها الطالب بين جدران تلك المدارس، حتى تأتي لحظة الارتطام بأرض الواقع، هذا ما قصّته على "حفريات" الشابة الثلاثينية، وإحدى المتخرجات من مدارس الإخوان (ي.أ): "لم يكن أهلي من المنتمين للجماعة، كلّ ما في الأمر، أنّهم عائدون من الخليج، يبحثون عن مدارس إسلامية لأطفالهم، لنلتحق أنا وأختي بإحدى المدارس الخاصة بالإخوان في منطقة المعادي، كانت حالة الفصل التام بين الذكور والإناث تثير في نفسي الريبة من الرجال".

اقرأ أيضاً: كيف تختار جماعة الإخوان الهيكل القيادي لها؟
وتتابع حديثها "حتى مرحلة التخرج والالتحاق بسوق العمل، بدا لي التعامل مع الرجال أمراً مربكاً؛ فقد زال حائط الأمان الذي قدمته لي تلك المدرسة، بعد أن التحقت بكلية العلوم جامعة القاهرة، حينها بدأت في رؤية فتيات غير محجبات، وشبان مسيحيين، العزلة والبحث عمن يشبهونني كان ملجأي من حالة الاغتراب التي عشتها، كلّ الممارسات التي كنت أشاهدها في الجامعة كانت موبقات من وجهة نظري، لقد عشت 18 عاماً محاطة بأشخاص يشبهونني للغاية، حتى بدأت أعراض الكآبة تصيبني، وبدأت أكره الدراسة، حتى أنّني حين أتذكر سنوات الجامعة أسترجع أوقات الحزن ومشاعر الاغتراب التي ما تزال عالقة في ذهني".

 

 

اغتراب أم تغريب؟
يعزّز حسن البنا، في رسائله الخاصة بإصلاح التعليم، ضرورة الحفاظ على البيئة المسلمة، التي تحيط النشء منذ نعومة أظفاره، بدايةً من الوالدين، إلى المدرسة، إلى البيئة المحيطة بالطفل من الأصدقاء والرفاق في دراسته، وحتى لعبه، لتقدم نوادي الشبان المسلمين، منفذ الترفيه الإخواني خارج جدران المدرسة، والتي يجد فيها التلميذ نفسه محاطاً بالوجوه نفسها التي يشاهدها في المدرسة، لا وجود لانفتاح اجتماعي، ولا معارف مختلفة تكتسب من أناس لديهم توجهات فكرية أو دينية أو سياسية متباينة.

في انتفاضة الخبز العام 1977 هرع طلاب الجماعة الإسلامية لتشويه صورة زملائهم في الأحزاب اليسارية

في هذا الشأن تقول أستاذة علم الاجتماع السياسي، الدكتورة هدى زكريا، لـ"حفريات": إنّ "النمو الاجتماعي والنفسي للفرد يقاس بدرجة الانفتاح التي يحياها هذا الفرد في بيئته الأولى "الأسرة"، وكذلك تعكس روح المجتمع الذي يقبل الاختلافات بين الناس ويعزز الاستفادة منها، ومن هنا يأتي مفهوم السلم الاجتماعي، وفي حالة المدارس الإسلامية أو غيرها، فإنّها تخلق لدى النشء نوعاً من الاغتراب عن المجتمع، وعدم دراية بالأطياف المتباينة للحياة والطبيعة والبشر، فتخلق لدى أبنائها مفهوماً أحادياً مبنياً على يقين هشّ، ينهار مع أول انقشاعة لهذه الغمامة المؤقتة، وتتمزق تماماً في المحكات الكبرى، كما حدث مع العديد من شباب الإخوان عقب أحداث 2013".

اقرأ أيضاً: الأزهر والإخوان المسلمون.. صراع يتجدد
ورغم أنّ اللوائح القانونية للمدارس الإخوانية لا تشترط أن يكون المعلم إخوانياً أو مسلماً، وتقبل بدورها التحاق غير المسلمين من الطلاب، إلّا أنّ الفقاعة الاجتماعية التي عزل فيها الإخوان أبناءهم، جعلت كلّ معلمي تلك المدارس؛ إمّا مدرسات مسلمات محجبات، أو مدرسين من ذوي اللحى والتوجهات الإسلامية، تطبق أجندة البنا في تخليق الجيل المسلم المنشود، ورغم المحن المتكررة التي تصيب الجماعة بسبب التقلبات السياسية العالمية والإقليمية، إلّا أنّ منهاجها التربوي لا يختلف، ولم تُجدَّد دماؤه بعد.

اقرأ أيضاً: الإنكار وسيلة الإخوان للهروب من المحاكمات التاريخية
وبعد سقوط حكم الجماعة، قررت السلطات المصرية، العام 2013، مصادرة مدارس الإخوان على مستوى الجمهورية، البالغ عددها 174 مدرسة، وإيقاف مديريها من أعضاء الجماعة، عقب قرار المحكمة بإعلان الجماعة "إرهابية"، وتصفير حسابات المدارس، وإعادة هيكلتها من قبل وزارة التربية والتعليم.
لكن، بعد 40 عاماً، أنتجت فيها مدارس الإخوان أجيالاً عديدة، اشتبكت جميعها مع أحداث ثورة 25 يناير، ماذا يمكن أن يتغير في هذا الجيل بعد الرياح العاتية التي أزالت الغمامة عن عينيه؟!


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية