أجرى الحوار: حامد فتحي
تستمرّ الجهود السياسيّة والعسكريّة لحلّ الصراع الليبيّ، برعاية الأمم المتحدة، ومشاركة الدول الفاعلة في الملف الليبي، باستثناء تركيا، التي تصرّ على التصعيد، وشحن الأسلحة، في انتهاك صريح لقرارات مجلس الأمن، وتفاهمات الحوار بين الليبيين.
ويلقي الموقف التركيّ بظلاله على موقف حكومة الوفاق، في طرابلس، ويشكّك في مدى جدّية الوفاق، أو قدرتها على الالتزام بمخرجات الحوار الليبيّ، سواء في الشقّ العسكريّ، الذي تمثّله اجتماعات لجنة 5 + 5، أو جولات ملتقى الحوار السياسي، التي استضافت تونس اللقاء المباشر الأول لها.
المحجوب: نحن في عمل دؤوب منذ انطلاق عملية الكرامة لدحر الإرهابيين، وتمكّننا على مدار الأعوام الماضية من التحوّل إلى مؤسسة عسكريّة نظاميّة، عبر التّدريب والتّعليم
ويبدو من المقارنة بين موقف حكومة الوفاق على الأرض، وموقفها في اللجنتين العسكرية والسياسية، أنّ التشتت سيد موقفها، وبشكل عام؛ هو سيد الموقف في الغرب الليبي، الذي تهيمن عليه ميليشيات الوفاق.
ورغم الآمال الكبيرة المعلقة على ملتقى الحوار السياسي، الذي نجح في الاتفاق على تحديد مسار انتقال سياسيّ، يبدأ بفترة انتقالية، حتى إجراء الانتخابات في نهاية العام المقبل، إلا أنّ قراءة تصريحات مسؤولي الوفاق، وموقف تركيا، لا يذهبان مع هذه الآمال، بل يؤكدان أنّ الإخفاق هو الأكثر رجحاناً.
وللوقوف على تطورات الحوار الليبي، كان لـ "حفريات" حديث مع مدير إدارة التوجيه المعنوي، بالقوات المسلحة العربية الليبية، (الجيش الوطني)، اللواء خالد المحجوب.
هنا نصّ الحوار:
أبدى الجيش الوطنيّ الليبيّ مرونة كبيرة في سبيل مصلحة الشعب الليبيّ، ومن ذلك القبول بالتفاوض مع حكومة الوفاق، على الرغم من التوقّعات الكبيرة بعجزها عن الالتزام بالاتفاقيّات التي توقّعها، فحدّثنا عن رؤية القيادة العامة للجيش الوطني للمفاوضات الجارية؟
المرونة لا تعني التنازل عن الثوابت المعروفة، التي انطلقت من أجلها ثورة الكرامة، ومعركة الجيش مع الإرهاب، وثوابتنا هي؛ تحقيق سيادة الوطن، والقضاء على الإرهاب، وتحرير ليبيا من القوات الأجنبية التركية، ومن المرتزقة الذين جلبهم أردوغان، وتحقيق الأمن والاستقرار، وهي مطالب كلّ وطني.
اقرأ أيضاً: باحثة فرنسية: العملية التركية في ليبيا تموّلها قطر
ومن الممكن أنّ نتنازل من أجل الوطن، لا عن الوطن؛ بمعنى أنّنا نقبل أنّ نحقق ثوابتنا بطريق الحلّ السياسيّ، كبديل عن الحسم العسكريّ، عبر حوار بنّاء، يؤدّي إلى إخراج الوجود العسكري الأجنبيّ، وإجلاء المرتزقة، وتفكيك الميليشيات، ونزع السلاح من الكيانات غير المخوّل لها قانونياً بحمله، وهي قضايا أعلنتها اللجنة العسكرية "5 + 5"، كأساس قبلنا وفقاً له بإفساح المجال للجهود الجارية، برعاية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
ونحن كجيش وطني ليبي لسنا في معركة سياسية، ولا نتصارع من أجل المناصب، ودليل ذلك النجاح المطرد الذي تحقق في اللجنة العسكرية، التي نشارك فيها مع وفد الطرف الآخر، في حكومة الوفاق والغرب، على عكس المسار السياسي، الذي يشهد صراعاً سياسياً بين المكوّنات المشاركة، وتنافساً حول المناصب.
هل لديكم تخوّفات بشأن عدم قدرة حكومة الوفاق على الالتزام بما تتوصل إليه اللّجنة العسكريّة؟
معروف أنّ هناك مجموعات وأفراد يتعارض الاستقرار مع مصالحهم، ولا يريدون تحقيق الأمن، ولا سيادة الوطن، فهم يتربّحون من الفوضى والانفلات الأمني، والتدخّلات الأجنبية، ولهؤلاء دوافع مختلفة؛ أيديولوجية وسياسية ومالية.
اقرأ أيضاً: بلطجة أردوغان تفرم جهود الحل في ليبيا
لكنّ المسار العسكريّ "5 + 5"، ليس مساراً محلّياً فقط، بل أحد مسارات حلّ الأزمة، الذي توافق عليه المجتمع الدوليّ، الذي ضمّ الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين، خلال مؤتمر برلين؛ لذلك هناك رعاية دولية للاجتماعات الجارية، والتزام دولي بتطبيق ما تتوصل اللجنة إليه، عبر تحويل قراراتها إلى مجلس الأمن، لتحويلها إلى قرارات ملزمة.
اقرأ أيضاً: أردوغان يطلب التمديد في ليبيا.. أهداف خبيثة وراء تحرك تركيا
والأمر المهمّ الذي يبشّر بنجاح عمل اللجنة العسكريّة؛ هو الرضا الشعبي الكبير حول أعمالها.
واجهت لجنة "5 + 5" تحدّياً خلال الفترة الماضية، بسبب الإخفاق في تطبيق قرار فتح طريق سرت مصراتة، ما جعل البعض يشكّك في قدرتها على حلّ القضايا الأكثر تعقيداً، فهل يعدّ ذلك إخفاقاً مبكّراً للجنة؟
بالتأكيد لا، نتوقّع أن يسير كلّ شيء بيسر، وهناك عراقيل من بعض الأطراف في الغرب، من الذين لا يريدون الاستقرار، أو خسارة مكتسباتهم من الوضع الحالي، على حساب الشعب الليبي.
وبالنسبة إلى طريق سرت مصراتة؛ فهناك شقّ فنّي يعدّ المُعطّل الأول لإعادة فتح الطريق؛ فهناك ألغام تجب إزالتها، وتنسيق من أجل سحب القوات من المنطقة، خصوصاً أنّ الطريق يمرّ عبر خط الجبهة، لكنّ هناك إرادة محلية ودولية، تساند عمل اللجنة العسكرية، ولا نعدّ التأخير إخفاقاً.
اتفق المشاركون في ملتقى الحوار السياسي، الذي انعقدت جولته المباشرة في تونس، على تنظيم الانتخابات العامة، في كانون الأول (ديسمبر) 2021، فهل ترون أنّ هناك إمكانية لتنظيم انتخابات نزيهة في ظلّ الوضع الحالي؟
من الصعب جداً تنظيم انتخابات خلال عام، فكلّ ما يتوصل إليه المشاركون في المسار السياسيّ والاقتصاديّ والدستوريّ، يجب أن يقوم على قاعدة تطبيق مخرجات اللجنة العسكرية.
اقرأ أيضاً: صواريخ "دهلوي" إيران تصل إلى ليبيا
فلو طبّقنا مخرجات لجنة "5 + 5" سيتحقّق الاستقرار، ويسود المناخ اللازم لإقامة الدولة، لكن دون هذا الاستقرار فمن المستحيل نجاح أية تفاهمات سياسية.
يتوقف إحراز تقدّم نحو حلّ الأزمة في ليبيا على ملفّ تفكيك الميليشيات؛ فهل تلمسون جهوداً جادّة من حكومة الوفاق في هذا الملف؟
المشكلة الكبرى أنّ كلّ القوى المسلحة في الغرب الليبي هي ميليشيات في الأساس، ولكلّ مجموعة منها مصالح خاصة، على عكس الجيش الوطني الذي يمثّل قوة وطنية نظامية، تدين بالولاء للوطن فقط.
لكن في الغرب، إذا نظرنا للإخوان المسلمين، نجدهم ضدّ وجود مؤسسة عسكرية منضبطة، لأنّ ذلك يعني القضاء على مصالحهم، ومخططاتهم المرتبطة بالتنظيم الدولي للإخوان وتركيا، وهم من يسيطرون على القرار السياسي في حكومة الوفاق والغرب، ولذلك ليس من مصلحتهم تفكيك الميليشيات التي تضمن لهم السيطرة على الثروات والمؤسسات، وتضمن نفوذهم الذي اكتسبوه بالقوة العسكرية فقط، منذ 2011.
لا مستقبل للاستعمار في أيّ بلد، ولن يطول بقاء المرتزقة والأتراك في ليبيا، ومن الممكن أن يأخذ رحيلهم بعض الوقت، لكنّهم في طريقهم للزوال
ولا يعني ذلك فقدان الأمل؛ فهناك تيار وطني صاعد في كلّ ليبيا، ويدفع نحو عودة الدولة، وهناك ما يمكن عمله لتحقيق الاستقرار، ويتوقف ذلك على مدى صدق الإرادة الدولية، كون العامل الخارجي سبباً أساسياً في الأزمة.
ما مستقبل الوجود العسكريّ في ليبيا؟ وكيف سيتحقق انسحاب المرتزقة والأتراك؟
لا مستقبل للاستعمار في أيّ بلد، ولن يطول بقاء المرتزقة والأتراك في ليبيا، ومن الممكن أن يأخذ رحيلهم بعض الوقت، لكنّ المؤكد أنّ وجودهم في طريقه للزوال.
هناك تحرّكات تركيّة نحو الجنوب الليبي، واستمرار تدفق الأسلحة من تركيا، فكيف تتعاملون مع ذلك؟
المخطط التركي يهدف إلى السيطرة على كامل ليبيا، وليس الجنوب فقط، ولكن لا أمل لهم في ذلك، لأنّنا في الجيش الوطني، ومن ورائنا غالبية الشعب، لا نقبل بأيّ وجود أجنبي في بلادنا.
اقرأ أيضاً: ليبيا.. مسار سياسي هش تزعزعه التدخلات القطرية التركية
وإلى جانب ذلك؛ تركيا ليست الدولة الكبرى القادرة على تحقيق مثل هذه الأهداف الكبيرة، والوضع الدوليّ والإقليميّ لا يقبلان ذلك، وأهداف النظام التركي الحالي لا تنبع من مصلحة وطنية تركية، بل تأتي تحقيقاً لمخططات جماعة الإخوان، التي يعدّ أردوغان جزءاً منها. والأمر الأكيد أنّه لا مستقبل للإخوان في ليبيا.
ومن المرجّح أنّ التحركات التركية التي تدفع نحو التصعيد تهدف إلى رفع قيمة فاتورة مشاركتها إلى جانب الإخوان، والحصول على أوراق للضغط من أجل تحقيق مصالحهم في ظلّ الحوار السياسي الجاري، وتحقيق زخم حول الدور التركي، وربما تكون هناك نيّة لعمل عسكريّ، لكنّ هذا احتمال ضئيل، ونحن في الجيش الوطني على يقظة تامة بكلّ حركة عدائية.
أعوام ستة مضت على انطلاق عملية الكرامة، وإعادة تأسيس الجيش الليبي، الذي حقّق إنجازات عسكرية، على مستوى التدريب والاستعداد، وتطوير القدرات العسكريّة، فحدثنا عن ذلك.
نحن في عمل دؤوب منذ انطلاق عملية الكرامة لدحر الإرهابيين، وتمكّننا على مدار الأعوام الماضية من التحوّل إلى مؤسسة عسكريّة نظاميّة، عبر التّدريب والتّعليم المستمرّين، وتأسيس الوحدات العسكرية، حتى وصلنا إلى مرحلة مهمّة في بناء قواتنا الليبية المسلحة، وسنواصل دائماً التطوير والتحديث.
هل تتوقعون تغييراً في السياسة الأمريكية بعد فوز بادين بالرئاسة؟
التغيير في السياسة الأمريكية وارد جداً، وفق ما يحقق مصالح واشنطن.
والأكيد أنّ الإخوان لم يعد لهم مستقبل في ليبيا والمنطقة، ولن يُسمح لهم بتنفيذ أجنداتهم، وبشكل عام لن يراهن أحدٌ عليهم مرة أخرى.