الكاتب الفلسطينيّ نهاد أبو غوش لـ "حفريات": الصراع مع الاحتلال لن يحلّ بالضربة القاضية

الكاتب الفلسطينيّ نهاد أبو غوش لـ "حفريات": الصراع مع الاحتلال لن يحلّ بالضربة القاضية


30/05/2021

أجرى الحوار: ابراهيم محمد

حذر  الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني نهاد أبو غوش من أية محاولة لتجيير الإنجاز الذي تحقق في قطاع غزة فئوياً، أو الانجرار إلى أيّ شكل من أشكال المواجهات الداخلية التي تحرف الأنظار عن المعركة الكبرى مع الاحتلال الإسرائيلي، وقال إنّ الصراع لن يحلّ بالضربة القاضية، حيث دعا إلى عدم انزلاق القوى السياسية نحو معارك جانبية وداخلية تبدد الطاقات وتهدر التضحيات، مؤكداً أنّ أيّة محاولة للاستفراد أو إقصاء الآخرين محكوم عليها بالفشل.

الأردن بقيادة الملك عبدالله الثاني يلعب دوراً في غاية الأهمية، وهو الوصاية على المقدسات وحماية القدس من مخاطر التهويد، ودعم الشعب الفلسطيني وتخفيف آلامه ومعاناته

وأعادت غزة للقضية الفلسطينية زخمها بعد موجة التصعيد الأخيرة والتي استمرت 11 يومياً، حيث شهدت المنطقة زيارات دبلوماسية مكثفة لمسؤولين أمريكيين ومصريين للأراضي الفلسطينية وإسرائيل، لمحاولة تثبيت وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، وكذلك للتوصل لحلّ للقضية الفلسطينية، وإعادتها إلى أجندة المجتمع الدولي، بعد أن بقيت لسنوات عديدة قضية ثانوية لا يتلفت إليها أحد.

 وفي محاولة لفهم المشهد الفلسطيني، حاورت "حفريات" الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني نهاد أبو غوش، مدير مركز مسار للدراسات، الكاتب المختص في الشؤون الإسرائيلية والصراع الفلسطيني، وعضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.

هنا نص الحوار:

ما المطلوب من المقاومة الفلسطينية الآن؟

المطلوب من المقاومة الآن الحفاظ على الإنجاز الذي تحقق، والحرص على تكريس النتائج الإيجابية ومراكمتها، من خلال نمط عمل جماعي وموحد، والحذر من أية محاولة لتجيير الإنجاز فئوياً أو الانجرار إلى أيّ شكل من أشكال المواجهات الداخلية التي تحرف الأنظار عن المعركة الكبرى مع الاحتلال، وتنزلق بالقوى السياسية نحو معارك جانبية وداخلية تبدد الطاقات وتهدر التضحيات.

وصحيح أنّ ما تحقق على الأرض كان نتاج وحدة وطنية فلسطينية لا سابق لها، شملت كلّ تجمّعات الشعب الفلسطيني في القدس والضفة وغزة ومناطق 1948 والشتات، وكلّ هذه التجمعات قدمت شهداء وتضحيات هائلة، حيث لعبت المقاومة المسلحة دوراً رئيساً في استنهاض الروح المعنوية، لكنّ بؤرة الصراع كانت في القدس والمسجد الأقصى، واستجابت كلّ تجمّعات الشعب الفلسطيني لنداء القدس.

أعادت غزة للقضية الفلسطينية زخمها بعد موجة التصعيد الأخيرة والتي استمرت 11 يومياً

وبخصوص ما شهدناه في الأيام الأخيرة من بعض المحاولات التي يمكن أن تندرج ضمن تشتيت الجهود وحرف الأنظار، مثل التعرض لسماحة المفتي في الحرم القدسي، وحرق مركز شرطة، والإساءة للشهيد الرمز ياسر عرفات، وهي محاولات صغيرة يمكن وأدها في مهدها في حال تغليب روح المسؤولية الوطنية، لكنها يمكن أن تتطور في حال غلبة المنطق الفئوي على الوطني الجامع.

هل تعتقد أنّ ما تحقّق نصر حقيقي، أم هناك تضخيم إعلامي؟

النصر والهزيمة مصطلحان نسبيان يرتبطان بطبيعة القوى المتحاربة، وظروف المعركة، وكيفية مساهمتها في الصراع الشامل، وبالتالي صراعنا مع الاحتلال لن يحلّ بالضربة القاضية، وإلا لكان قضي علينا نحن في النكبة أو خلال النكسة، وإنما من خلال مراكمة الإنجازات وتثميرها، ولا شكّ في أنّ المعركة الأخيرة تمثل انتصاراً فلسطينياً لافتاً من عدة زوايا:

أولاً: وحدة الشعب الفلسطيني ومساهمة جميع فئاته في المعركة، حيث عجز الاحتلال على الرغم من ترسانته الهائلة التي يملكها من فرض شروطه السياسية.

ثانياً: فشل إستراتيجية الاحتلال في عزل غزة وإخراجها من معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

أداء القيادة الرسمية  الفلسطينية ورموزها كافة لم يكن بالمستوى المطلوب والمأمول خلال الفترة الأخيرة، ولكن لا بديل عن شرعية الرئيس عباس والقيادة إلا الفوضى

ثالثاً: التطور المذهل لقدرات المقاومة إلى درجة أنّها هدّدت العمق الإسرائيلي، وأهم المراكز المدنية وشلّت الطيران والتعليم، وفشل الاحتلال في وقفها أو ردعها أو الحدّ من قدراتها.

رابعاً: تعميق المأزق السياسي لحكومة نتنياهو.

خامساً: الشعب الفلسطيني الذي قدم تضحيات هائلة وتلقى خسائر مؤلمة، لكنّه تحمّلها بكلّ صبر، ووفّر قاعدة شعبية حاضنة للمقاومة.

سادساً: برز في هذه المعركة تأثير وسائل الإعلام التقليدي والاجتماعي التي نقلت صور المعاناة والبطولة لكلّ العالم، وساهمت في كسب أنصار جدد لفلسطين، وفضح جرائم إسرائيل، واستنهاض الحركات الشعبية الداعمة لفلسطين، ومحاصرة وعزل دعاة التطبيع.

ما الدرس المستفاد من العدوان الأخير على غزة؟

أعتقد أنّ ثمة دروساً كثيرة يمكن الاستفادة منها، هي: أنّ القضية الفلسطينية عادت لتحتل مكان الصدارة بعد سنوات من التهميش، حيث باتت المقاومة حقّاً مشروعاً للشعب الواقع تحت الاحتلال، ولا يمكن الحديث الآن عن "صواريخ عبثية" أو عن أنّ المفاوضات وحدها هي الأداة الوحيدة لتحصيل الحقوق.

كما أنّ الوحدة الوطنية هي سلاح ماضٍ وحاسم، وليست مجرد مناشدة أخلاقية، وهناك حدود لقدرات الترسانة العسكرية الإسرائيلية على حسم الصراع رغم ضخامتها، وفي كلّ هذا الصراع تبقى المسألة الأساسية، هي أنّ الاحتلال هو مصدر جميع الأزمات، وأيّ حديث عن إرهاب وعنف وخلافه هو محاولة لحرف الأنظار عن جوهر المشكلة.

يقال إنّ حماس جيّرت الانتصار لإيران وغيرها من محور "المقاومة والممانعة"، هل هذا صحيح؟ وهل هذا ممكن؟

لا أعتقد أنّ حماس جيّرت الانتصار لإيران أو لغيرها، على الرغم من التحسن الطفيف في العلاقات بين إيران وحماس، إلا أنها لم تعد لسابق عهدها، كلّ ما جرى هو إقرار حماس بالمساعدة الفنية التي تلقتها من إيران، وهذا واقع معروف وليس خافياً على أحد، ثم إنّ الانتصار لا يمكن لطرف أن يجيّره لطرف آخر، والمعركة ما تزال مفتوحة ومستمرة، لعلّ التغطية الإيرانية الإعلامية وحماستها لما تقوم به المقاومة هو ما يولّد مثل هذه الأسئلة، خاصة أنّ بعض الأطراف العربية اتخذت موقفاً أقرب للحياد في تغطيتها.

هل يمكن أن تحلّ حماس مكان فتح وتعود إلى الاستئثار بالوضع الفلسطيني؟

ما دمنا تحت الاحتلال لا أحد سيحلّ مكان أحد، كل الجهود مطلوبة لمواجهة الاحتلال، والوحدة الوطنية ممرّ إجباري لتحقيق أيّ إنجاز، أيّة محاولة للاستفراد أو إقصاء الآخرين محكوم عليها بالفشل، لأنّ الشعب الفلسطيني يتسم بالتعددية والتنوع، وهذا برز في الانتخابات الأخيرة التي سجلت للمشاركة بها 36 قائمة، في النهاية نحن محكومون لضرورات الشراكة وما يحسم  في النهاية سيكون الاحتكام للشعب وصندوق الاقتراع، وهناك يمكن للشعب أن يكافئ أطرافاً ويعاقب أخرى، لكن لا أحد يملك حقّ إقصاء الآخرين.

ما سيناريوهات الحلّ في حيّ الشيخ جراح والأحياء الأخرى المهددة في القدس؟

في القدس وأحيائها المختلفة جوهر المسألة هو انطباق قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي على القدس الشرقية المحتلة عام 1967، بالتالي؛ بطلان الأحكام والقرارات والقوانين الإسرائيلية، وإجراءات البلدية والحكومة الإسرائيلية التي تميز لصالح اليهود، وتجحف بحقّ المواطنين الفلسطينيين كونهم غير يهود.

كما أنّ حيّ الشيخ جراح هو أراضي أميرية بالأساس، وكانت تحت تصرّف الحكومة الأردنية، وهي الحكومة الشرعية وقتها، ونقلت ملكيتها لصالح السكان الفلسطينيين الذين هم في أغلبيتهم لاجئون طردوا من بيوتهم وأملاكهم في الشطر الغربي للمدينة، واعتبرتهم الحكومة الإسرائيلية "غائبين" عن أملاكهم مع أنّهم لم يغادروا مدينتهم.

لذلك ما يحصل في القدس هو جزء من مخطط تطهير عرقي يهدف لتهويد المدينة والتخلص من النسبة الكبرى من المواطنين الفلسطينيين وتقليص نسبتهم من 37% حالياً إلى ما دون 20%.

ماذا عن الهوية الفلسطينية الجامعة؟

الهوية الفلسطينية الجامعة هي وحدة الشعب الفلسطيني في كلّ أماكن تواجده، ووجود إطار تمثيلي رسمي معترف به هو منظمة التحرير الفلسطينية (يبقى هو الإطار الشرعي الوحيد مهما اختلف الناس مع قيادتها الأمر هنا يشبه الفارق بين بلد ما وحكومته)، بالتالي؛ فإنّ من أبرز حقوق هذا الشعب حقّ تقرير المصير الذي تجسيده حق العودة للاجئين، وحقّ إقامة دولة مستقلة، عاصمتها القدس، وحقّ فلسطينيي الداخل في المواطنة والمساواة الكاملة، وإلغاء نظام التمييز العنصري.

هل ما يزال الفلسطينيون يؤيدون "حلّ الدولتين"؟

حلّ الدولتين تعرّض لضربات قاتلة من قبل إسرائيل، التي تحاول منذ سنوات طويلة القضاء على أيّة فرصة لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة على جميع الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس، كما تحاول إسرائيل تأكيد الحكم الذاتي باعتباره حلّاً نهائياً وهذا مستحيل.

الوحدة الوطنية الفلسطينية ممرّ إجباري لتحقيق أيّ إنجاز، أيّة محاولة للاستفراد أو إقصاء الآخرين محكوم عليها بالفشل، لأنّ الشعب الفلسطيني يتسم بالتعددية والتنوع

يهدف الاحتلال إلى دفع الفلسطينيين لقبول بكيان هزيل منزوعة منه كلّ مظاهر السيادة وتسميته دولة، وثمة حديث الآن عن دولة واحدة ولكن في الأفق لا توجد أية إمكانية واقعية لذلك في المدى المنظور، الواقع الذي ينشأ على أنقاض حلّ الدولتين هو دولة تمييز عنصري الغلبة والسيطرة والتحكم بكلّ شيء فيها لليهود.

كيف غيّرت المواجهة العسكرية بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال الموقف الدولي من الحلّ؟

أعتقد أنّ ثمة تغيرات بطيئة، لكنّها مهمة في الموقف الدولي، الرئيس الأمريكي جو بايدن وإدارته كان قد اتخذ موقف الانكفاء عن قضية الشرق الأوسط وتهميشها في ضوء المشكلات التي خلفتها إدارة ترامب، وهو لم يتحدث مع الرئيس الفلسطيني أبو مازن منذ تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة إلا خلال هذه الأزمة، وأوفد وزير الخارجية، وكذلك مساعد الوزير للشؤون الفلسطينية والإسرائيلية، هادي عمرو.

وثمّة تحولات مهمة أيضاً في الموقف الأوروبي، وجميعنا لمسنا الموقف الفرنسي النشط، وهو موقف منسق مع ألمانيا، وكذلك نهوض حركات دعم الشعب الفلسطيني في العالمين العربي والإسلامي، وفي جميع مدن وعواصم العالم.

هل فقد الرئيس عباس شعبيته وستكون فرص نجاحه في الانتخابات المقبلة، في حال إجرائها ضعيفة جداً، بالتالي انهيار حركة فتح، مقارنة برئيس المكتب السياسي لحماس إذا قررت حماس اختياره مرشحاً لها؟

أداء القيادة الرسمية ورموزها كافة لم يكن بالمستوى المطلوب والمأمول خلال الفترة الأخيرة، ولكن لا بديل عن شرعية الرئيس والقيادة إلا الفوضى، وهذا ما لا يريده أحد، وثمة بدائل مقبولة غير التناحر وحلول طرف مكان الطرف الآخر.

فالشعب الفلسطيني ما يزال تحت الاحتلال، وفي حاجة إلى جهود جميع أبنائه في النضال من أجل الحرية، ولذلك لا بديل عن الشراكة الوطنية، ثم إنّ فتح حركة تحرر وطني، اسمها حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، وما دام الاحتلال موجوداً فثمة ضرورة لوجود فتح ولدورها المهم، وهي التي كانت العمود الفقري للحركة الوطنية، وما تزال تحتفظ بدور مركزي ومقرر في هذه الحركة.

بعد دعوة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى عقد هدنة تدفع إلى حلّ سياسي، ما مدى نجاح ذلك؟

جلالة الملك عبد الله الثاني وضع إصبعه على الجرح، وعلى جوهر المشكلة، لا بدّ من حلّ سياسي ينهي الاحتلال ويحلّ المشكلة من جذورها، ولا يكتفي بمداواة جروحها النازفة بين حين وآخر، وهذا يمثّل استمراراً لموقف الأردن المبدئي والمتماسك في دعم الشعب الفلسطيني، ودعم الحلّ الذي يستند للشرعية الدولية والحقوق العربية والفلسطينية، ورأينا كيف وقف الأردن وحيداً مع فلسطين في مواجهة صفقة القرن، وثبت أنّ موقفه هو الموقف المنطقي والمنصف والمنسجم مع القانون الدولي ومع حقائق الصراع.

والأردن يلعب دوراً مزدوجاً، بل مركباً، في غاية الأهمية، وهو الوصاية على المقدسات وحماية القدس من مخاطر التهويد، ودعم الشعب الفلسطيني وتخفيف آلامه ومعاناته، كما رأينا في تسيير قوافل المساعدات الطبية والإغاثية وفي مختلف أشكال الدعم المادي والمعنوي والفني.

أض إلى ذلك الدور المهم في بناء موقف سياسي عربي ودولي ينصف الشعب الفلسطيني وينسجم مع القانون الدولي، ولا يسلّم أو يستسلم لمنطق القوة والغطرسة الإسرائيلي، وأعتقد أنّ هذا هو الحل الوحيد الذي يمكن أن ينجح، خاصة إذا جرى التوافق عليه بين الأطراف العربية المركزية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية