القيصر العنيد.. يشاغب في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض

القيصر العنيد.. يشاغب في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض

القيصر العنيد.. يشاغب في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض


05/10/2022

شيماء بهلول

يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تطبيق عقيدته الجديدة القائمة على مفهوم "العالم الروسي"، التي ستؤطر مستقبلاً على السياسة الخارجية لبلاده كما ستزيد من مناطق النفوذ التاريخي والإثني والثقافي لروسيا، في جوارها الأوروآسيوي، كما في الشرق الأوسط وأفريقيا.

وتثير إجراءات رجل الكرملين الأول قلق الولايات المتحدة ودول الغرب، بعد أن أشارت تقارير إخبارية إلى اتساع النفوذ الروسي في أفريقيا، وتوجه موسكو لفرض هيمنتها على أمريكا اللاتينية "الحديقة الخلفية لأمريكا" تزامناً مع النفوذ الهائل للصين في المنطقة.

وصدرت تحذيرات عديدة للمسؤولين الأمريكيين من خطر اتساع النفوذ الروسي، ولكن واشنطن لم تول تلك التحذيرات الاهتمام الكافي، وكان قائد سلاح مشاة البحرية الأمريكي الجنرال جون كيلي قد قال أمام مجلس الشيوخ في مارس(أذار) عام 2015 "إنه رغم أن تواجد روسيا في أمريكا اللاتينية لا يقارن في الحجم بتواجد الصين، فإن روسيا قامت في السنوات الأخيرة بتوسيع نطاق نفوذها في أمريكا اللاتينية".

ورأت الخبيرة الأمريكية جوديث بيرغمان في تحليل نشره معهد جيتستون الأمريكي، أن روسيا تسعى جاهدة لتوسيع نطاق نفوذها في القارة اللاتينية، وبصفة خاصة منذ قرر الرئيس فلاديمير بوتين غزو أوكرانيا وما أعقبه من عزلة روسيا على الصعيد العالمي.

وأضافت أن "وسيلة روسيا لتوسيع نطاق نفوذها في أمريكا اللاتينية مماثلة لأساليبها في أفريقيا، حيث سعت في المقام الأول لممارسة النفوذ من خلال صفقات الأسلحة، واستخدام مرتزقتها، والتدخل في الانتخابات، إضافة إلى نشر المعلومات المضللة".

وقبل وقت قصير من غزو أوكرانيا، عقد بوتين اجتماعاً مع الرئيسين البرازيلي جايير بولسونارو والأرجنتيني ألبرتو فرنانديز، بينما وقع على اتفاق للتعاون الأمني مع فنزويلا، وقال ريان سي بيرغ مدير برنامج الأمريكتين في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية إنه "رغم هذا أخرجت الولايات المتحدة نصف الكرة الغربي من قائمة أولوياتها وقلصت حجم استثماراتها هناك طوال عقود"، مضيفاً "الصين وروسيا تدعمان الأنظمة غير الليبرالية في نصف الكرة الأرضية مثل فنزويلا، مما يضاعف من التحديات الأمنية الإقليمية ويكبح التحولات السياسية نحو الديمقراطية".

وقال الدكتور إيفان إليس، أستاذ أبجاث الدراسات الخاصة بأمريكا اللاتينية في معهد الدراسات الاستراتيجية بكلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي في شهادة أمام اللجنة الفرعية لشؤون السياسة الخارجية التابعة لمجلس النواب الأمريكي لقسم الكرة الغربي في يوليو(تموز) الماضي "بينما كان احتضان الأنشطة العسكرية الروسية قاصراً على الأنظمة الاستبدادية المناهضة للولايات المتحدة، فإن استعداد بعض الدول الأخرى لدعم وروسيا والتواصل معها مثير للقلق".

والأمثلة الرئيسية تشمل الدعم الرمزي والخطابي الذي أعطته حكومتا الرئيسين الأرجنتيني ألبرتو فيرنانديز، والبرازيلي جايير بولسونارو لبوتين خلال زيارة قام بها كل منهما إلى موسكو فيما كان جيشه يستعد لغزو أوكرانيا، وذهب الرئيس الأرجنتيني إلى أبعد من ذلك وعرض أن تكون حكومته البوابة لدخول روسيا إلى أمريكا اللاتينية، ووصف الرئيس المكسيكي أندرياس مانيول لوبيز الدعم العسكري من جانب حلف الناتو لمساعدة أوكرانيا على التصدي للعدوان الروسي بأنه "غير أخلاقي"، بينما أكد بوتين والرئيس البرازيلي اعتزامهما تعزيز شراكتهما الإستراتيجية.

وبدورها، قالت الجنرال لورا جي ريتشاردسون قائدة القيادة الأمريكية الجنوبية في شهادة أمام لجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ، إن "الإجراءات الروسية في أمريكا اللاتينية تقوض بشكل كبير الوضع الأمني هناك، إضافة إلى تمكين الصين من كسب النفوذ"، وأضافت أن "سلامة الولايات المتحدة مرتبطة على نحو مباشر باستقرار وأمن شركائنا في أمريكا اللاتينية والكاريبي".

وحسب المحللين السياسيين، فإن عمليات توسيع نطاق النفوذ الصيني والروسي في أمريكا اللاتينية معاً ترقى إلى حد تهديد هائل لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، فيما لا يبدر عن إدارة بايدن أي تحرّك يذكر.

وتدهورت العلاقات بين أمريكا والبرازيل بعد دخول الرئيس جو بايدن إلى المكتب البيضاوي، وأصبح الحليف اللاتيني عدواً اليوم ما جعله يتجه لتعزيز صلاته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وبعد فشله في حسم الانتخابات بالجولة الأولى أمس الإثنين إثر تقدم الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، قال محللون إن "الرئيس البرازيلي الذي فقد الأمل في دعم واشنطن منذ تولي بايدن الرئاسة وضع رهانه على قدرة الرئيس الروسي على دعمه"، مشيرين إلى أن العلاقة مع بوتين كانت "للتسويق السياسي في زمن الانتخابات".

ورفضت البرازيل العضو غير الدائم في مجلس الأمن الانحياز للغرب في معركته مع روسيا، مفضلة إعلان الحياد، ولم تؤيد حكومة بولسونارو قراراً أممياً في مجلس الأمن لإدانة بوتين ويقترح عقوبات ضد روسيا.

وسواء فاز بولسونارو في جولة الإعادة أو انتصر خصمه، يبدو أن الرئيس الروسي قد حقق تقدماً جيوسياسياً في أمريكا اللاتينية، ويعني بقاء البرازيل على الحياد في الأزمة الأوكرانية أن روسيا نجحت على الأقل في تأمين موقف البلد الأبرز في أمريكا اللاتينية بمعزل عن نتائج الانتخابات.

وذكرت قناة "تي أر تي" الروسية، أن مرسوم العقيدة الجديدة للخارجية الروسية يأتي في 31 صفحة، معنوناً بـ "السياسة الإنسانية"، وتنص هذه الوثيقة على أنه ينبغي لروسيا حماية تقاليد ومُثل العالم الروسي وضمان سلامتها والنهوض بها.

ومن جهة أخرى، تنص هذه العقيدة الجديدة على أنه يتعين على روسيا زيادة التعاون مع الدول السلافية والصين والهند، بجانب تقوية علاقاتها مع الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، ويعتبر مراقبون بأن هذه العقيدة الجديدة تمثل خارطة طريق لبناء قوة ناعمة روسية في العالم، كما أنها تعتمد على تنظيرات المفكرين اليمينيين الموجودين في محيط بوتين، وعلى رأسهم ألكسندر دوغين الملقب بـ"عقل" الرئيس الروسي.

وينادي دوغين بضرورة سيطرة موسكو على المناطق التي يسكنها الناطقون بالروسية في جورجيا وشرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، بالإضافة إلى دول البلطيق، ذلك لتكون خط دفاع عنها من تهديدات الغرب، وهذه الأفكار يعتبرها مراقبون المحرك وراء ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، والعملية العسكرية الروسية الجارية الآن على الأراضي الأوكرانية.

عن موقع"24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية