أجرى الحوار: علي مصطفی
اعترف القيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، أحمد يوسف بأنّ الحركة أخفقت في تقديم نموذج الحكم الرشيد، وأنّها أخطأت لدى مشاركتها في الانتخابات التشريعية، وفي تشكيلها الحكومة الفلسطينية، مما أفقدها شعبيتها، وكان أوْلى بها أن تبقى في المجلس التشريعي، تشرف وتراقب وتحاسب من أسفل قبة البرلمان، بدلاً من تشكيل حكومة دون أن يكون لها حضور سابق وتمكين في مشهد الحكم والسياسة.
أحمد يوسف: فقدنا في حماس الكثير من الدعم والتأييد في الشارع الفلسطيني إلى جانب تراجع الدعم العربي والإسلامي
وقال يوسف، في حوار مع "حفريات" في غزة، إنّ استمرار حالة الانقسام الفلسطيني، وعدم تحقيق المصالحة الفلسطينية بين حركته وحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، تسبّب بضرر بالفلسطينيين بشكل كبير، وزاد عليهم المؤامرات المحاكة ضدّهم، وأضعف نسيجهم الداخلي، وقال إنّ "الشارع الفلسطيني جميعه إذا توحّد خلف منظمة التحرير الفلسطينية، سننجح في مواجهة صفقة القرن، ونحول دون تطبيقها".
وأضاف يوسف، الذي شغل منصب المستشار السياسي لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، أثناء توليه منصب رئاسة الحكومة الفلسطينية العاشرة: "حركة حماس بإمكانها محاورة العالم بشكل أفضل من خلال إنشاء حزب سياسي جديد، يكون مخرجاً حقيقياً من الأزمات التي تشهدها في الوقت الراهن".
وهنا نصّ الحوار:
دعنا نبدأ بأسئلة المواجهة: هل أخطأت حماس في دخولها المعترك السياسي وتصدّرها سدة الحكم؟
نعم، أخطأت حماس، لكن لم يكن سبب ذلك المشاركة في الانتخابات التشريعية، بل في تشكيلها الحكومة الفلسطينية، فكان أوْلى بها أن تبقى في المجلس التشريعي، تشرف وتراقب وتحاسب من أسفل قبة البرلمان، بدلاً من تشكيل حكومة دون أن يكون لها حضور سابق وتمكين في مشهد الحكم والسياسة.
اقرأ أيضاً: قرارات حماس الأخيرة.. ضبط للعمل الصحفي أم تكميم للأفواه؟
وهذا، بلا شك، أسهم في التخبط الذي شهدناه خلال الأعوام الماضية؛ إذ إنّ حركة حماس لم تتمكن من الوفاء بوعودها الانتخابية للشارع الفلسطيني، فهناك حالة إخفاق وتخبط كبيرة خلال فترة الحكم، وقد سبق ذلك خطأ آخر حينما شاركت الحركة في انتخابات المجلس التشريعي بالقيادات الكبيرة، التي تسمى " قيادات الصف الأول"؛ حيث وضعها ذلك في مواجهة مباشرة مع شروط الرباعية الدولية، وكان الأجدى بها أن تشرك قيادات الصف الثاني والثالث، الأكثر كفاءة من ناحية المهنية والمرونة السياسية في التعاطي مع المتطلبات الدولية.
إذاً، لو بقيت حماس في مشروعها المقاوم، ولم تخض تجربة الانتخابات التشريعية، لزاد ذلك من شعبيتها؟
حماس اكتسبت شعبيتها من خلال تبنيها منهج الجهاد والمقاومة، وبهدف مواجهة إسرائيل، وكان نجاحها ملحوظاً في ذلك، إلى جانب قربها ميدانياً من الناس، وتلمّس أوجاعهم واحتياجاتهم، وكانت متميزة على مستوى العمل الدعوي والتربوي، وتمكنت من النهوض بالجيل الناشئ بصورة لا تخطئها العين، وكلّ هذه الأمور أعطتها بحقّ مصداقية كبيرة جداً، لكن بعد وصولها إلى سدة الحكم، وبسط نفوذها على قطاع غزة، وإخفاقها في تقديم نموذج الحكم الرشيد، تراجعت هذه الشعبية، وإن كانت الحركة ما تزال تقبض على مقاليد الأمور، ولها حضور تنظيمي وشعبي ربما يتجاوز 25% في الشارع الفلسطيني، في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وما النصائح التي تقدمها لحركة حماس لتدارك أخطائها؟
نحن في حركة حماس فقدنا الكثير من الدعم والتأييد في الشارع الفلسطيني، إلى جانب تراجع الدعم العربي والإسلامي بشكل كبير، وهذا الواقع المأساوي يفرض على الحركة العمل بشكل جدي على سرعة إنهاء الانقسام بينها وبين حركة فتح، والعمل على ترتيب البيت الفلسطيني وفق منطق الشراكة السياسية والتوافق الوطني، وليس بعقلية الإقصاء والتهميش، وضرورة الالتفات إلى الساحة الداخلية وتقاسم عبء الشعب الفلسطيني.
يوسف: المطلوب هو العمل على أن تكون حركة حماس والجهاد الإسلامي ضمن إطار منظمة التحرير الفلسطينية
إنَّ المشهد الذي يجب أن تظهر عليه حركة حماس؛ هو أنّها تعيش الهمّ وتكابده بحالة الوجع الذي عليه الشعب الفلسطيني، وتواجه الحياة المأساوية بسلوكيات تقطع الشكّ باليقين بأنّه لا فرق بين فلسطيني وآخر، فالكلّ على مسطرة العدل سواء، وعليها أيضاً الاعتذار إلى الشارع الفلسطيني عن الأخطاء التي وقعت في حزيران (يونيو) 2007، أي خلال فترة حكمها السياسي، وهي أخطاء يتحمل أوزارها الكل الفلسطيني، كما أنّ الضرورة تفرض عليها اليوم الفصل بين العمل السياسي والعسكري، وإعادة النظر في اللوائح والقوانين التي تحكم منظومتها التنظيمية للخروج من مآزقها الحالية.
هل لدى قادة حماس اعتقاد بأنّ الحركة يمكن أن تكون بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية؟
لا أعتقد ذلك، ونجاح منظمة التحرير هو في أن تبقى إطاراً تمثيلياً للكلّ الفلسطيني؛ حيث إنّ محاولة التغول عليها من قبل أيّ طرف أو فصيل فلسطيني سيكون بمثابة عملية انتحارية تستهدف الإضرار بالهوية والمشروع الوطني الفلسطيني.
اقرأ أيضاً: فتح وحماس وما صنع الحداد في موسكو .. تحدي المسافات الطويلة
إنّ المطلوب اليوم؛ هو العمل على أن تكون حركة حماس والجهاد الإسلامي ضمن إطار المنظمة الجامع للكلّ الفلسطيني، وليس وراثة هذا الإطار الوطني العريق وحرف بوصلته، بعيداً عن منطلقاته التي قام من أجلها.
وبخصوص إيران، أتعتقد أنّ الظروف الاقتصادية التي تمر بها إيران تؤثر في الدعم المالي لحركة حماس مالياً وسياسياً؟
إيران تمرّ بأزمة مالية كبيرة، وسوف تؤثر عليها بشكل أو آخر، وبالتالي كان التراجع في دعمها المالي للفصائل الفلسطينية المسلحة التي تحارب إسرائيل، وعلى رأسها حركتا حماس والجهاد الإسلامي.
هل تبحث حركة حماس عن بديل عن إيران لدعمها في ظلّ الأزمة المالية؟
البحث عن البدائل موجود دائماً؛ فالتغيرات وتقلب الظروف في المنطقة تجعل بعض الدول تقدم المال في فترة ما، وبعد ذلك لا تستطيع؛ لأنه سوف تُمارس ضدّها ضغوط سياسية عدة؛ لذلك، فإنّ حركة حماس متفهمة للضغوطات التي تمرّ بها إيران، وتدرك تماماً أنّ حجم الدعم الذي تقدمه للمقاومة سوف يتقلص، لذلك هي تبحث عن البدائل التي تمكنها من الاستمرار في مشروعها المقاوم ضدّ الاحتلال.
إذاً، هل تمرّ حركة حماس بأزمة مالية في الوقت الراهن؟
لا شكّ في أنّ حماس تعاني من أزمة مالية خانقة، في ظلّ الأوضاع التي تعاني منها المنطقة العربية، لكنّ هذا لا يعني أنّها ستوقف الاستمرار في مشروعها المقاوم، فالشعوب والحركات والدول تمرّ أحياناً بظروف قاسية، قد تؤثر بشكل أو بآخر على قدراتها، والمقاومة تتعرض لضغوطات عدة، والمطلوب منها العمل على تكييف توجهاتها القادمة، لتقطع المجال أمام إسرائيل بتوجيه ضربات قاسية ضدها.
وماذا عن وجهة نظركم بتطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل؟
التطبيع مع إسرائيل، للأسف، كان قائماً في الخفاء منذ عدة أعوام، ونتنياهو كان يزهو متفاخراً بالقول إنّه زار خلال العام الماضي أكثر من أربع دول عربية بشكل سري!! فالتطبيع كان سراً، والآن أصبح بشكل سافر و"على عينك يا تاجر"، كما نقول في أمثالنا الفلسطينية!! لقد بات التطبيع مدخلاً لمباركة إسرائيل وأمريكا، وأعطى الضوء الأخضر لإتمام ما يسمى بـ "صفقة القرن"، وهذا ستكون له تداعيات خطيرة على القضية الفلسطينية بشكل كبير.
وهل هناك مؤشرات تُوحي باقتراب تطبيق صفقة القرن؟
من الواضح أنه سيتم تطبيق هذه الصفقة على أرض الواقع، فالإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية بوقف الدعم الكلي عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، إضافة إلى قطع المساعدات عن عدد كبير من المؤسسات الموجودة في الأراضي الفلسطينية، جميعها تهدف إلى إيصال الفلسطينيين إلى حالة من الفقر والعوز الشديد، بما يجعلهم يستغيثون بأمريكا لتنفيذ سياساتها!! وبكل أسف؛ فإنّ هذا نتاج لما أوصلتنا إليه حالة الانقسام الفلسطيني المستمرة دون إتمام المصالحة.
يتساءل مراقبون عن سبب تقارب حركة حماس مع النائب محمد دحلان رغم العداء السابق بينهما..
النائب محمد دحلان كان يمثل أحد الخصوم السياسيين لحركة حماس، وكان بينهما ما صنع الحداد، وقالوا في بعضهما ما لم يقله مالك في الخمر، ولكن دحلان، خلال الأعوام الأخيرة الماضية، أصبح شريكاً وطنياً؛ حيث تغيرت لغة الخطاب بين الطرفين، وأصبح مع تياره الإصلاحي يقدم الدعم والتمويل المالي لأهالي قطاع غزة، في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرون بها، وذلك من خلال اللجنة الوطنية الإسلامية للتنمية والتكافل الاجتماعي "تكافل"، كما أنه تبنى خطاباً وطنياً جامعاً لقي القبول والترحيب داخل حركة حماس، إضافة لما يمثله التيار الإصلاحي الذي يترأسه من مكانة تتنامى يوماً بعد يوم، وهذا التيار له وزن داخل حركة فتح؛ أدى إلى سرعة تقارب خطوط العلاقة بينه وبين حركة حماس بشكل كبير، وتعاظم الشعور بين الطرفين، لأهمية العمل يداً بيد من أجل قضية شعبنا.
وهل يصب هذا الأمر في تقارب حماس مع مصر؟
كما يقولون: "السياسة هي درجة احتراق الأيديولوجيا"، ربما كانت لنا في السابق اصطفافات وتعاطف ظاهر للإخوان في مصر، بحكم ما بيننا كإسلاميين من تفاهمات، ولكن تبين أنّ هذه المواقف تكلفنا سياسياً الكثير، وبالتالي فإنّ أسس العلاقة في مشهد الحكم والسياسة تتطلب الكثير من الحكمة والمرونة، وتجاوز لحالة الودّ والموالاة التي تحكم إيقاعات الصداقة بين التيارات الإسلامية، وأنّ مصر الدولة تتطلب العلاقة معها الكثير من السياسة والدبلوماسية؛ حيث إنّ العلاقات ذات الطبيعة السياسية تحكمها عادة المصالح، وحركة حماس ربما وصلت إلى مثل هذه القناعة، فعملت بالقاعدة التي تتناسب مع أخلاقياتها؛ أي مصالح تحكمها المبادئ.
وهل للتقارب مع مصر علاقة بانسلاخ حماس عن جماعة الإخوان المسلمين؟
في الحقيقة؛ حماس لم تكن لها علاقات إدارية أو تنظيمية بالإخوان المسلمين؛ حيث إنّ كلّ ما بينهما هو تاريخ النشأة التي تأسست مع نكبة فلسطين، عام 1948، إذ ارتبطت الحركة الإسلامية، آنذاك، بالإخوان كونهم يمثلون حركة إسلامية كبرى، تبنت القضية الفلسطينية وعدّتها هي القضية المركزية للأمة الإسلامية، ربما تنامت هذه العلاقة وتعاظمت في مراحل تاريخية أخرى، حين كان الصراع مع إسرائيل هو الهمُّ الأكبر للعرب والمسلمين، وكان الإخوان هم رأس الحربة في تجييش شعوب المنطقة، وكانت مصر، حينذاك، تتصدر واجهة الصراع مع إسرائيل، وهذا ما عزز العلاقة معها في السياق الإسلامي والعروبي.
يوسف: حماس لم تكن لها علاقات إدارية أو تنظيمية بالإخوان المسلمين؛ حيث إنّ كلّ ما بينهما هو تاريخ النشأة
بعد ظهور حركة حماس، في كانون الأول (ديسمبر) 1987، أصبحت الحركة أكثر استقلالية في ارتباطاتها مع العمق العربي والإسلامي، وصار ما يجمعها مع الآخرين من تيارات الإسلام السياسي، هو إمكانيات دعم هذه التيارات لها على مستوى المال والرأي والمشورة؛ باعتبارها ضمن المكون الإسلامي للأمة وقضاياها، وبالتالي فإنّ حركة حماس، كحركة تحرر وطني، في حاجة إلى الجميع؛ الإسلامي وغير الإسلامي، لمساندة قضيتنا الفلسطينية، ومن هنا ربما يقع اللبس في فهم تلك العلاقة التي تجمعنا مع الإسلاميين، كالإخوان وغيرهم.
بخصوص العلاقات مع الآخرين، هل أثّر إعلان الولايات المتحدة حركة إرهابية في علاقاتها مع بعض الدول؟
لا شكّ في ذلك؛ لأنّ وضع حركة حماس على قوائم الإرهاب الأمريكية والأوروبية حجّم امتدادات تلك الحركة في البلاد العربية والإسلامية، خاصة تلك التي تدور في فلك الدول الغربية؛ صاحبة التأثير والنفوذ العالمي، كما أنّ شيطنة حركة حماس وصبغها بالتطرف والإرهاب ضيَّق فضاءات التحرك أمام قياداتها، وأغلق أبواب التفاعل معها بالشكل المطلوب داخل العمق العربي والإسلامي، والذي كان يشكل، تاريخياً، العمق الأهم إستراتيجياً لنصرة قضية فلسطين.