القواسم المشتركة بين الإخوان والقاعدة وداعش: وحدة الإيديولوجيا وتنوع التكتيك

القواسم المشتركة بين الإخوان والقاعدة وداعش: وحدة الإيديولوجيا وتنوع التكتيك

القواسم المشتركة بين الإخوان والقاعدة وداعش: وحدة الإيديولوجيا وتنوع التكتيك


12/05/2025

يوماً تلو الآخر تنكشف المسافات الوهمية بين التنظيمات الإسلاموية، بينما تتضح مساحات التقارب وكذا القواسم المشتركة. إذ إنّ الإسلام السياسي سعى، على مدار عقود، إلى التعمية عن تلك الحقيقة، بشكل مؤقت، حتى يكسب في صفوفه شرائح اجتماعية مختلفة، ويوسع من قاعدة انتشاره، بحيث يروج لفكر القوى الناعمة في مقابل القوى المتشددة، أو جناح الحمائم وجناح الصقور، فضلاً عن المسلح والتكفيري والدعوي. لكنّ الحقيقة تؤشر إلى أنّ جميع تلك القوى هي نسخة واحدة، تنوع في تكتيكاتها لأغراض  مرحلية، وذلك ما توضحه أدبياتهم، من جهة، ومواقفهم السياسية والعملية، من جهة أخرى. 

فعلى المستوى النظري؛ المواقف المتشددة من الآخر تقوم على التكفير والعنف، كما أنّ مواقفهم من الدولة هي تفكيكها لصالح مشروع "الدولة الإسلامية" المزعومة. وعلى المستوى السياسي؛ تبرز اصطفافاتهم المباشرة، كما برز في سوريا التي شهدت انتقالات سهلة تحت لافتات تنظيمية بحسب ما تسمح به السياقات السياسية والميدانية، سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية. فتحولت، مثلاً، جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام، وانتقلت من تبعية تنظيم داعش إلى القاعدة، ثم فك الروابط، ظاهرياً، مع التنظيمين الإرهابيين. بالتالي، يمكن القول إنّ تصاعداً لافتاً في نشاط التنظيمات الإسلاموية التي تتبنّى رؤية سياسية وإيدولوجية موحدة، قد برز مؤخراً، كذلك في حرب غزة، واصطفاف مواقفهم. 

نقاط ارتكاز عديدة

من هنا، فإنّ نقاط ارتكاز عديدة تجمع التنظيمات الإسلاموية ببعضها بعضاً، لا سيّما في ما يخصّ تدشين "الدولة الإسلامية" أو تحقيق مبدأ "الخلافة"، بحسب تصوراتها الخاصة، عقائدياً وإيديولوجياً. ورغم اختلاف هذه التنظيمات في بعض الأساليب والتكتيكات، إلا أنّ بينها قواسم مشتركة جوهرية توضح الخلفية الفكرية والمنهجية التي تنطلق منها.

نقاط ارتكاز عديدة تجمع التنظيمات الإسلاموية ببعضها بعضاً، لا سيّما في ما يخصّ تدشين "الدولة الإسلامية" أو تحقيق مبدأ "الخلافة"، بحسب تصوراتها الخاصة، عقائدياً وإيديولوجياً

تتقاسم التنظيمات الإسلاموية رؤية شمولية مغلقة للإسلام، ترى فيه نظاماً يؤسس لسلطة سياسية ودولة؛ لها هويتها الدينية التي تتحكم في النظامين الاجتماعي والاقتصادي، كما تفرض النسق القيمي والأخلاقي الذي يتعين تعميمه على الأفراد/ المواطنين، وإرغامهم على قبوله قسراً. بالتالي، فإنّ "الدولة الإسلامية" أو "الخلافة" تمثل هدفاً نهائياً، والشريعة الإسلامية المرجعية الوحيدة للتشريع.

وقد أكد المرشد المؤسس للجماعة الأم لقوى الإسلام السياسي "جماعة الإخوان المسلمين"، حسن البنا، أنّ "فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس منهاجهم"، وذلك وفق ما جاء في رسالة المؤتمر الخامس، وذكر يوسف القرضاوي في أحد الاحتفالات بالذكرى السبعين لتأسيس الجماعة أنّ الإخوان "ليست فقط أكبر حركة إسلامية، لكنّها أمّ كل الحركات الإسلامية". وباعتبارها سلف الحركات الإسلامية الحديثة، كانت لها تأثيرات عميقة على تنظيمات مثل القاعدة، وداعش، بل في إيران بمرحلتها مع "الولي الفقيه". 

الإخوان جسر نحو التطرف

كانت جماعة الإخوان بمثابة جسر يربط بين الإسلاميين الشباب، بمن فيهم أسامة بن لادن والبغدادي والظواهري، وبين الجماعات الجهادية الأكثر عنفاً، وفق المركز العربي لدراسة التطرف. وعلى الرغم من أنّ استراتيجيات التنفيذ الخاصة بها قد تختلف، إلا أنّ المجموعات الثلاث، في جوهرها، تحافظ على رؤية إسلامية مشتركة لإقامة خلافة عالمية. وهذه الخلافة سنّية بطبيعتها، وهي لعنة بالنسبة إلى جمهورية إيران الإسلامية الشيعية، ومع ذلك كان لجماعة الإخوان المسلمين، وخاصة سيد قطب، تأثير عميق على إيران.

ويشير المركز العربي لدراسة التطرف إلى أنّه في الواقع تشترك هذه الجماعات، (جماعة الإخوان المسلمين، والقاعدة، وداعش، وإيران)، في أكثر من مجرد أسس إيديولوجية عميقة، وأوجه التشابه تفوق بكثير الاختلافات بينها. كما حفزت الأهداف الإقليمية طويلة المدى أيضاً أشكالاً مختلفة من التعاون بين هذه الجماعات، على سبيل المثال بين فرع داعش في سيناء وحركة حماس التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، أو بين إيران والإخوان المسلمين ضد المملكة العربية السعودية، حيث تحتشد بعض حكومات الشرق الأوسط ضد الإسلاموية والجماعات المتطرفة التي تستلهم سيد قطب. وفي حين تختلف هذه المجموعات في كثير من الأحيان في استراتيجيات المواجهة العامة، إلا أنّها في نهاية المطاف مرتبطة ببعضها البعض من خلال إيديولوجيتها المشتركة ورؤيتها لدولة إسلامية عالمية تحكمها الشريعة الإسلامية.

وتجمع هذه التنظيمات الإسلاموية كذلك على معاداة والانخراط في خصومة الأنظمة العربية، وتكفيرها، وتصفها بأنّها أنظمة "طاغوت" أو "علمانية" فاسدة. وقد عبّرت جماعة الإخوان عن ذلك بأشكال مختلفة، فقد سبق للقيادي بالإخوان خيرت الشاطر أثناء ترشحه للرئاسة في مصر عام 2012، أن صرّح بأنّ هدفه "الأول والأخير" هو تطبيق الشريعة الإسلامية في حال فاز بالاستحقاق الرئاسي.

رئيس قسم نشر الدعوة في الجماعة ورئيس تحرير جريدة الإخوان المسلمون-آنذاك-: سيد قطب

سرّ المعبد 

وفي كتاب: "سرّ المعبد... الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين"، يوضح القيادي المنشق عن جماعة الإخوان ثروت الخرباوي أنّ "الروح العدائية" قد تحكمت "في نفوس الإخوة في فترات وجودي الأخيرة في الجماعة"، موضحاً: "كانوا ينظرون إلى المجتمع نظرات ناقمة ساخطة، في عيونهم كل الناس أشقياء، ونحن الخامة البشرية التي وصلت إلى أعلى درجات النقاء...! ثم أوجعتني الطريقة العدائية التي يتعاملون بها مع خصومهم الفكريين، وتلك القسوة القاتلة التي يتعاملون بها مع من خرج من التنظيم، ولكنّي أثناء بحثي وتنقيبي؛ وجدت أنّ كل هذه الأشياء تهون أمام النظام الخاص للجماعة وجرائمه، فقد هالني هذا الجيش الذي لم تكن له إلا فكرة واحدة هي القوة، وليست له إلا مهمة واحدة هي النصر أو الشهادة".

وإلى جانب ذلك سادت، بعد انتفاضة الشعب المصري على حكم الإخوان في العام المشؤوم لفترة رئاسة محمد مرسي، الأمر الذي سانده الجيش المصري لإنهاء الوضع الفوضوي والطائفي، سادت فتاوى ومقولات تكفيرية ضدّ المحتجين، فضلاً عن ضباط الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة، ونجم عنها حوادث عنف قضى فيها على يد التكفيريين النائب العام هشام بركات، على سبيل المثال وليس الحصر. وقد دعا الزعيم الإرهابي السابق لتنظيم القاعدة أيمن الظواهري إلى "اقتلاع النظام المصري من جذوره، بالاقتحامات، والكمائن والإغارات"، وذلك ضمن اصطفافهم السياسي مع الإخوان. بل دعا الظواهري جماعة الإخوان وغيرها من قوى الإسلام السياسي إلى تدشين "بداية جديدة تتخلص من كل أخطاء الماضي، ويتوحّد فيها كل مسلم شريف مخلص غيور في مصر المسلمة على كلمة التوحيد وعلى حاكمية الشريعة، وعلى جهاد النظام بالسلاح والبيان، وإقامة حكم إسلامي يحكم بالشريعة".

وقد أشار تقرير للبرلمان الألماني إلى أنّ إيديولوجية جماعة الإخوان هي أساس كل الأفكار الإرهابية ووعاء كل التنظيمات المتطرفة التي ظهرت خلال العقود الماضية.

إذاً، رغم تفاوت الأساليب، إلا أنّ التنظيمات الإسلاموية تتفق، في النهاية، في تبنّي فكرة التغيير الجذري للأنظمة القائمة، حتى لو تطلب الأمر العنف. فالإخوان شاركوا في محاولات انقلابية في بعض البلدان، بينما اتخذ تنظيما (القاعدة وداعش) من العنف المسلح الوسيلة الأساسية لتحقيق أهدافهم، ومورست عمليات إرهابية واسعة النطاق ضد المدنيين والمؤسسات. وقد أفتى يوسف القرضاوي، أحد أبرز شيوخ الإخوان، بجواز استخدام العمليات الانتحارية في حالات معينة مثل الحالة الفلسطينية، في محاولة لشرعنة الحالات الانتحارية الإرهابية ومنحها صفة دينية مقبولة من خلال المعاني "الاستشهادية" التي أمست أداة تدميرية موجهة بحق المدنيين. وتتوسل هذه الجماعات النصوص الدينية،  من خلال تأويلات مبتسرة ومتعسفة لتبرير مواقفها وسلوكها، وتعبئة أتباعها من خلال خطاب ديني مؤدلج لتفخيخ مشاعرها الدينية، فتتبنّى حواضنها فكرة العداء للغرب وتكفير المجتمعات والانقلاب على النظم المحلية، لاستعادة أو تطبيق "الحاكمية"، و"الولاء والبراء"، و"الجهاد"، في مرحلة "التمكين".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية