الفقر والفساد يعصفان بإيران: الرئيس قلق على من ينامون بلا عشاء!

الفقر والفساد يعصفان بإيران: الرئيس قلق على من ينامون بلا عشاء!

الفقر والفساد يعصفان بإيران: الرئيس قلق على من ينامون بلا عشاء!


10/04/2023

رغم تسيّد التظاهرات التي أعقبت مقتل الفتاة الكردية، مهسا أميني، في طهران، على يد أفراد دورية شرطة الأخلاق، المشهد الاحتجاجي العام والمرتبط بالأوضاع الاقتصادية المأزومة، إلا أنّ واقع الحال يشير إلى تعبئة داخلية تفرضها أزمة التضخم الذي بلغ نحو 40 بالمئة، بحسب تصريح رسمي للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

الاحتجاجات الفئوية على خلفية تدني الوضع الاجتماعي لا تختلف في حدتها عن مثيلاتها الحقوقية، وبخاصة في ما يخص رفض الحجاب الإلزامي، بل تبدو مرشحة للزيادة.

تفاقم الوضع الاقتصادي، في إيران، له عدة عوامل بنيوية، ولا يبدو أنّ هناك أيّ أفق للحل، حيث قال الرئيس الإيراني في اجتماع مسؤولي النظام مع المرشد الإيراني، علي خامنئي، إنّ معدلات التضخم ستبقى فوق 40 % لعدة أسباب، من بينها الإصلاحات الاقتصادية وإلغاء العملة التفضيلية. غير أنّه اعتبر نمو الإنتاج في العام الإيراني (انتهى في 20 آذار (مارس) الماضي) "يبعث على التفاؤل".

المرشد الإيراني، كما هي العادة، عزا الأزمة الاقتصادية إلى "الأعداء"، رغم اعترافه بها. ووصف الاقتصاد الإيراني بـ"المعوج وغير المتوازن"، على حد تعبيره، بينما طالب بضرورة بناء علاقات قوية ووازنة مع الدول الأخرى التي يمكن من خلالها تقوية الاقتصاد الإيراني، وعدم إعطاء الأولوية فقط للولايات المتحدة والغرب.

اللافت أنّ هناك حالة استقطاب قصوى داخل النظام بخصوص الأزمة الاقتصادية، يمكن رصدها من خلال ردود فعل الصحف الإيرانية؛ حيث إنّ صحيفة "جمهوري إسلامي" الرسمية المعتدلة، عمدت إلى شن هجوم صريح على مقاربة خامنئي للأزمة الاقتصادية وهي المقاربة التقليدية التي لا تخرج عن نطاق دعاية النظام الذي يرجع سائر الأزمات إلى مؤامرات القوى المعادية لـ"الجمهورية الإسلامية".

الباحث محمود أبو القاسم: العقوبات الدولية تزيد من نفوذ الحرس الثوري

وقالت الصحيفة الإيرانية الرسمية: "تقولون الأعداء يعرقلون عملنا؟ أنتم تملكون جميع الإمكانات المادية والإعلامية، إذا كنتم قد عملتم كما ينبغي فما كان للعدو أن يعمل شيئاً حيال ذلك".

اتفقت والرأي ذاته صحيفة "اعتماد" الإصلاحية، والتي نشرت مقالاً للكاتب المعتدل، عباس عبدي، انتقد فيه هيمنة التيار الأصولي على المؤسسات والأجهزة التشريعية والقضائية والتنفيذية بإيران، بداية من القضاء مروراً بالبرلمان وحتى رئاسة البلاد، مشدداً على أنّ هذه السيطرة لم تسفر سوى عن نتائج سلبية. وقال عبدي: "لقد ولى ذلك الزمن الذي كان يدّعي الأصوليون فيه أنّه وبمجيء المتدينين وتوليهم للمناصب سيتم حل المشاكل، الآن مضى على ذلك 20 شهراً والنتائج كانت عكسية تماماً".

الفقر والفساد يطوقان إيران

وبحسب مقال الكاتب المحسوب على التيار الإصلاحي، فإنّ "مؤشريْ التضخم والنمو الاقتصادي هما خير وسيلة لمعرفة مستوى التقدم، أو عدم التقدم خلال هذه الفترة، حيث يظهر هذان المؤشران عدم حدوث أيّ تقدم، وبكل تأكيد فإنّ المرشد علي خامنئي يدرك هذا الوضع جيداً. منطقياً يجب أن يكون المرشد قد فكر، حتى الآن، بتغييرات أساسية أوسع من تغييرات الحكومة والإدارة الحالية للبلاد وإلا فلا يصح إطلاق اسم "مكافحة التضخم ودعم النمو الاقتصادي" على العام الإيراني الجديد؛ لأنّه وفي ظل استمرار السياسات السابقة فإنّ النتائج تكون مماثلة تماماً".

مؤشرات الموازنة الإيرانية الجديدة، التي تتجه إلى زيادة النفقات على الحرس الثوري والقطاعات الأمنية، لا ترجح حدوث انفراجة. بالتالي، فإنّ فئات عديدة داخل المجتمع الإيراني بقطاعات مثل التعليم والصحة، أو أصحاب المعاشات والعاطلين عن العمل، فضلاً عن العمال في المؤسسات الحكومية المختلفة، تتسع رقعة احتجاجاتهم، وإضراباتهم المتكررة، لعدم الحصول على مستحقاتهم وتحقيق مطالبهم. وفي ما يبدو أنّ هناك درجة عالية من السخط الشعبي والنقمة على إدارة النظام الإيراني للوضع الاقتصادي بالبلاد.

الاحتجاجات الفئوية على خلفية تدني الوضع الاجتماعي لا تختلف في حدتها عن مثيلاتها الحقوقية، وبخاصة في ما يخص رفض الحجاب الإلزامي، بل تبدو مرشحة للزيادة

وتوثق المنظمات الحقوقية الإيرانية استمرار الاحتجاجات في إيران (في مائتي يوم) التي تبعث بصورة قاتمة عن العنف الذي طاول المئات، بداية من الاعتقالات التعسفية مروراً بالاعترافات القسرية والتعذيب وحتى أحكام الإعدام. ووفق التقرير الحقوقي الصادر عن منظمة حقوق الإنسان الإيرانية، فقد تم إعدام نحو 309 أشخاص على الأقل في السجون الإيرانية على خلفية قضايا مختلفة غير سياسية.

ودانت المنظمة الحقوقية الإيرانية المجتمع الدولي بسبب ضعف مواقفه تجاه القمع "الممنهج" والمتزايد بحق الإيرانيين من قبل الملالي، مؤكدة على أنّ النظام يقوم بتوظيف أحكام الإعدام باعتبارها "أداة لترهيب المجتمع"، الأمر الذي يفسر تضاعف أحكام الإعدام وتنفيذها بحق المعتقلين.

وذكر مدير منظمة حقوق الإنسان الإيرانية، محمود أميري مقدم، أنّ "تضامن المجتمع الدولي وردود الفعل على إعدام المتظاهرين لا تكفي لوقف آلة الإعدام والقتل التي ينتهجها النظام الإيراني"، لافتاً إلى أنّ نظام طهران "كثّف تنفيذ أحكام الإعدام ضد المتهمين بجرائم غير سياسية بهدف ترهيب الشعب".

حملة ترهيب الشعب

ووثق التقرير القفزة اللافتة في أعداد المتهمين بجرائم لا تتعلق بالشأن السياسي بالتزامن مع تصاعد الاحتجاجات في أعقاب مقتل مهسا أميني، وقد جرى "إعدام 164 شخصاً، بينهم متظاهران اثنان، خلال الأشهر الثلاثة والنصف الأخيرة. وهناك حوالي 105 شخص معرضين لأحكام مماثلة، وكذا تنفيذها بحقهم.

ويقول التقرير إنّ "25 شخصاً من المحكوم عليهم بالإعدام هم من أهالي محافظة خوزستان، و21 منهم من بلوشستان، و19 من طهران، و9 من مازندران، و7 من أصفهان، و7 من أذربيجان الغربية، و5 من كيلان، و3 من ألبرز، و3 من خراسان الرضوية، و2 من جهارمحالو وبختياري، و2 من كردستان، وواحد من أذربيجان الغربية وآخر من كرمانشاه. ومن بين المحكومين بالإعدام شعيب ميربلوج زهي ريغي، 18 عاماً، وآخر معرض لخطر إصدار حكم الإعدام ضده يبلغ من العمر 17 عاماً يدعى أبو الفضل مهري جسين حاجيلو".

مؤشرات الموازنة الإيرانية الجديدة، التي تتجه إلى زيادة النفقات على الحرس الثوري والقطاعات الأمنية، لا ترجح حدوث انفراجة

سوء الأوضاع الاقتصادية، وتداعياته، اضطر التلفزيون الإيراني، مؤخراً، لبث لقاء قديم للرئيس الإيراني مع المجلس الأعلى للرخاء والضمان الاجتماعي، حيث شدد فيه "رئيسي" على أنّه ينبغي ألا ينام المواطن الإيراني "الليلة وليس ليلة الغد" من دون وجبة عشاء.

اللقاء الذي يرجع تاريخه إلى 24 شباط (فبراير) الماضي، عاود التلفزيون الإيراني بثه باعتباره رسالة سياسية لتخفيف حدة الغضب والنقمة على الحكومة في الشارع، حيث تضمن أحاديث مباشرة من المسؤولين بإعداد خطط للقضاء على "الفقر". وبحسب التقارير الاقتصادية فإنّ "الفقر المطلق" تضاعف من 27 بالمئة إلى 37 بالمئة، في الفترة التي تولى فيها رئيسي الحكم.

إذاً، هناك تخوفات جمّة من حدوث انفجار مجتمعي، لا سيّما في ظل تنامي الاحتجاجات، الأمر الذي يستدعي التهدئة والتلميح إلى بادرة إصلاح.

المكانة الاقتصادية للحرس خط أحمر!

وفي حديثه لـ"حفريات" يؤكد مدير تحرير بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)، الدكتور محمود حمدي أبو القاسم، بأنّ هناك أزمة بنيوية تواجه الاقتصاد الإيراني، تطوق (بـالفساد) القطاعات التي تقع تحت سيطرة الحرس الثوري، مع الأخذ في الحسبان أنّ اقتصاديات الحرس لا تخضع لرقابة حكومية برلمانية، موضحاً أنّ "المكانة الاقتصادية للحرس الثوري أحد الخطوط الحمراء في السياسة الإيرانية".

ويرف: "الحرس يأخذ البلاد رهينة للحفاظ على مصالحه الاقتصادية، ورأينا كيف أنّه عطل التفاهمات مع الغرب بعد توقيع الاتفاق النووي في 2015، حيث تم الكشف عن أنّه كان صاحب مصلحة في بقاء العقوبات؛ لأنّ وجود العقوبات يزيد من نفوذه الاقتصادي باعتبار أنّه يضطلع بقسم كبير تنفيذي في استراتيجية المقاومة، والتغلب على العقوبات".

الباحث في الشؤون الإيرانية الدكتور محمود حمدي أبو القاسم لـ"حفريات": هناك أزمة بنيوية تواجه الاقتصاد الإيراني، تطوق (بـالفساد) القطاعات التي تقع تحت سيطرة الحرس الثوري

في فترة حكم حسن روحاني الذي أراد أن يحدّ من دور الحرس، وتوغله الاقتصادي، لم يتمكن من ذلك؛ بل إنّ ميزانية الحرس قد زادت في ظل المشروع الإقليمي الذي كان برعاية وتخطيط قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني. وقد كانت ميزانية الحرس في "موازنة 2017/2018 سبباً في الاحتجاجات الكبيرة التي شهدتها البلاد، حيث رأى المحتجون أنّهم يعانون من ظروف معيشية صعبة، بينما ترفد الموازنة خزائن الحرس والمؤسسات الايديولوجية بالأموال. ومع ذلك لم يقنع ذلك لا الحرس ولا المرشد بتعديل النفقات"، حسبما يقول حمدي أبو القاسم.

ويتابع: "نظراً لأنّ الظروف خلال حكومة رئيسي مختلفة، ومن يمسك بالسلطة هم المتشددون، فضلاً عن أنّ الحرس لديه أذرعه التشريعية التي تجعله رقماً مهماً في مجلس الشورى، فقد كان من الطبيعي أن تزيد ميزانيته دون ضجة ودون أيّ اعتراض. كما أنّ النظام يمر بمأزق سواء في الداخل أو الخارج، ويواجه احتجاجات واسعة بعرض البلاد وطولها وهو بحاجة لنشر الحرس، بصورة مكثفة، من أجل احتواء حالة التمرد الداخلي".

وعليه، ليس من المستبعد أنّ تؤجج زيادة ميزانية الحرس الثوري غضب المحتجين، والمعترضين بالأساس على نهج "الحرس" العدواني تجاه العناصر السياسة النشطة، وحملة الاعتقالات والإعدامات التي يقوم بها بحق النشطاء، وفق المصدر ذاته، لكن ليس أمام الجمهورية الإسلامية من خيارات إلا استكمال مسيرتها حتى النهاية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية