العطش يدفع المواطنين في غزة إلى حفر آبار عشوائية في ظل شح المياه

العطش يدفع المواطنين في غزة إلى حفر آبار عشوائية في ظل شح المياه

العطش يدفع المواطنين في غزة إلى حفر آبار عشوائية في ظل شح المياه


كاتب ومترجم فلسطيني‎
28/04/2025

يعاني سكان غزة إلى جانب المجاعة من العطش الشديد، بعد أن قطعت السلطات الإسرائيلية إمدادات المياه، وقصفت محطات التحلية المنتشرة في مناطق مختلفة من القطاع، فمنذ أن بدأت حرب الإبادة على غزة مطلع تشرين الأول (أكتوبر) 2023 عملت إسرائيل على تدمير كل سبل الحياة، فقطعت الكهرباء واقتلعت الأشجار ودمرت الآبار وخطوط المياه، وتعمدت تجويع وتعطيش السكان، وهذا الواقع الصعب دفع بعدد كبير من المواطنين إلى حفر آبار مياه خاصة بهم، للحصول على المياه التي تُعتبر شريان الحياة بالنسبة إليهم.

ورغم التكلفة المالية المرتفعة لحفر الآبار، إلا أنّ هناك إقبالًا واسعًا من المواطنين على حفر الآبار، وتشترك عائلات مع بعضها البعض في تكلفة الحفر، ويحاول آخرون الحصول على دعم من أهل الخير، لكن في مجمل كل ذلك يُعتبر الحفر العشوائي الذي بات ظاهرة مقلقة  خطرًا على مخزون المياه الجوفية في ظل الاستنزاف والاستهلاك الكبير من قبل المواطنين. وتمنع الجهات الحكومية المختصة عادة حفر الآبار إلا بموافقة مسبقة ودراسة للمنطقة، ومدى تأثير حفر البئر على  المياه الجوفية، لكنّ حالة الفوضى التي يمرّ بها القطاع، المترتبة على الحرب وعدم وجود دوائر حكومية، دفعت المواطنين إلى استغلال الظروف وحفر الآبار للحصول على المياه، سواء للاستخدام المنزلي أو للشرب. 

وتشهد المخيمات الـ (7) المكتظة بالسكان والنازحين في قطاع غزة نشاطًا كبيرًا ومتزايدًا في عمليات حفر آبار المياه، حيث يحتاج السكان إلى المياه في ظل الدمار الذي أصاب شبكات المياه والآبار الرئيسية، واللافت هنا أنّ الازدياد الكبير في عمليات الحفر ناجم عن قيام مؤسسات خيرية بتمويل عمليات حفر الآبار، وهذا ما زاد من رغبة السكان في تقديم المناشدات للمؤسسات من أجل المساعدة  في حفر تلك الآبار.

يعاني سكان غزة إلى جانب المجاعة من العطش الشديد، بعد أن قطعت السلطات الإسرائيلية إمدادات المياه

وتنص المادة (35) من قانون المياه الفلسطيني لعام 2002 على أنّه يعاقب لمدة لا تقلّ عن (6) أشهر ولا تزيد عن عام، وبغرامة لا تقلّ عن (1000) دينار ولا تزيد عن (5) آلاف دينار أردني، أو ما يعادل ذلك بالعملات المتداولة، كل من يثبت أنّه حفر بئرًا دون الحصول على ترخيص مسبق من الجهات ذات الاختصاص، ومنحت المادة (36) المحكمة بإلزام الشخص المدان بحفر الآبار بدفع قيمة الأضرار الناجمة عن المخالفة، ومعالجة أسباب الضرر الذي تسبب به، وعودة الوضع إلى ما كان عليه.

في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، ثالث أكبر المخيمات، حيث يسكن المخيم (85) ألف نسمة، زاد عدد السكان بعد أن لجأ نازحون للعيش فيه في ظلّ الدمار الذي أصاب مناطق واسعة لاسيّما في شمال غزة، ويتواصل حفر آبار المياه منذ دخول الهدنة حيز التنفيذ إلى هذا الوقت، ولا يكاد يخلو مربع أو حارة صغيرة في المخيم من حفر بئر فيه لخدمة السكان، بعد أن توقفت بلدية غزة عن ضخ المياه لمنازل المواطنين، وتلك الآبار شكلت طوق نجاة للمواطنين. ويقدّر عدد الآبار الموجودة قديمًا وحديثًا وفق معطيات محلية (130) بئرًا، تتوزع داخل مساحة جغرافية لا تتجاوز (52) كيلو متر مربع، وهذا الكمّ الكبير يُعتبر بمثابة خطر كبير على البيئة.

المواطن أيمن السعدي يقول: "إسرائيل تعاقبنا منذ بداية الحرب بالجوع والعطش، وبعد عام ونصف عام من الحرب المستمرة، ما زال الجوع والعطش يلاحق السكان، وبالتحديد المياه، التي تُعتبر أساس الحياة، ولا يوجد بديل يغني عنها، لذلك توجه السكان إلى حفر الآبار بالرغم من خطورة هذه الظاهرة، إلا أنّ تلك الآبار أنقذت السكان من خطر الموت عطشًا، كما أنّها منعت انتشار الأوبئة والأمراض الجلدية، لأنّ شحّ المياه يشكل أزمة داخل منازل المواطنين، ووفرة المياه تساعد في تجاوز المخاطر المترتبة على قلة استخدام المياه".

وأشار في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ "جيش الاحتلال منذ بداية الحرب تعمّد تدمير الآبار المركزية وخطوط المياه التي تغذّي المدن والأحياء، إلى جانب ذلك قطع الاحتلال عددًا من الخطوط القادمة من الجانب الإسرائيلي، ولا يبقى أمام الغزيين سوى حفر الآبار واستخراج المياه لتفادي الكوارث الإنسانية والبيئية".

ويضيف: "في بدايات الحرب كانت تأتي إلى المخيم يوميًا سيارات محمّلة بالمياه المعالجة الصالحة للشرب، ومع مرور الوقت تراجعت السيارات عن القدوم نتيجة توقف محطات التحلية، لذلك بدأنا بالعمل على حفر الآبار، سواء بتمويل شخصي أو بمساعدة مؤسسات خيرية، وذلك لاستخراج المياه واستخدامها للشرب وغير ذلك، وهذا حال باقي مخيمات القطاع التي تعاني من العطش".   

ولفت إلى أنّ "السكان يشربون مياه الآبار دون معالجتها، لوجود مشكلة كبيرة تواجه السكان وهي الكهرباء التي من شأنها تشغيل غواطس الآبار لاستخراج المياه وتحليتها. ويؤثر استمرار إغلاق الاحتلال للمعابر ومنع إدخال المحروقات على تشغيل الآبار بشكل دائم ومنتظم، في حين يلجأ السكان إلى استخدام الطاقة الشمسية التي يتم من خلالها توليد طاقة بديلة، لكنّ هذه المنظومة غير متوفرة بشكل كبير لارتفاع كلفتها، كما أنّ التقلبات الجوية تجعل من إمكانية الحصول على الكهرباء بشكل منتظم أمرًا صعبًا أيضًا".

السكان يشربون مياه الآبار دون معالجتها، لععدم توفر الكهرباء التي من شأنها تشغيل غواطس الآبار لاستخراج المياه وتحليتها

من جهته يقول الخبير البيئي الدكتور نزار الوحيدي: إنّ "ظاهرة حفر الآبار المتصاعدة في قطاع غزة تشكل خطرًا كبيرًا على مستقبل المياه في القطاع، الذي يعاني أصلًا من مشاكل؛ منها نقص منسوب المياه الجوفية بسبب زيادة الاستهلاك وقلة مياه الأمطار، وقد وصلت نسبة العجز إلى (130) مليون متر مكعب من المياه، كما أنّ تسرّب المياه العادمة ومياه البحر إلى تلك الآبار في كثير من المناطق أدى إلى حدوث مشاكل خطيرة في كمية وجودة المياه الجوفية". 

ولفت في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ "خطورة حفر الآبار العشوائية تكمن في أنّها تحفر بطرق قريبة من بعضها البعض، وبالتالي تؤثر على المخزون الجوفي وجودته، كما أنّ عددًا كبيرًا منها يخالف المواصفات الفنية، من حيث عمق الحفر ومدى تأثير ذلك على تسرب مياه البحر إلى الآبار، وهذا ما بات يظهر حاليًا من خروج مياه مالحة جدًا من الآبار التي يتم حفرها، وهذا ناتج عن الأخطاء الفنية خلال عملية الحفر".

وأوضح أنّ "هناك عجزًا كبيرًا في منسوب المياه الجوفية نتيجة قلة الأمطار، كما أنّ هناك عوامل بشرية أثرت على نقص المخزون، وهي انتشار محطات تحلية المياه العشوائية التي تحتاج إلى حفر متكرر للآبار بين الفينة والأخرى، وهذا يشكّل استهلاكًا كبيرًا للمياه، كما أنّه قبل نشوب الحرب لجأ كثير من المواطنين إلى حفر الآبار، خاصة من يسكنون داخل عمق المدن والمخيمات الذين لم تصل المياه إلى منازلهم".

يُذكر أنّ سكان قطاع غزة يواجهون موجة من الجوع والعطش منذ مطلع آذار (مارس) الماضي، حين أغلقت إسرائيل معابر القطاع بعد التنصل من اتفاق التهدئة وتبادل الأسرى، وبالتالي بدأت إمدادات الغذاء والوقود تشحّ في غزة، وانعكس ذلك سلبًا على السكان الذين يواجهون الحصار بما هو متوفر لديهم من مقومات.  




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية