العراق: البيت السياسي السُّنّي بين صراعات داخلية وخارجية... هل يحافظ الحلبوسي على منصبه؟

البيت السياسي السُني بين صراعات داخلية وأخرى خارجية... هل يحافظ الحلبوسي على منصبه؟

العراق: البيت السياسي السُّنّي بين صراعات داخلية وخارجية... هل يحافظ الحلبوسي على منصبه؟


07/05/2023

يمرّ المشهد السياسي السُنّي في العراق بمرحلة شدٍّ وجذبٍّ بين زعامات المكونين المتنافسين على تمثيل الزعامة السياسية، تمهيداً لحصد مكاسب الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. اللغة النقدية في الخطاب السياسي السُنّي بلغت حدّ التخوين والتسقيط الإعلامي بين القيادات التي انشطرت ما بين جبهة يمثلها رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وحلفاؤه، وأخرى يمثلها عدد من السياسيين الذين خسروا مناصبهم لصالح الحلبوسي في الدورتين السابقة والحالية.

ويبدي الزعيم السُنّي الشاب حالة من المرونة السياسية تجاه خصومه، من أجل إيقاف تحركاتهم الرامية إلى إقصائه من منصبه الرئاسي، والتي ستفضي إلى خسارته زعامة المكون، والتأثير على مكاسبه الانتخابية في الاقتراع القادم. إذ يشرع الحلبوسي بمصالحة أكثر من طرف سُنّي، واحتواء آخر غاضب عليه، والعمل تحت مظلة استرداد الحقوق، وإعمار المناطق المحررة من تنظيم داعش (مناطق سُنّية في الغالب)، وإغلاق ملف المغيّبين والنازحين، فضلاً عن إقرار قانون العفو العام.

ومنذ اعتماد مبدأ المحاصصة الطائفية والإثنية بهيكلية النظام السياسي في العراق بعد نيسان (أبريل) 2003، مُنح السُنّة (بوصفهم المكوّن الثاني) منصب رئاسة مجلس النواب، ومُنح الشيعة (لأغلبيتهم العددية) منصب رئاسة الوزراء، في حين تم إسناد منصب رئاسة الجمهورية إلى الكرد. ويتم الترشيح لتلك المناصب عبر التمثيل السياسي لتلك المكونات داخل البرلمان. ويهيمن القيادي السُنّي محمد الحلبوسي على الأغلبية البرلمانية لسُنّة العراق، خلال الدورتين السابقة والحالية، وهو ما جعله يحتفظ برئاسة البرلمان لدورتين متتاليتين.

تكتيكات الخصوم

وبُعيد اعتلاء الحلبوسي هرم السلطة التشريعية، يشعر منافسوه من القيادات السُنّية داخل المكون بالإقصاء والتهميش والهيمنة على القرار السياسي السُنّي، ممّا دفعهم إلى تبنّي تكتيك سياسي جديد، فقد شكلوا جبهة سياسية مضادة، تحالفت مع قوى "الإطار التنسيقي" المقرّب من إيران، في الوقت الذي ذهب فيه الحلبوسي وتحالفه الفائز في الانتخابات التشريعية الأخيرة إلى التحالف مع زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، بوصفه الفائز الشيعي الأكبر في الانتخابات ذاتها. وانشطر السياسيون السُنة ضمن تحالفين؛ الأوّل تحت مُسمّى "تحالف السيادة" بزعامة الحلبوسي وحليفه رجل الأعمال خميس الخنجر، والثاني تحت مُسمّى "العزم" برئاسة السياسي ورجل الأعمال مثنى السامرائي، والذي ينضوي في تحالفه العديد من القيادات السُنيّة التي شغلت مواقع رئاسية ووزراية سابقة.

زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر

وبعد مغادرة الصدر العملية السياسية، واستقالة كتلته من البرلمان، في أتون معركة تشكيل الحكومة التي احتدمت بينه وبين غريمه الشيعي "الإطار التنسيقي"، غيَّر  تحالف "السيادة" من وجهة بوصلته ليصوّبها نحو قوى "الإطار"، إيذاناً بدخوله عملية تقاسم منظومة الحُكم من جديد. واستجاب التحالف الشيعي الرامي إلى تشكيل حكومة تحظى بإجماع وطني ونيابي، خشية إسقاطها على يد الصدر الذي خسر معركة تشكيلها، إلى طلب تحالف السيادة (43) مقعداً بالتجديد لمحمد الحلبوسي، ولايةً رئاسيةً ثانية.  

حضور الحلبوسي من جديد أفقد تحالف العزم (27) مقعداً إمكانية الحصول على منصب رئاسة البرلمان، على الرغم من وقوفه إلى جانب "الإطار التنسيقي" في معركته مع "التيار الصدري" وشرعية التمثيل الشيعي لتشكيل الحكومة الجديدة. استرضاء "الإطار" لتحالف "العزم" بمناصب وزارية معينة، دفع الأخير إلى ترتيب أوراقه والاستعداد للانتخابات المحلية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، حيث تمكن من كسب الأطراف السُنّية الخاسرة، وفتح عدة ثغرات في كتلة الحلبوسي النيابية، بعد انشقاق عدة نواب منه لصالح "العزم". وهو ما جعل الحلبوسي يستشعر خطورة فقدانه لمكاسبه المتمثلة برئاسة البرلمان وإدارة محافظة الأنبار، في ظل تناقص أعداد حلفائه داخل الدائرة السُنيّة والوطنية بشكلٍ عام. وتلوح أطراف في "الإطار التنسيقي" بورقة إقالة رئيس البرلمان لجهة عدم حيازته التمثيل الرسمي للسُنّة، فضلاً عن ملفات فساد يُتهم الحلبوسي ومن معه بالمسؤولية عنها.

تراشق إعلامي

وما تزال الكتلة النيابية، والتحالف السياسي لرئيس مجلس النواب، متماسكة إلى حدٍّ ما، لجهة وقوف رجل الأعمال السُنّي خميس الخنجر  إلى جانبه. إذ يمثل الخنجر حجر عثرة أمام محاولات تحالف "العزم" الساعية إلى تحجيم نفوذ محمد الحلبوسي في بغداد والمحافظات السُنّية الـ (6)، كما أنّ الأخير  يحاول تهدئة الأزمة السياسية داخل المكون السُنّي إعلامياً؛ من خلال السيطرة على بعض الفضائيات، والسعي لردم الهوة الاجتماعية بينه وبعض القيادات المتأرجحة في قرارها السياسي. فيما يقوم خصوم الحلبوسي بشن هجوم لاذع عبر منصات الإعلام المختلفة، بالتعاون مع جهات مناكفة داخل "الإطار التنسيقي" الذي ما زال موقفه مرتبكاً من رئيس البرلمان.

ويعمل القيادي في تحالف "السيادة" خميس الخنجر على ترطيب الأجواء بين الحلبوسي وخصومه في الدائرتين السُنيّة والشيعية، وقد أجرى مؤخراً مصالحة بين رئيسي الوزراء محمد شياع السوداني ورئيس المجلس النيابي، بعد خصومة غير ظاهرة للعيان، جرّاء إعاقة الأخير تمرير قانون الموازنة المالية الاتحادية في المجلس، الأمر الذي استفز السلطة التنفيذية والائتلاف السياسي الماسك لها. ويعمل الحلبوسي على تصدير أزمات المكون السُنّي إلى الخارج، واتهام الحلفاء الشيعة في "ائتلاف إدارة الدولة" بالتقاعس عن تنفيذ مطالبات المكون المتفق عليها عند تشكيل الحكومة الجديدة. وترتفع حدة الخطاب الإعلامي المحسوب على الزعيم السياسي الشاب، بنقد الحكومة في عدم تلبيتها المطالب السُنّية المتضمنة: إعمار المناطق المحررة من داعش، وعودة النازحين إلى مناطقهم، وإقرار قانون العفو العام، فضلاً عن إلغاء هيئة المساءلة والعدالة (هيئة اجتثات البعث) التي يعتقد أبناء السُنّة في العراق أنّها قامت بإقصاء العديد منهم؛ نتيجة ارتباطهم السياسي السابق بحزب البعث الحاكم قبل نيسان (أبريل)2003.

ومقابل هذا التصعيد الإعلامي، يُصعِّد الإعلام الشيعي المقرّب من إيران، بالضد من رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، واتهامه بالفساد والاستئثار بالسلطة، ويستضيف عبر فضائياته العديد من السياسيين المحسوبين على تحالف "العزم"، حيث يرى هؤلاء السياسيون في مثل هذا الظهور المستمر، فرصة لتحجيم الحلبوسي وإضعافه على المستوى الانتخابي القريب.

مواضيع ذات صلة:

الحكومة العراقية متهمة بتكميم الأفواه وقمع حرية التعبير. لماذا؟

العراق: في أول تعديل وزاري لها.. قاطرة السوداني تصطدم بحجر الكتل السياسية

العراق: وثيقة مسربة حول اختفاء قاتل هشام الهاشمي. ما الجديد؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية