العدوان العسكري التركي على سوريا.. السيناريوهات المحتملة ومحدداتها

تركيا وسوريا

العدوان العسكري التركي على سوريا.. السيناريوهات المحتملة ومحدداتها


10/10/2019

بدأت تركيا، أمس، ثالث توغل عسكري لها في الأراضي السورية منذ العام 2016. العملية كانت متوقعة منذ مدّة، ولا شكّ في أنّ انطلاقها يعكس تفاهمات وتنسيقاً تركيّاً أكبر مع كل من واشنطن وموسكو. وإذا صحّ الامتداد الواسع الذي قد تصله أنقرة في توغلها داخل سوريا، ربما وصولاً إلى الحدود السورية-العراقية، فإنّ هذا يعني أنّ ثمة محاولة لإعادة ترسيم الخرائط في الشمال السوري لمصلحة تركيا، التي لا تخفي مشروعها التوسعي باتجاه سوريا والعراق. ومعلوم أنّ ثمة قوات تركية على الأراضي العراقية تقول إنّها تحارب عناصر حزب العمال الكردستاني.

تهدف تركيا من عدوانها على سوريا لإبعاد الأكراد عن حدودها وإنشاء منطقة داخل سوريا يمكن فيها توطين اللاجئين الذين تستضيفهم

ولتركيا، وفق وكالة "رويترز" للأنباء، هدفان رئيسيان في شمال شرق سوريا: إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن حدودها؛ إذ تعتبرها خطراً أمنياً، وإنشاء منطقة داخل سوريا يمكن فيها توطين مليوني لاجئ سوري تستضيفهم في الوقت الراهن. ويدور حديث عن أنّ غض الطرف الأمريكي والغربي عن أنّ العدوان العسكري التركي جرى مقابل أن تتولى تركيا ملف عناصر "داعش" وعائلاتهم الموجودين في تلك المنطقة، وممن يحملون جنسيات دول أوروبية ما تزال دولهم ترفض استقبالهم وإعادتهم لمحاكمتهم على أراضيها. من هنا حذّر الكثيرون من أنّ هذا العدوان قد يسهم في إنهاض خطر "داعش" الإرهابي من جديد؛ في حال لم تتمكن قوات سوريا الديمقراطية؛ بسبب الهجوم التركي عليها، من الاستمرار في احتجاز آلاف المعتقلين لديها من عناصر "داعش"، وفي حال اختلاط الأوراق العسكرية والأمنية على مساحة واسعة تصل دير الزور والرقة.
بدأت تركيا أمس عدوانها العسكري على سوريا

السيناريوهات
وطبيعة السيناريوهات المحتملة للعملية العسكرية التركية ستعتمد على محددات منها؛ أولاً: على حدود العملية ومدى توغل القوات التركية في شمال شرق سوريا، وثانياً: على طبيعة مستجدات تفاعلات المجتمع الدولي تجاه التحرك العسكري التركي، وثالثاً: على طبيعة الرد الذي ستقوم به قوات سوريا الديمقراطية لصد الهجوم التركي.

لا تخفي تركيا مشروعها التوسعي باتجاه سوريا والعراق وثمة قوات تركية على الأراضي العراقية تقول إنّها تحارب حزب العمال الكردستاني

والسيناريو الأقل احتمالاً في هذه المرحلة يتمثل في أن تُصغي أنقرة لدعوات دمشق بالعودة لاتفاق أضنة لعام 1998، والذي تقول الحكومة السورية إنّه يحلّ الهواجس الأمنية التركية ويلبيها. ويبدو ضعيفاً أن تقبل أنقرة بهذا الطرح؛ إذ إنّ أهدافها وطموحاتها في سوريا تتجاوز ذاك الاتفاق بكثير، وتعتبر أنّ العودة إليه الآن إنما يضيّع عليها فرصة سانحة لتوظيف مناطق في شمال شرق سوريا عسكرياً وأمنياً واقتصادياً؛ وبما يرفع من مكانتها الإقليمية، من خلال إيجاد مناطق نفوذ لها في بلدين عربيين، وإعادة التركيبة الديمغرافية في تلك المناطق لمصلحة وأهداف تركيا، وذلك بالتوازي مع خططها واشتباكها مع كلّ من اليونان وقبرص لتمديد نفوذها في منطقة البحر المتوسط؛ وتعزيز الاقتصاد التركي.

اقرأ أيضاً: تركيا تبدأ حملتها العسكرية في سوريا.. إليكم أبرز ردود الفعل
لكن أمام التحذيرات الغربية والروسية لتركيا، فمن الوارد، في شكل قوي، أن تكتفي أنقرة بعملية غير واسعة، بحيث تنصبّ خطط تركيا العسكرية في الوقت الحالي على قطاع حدودي بين مدينتي؛ رأس العين وتل أبيض، اللتين يفصلهما نحو 100 كيلومتر، كما أوردت "رويترز"، التي نقلت عن أوزجور أونلو هيسارجيكلي من صندوق مارشال الألماني قوله: "هذه منطقة سكانها عرب ولتركيا علاقات طيبة مع الجماعات البارزة فيها". وأضاف أنّه إذا حاولت وحدات حماية الشعب الكردية أن تحتفظ بأراض هناك "فستخسر الكثير من الدماء". وإذا صحّ هذا فإنّه قد يكون باعثاً للقوات الكردية بدعوة القوات الحكومية السورية لشغل المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، وإنْ كانت المحاولات السابقة في هذا الاتجاه باءت بالفشل، وهي هذه المرة تأخرت، لكن يمكن استدراكها في حال ضغطت روسيا، وربما إيران، في هذا الاتجاه.

خبير عسكري: ترامب لم يصل لمرحلة الاختيار بين تركيا والأكراد لكن إن اضطر للاختيار فسيختار تركيا حليفه في الناتو

ومن الوارد أن تتصاعد الضغوط داخل الولايات المتحدة وكذلك في بعض الدول الأوروبية باتجاه الإبقاء على فوائد الشراكة مع القوات الكردية، وعدم الغدر بها وتركها لمصيرها. وليس معروفاً حتى الآن إلى أي درجة يمكن أن يقود ذلك، في حال تمّ بالفعل، إلى إحداث تغيير مؤثر في الخطط والمشاريع التركية داخل سوريا والعراق. وما يزال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي تُوصف استراتيجيته في سوريا بالارتجال والتقلب وغياب الرؤية الواضحة، ينفي تخليه عن القوات الكردية. ويقول الخبير العسكري ومدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في بيروت، هشام جابر، في حديث لـ"راديو مونت كارلو" إنّ ترامب لم يصل بعدُ إلى مرحلة الاختيار بين تركيا والأكراد، وبإمكانه حتى الآن الجمع بينهما، لكن إن اضطر للاختيار فهو بالتأكيد سيختار تركيا، حليفه في "الناتو"، على حد قول جابر.

 

وحدة سوريا وسيادتها
ومن السيناريوهات الواردة أن تتمكن أنقرة من احتلال مساحات واسعة في شمال شرق سوريا، بمساعدة من قوات المعارضة السورية المتحالفة مع تركيا. وإذا تمّ ذلك فإنّه لربما يعني انسحاباً لقوات سوريا الديمقراطية من مناطق كانوا يديرونها بالتعاون مع القوات الأمريكية وتمتد لنحو 180 كم. وإذا صحّ أن تركيا قد تغامر بتمدد توغلها باتجاه البوكمال-القائم، فإننا أمام منطقة واسعة فيها عدد كبير من السكّان، وهو ما تراه روسيا تهديداً لوحدة الأراضي السورية وسيادتها، وإعادة لدائرة الصراع من جديد، في وقت يحاول فيه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الإيحاء بأنّ المعركة في سوريا انتهت، وأنّه جاء أوان بذل مساعي إعادة الإعمار، وبدء عملية انتقالية سياسية، رأت موسكو أنّ خطوتها الأولى بدأت مؤخراً بالإعلان عن اللجنة الدستورية، وبرعاية من الأمم المتحدة. وإذا سحبت الولايات المتحدة كل قواتها من شمال شرق سوريا، فإنّ حكومة دمشق مدعومة من روسيا، قد تحاول، بحسب "رويترز"، استعادة السيطرة على معظم المنطقة التي لم تسيطر عليها تركيا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية