العدالة والتنمية المغربي واستراتيجية المعارضة من أجل المعارضة

منذ ابتعاده عن السلطة، يحاول حزب العدالة والتنمية (المصباح) الذراع السياسية لإخوان المغرب، تفجير الأزمات في وجه حكومة عزيز أخنوش، وآخر تلك الأزمات ما أثير حول النتائج الخاصّة بالامتحان الكتابي المقرر لمنح شهادة مزاولة مهنة المحاماة، التي أعلن عنها في 30 كانون الأول (ديسمبر) الماضي.

شبيبة حزب العدالة والتنمية سارعت بمراسلة الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها؛ وذلك لمطالبتها بالتحري حول صحة النتائج، والتحقق من وجود شبهات فيما يتعلق بتقديم أموال نظير الحصول على ترخيص مزاولة المحاماة، بناء على مقتضيات القانون رقم 46.19، بحسب ما أعلن عنه المصباح.

البلاغ الصادر عن شبيبة العدالة والتنمية حاول استغلال الموقف، والتلميح إلى وجود جملة من المشكلات التي تعاني منها البلاد، حيث لفت الحزب إلى أنّ خطوته هذه "تأتي في ظل فترة تطبعها الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، وانسداد أفق التشغيل وتكافؤ الفرص".

ويبدو أنّ حزب العدالة والتنمية يحاول ممارسة أقصى ضغط ممكن على وزير العدل عبد اللطيف وهبي، من أجل تصفية حسابات أخرى تتعلق بتعديلات مرتقبة في مدونة الأسرة.

اللعب بورقة الأمازيغ

من جهة أخرى، دخل حزب العدالة والتنمية على خط موضوع آخر شديد الحساسية، وهو مطلب إقرار رأس السنة الأمازيغية كيوم عطلة وطنية بالمغرب، ويبدو أنّ الحزب الإخواني قرر أخيراً تغيير مواقفه المناهضة للأمازيغية من أجل حسابات انتخابية، فقد وجهت المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية بمجلس النواب طلباً إلى رئيس الوزراء، وقعته البرلمانية نعيمة الفتحاوي، من أجل تعديل قانون العطلات الرسمية؛ واعتماد رأس السنة الأمازيغية التي توافق 13 كانون الثاني (يناير) كيوم عطلة رسمية، "على غرار باقي المناسبات الوطنية الأخرى، التي تخلد محطات من تاريخ أمتنا".

الطلب الذي تقدّم به حزب العدالة والتنمية، أشار إلى "تزايد الإلحاح على هذا المطلب الحقوقي، من طرف قطاع كبير من المغاربة، والذي بلغ أوجه في الأعوام الأخيرة".

جدير بالذكر أنّ الأمين العام للمصباح عبد الإله بنكيران معروف بمواقفه المناهضة للأمازيغ، ويعتبر النعرة الأمازيغية أداة لقطع الروابط مع الجذور الهوياتية العربية الإسلامية، الأمر الذي دفع متظاهرين أمازيغ في كانون الثاني (يناير) العام 2016 إلى حرق صور رئيس الوزراء السابق، عقب تصريحات مهينة سخر فيها من الأمازيغ وحياتهم وعاداتهم الاجتماعية.

يبدو أنّ حزب العدالة والتنمية يحاول ممارسة أقصى ضغط ممكن على وزير العدل عبد اللطيف وهبي، من أجل تصفية حسابات أخرى تتعلق بتعديلات مرتقبة في مدونة الأسرة

وكان الأمين العام لحزب العدالة والتنمية قد هاجم نشطاء تَمْغْرَبيتْ، في شباط (فبراير) الماضي، عقب تصريحات منسوبة إلى رئيس تكتل تَمْغْرَبِيتْ للاتقائيات المواطنة، عبد الله حتوس، أشار فيها إلى أنّ حزب العدالة والتنمية ركب موجة معاناة المغاربة مع غلاء الأسعار؛ لتصفية حسابات سياسية مع رئيس الحكومة عزيز أخنوش.

وعليه، يمكن رصد هذا التحول في توجهات الإخوان تجاه الأمازيغ، في ظل تراجع شعبية العدالة والتنمية، ومحاولة السعي تجاه البحث عن أيّ ظهير شعبي، حتى لو اضطر المصباح إلى تغيير قناعاته ومواقفه.

سلبية التفاعل مع إنجاز كرة القدم

وفي محاولة للتفاعل مع الإنجاز الذي حققه الفريق الوطني لكرة القدم، ولكن على طريق الإخوان، اتهمت النائبة البرلمانية عن العدالة والتنمية الباتول أبلاضي الحكومة المغربية بإقصاء الجهات الجنوبية من مشاريع أكاديميات كرة القدم، واتهمت شكيب بنموسى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة باتخاذ إجراءات تؤدي إلى تجاهل الجهات الجنوبية الـ (3).

النائبة الإخوانية قالت: "تعتزم الجامعة الملكية لكرة القدم إحداث (5) أكاديميات لكرة القدم بكل من السعيدية وإفران والقصر الكبير وسطات وأكادير؛ وذلك لتعزيز رصيد المغرب من منشآت التكوين الرياضي رفيعة المستوى". وتابعت: "لكنّ الذي يظهر من خلال التوزيع الجغرافي لمنشآت التكوين الرياضي أنّ الأكاديميات المبرمجة من طرف الجامعة الملكية لكرة القدم تتمركز جميعها في النصف الشمالي من المغرب، وقد تمّ إقصاء الجهات الجنوبية الـ (3) من الاستفادة من هذا المشروع الواعد". لافتة إلى أنّ ذلك "يُغيِّب منطق العدالة المجالية، ويكرّس التفاوتات بين الجهات، ويحرم المواهب من فرص التكوين الأكاديمي الجيد، ويحدّ من تطوير مستوى الممارسة الرياضية الاحترافية لدى الأندية الكروية بهذه الأقاليم".

حنان أحمد: يلهث الحزب الإخواني خلف سراب يبدو أنّه لن يدركه أبداً، ذلك أنّ كلّ مواقفه القديمة متاحة للجميع

وعلى الرغم من أنّ المشروع في طور البدايات، وما زالت الجهات المختصة بصدد تقديم الدراسات لإقامة المزيد من الأكاديميات، حيث اتجهت إلى اعتماد الجهات التي تسمح بنيتها التحيتة والاقتصادية بتنفيذ المشروع، قبل السعي تجاه تهيئة جهات الجنوب، لكنّ العدالة والتنمية، وكعادته، يحاول القيام بدور المعارضة، واللعب على وتر النزعات الإقليمية والمحلية، لإزعاج الحكومة، وتحسين شعبيته.

الدكتورة حنان أحمد، الباحثة في الشؤون العربية، خصّت "حفريات" بتصريحات قالت فيها: إنّ المصباح يتبع استراتيجية المعارضة من أجل المعارضة، حيث يحاول الحزب مغازلة الحواضن الشعبية من جديد، حتى لو تناقض ذلك مع مواقف الحزب وتوجهاته، فالحزب الذي وقّع اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، أصبح يقف الآن على خط الممانعة ويطالب بحظر التطبيع، وعلى الرغم من هجومه على القومية الأمازيغية أكثر من مرة، ها هو ذا يطالب الآن باعتماد رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية، وهكذا يلهث الحزب الإخواني خلف سراب يبدو أنّه لن يدركه أبداً، ذلك أنّ كلّ مواقفه القديمة متاحة للجميع.

وتتوقع الباحثة المصرية أن يذهب العدالة والتنمية تجاه المزيد من التناقض في المواقف، في ظل صراعات داخلية عنيفة، وخفوت سياسي صاحب ابتعاد الحزب عن كل مراكز السلطة، ممّا يعني أنّ وتيرة التراجع الشعبي سوف تزداد، بحسب توصيفها.