الطب الشعبي الفلسطيني: علم أم عادات متوارثة؟

الطب الشعبي الفلسطيني: علم أم عادات متوارثة؟


03/11/2020

داخل محل صغير للعطارة، في سوق الزاوية المشهور وسط مدينة غزة، الذي تنبعث منه رائحة نفاثة من الأعشاب الطبية والزيوت الطبيعية؛ تحاول السيدة سعاد أبو طير أن تجد ضالّتها لعلاج مشكلتها، التي تعاني منها منذ عدة سنوات عن طريق الطبّ البديل، بعد أن فشلت العلاجات التقليدية من إنهاء معاناتها.

العلاج بالأعشاب في حاجة إلى الإلمام بكافة النباتات الطبية والعشبية ومدى قدرتها العلاجية، وهو علم لا يعتمد على الخبرة فقط؛ بل يحتاج إلى المزيد من الدراسات

وتشرح أبو طير (42 عاماً)، من سكان مدينة غزة، وهي تبحث داخل المحل عن قشور الرمان المجففة وحبيبات المستكة، في حديثها لـ "حفريات": أنّها تعاني منذ أكثر من ثمانية أعوام من مشكلات في المعدة والأمعاء، وقد تردّدت ببداية الأمر في التوجه نحو الطب البديل لإيجاد حلّها لمشكلتها المستعصية، خوفاً من أن تلقى محاولتها الجديدة الفشل مجدداً، بعد أن أصابها اليأس والإحباط من عدم جدوى العقاقير الكيماوية في شفائها، لكنّ نصيحة جارتها المسنّة دفعتها لطرق أبواب الطبّ الشعبي بعد أن عجز الطبّ التقليدي في علاجها".

 أعداد محلات العطارة المُرخصة في قطاع غزة، تقارب (60 محلاً)

وعرّفت منظمة الصّحة العالميّة الطبّ التقليديّ بأنّه: "كلّ المعرفة والمهارات والأساليب المرتكزة على نظريات ومعتقدات وممارسات موروثة لثقافات مختلفة، للعلاج والوقاية من أمراض جسمانية ونفسية، وتؤكّد ضرورة تقييد ومراقبة استعماله لأنّ الاستخدام غير السليم له، أو التدريب غير المنضبط في الممارسات العلاجية، يمكن أن يخلق آثاراً سلبية، بل وخطرة، وتعترف هذه المنظمة بالقليل القليل من النباتات العلاجية.

اقرأ أيضاً: لماذا لا تستطيع مزارعات غزة الوصول إلى أراضيهن؟

وتقدّر المنظمة أنّ 80% من سكان بعض البلدان الآسيوية والأفريقية يستخدمون حالياً طبّ الأعشاب في بعض جوانب الرعاية الصحية الأولية، وترتبط هذه المعلومة بأنّ المستحضرات الطبية باهظة التكلفة بالنسبة إليهم، لا سيما أنّ نصفهم يعيشون على أقل من دولارين أمريكيين يومياً، في المقابل؛ بالاستطاعة زراعة بذور الأدوية العشبية، أو أن يتمّ جمعها من الطبيعة بتكلفة قليلة أو بدون تكلفة.

اقرأ أيضاً: نساء فلسطينيات في سلك الشرطة: أغلال من حرير

وبحسب بلدية غزة؛ فإنّ أعداد محلات العطارة المُرخصة في قطاع غزة، تقارب (60 محلاً)، فيما يزيد عدد جميع المحلات العاملة في هذا المجال عن 110 محلات، وتكتفي البلديات في التعامل مع هذه المحلات بعمليات الإنذار والجباية للمخالفات.

علاج متوارث

وبينت أبو طير؛ أنّها "شعرت بتحسّن كبير بعد أسابيع قليلة من تناولها الأعشاب الطبيعية التي وصفها لها أحد العطّارين، وأصبحت تداوم على شراء تلك الأعشاب والمداومة عليها للمحافظة على صحتها"، مبينة أنّها لم تعد تشكو من أيّة آلام في معدتها، شيئاً فشيئاً، وتستطيع تناول كافة الأطعمة التي حرمت منها طوال الفترة التي عانت من مشكلتها المرضية".

...

وتابعت: "الفلسطينيون ورثوا العلاج بالأعشاب عن آبائهم وأجدادهم منذ أعوم طويلة، لعدم توافر الأدوية الكيماوية في ذلك الوقت، وما يزال كثيرون يلجؤون للطبّ البديل لمواجهة مشكلاتهم وأمراضهم، خاصة المزمنة منها، وذلك لعدة عوامل، أبرزها نجاعة تلك الأعشاب في تخفيف بعض الأمراض وعلاجها، إضافة إلى انخفاض ثمنها مقارنة بالعقاقير الكيماوية والتي ترتفع ثمن بعض أنواعها بشكل كبير، وهو لا يتناسب مع محدودي الدخل والفقراء في غزة".

استشاري التغذية العلاجية مؤيد مشتهي لـ"حفريات": رغم الطفرة العلمية الهائلة في مجال الطبّ، إلا أنّ هناك قناعة سيكولوجية لدى العديدين للجوء للعلاج بالأعشاب الطبية

وترى أبو طير؛ أنّ "تجربتها مع تناول الأعشاب الطبيعية أثبتت أنّها أفضل بكثير من العقاقير الطبّية الكيماوية، حتى إن لم تجدِ نفعاً؛ فهي لن تحدث أيّة تأثيرات سلبية على صحّة الإنسان، ولن تشكّل أيّ خطر عليه، مشيرة إلى أنّها أفضل من غيرها؛ كونها من مستخلصات طبيعية 100%، ولها فوائد صحية جمّة، وذات تكلفة أقل، وهي أفضل من الأدوية التقليدية".

نسب شفاء مرتفعة

ويقول المسنّ جمعة السويركي (63 عاماً)، الذي يعمل في مهنة العطارة، التي ورثها عن والده منذ 40 عاماً: إنّ "انتعاش ظاهرة العلاج بالأعشاب الطبية جاء بعد اقتناع فئة كبيرة من المجتمع بنجاعة هذا العلاج في علاج العديد من الأمراض، بعد أن فشلت العلاجات الكيماوية في إنهاء معاناتهم وأمراضهم"، مبيناً أنّها أدوية طبيعية وذات مفعول قوي، ولا تترك أيّة أعراض جانبية على مستخدميها".

...

وتابع السويركي، في حديثه لـ "حفريات"، بأنّه "يستقبل يومياً في محلّه العشرات من المرضى، من مختلف الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية، لتقديم الاستشارات الطبية ومساعدتهم في إعداد وصفات علاجية دقيقة وأعشاب تتناسب مع أمراضهم"، مؤكّداً أنّه تمكّن على مدار عدة أعوام من علاج عدة أمراض، وحقّق نسبة شفاء عالية؛ كالعقم، والغضاريف، والتهابات المعدة والأمعاء، والضعف الجنسي، وحساسية الصدر، وتنظيم نسب السكري في الدم دون الحاجة لحقن الأنسولين الكيماوية".

تأثير علاجي بطيء

ولفت إلى أنّ "العلاج بالأعشاب في حاجة إلى الإلمام بكافة النباتات الطبية والعشبية ومدى قدرتها العلاجية، وهو علم لا يعتمد على الخبرة فقط؛ بل يحتاج إلى المزيد من الدراسات، حتى لا يتسبّب بأيّة آثار وخيمة، تحديداً على مرضى القلب والسكري وضغط الدم؛ لذلك لا بدّ من توخي المرضى الحذر عند التوجه إلى محلات العطارة، التي يعمل فيها أحياناً أشخاص غير مختصين هدفهم البيع وتحقيق الأرباح دون الالتفات لمصلحة المواطنين، والعواقب الصحية التي قد تنتج عن العلاجات الخاطئة بالأعشاب الطبيعية".

اقرأ أيضاً: طيور السِمان تقطع آلاف الأميال لتقع في شباك صيادي غزة

وبيّن السويركي؛ أنّ "العلاج بالأعشاب ذو تأثير بطيء، ويحتاج المريض غالباً لعدة أسابيع وشهور ليشعر بتحسّن في حالته الصحية؛ حيث يختلف العلاج من شخص لآخر، بحسب طبيعة الجسم وقوة جهاز المناعة لديه؛ لذلك يحتاج المريض إلى الصبر عند اللجوء لتلك العلاجات، وعدم النفور واليأس بسرعة، لأنّه قد يحتاج وقتاً أطول للوصول إلى مرحلة الشفاء التام".

...

وأكّد السويركي؛ أنّ "جودة الأعشاب والزيوت الطبيعية تختلف من مكان لآخر؛ حيث يؤدي التخزين السيِّئ لها إلى فقدان خواصّها العلاجية، كنمو البكتيريا والفطريات عليها، كما يجب أن يتمّ استيراد تلك النباتات من الدول المعروفة، التي تخضع فيها البضائع للرقابة الصحية"، مشيراً إلى أنّه "لتجاوز هذه المعضلة قام بزراعة بعض النباتات العشبية الطبية، كالزنجبيل والميرمية والزعمطوط والكراوية، وغيرها من الأعشاب الطبية، في حديقة منزله، دون استخدام أيّة مبيدات كيماوية، حتى لا تكون تلك النباتات ملوّثة بالموادّ السامّة".

قناعة سيكولوجية

بدوره، يرى استشاري التغذية العلاجية، مؤيد مشتهي؛ أنّه "على الرغم من الطفرة العلمية الهائلة في مجال الطبّ على المستوى العالمي، إلا أنّ هناك قناعة سيكولوجية لدى العديد من أفراد المجتمع للجوء للعلاج بالأعشاب الطبية، التي لم تصل العديد منها إلى قناعة تامة بشفائها من بعض الأمراض لعدم وجود دارسات كافية عنها"، مؤكداً "عدم وجود رقابة على محال بيع الأعشاب الطبية والزيوت الطبيعية، للتأكد من سلامتها وجودتها".

اقرأ أيضاً: سلطتان في غزة ورام الله لحكم الفلسطينيين: أما لهذا العذاب من نهاية؟

ويضيف مشتهي، في حديثه لـ "حفريات": "غالبية العاملين في محلات العطّارة في غزة لا يمتلكون الخبرة الكافية في إعداد الوصفات الطبية للأعشاب الطبيعية، وهو ما يترك نتائج عكسية على المريض، وقد يتسبّب لهم بأمراض مستعصية أخرى"، موضحاً أنّ "هناك بعض الأعشاب السامّة التي تترك آثاراً كبيرة على الكبد والكلى؛ كمادة "الأوكراتوكسين"، التي تتسبّب بقصور حادّ في عمل وظائف الكلى، وصولاً لإصابتها بالفشل التامّ في عملها".

...

وتابع مشتهي: "هناك بعض النباتات العشبية القليلة، التي أثبتت نجاعتها الطبية منذ آلاف الأعوام؛ كاستخدام أوراق الجوافة لعلاج السعال، وزيت الزيتون لتقوية كريات الدم الحمراء، والشيخ لعلاج آلام البطن وتحسين مستوى السكر في الدم، إلا أنّ ذلك لا يمنع المواطنين من الحصول على الأعشاب من المصادر الموثوقة، وعدم الانجرار وراء الوصفات الخاطئة من بعض البائعين، الذين يحاولون خداع الناس بوصفات خاطئة تؤدي إلى عواقب صحية خطيرة على أجسادهم".

...



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية