الصيام.. ومقاصد الإسلام الكبرى

الصيام.. ومقاصد الإسلام الكبرى


31/03/2022

علي محمد فخرو

بعد بضعة أيام، سيحل شهر رمضان المبارك، وسيصومه شابات وشباب هذه الأمة. إلى هؤلاء أتوجه بطرح السؤال الآتي: ما الذي يجب أن يشغل بالك ويتكرر يومياً في ذهنك إبّان هذا الشهر؟

 سيقول لك البعض إن الهدف الرئيسي من وراء الصيام هو تذكيرك بآلام الجوع والحرمان التي يواجهها الفقراء، من أجل أن تساعدهم، في الحاضر والمستقبل، بشتى الطرق، المادية والمعنوية، للتخفيف من آثار الفقر، أو الخروج من جحيمه. وستفعل ذلك في سبيل التقرب من الله العلي القدير، والحصول على رضاه. وبالتالي فالموضوع كله يختصر في رياضة روحية تطهّر وتزكّي النفس.

 لا إشكال مع ذلك الفهم فهو شرعي ونبيل، ومن مقاصد الإسلام الثابتة. لكني أعتقد أن من مسؤولية الوالدين، وهما يدعوان بناتهما وأولادهما للقيام بذلك الواجب الديني، أن يدعوا أيضاً إلى استعمال ذلك الشهر للتفكر في المقاصد الإسلامية الأخرى التي لا تدور حول الذات فقط، ذاتِ الصائم، وحول الجزء الفقير من المجتمع، وإنما التي تمسّ حياة كل المجتمع، وكل أفراده، طيلة العام. ذلك أن الصفاء الروحي خلال هذا الشهر سيهيئ في نفس الصائم قابلية أكبر وأعمق للتفكّر في معاني وتفعيلات المقاصد الإسلامية المرتبطة بالواقع اليومي المباشر، وبحركة الحياة الإنسانية، وتعقيداتها وتجلياتها في العلاقات المجتمعية، بكل صنوفها ومستوياتها.

 وفي قمة قائمة تلك المقاصد مقصد العدالة، معبّر عنه بتعابير الحق والقسط والميزان. ومن دون تحقق ذلك المقصد الرائع المبثوث في كل جوانب رسالة الوحي الربانية سيظل الوجود الإسلامي الرباني في عالم البشر غير مكتمل، حتى لو صام المسلمون العام كله من دون انقطاع.
 وهذا ينطبق على قراءة القرآن الكريم أثناء رمضان. فإذا كانت قراءة سطحية من دون تفكّر يومي في المقاصد الكبرى فإنها ستكون قراءة لا تختلف عن الترديد اللفظي فقط.
  وقول الله العلي العظيم «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى»، وقوله «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»، وقوله «ولا تحسبنّ الله غافلاً عمّا يعمل الظالمون»، وقوله «كونوا قوامين لله شهداء بالقسط.. اعدلوا هو أقرب للتقوى»، وقوله «وأوفوا الكيل والميزان بالقسط... وإذا قلتم فاعدلوا»، وقول الرسول، صلى الله عليه وسلم، «اتّقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة»... كلها تشير إلى مكانة خاصة لمقصد وفضيلة العدل في الإسلام وفي حياة البشر وواقعهم.
 من هنا تجلّى العدل في كل ما شرعه الإسلام في الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بل وحتى العبادية. وعندما شرّع هذا الدين القصاص فقد أراد به تحقيق العدل مع الردع في آن واحد.
 وما يجب أن يتعود الشباب والشابات النظر فيه إبّان الخلوات الروحية الرمضانية هو ظاهرة سقوط العرب عبر القرون عن الارتفاع إلى مستوى المقاصد القيمية والأخلاقية والفضائل التي نادى بها الإسلام، وأن يجعلوا هذا الشهر وقت تجييش للمشاعر والإرادة الجمعية لتصحيح مسار المصير المفجع الذي وصلت إليه قيمة العدالة، ما جعل تاريخ أمتهم تاريخ تسلط وظلم مناقض وناسف لذلك المقصد الرباني العظيم.
إذا كان الصيام واجباً مقدساً فان الالتزام بقيم وفضائل المقاصد الإسلامية الكبرى، المبثوثة في كل سور القرآن الكريم، هي الأخرى من الواجبات المقدسة.

عن "الخليج" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية