السيول والفيضانات تتحالف مع المتقاتلين في السودان

السيول والفيضانات تتحالف مع المتقاتلين في السودان

السيول والفيضانات تتحالف مع المتقاتلين في السودان


25/05/2023

ما تزال مشاهد وقوف مراسلي القنوات العربية في وسط المياه التي غمرت القرى في شرق السودان، العام الماضي، حاضرة في أذهان ملايين المتابعين. ورغم ما وُجّه من اتّهامات إلى مسؤولي الحكومة العام الماضي بالتقصير في الاستعداد لموسم الأمطار، الذي يتزامن مع فصلي الصيف والخريف في البلاد، إلا أنّ تلك السلطات على تقصيرها باتت شبه غائبة هذا العام، بسبب الحرب.

الحرب: لا استعدادات

في 15 نيسان (أبريل) الماضي، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي يقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، على خلفية توتر علاقات الطرفين اللذين يشكلان المكوّن العسكري في الفترة الانتقالية في البلاد.

ألحق القتال أضراراً جسيمة بالقطاع الصحي، تعرضت 61% من المرافق الصحية في الخرطوم للإغلاق، بينما تعمل 16% من المرافق كالمعتاد، مما يترك ملايين الأشخاص دون الحصول على الرعاية الصحية، بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في السودان التابع للأمم المتحدة. وذكر المكتب أنّ نهب الأصول والمكاتب الإنسانية أدى إلى الإضرار بالعمل الإنساني في المواقع الرئيسية.

ويبدأ موسم الأمطار في السودان في شهر حزيران (يونيو)، يستمر حتى أيلول (سبتمبر)، مع ملاحظة ذروة هطول الأمطار والفيضانات في أب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر).

توقعات بإطالة أمد الحرب

وفي تصريحات إعلامية سابقة، ذكر مدير عام الطرق والجسور بوزارة البنية التحتية في ولاية الخرطوم، أنّ مياه الخريف غالباً ما تشكل عبئاً ملحوظاً على البنية التحتية، من طرق وشبكات مياه وصرف صحي. وأوضح أنّ الطبيعة الديموغرافية لمدينة الخرطوم لا تساعد على انسياب المياه بالشكل المطلوب، خصوصاً في حالة الأمطار الغزيرة والسيول والفيضانات. وفي ظل ارتفاع منسوب المياه تتزايد المخاوف في أوساط السكان خصوصاً في المناطق الواقعة جنوب الخرطوم والتي عادة ما تكون أكثر تأثراً.

والجدير بالذكر أنّ مدينة الخرطوم هي بؤرة القتال بين قوات الجيش والدعم السريع، فضلاً عن مناوشات في عدة ولايات تعتبر من أشد المناطق تعرضاً لخطر الفيضانات والسيول، مثل ولايات جنوب وغرب دارفور.

الحرب خلقت مخاطر صحية مرتفعة، ومن أكبر تحديات الموسم الزراعي المقبل، هو تمويل العمالة والبذور ومصروفات العمل، في ظل شبه انعدام التمويل الحكومي

يقول الكاتب السوداني عبد السلام طه، بأنّ العمليات العسكرية ستستمر كوّن معظمها يدور في العاصمة الخرطوم، التي تتعرض لأمطار خفيفة إلى متوسطة، تختلف من عام إلى آخر. وذكر لـ"حفريات" أنّ الجيش السوداني لديه خبرة قتالية في مناطق تساقط الأمطار الغزيرة، اكتسبها من خلال الحرب الطويلة في جنوب السودان، التي تعتبر مناطق غزيرة الأمطار.

وأشار إلى أنّ الدعم السريع لن يخرج من الخرطوم، وإذا حدث سيتوجه إلى شمال دارفور، وهي منطقة سقوط أمطار خفيفة، ما يعني أنّ كلا الطرفين مستمران في خططهما القتالية.

بدوره قال الكاتب والمحلل السياسي السوداني، عبد الحليم عباس، بأنّ معظم الولايات جنوب العاصمة الخرطوم تشهد الأمطار الغزيرة خلال شهور الصيف والخريف، والتي تتسبب في السيول، إلى جانب الفيضانات في عدد من المناطق الواقعة على ضفاف نهري النيل الأزرق والأبيض. وقال لـ"حفريات" بأنّ العاصمة الخرطوم تعاني من مشاكل سوء التخطيط وسوء التصريف للمياه، وهو الأمر الذي تزداد خطورته بفعل ضعف الحكومة، خصوصاً في الفترة بعد العام 2019، وحالياً تتفاقم تلك المخاطر نتيجة غياب الحكومة بعد اندلاع الحرب.

المخاطر الصحية

إلى جانب الخسائر المادية الكبيرة التي تنتج عن السيول والفيضانات، هناك مخاطر صحية مرتفعة، سواء المباشرة مثل الإصابات التي بلغت عدة آلاف العام الماضي، وغير المباشرة التي تتعلق بالصحة العامة، نتيجة البيئة المحفزة لانتشار الأوبئة والأمراض المعدية من البرك والمستنقعات وأماكن تجمع المياه الملوثة. وبفقدان الحكومة الاتحادية في الخرطوم القدرة على ممارسة وظائفها، التي كانت تعاني قصوراً كبيراً قبيل القتال، يقع الدور الأكبر على عاتق الولايات لمواجهة تلك المخاطر.

ألحقت السيول والفيضانات أضراراً بالغة في السودان

فضلاً عن ذلك، يغيب في موسم الأمطار الجاري عامل مهم في تقديم الدعم والمساندة للسكان، وهو الدور الذي يضطلع به الجيش، بما لديه من إمكانيات على المساعدة في التصدي لمخاطر الأمطار، وتقديم خدمات نقل المصابين والجرحى إلى المستشفيات عبر وسائل القوارب والنقل الجوي، التي باتت منهمكة بشكل كلي في القتال الدائر في العاصمة.

ومن جانب آخر، تمثّل حركة النزوح الداخلي الناتجة عن الحرب عبئاً على قدرات الولايات في التعامل مع مخاطر موسم الأمطار، حيث تشير التقديرات إلى نزوح أكثر  340 ألف شخص داخل البلاد من العاصمة. ومع ارتفاع أسعار الغذاء والوقود والسلع الأساسية الأخرى، بات الأمن الغذائي لملايين المواطنين في خطر.

الكاتب السوداني عبد الحليم عباس لـ"حفريات": الحرب لو طالت حتى فصل الخريف سيكون ذلك كارثياً ومهدداً خطيراً للموسم الزراعي وبالتالي على الأمن الغذائي

وبحسب بيانات مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، يحتاج 15.8 مليون شخص إلى مساعدات في العام 2023 الجاري، ويستهدف البرنامج الأممي تقديم المساعدة إلى 12.5 مليون شخص، إلا أنّ ذلك الهدف مهدد بسبب نقص التمويل الدولي للأنشطة الإنسانية؛ حيث جمعت الأمم المتحدة من المانحين 860.6 مليون دولار، من إجمالي المستهدف المقدر بنحو 1.6 مليار دولار، ما يعني أنّ هناك فجوة تقدر بنحو 47%.

من جانب آخر، تواجه المنظمات الإنسانية الدولية العاملة في البلاد تحديات كبيرة في الاستجابة لتلك الأزمات المتوقعة؛ بسبب تنامي المخاطر الأمنية التي تهدد عمل تلك المنظمات، والتي دفعتها إلى تعليق جزئي للعديد من أنشطتها، خصوصاً بعد تعرض مكاتبها ومخازنها إلى النهب، ومقتل عدد من موظفيها.

تحديات الموسم الزراعي

من زاوية أخرى، تلقي الحرب بظلالها الخطيرة على الموسم الزراعي الذي يبدأ في فصل الصيف في السودان، خصوصاً في مناطق الزراعة التي تعتمد على مدخلات إنتاج مستوردة.

ويحذر الكاتب عبد الحليم عباس، من أنّ الحرب لو طالت حتى فصل الخريف سيكون ذلك كارثياً، ومهدداً خطيراً للموسم الزراعي، وبالتالي على الأمن الغذائي، بما ينذر بتبعات خطيرة على الصحة العامة. ونوه بأنّ الزراعة الآلية تعتمد على وقود ومدخلات إنتاج مستوردة من الخارج، وإذا لم تتوفر مبكراً سيفشل الموسم الزراعي.

كان محصول الصمغ العربي محط أنظار وسائل الإعلام الدولية، غير أنّ نفس الاهتمام لم يتناول المحاصيل الأساسية.

عبد الحليم عباس: الحرب تهدد الأمن الغذائي

من جانبه، قال الكاتب عبد السلام طه، بأنّ أكبر تحديات الموسم الزراعي المقبل، في الزراعة الكبيرة هي تمويل العمالة والبذور ومصروفات العمل، في ظل شبه انعدام التمويل الحكومي. ونوه إلى أنّ محاصيل الموسم الصيفي هي الأكبر في الإنتاج الزراعي، وتشمل سائر أنواع الذرة الرفيعة والسمسم والفول السوداني وعباد الشمس والقطن المطري والكركدي والدخن.

ولفت طه إلى أن البلاد لم تشهد أزمة وقود حتى الآن، لوجود مخزون في الولايات، ونوه بأنّ حركة النزوح الداخلي من المتوقع أن تسهم في نجاح الموسم الزراعي، بتوفيرها لأعداد كبيرة من الأيدي العاملة.

يذكر أنّ الأمطار خلفت العام الماضي، 129 قتيلاً و120 مصاباً، فضلاً عن تضرر أكثر من 300 ألف شخص، وتدمير 17.6 ألف منزل، وتضرر 45.1 ألف آخرين، في 16 ولاية من أصل 18 ولاية، خلال موسم الأمطار الذي يبدأ في شهر يونيو (حزيران) المقبل، حتى شهر أيلول (سبتمبر)، من كل عام.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية