"السياسة الواقعية" الجديدة لشبكة حقاني

"السياسة الواقعية" الجديدة لشبكة حقاني

"السياسة الواقعية" الجديدة لشبكة حقاني


10/10/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

أشياء غريبة للغاية حدثت بين حركة طالبان والولايات المتّحدة منذ أن قتلت طائرةٌ أمريكيّةٌ من دون طيّار زعيم القاعدة أيمن الظّواهريّ، في تمّوز (يوليو) الماضي، في منزل في كابول. وكانت تقارير قد أوردت أنّ المنزل مملوك لكبير مساعدي سراج الدّين حقّاني الوزير في حكومة طالبان والقيادي في شبكة حقاني، التي تُعدُّ فصيلاً قويّاً داخل طالبان.

بدلاً من تصعيد التّوترات، رأينا إنجازين دبلوماسيّين. في غضون ذلك، اشتبكت قوّات طالبان مع باكستان على الحدود. وبينما كان هذا يحدث، تواصل حقّاني علناً مع الهند، على الرّغم من حقيقة أنّ المفجّرين الانتحاريّين لشبكته استهدفوا بشكل متكرّر السّفارة الأفغانيّة في نيودلهي في الماضي.

مجندون يسيرون خلال حفل تخرجهم في أكاديمية الشرطة في كابول، أفغانستان

على مدى عقد ونصف العقد، صُوِّر أتباع حقّاني في الولايات المتّحدة والهند على أنّهم ليسوا أكثر من وكيل عنيف بشكل استثنائيّ للاستخبارات العسكريّة الباكستانيّة، وأنّ دعم الجهاد العالميّ بمثابة مهمّة جانبية بالنّسبة إليهم. لكنّ الأحداث الأخيرة تُثبت صحّة الكمّيّات الهائلة من الأدلّة التي جمعها باحثون ومحلّلون وصحافيّون بشقّ الأنفس على مرّ السّنين، والتي توضّح صعود أتباع حقّاني الاستثنائيّ من الغموض إلى الشّهرة المرتبطة بارتكاب أفعال شنيعة، وربما، الآن، الاحترام في بعض الأوساط. تُظهِر هذه البيانات بشكل مقنع أنّ شبكة حقاني لم تكن خانعة لأيّ جهة قطّ؛ بدلاً من ذلك، حرست استقلاليتها الاستراتيجيّة بشدّة من خلال إقامة تحالفات مع مجموعة من اللاعبين الذين غالباً ما كانوا أعداء لبعضهم البعض.

تغيير في الأولويّات

امتنع أتباع حقّاني عن التّهديد بالانتقام من الضّربة الصّاروخيّة الأمريكيّة التي قتلت الظّواهريّ في 31 تمّوز (يوليو). واختاروا، بدلاً من ذلك، التّظاهر كما لو أنّ الاغتيال ببساطة لم يحدث. هذه علامة على تغيير في الأولويّات، إشارة إلى أنّهم يُقدّرون علاقة العمل مع واشنطن أكثر من إثبات التزامهم الأيديولوجيّ بالجهاد. في هذه الأثناء، في يوم مقتل الظّواهريّ نفسه، أجرى سراج الدّين حقّاني مقابلة رفيعة المستوى مع قناة نيوز 18 الإخباريّة الهنديّة، ووعد بتوفير الأمن للشّركات الهنديّة وتعزيز العلاقات القائمة على لعبة الكريكيت - وهو معجب كبير بهذه الرّياضة.

أوضح إشارة كانت العمود الذي نشره سراج الدّين حقّاني نفسه في النّيويورك تايمز، في شباط (فبراير) 2020، وأعرب فيه عن رغبته في "علاقات ودّيّة مع البلدان كافّة"

في 19 أيلول (سبتمبر)، أطلق أتباع حقّاني سراح المهندس الأمريكيّ مارك فريركس - وكانوا قد اختطفوه في كانون الثّاني (يناير) 2020 - مقابل الإفراج عن تاجر مخدّرات أفغانيّ وممّول لطالبان يُدعى حاج بشار نورزاي. وهذا هو شكل التّبادل الذي سعت إليه طالبان منذ أن أسروا فريركس.

قبل أيّام قليلة فقط من ذلك، تُوُصِّلَ إلى حلّ وسط بشأن قضيّة أكثر تعقيداً. حوّلت وزارة الخزانة الأمريكيّة حوالي 3.5 مليار دولار من الاحتياطيّات المجمّدة للحكومة الأفغانيّة السّابقة - البالغة 9 مليارات دولار - إلى صندوق ائتمانيّ مقرّه سويسرا يهدف إلى تلبية الاحتياجات الإنسانيّة العاجلة للشّعب الأفغانيّ. يُقلّل هذا من الضّغوط الماليّة الهائلة على حكومة طالبان من دون وضع الأموال في أيديهم.

شخصيات بارزة في طالبان من بينها وزير الداخلية سراج الدين حقاني يتابعون مسيرة المجندين

بُنيت هذه الحلول البراغماتيّة على خلفيّة مبادرات سابقة. وأحد هذه المبادرات المهمّة هو التّعاون الضّمنيّ بين الولايات المتّحدة وطالبان ضدّ عدوّ مشترك، ألا وهو تنظيم الدّولة الإسلاميّة في خرسان، فرع جماعة داعش الإرهابيّة في أفغانستان.

أوضح إشارة

وبالعودة إلى الوراء، فإنّ أوضح إشارة كانت العمود الذي نشره سراج الدّين حقّاني نفسه في النّيويورك تايمز، في شباط (فبراير) 2020، وأعرب فيه عن رغبته في «علاقات ودّيّة مع البلدان كافّة»، وأن تدعم الولايات المتّحدة إعادة الإعمار والتّنمية الأفغانيّة بمجرد انسحابها. ويبدو أنّ أفعال أتباع حقّاني تتماشى إلى حدّ كبير مع هذا التّفكير.

قد يكون أحد تفسيرات كلّ هذه التّطوّرات أنّ أتباع حقّاني حرّروا أنفسهم من قبضة المخابرات الباكستانيّة. لكن الأدلّة النّابعة من مجموعة مصادر موثوقة، بما في ذلك 97,000 وثيقة داخليّة للقاعدة استُحوذ عليها خلال الغارة على بن لادن عام 2011 وحُلّلت عن كثب من قبل الدّكتورة نيللي لحود، تخبرنا قصّة مختلفة تماماً، قصّة تدفعنا إلى التّشكيك في افتراضات سابقة.

على الرّغم من أنّ أتباع حقّاني وطالبان قد ضحّوا بهدوء بالقاعدة، فإنّهم جدّدوا التزامهم بحركة طالبان فرع باكستان، وأطلقوا سراح الآلاف من الأسر بعد تولّي السّلطة

الوثائق التي نُشرت باسم «أوراق بن لادن» تكشف عن قدرة أتباع حقّاني المدهشة على الحفاظ على الثّقة مع كلّ من الجيش الباكستانيّ والقاعدة في الوقت نفسه، حتّى عندما تصاعد العداء بينهما بعد 11 أيلول (سبتمبر). وبالمثل، حافظ أتباع حقّاني على علاقة وثيقة مع كلّ من باكستان وحركة طالبان فرع باكستان حتّى في أوقات القتال بين الجماعة والدّولة الباكستانيّة، من عام 2007 فصاعداً، في جولة دمويّة وراء أخرى. ويمكن العثور على روايات مؤيّدة لذلك في دراسة الصّحافيّة بيت دام الأخيرة عن الملّا عمر، «البحث عن العدوّ»، بالإضافة إلى أعمال فاهيد براون وليا فارال.

إنّ النّفوذ الباكستانيّ على أتباع حقّاني في شكل الدّعم المادّيّ، والرّعاية الطّبيّة، والملاذ الآمن لم يكن كافياً لحملهم على التّخلّي عن حركة طالبان فرع باكستان. بدلاً من ذلك، أُجبرت باكستان على التّغاضي عن هذا بينما ركّزت على الهدف المشترك لانتصار طالبان، والذي من المفترض أن يحمي باكستان من أيّ قوّة معادية باستخدام قدرة كابول على إثارة الباشتون والبلوش ضدّ إسلام أباد.

مجندون خلال مراسم أداء القسَم

ما يخبرنا به هذا هو أنّ أتباع حقّاني اتّخذوا قراراتهم دائماً بناءً على الاحتياجات الاستراتيجيّة لوضعهم المتطوّر. باعتبارهم متمرّدين يقاتلون الشّيوعيّين الأفغان والسّوفيت - وبعد ذلك الأمريكان وعملائهم الأفغان - أعطى أتباع حقّاني الأولويّة للعلاقات طويلة الأمد التي من شأنها أن توفّر دعماً موثوقاً خلال العديد من تقلّبات ومنعطفات الحرب. القوّة الأيديولوجيّة التي أبقت هذه الخطوط مفتوحة كانت إيماناً مشتركاً بالتّضامن الدّينيّ، خاصّة في وقت الحرب. لكن الآن، مع انتقالهم من الحرب إلى الحُكم، يحتاج أتباع حقّاني إلى شراكات دوليّة مثمرة ومستقرّة لا تستطيع الجماعات المسلّحة العالميّة توفيرها. والحاجة إلى التّحدّث باسم الأفغان كافّة تعني أنّ منظورهم الأيديولوجيّ سيأخذ على نحو متزايد شكل مزيج من القوميّة والدّين.

ليس الغرب والهند فقط

لكن الذين أخطأوا في قراءة أتباع حقّاني ليسوا الغرب والهند فقط. بلغت الجهود التي بذلتها باكستان على مدى أربعة عقود ذروتها الآن بانتصار باهظ الثّمن حقّاً. على الرّغم من أنّ أتباع حقّاني وطالبان قد ضحّوا بهدوء بالقاعدة، فإنّهم جدّدوا التزامهم بحركة طالبان فرع باكستان، وأطلقوا سراح الآلاف من الأسر بعد تولّي السّلطة. وللمبالغة في الأمر، ضغطت طالبان على باكستان لتقديم تنازلات دستوريّة إلى حركة طالبان فرع باكستان أثناء استضافتها محادثات بين الأطراف في كابول.

يبدو أنّ أفغانستان تحت حكم طالبان مصمّمة على استخدام كلّ بطاقة متاحة لتحقيق توازن في ميزان القوى مع باكستان، حتّى لدرجة أنّها تتحدّث الآن علناً عن إمكانيّة تدريب قوّاتها في الهند. الآن، تُحصّن باكستان حدودها وتستعدّ لعلاقة المواجهة التّقليديّة بين إسلام آباد وكابول، كما لو أنّ التّحالف الذي دام على مدار جيلين مع أتباع حقّاني وآخرين لم يحدث قطّ.

لا يمكننا معرفة ما ينتظرنا - وهذا واضح من التّاريخ الحديث. لكن ما هو واضح بالقدر نفسه أنّ الولايات المّتحدة على الأقلّ تحصل على الحقّ الحاليّ من خلال الاعتراف بأنّه لا يمكن اختزال أتباع حقّاني وطالبان في قوالب نمطيّة أو دمى. يجب على المجتمع الدّوليّ بأكمله، بدلاً من ذلك، أن ينخرط في النّوع نفسه من عمليّة إعادة التّقييم الحذقة والمستمرّة التي أثبت فيها أتباع حقّاني براعتهم.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

يوهان تشاكو، ذي ناشونال، 29 أيلول (سبتمبر) 2022



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية