السودان: هل تقع المفاصلة الثانية بين البرهان والإسلاميين؟

السودان: هل تقع المفاصلة الثانية بين البرهان والإسلاميين؟

السودان: هل تقع المفاصلة الثانية بين البرهان والإسلاميين؟


19/11/2022

انتعشت آمال الإسلاميين في السودان عقب أحداث 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، التي يراها معظم تيار الثورة انقلاباً على الفترة الانتقالية، ويراها الجيش ومؤيدوه إجراءات تصحيحية، وقطاع ثالث يراها بمثابة فض الشراكة بين العسكريين والمدنيين من طرف الجيش.

وأقصت إجراءات البرهان قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي عن السلطة، واتخذت عدة إجراءات تتعلق بفضّ الشراكة معهم، لكنّ الجيش أخفق في طرح بديل يكتسب شرعية شعبية ودولية بعد ذلك، وأمام استمرار الحراك الشعبي والضغوط الإقليمية والدولية رعت البعثة الأممية في السودان (يونيتامس) وسفراء أجانب مفاوضات واسعة مع العسكريين وسائر المدنيين للبحث عن مخرج.

وأمام التحديات الجديدة التي واجهت السودان بعد ثورة ديسمبر على نظام الإنقاذ بقيادة الرئيس المعزول، عمر البشير، تحرك الإسلاميون بمختلف تصنيفاتهم الأيديولوجية والعقدية لمواجهة ما يرونه استلاب الهوية السودانية الإسلامية العربية وتهديد الأمن القومي والاجتماعي في ظل هيمنة حكومة تعمل لصالح الخارج، تكتسب شرعيتها من اتفاق مع الجيش، وهي حكومتا عبد الله حمدوك الأولى والثانية.

حراك الإسلاميين

وتجمعت 10 تنظيمات وتيارات إسلامية في السودان في اتحاد باسم "التيار الإسلامي العريض" الذي ضم كيانات إسلامية، منها الحركة الإسلامية، والإخوان المسلمون، وحزب دولة القانون، وقوى سلفية وغيرها. ووضع الكيان الإسلامي مجموعة أهداف، من بينها صيانة السيادة الوطنية وتنزيل قيم الدين على جميع أوجه الحياة وإصلاح الشأن السياسي.

وعقب ذلك توسع التفاهم بين سائر التوجهات الإسلامية، من الصوفية إلى الإخوان والسلفيين، لتجتمع مرةً ثانية تحت مبادرة "نداء أهل السودان"، إلى جانب تيارات غير دينية.

نور الدين صلاح الدين: هناك توافق على مشروع دستور انتقالي

ودعمت هذه القوى التي يعبر عنها نداء أهل السودان الجيش بقيادة الفريق أول، عبد الفتاح البرهان، منذ فضّ الشراكة مع قوى الحرية والتغيير، غير أنّ رياح التغيير طالت هذه العلاقة، منذ طرح مبادرة الدستور الانتقالي من اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، بسبب ميل البعثة الأممية والجيش وقوى الحرية والتغيير وغيرهم للقبول بها، وربما بعد تعديلها، كأساس لإعلان سياسي لمرحلة انتقالية جديدة.

ويرفض الإسلاميون وقوى سياسية أخرى توقيع اتفاق ثنائي بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري، يؤدي إلى إعادة إنتاج حكومتي حمدوك، ويؤيدون وجود دور للمؤسسة العسكرية في الفترة الانتقالية، بعكس حديث الحرية والتغيير ولجان المقاومة عن اللاءات الثلاث (لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية).

ويقول عضو اللجنة المركزية لحزب المؤتمر السوداني، نور الدين صلاح الدين، عن الاتفاق الثنائي بين الحرية والتغيير والجيش "هذه اتهامات غير صحيحة، المحادثات التي تمت بشكل مباشر تحت وساطة سعودية أمريكية لم يكتب لها النجاح، لأننا في النهاية نبحث عن حلول تفضي إلى إنهاء حالة الانقلاب وتؤسس لتدابير دستورية جديدة وتخلق توافقاً وطنياً شاملاً حول قضايا الانتقال".

دعمت القوى التي يعبر عنها نداء أهل السودان الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان منذ فضّ الشراكة مع قوى الحرية والتغيير غير أنّ رياح التغيير طالت هذه العلاقة

وتابع السياسي السوداني لـ"حفريات" بأنّه من ناحية أخرى الذي يجري الآن "هناك طيف واسع من القوى السياسية توافق على مشروع دستور انتقالي تحت مبادرة نقابة المحامين وكان من مخرجاتها، ولا يمثل وجهة نظر الحرية والتغيير فقط، بل يمثل وجهة نظر عدد مقدر من القوى السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار".

وأفاد بأنّه منذ شباط (فبراير) الماضي، سلمت الحرية والتغيير تصور حول تصميم العملية السياسية الكاملة للبعثة الأممية. وذكر أنّ رؤيتهم تتبنى تصميم عملية سياسية شاملة، تسع الحرية والتغيير والقوى التي خرجت منها لأسباب سياسية أو تنظيمية. إلى جانب أطراف العملية السلمية وقوى الكفاح المسلح التي لم توقع على اتفاق جوبا، ولجان المقاومة ومنظمات المجتمع المدني. وأكد القيادي بحزب المؤتمر السوداني، على أنّ قوى الحرية والتغيير "لا تمضي في تفاهمات ثنائية مع المؤسسة العسكرية".

تحولات البرهان

ومن جانبه، قال عضو حزب الأمة السوداني، محمد المشرف "البرهان لو تكلم عن تسوية ثنائية يعني تراجعه عن قراره بانسحاب المؤسسة العسكرية من العملية السياسية". ولفت إلى أنّ من يتفاوض مع الجيش همّ، حزب المؤتمر السوداني، وحزب الأمة القومي، والتجمع الاتحادي، وحزب البعث. وأضاف "لا أحد فيهم لديه المصلحة في التحول الديمقراطي".

وكان من المتوقع أنّ يعتمد البرهان على الطيف السياسي الواسع الذي ينطلق من رؤية تؤيد دور الجيش في الفترة الانتقالية في المفاوضات مع الحرية والتغيير، غير أنّه وجه النقد إلى هذا الطيف في مرتين متتاليتين.

عبد الماجد عبد الحميد: البرهان لا علاقة له بقيادات الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر

وقال البرهان خلال لقاء مع ضباط من الجيش في قاعدة بشمال الخرطوم "نحذر المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية من المساس بالجيش وعليهم أن يرفعوا يدهم عن الجيش". وفي لقاء آخر بعد أسبوع جدد رئيس مجلس السيادة في السودان عبد الفتاح البرهان تحذير القوى السياسية من "محاولات التدخل في الجيش بأي حال من الأحوال"، مشيراً إلى أنّ الجيش "فضّ الشراكة مع الحرية والتغيير العام الماضي بعد تدّخل التحالف في شؤون القوات المسلحة. وأضاف البرهان "حذّرنا الناس وحذرنا التيار الإسلامي من التدخل في الجيش، وأقول لهم امشوا بعيداً. لا طريقة لكم لتركبوا على ظهر الجيش لكي تصلوا إلى الحكم. هذا الجيش لن يحني ظهره لأحد كي يمتطيه".

وفي إشارة ثانية على تغير موقفه تجاه الإسلاميين، تمت إعادة الرئيس المعزول، عمر البشير وقيادات أخرى من المؤتمر الوطني وحزب المؤتمر الشعبي إلى السجون، من المستشفيات التي كانوا يُعالجون فيها.

الناشط عبد العظيم صديق لـ"حفريات": الخلاف سببه الكرسى؛ لو البرهان مشي في طريق الإسلاميين سيفقد الحكم إما بالضغط الدولي والحصار أو بمؤامرات الإسلاميين أنفسهم

وحول موقف الإسلاميين، قال رئيس تحرير صحيفة مصادر، عبد الماجد عبد الحميد "المدهش حقاً أنّ المحيطين بالفريق البرهان نشروا روايات طويلة تبرر قرارهم الغريب، وملخصها أنّ الرئيس البشير ورفاقه بغرف تلقي الرعاية الطبية بالسلاح الطبي كانوا يديرون نشاطاً سياسياً لصالح النظام البائد".

وأفاد لـ"حفريات" بأنّ "عودة البشير إلى كوبر بهذه الطريقة الدراماتيكية تزيح الستار عن التناقض المحزن الذي تعيشه وتمارسه بعض القيادات الفاعلة داخل الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني؛ حيث ظلت تطالب قواعدها الصابرة بدعم البرهان بدعوى أنه أفضل الخيارات السيئة، وها هي الأيام تبرهن لهؤلاء المشايخ أنّ رهانهم كان وسيكون أسوأ الخيارات المتاحة".

وأشار الكاتب الصحفي إلى أنّ البرهان لا علاقة له بقيادات الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني. وكشف أنّه "بات يملك مشروعاً خاصاً به ليكون رئيساً للسودان، وفي سبيل تحقيق غايته هذه لن يجد حرجاً ولا مشاحة في ضرب الإسلاميين والتنكيل بهم، إن كان ذلك يحقق له حلمه الذي بات قريباً من مرمى عينه".

المفاصلة الثانية

ومن جانب آخر لا يرى الناشط السياسي السوداني، عبد العظيم صديق، وجود خلاف فكري أو سياسي بين البرهان والإسلاميين. وقال "الخلاف سببه الكرسي؛ لو البرهان مشي في طريق الإسلاميين سيفقد الحكم، إما بالضغط الدولى والحصار أو بمؤامرات الإسلاميين أنفسهم، ويشبه ذلك إلى حد كبير الخلاف بين البشير والترابي، فيما عُرف بالمفاصلة".

وكان قرار صدر عن البرهان بتعيين رئيس جديد للجنة الاستئناف على قرارات لجنة إزالة التمكين، عده البعض تقرباً إلى الحرية والتغيير، وتشديداً تجاه الإسلاميين وخصوصاً القيادات التي كانت في الحكم.

وحول القرار قال الناشط صديق لـ"حفريات" هو "محاولة لترضيه بعض أطراف المجلس المركزي للحرية والتغيير". ونوه بأنّ لجنة الاستئنافات لم يعد لها أي أهمية بعد إرجاع معظم أو كل الأموال والشركات المستردة لفلول الحركة الإسلامية، "لم يعد هناك ما يستأنف عليه".

ويرى السياسي السوداني، محمد المشرف، في حديثه لـ"حفريات" أنّه من غير الممكن تصنيف كل الرافضين للتسوية الثنائية على أنّهم إسلاميون. وذكر أنّ من غير الإسلاميين يوجد حزب الأمة السوداني والحزب الشيوعي وجمعية أنصار السنة المحمدية وغيرهم. وبسؤاله عن العلاقة بين البرهان والإسلاميين، قال "إذا وُجد تحول فمؤكد أملته الضغوط الإقليمية والدولية، لكن عملياً في أرض الواقع لا يوجد تحول ملموس".

محمد المشرف: ليس كل الرافضين للتسوية إسلاميين

وبدوره قال القيادي بحزب المؤتمر السوداني، نور الدين صلاح الدين "البرهان يريد إرسال ثلاث رسائل في بريد ثلاث جهات؛ المجتمع الدولي والشارع السياسي وقوى الحرية والتغيير". وأضاف لـ"حفريات" فيما يلينا في قوى الحرية والتغيير "فنحن غير معنيين بهذه الرسالة، ونفصلها عن معركتنا مع بقايا نظام الإخوان والبشير والسلطة الانقلابية الحالية، فكلاهما ارتكب جرائم بحق السودان".

وقلل صلاح الدين من شأن علاقة البرهان بفلول الإخوان "ربما لا يكون الرجل صادقاً أساساً في مواقفه، فهو متعطش للسلطة ويلعب على كل الحبال في سبيل أن يفسح لنفسه مجالاً للسيطرة على مقاليد الأمور، ولهذا لا نريد مواقف مبنية على الأهواء الشخصية ومزاج الفرد الذي يسيطر على مقاليد السلطة، نريد دولة قانون ومؤسسات".

وذهب الكاتب الصحفي عبد الحميد عبد الماجد إلى أنّ ما حدث من البرهان تجاه الإسلاميين سيُسهم في رؤيتهم لحقيقة طموح البرهان، مشدداّ على أنّه "ليس أمام القوى الوطنية المخلصة في بلادنا من خيار غير التعاضد والتحالف لإنجاز مشروع وطني خالص، يتيح للشعب السوداني تحديد خياراته في وجه قوى الاستلاب والاختطاف، التي يريد البرهان وحميدتي إعادتها إلى واجهة الفعل السياسي عبر رعاية من ذات الدول والقوى التي تتربص ببلادنا شراً".

وفي العام 1999 انقسم الإسلاميون الذين كانوا يحكمون السودان إلى حزبين؛ المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، فيما عرفت بـ "المفاصلة".

وعقب ورشة سياسية لمدة أسبوع بمشاركة قوى سياسية في نقابة المحامين، أعلنت اللجنة التيسيرية للنقابة عن مشروع الدستور الانتقالي، في (11) أيلول (سبتمبر) الماضي. وجاء في (12) باباً و(76) مادة، تتحدّث عن طبيعة الدولة، وسيادة القانون، وحكم القانون، ووثيقة الحقوق والحريات الأساسية، ومهام الفترة الانتقالية، وهياكل السلطة الانتقالية، تكوينها، واختصاصاتها، والفصل بين السلطات، والمفوضيات المستقلة، ونظام الحكم الفيدرالي.

وأعطت المبادرة القوى الموقعة على مشروع الدستور الحق في تشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي، بما فيها مجلس السيادة والحكومة والمجلس التشريعي، والأخير الذي أسندت إليه الوظيفة التشريعية كاملةً سيتم تشكيله بناء على المحاصصة.

وحظي مشروع الدستور الانتقالي بترحيب دولي وأممي كبير، وتأييد من أحزاب من معسكر الثورة منها الحرية والتغيير - المجلس المركزي، ورفضته أحزاب سياسية بعضها من قوى الثورة والإسلاميين ومبادرة نداء أهل السودان، بجانب قوى سلام جوبا، التي رفضت المشروع باعتباره ينص على مراجعة سلام جوبا.

ويعيش السودان أزمة سياسية منذ أطاح الجيش بقوى الحرية والتغيير من السلطة، وألغى الشراكة مع الحرية والتغيير في الوثيقة الانتقالية، وأقال حكومة حمدوك الثانية، وذلك ضمن ما اعتبره الجيش إجراءات تصحيحية في (25) تشرين الأول (أكتوبر) 2021، بينما اعتبرته قوى الثورة انقلاباً.

مواضيع ذات صلة:

على وقع الحروب القبلية والأزمات السياسية... الشارع السوداني يغلي مجدداً

هل اقترب المدنيون والعسكريون من التوصل لاتفاق سياسي في السودان؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية