السودان.. انقلاب الحركة الاسلامية

السودان.. انقلاب الحركة الاسلامية

السودان.. انقلاب الحركة الاسلامية


31/10/2023

أحمد عثمان عمر الحامي

قصة انقلاب معلن!! (الحركة الإسلامية وتجريب المجرب)

 (١) المتابع لوسائط التواصل الاجتماعي ، يلحظ دون عناء الهجمة الشرسة من قبل الحركة الإسلامية وكتابها ومنسوبيها على قائد الانقلابات المزمن وقائد الجيش غير الشرعي الجنرال برهان وبقية قيادته بنسبة اقل. بدأت هذه الحملة منذ خروجه من القيادة العامة ، بهدف الضغط عليه ومنعه من الذهاب إلى منبر جدة للتفاوض مع الجنجويد ، وإلزامه بالاستمرار في الحرب تحت شعارهم “بل بس”. وبالمواكبة مع ذلك ، استمرت حربهم الإعلامية المضللة ، وترويجهم لانتصارات وهمية للجيش ، وبطولات لهيئة العمليات ، في محاولة لتحويل الهزائم المرة التي تجرعها الجيش بسبب اختطاف هذه الحركة له وتسيسه إلى انتصارات ، وتسعير الحرب اكثر تحت الإيهام بأن الجيش قادر على حسمها عسكرياً ، وهو امر يثبت كل يوم عدم صحته . فمواقع ومعسكرات الجيش تسقط كل يوم في أيادي مليشيا الجنجويد المجرمة كأحجار الدومينو ، حتى وصلنا إلى سقوط مدينة نيالا وانفتاح الطريق لسيطرة المليشيا على كامل اقليم دارفور وقلب معطيات التوازن العسكري بشكل كبير ومؤثر ، وتغيير توازن الضعف الحاكم لمفاوضات منبر جدة ، تحت العصا الغليظة للمجتمع الدولي والتهديد المباشر بالعقوبات للطرفين. وبالرغم من ان الحركة الإسلامية ترى عيانا بيانا مآلات رفضها للتفاوض مع ربيبتها وصنيعتها مليشيا الجنجويد ، والذي ادى لذهاب الجنرال المختطف لقيادة الجيش ذليلا للمفاوضات بحيث قبل إنفاذ المليشيا ارادتها عليه وإلزامه بتغيير تركيبة وفده المفاوض ، إلا انها مازالت مصرة على رفض المفاوضات وراغبة في استمرار الحرب ، بمستوى جعلها تصعد من تهديدها للجنرال المحصور بين مطرقتها وسندان الجنجويد. (٢) والواضح هو ان فشل الحركة الاسلامية في منع الجنرال وقيادة الجيش المهزومة من الذهاب للمفاوضات، لم يترك أمامها مجالا سوى رفع مستوى التهديد لاجباره على الانسحاب من هذه المفاوضات. فبعد ان كان الهجوم عليه مقصورا على منسوبي الحركة وناشطيها في مواقع التواصل الاجتماعي، وصل الأمر اليوم إلى ان ينشر المؤتمر الوطني المحلول بوستا صريحاً ، يطالب فيه كتائب الإسلاميين ولواء البراء بن مالك (مليشيا الحركة الإسلامية التي تقاتل مع الجيش المختطف) ، بإستلام السلطة من الجنرال الخائن وتسليمها إلى قائد المدرعات مع سحب وفد المفاوضات فوراً. والبوست في الحقيقة يفضح سيطرة الحركة الإسلامية على الجيش بمستوى يجعلها قادرة على إعلان انقلابها في الميديا قبل حدوثه ، كما يوضح ان مليشيات الحركة الإسلامية هي المتحكمة في الجيش المختطف ، وأنها هي المسيطرة فعليا على السلطة ، وانها قادرة على انتزاع السلطة وتسليمها إلى من تريد ، وان من تريده قيادتها هو قائد المدرعات الذي تم فضحه بإعتباره خيار الحركة الإسلامية ولابد من انه عضو عامل بها طالما انه موثوق به ، هذا بالطبع ان كانت هنالك مدرعات ولها قائد بعد استيلاء الجنجويد على قيادتها وتدمير معظم مدرعاتها ونزع الأخرى. خطورة هذا الاعلان ليس في حتمية حدوثه من عدمها ، بل في توضيح حقيقة ان الجيش مختطف ، وان قيادته غير الشرعية الراهنة مجرد واجهة للحركة الاسلامية ورهينة للإنقاذ واستمرار لتمكينها. وهو يؤكد ما ظللنا نردده منذ سقوط المخلوع البشير ، من ان اللجنة الامنية للإنقاذ التي أعقبته في السلطة ، ما هي إلا واجهة لانقلاب قصر قامت به الحركة الإسلامية ، وان الشراكة معها شراكة مع الذراع الضاربة للإنقاذ ، من المستحيل ان تقود لانتصار الثورة او ان تسمح لها بتحقيق اهدافها. (٣) والسؤال المؤرق هو هل الحركة الاسلامية جادة في تهديدها باستلام السلطة عبر انقلاب عسكري مجددا ام ان الامر مجرد تهديد لافشال المفاوضات ليس إلا؟ والإجابة تستدعي قراءة الاحداث في سياقها التاريخي الذي يوضح بأن الحركة الاسلامية قد اعتمدت الانقلاب العسكري كوسيلة وحيدة للوصول إلى السلطة وإنفاذ ارادتها. فهي قامت بانقلاب في العام ١٩٨٩م ، وبانقلاب قصر في ٢٠١٩م ، وبانقلاب آخر في ٢٠٢١م لتقويض شراكة الدم والانفراد بالسلطة وتصفية الثورة ، وبإنقلاب في أبريل ٢٠٢٣م لمنع مليشيا الجنجويد من الخروج عن طاعتها والإخلال بالتوازن الذي صنعه الاتفاق الإطاري ويستلزم بقاء المليشيا في بيت الطاعة ليستمر التمكين ، ولم تستنكف عن الانقلاب حتى في حالة كانت مآلاته حربا ضروسا قضت على الاخضر واليابس. ولهذا من غير المستبعد ان تقوم بإنقلاب جديد إذا احست بأن المفاوضات في جدة تتم على حسابها وبغرض تصفيتها لأن تمكينها اوشك ان يذهب ادراج الرياح بعد ان طحنته المليشيا المجرمة، ولم يبق أمامها سوى القتال لتقليل من الخسائر والبقاء شريكا في مسرح الاحداث لا سيدا مطلقا يدير اللعبة ويحدد شروطها. فوفقا لما يرشح من توجسات لدى الحركة الاسلامية، هي متخوفة من خضوع قيادة الجيش غير الشرعية لارادة المجتمع الدولي ، والتوصل لتسوية على حسابها تقود لتصفية كادرها داخل الجيش وكنس ذراعها الضاربة وكشفها عسكريا بمستوى يعني انهيارا شاملا لتمكينها الذي تزعزع وقبضتها التي لامت واوشكت على الزوال. (٤) لذلك الانقلاب يحقق لها التحكم في مسار المفاوضات ، ويضعها طرفا مباشرا فيها متحكما في استمرارها من عدمه ، وان كان لا يستطيع التحكم في نتائجها ، لكنه يظل قادرا على الانسحاب دائما منها ، والتمسك باستمرار الحرب كوسيلة لتحسين وضعه التفاوضي ، بالضغط على المجتمع الدولي الراغب في ايقافها. فإستلام السلطة يتيح لها الحصول على ورقة للمساومة ، ويسمح لها بالتفاوض المباشر على مصيرها مقابل تسليم السلطة ، وتحقيق بعض المكاسب التي تمكنها من إنقاذ ما يمكن انقاذه في حين ان اعتمادها على الواجهات غير الموثوق فيها كالجنرال المستهدف وقيادته غير الشرعية ، يعرضها لخطر كبير في حالة مساومته على خلاصه الفردي او مع قيادته في مقابل تسليمها إلى اعدائها – وهم كثر- لنحرها من الوريد للوريد . فالانقلاب الذي هو مآل اي جيش مهزوم اول من ينقلب عليه هو قيادته ، يتبدى في شكل المخرج الوحيد والمنفذ المتاح للخروج من هذه الورطة التي حشرت الحركة الإسلامية نفسها فيها. فالجنرال في متاهته الحالية ، يجلس على براميل بارود من الممكن ان ننفجر في اي لحظة ، فإن لم تنقلب عليه حركته الاسلامية ، ربما ينقلب عليه آخرون ، فجيشه برمته يحمله وزر الهزيمة كأي جيش مهزوم آخر . والحركة الاسلامية تفهم ذلك جيداً ، وقد يكون هذا دافعاً آخر لها لتنفيذ انقلابها الجديد . ماهو مؤكد ان الانقلاب الجديد لايعدو ان يكون تجربة للمجرب نهايتها ندامة مؤكدة ، فهو ان نجح في تخفيض الخسائر في طاولة المفاوضات مع الجنجويد وتحقيق بعض المكاسب للحركة، لن يعفيها من الطوفان الجماهيري القادم الذي سيقذف بها إلى مزبلة التاريخ مكانها الطبيعي. فهل سنشهد تنفيذا لهذا الانقلاب المعلن ؟ للنتظر ونرى ، ونحن نعمل بجد في بناء جبهتنا القاعدية لايقاف الحرب وبناء سلطة انتقالية مدنية خالصة ، وظيفتها كنس الحركة الاسلامية والجنجويد معا ، للتأسيس للتحول الديمقراطي وبناء دولة المواطنة . وقوموا الى ثورتكم يرحمكم الله!! .

عن "الراكوبة"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية