الرئيس الإصلاحي في إيران عندما يكون ظلاً للمرشد

الرئيس الإصلاحي في إيران عندما يكون ظلاً للمرشد

الرئيس الإصلاحي في إيران عندما يكون ظلاً للمرشد


09/07/2024

بعد إعلان الفائز بالرئاسة الإيرانية، توالت التقارير التي تفيد بأنّ صلاحية الرئيس الإصلاحي الفائز بالانتخابات الأخيرة مسعود بزشكيان، ستكون محدودة، رغم حصوله في الجولة الثانية على 16 مليوناً و384 ألفاً و403 أصوات، مُقابل منافسه المحافظ سعيد جليلي الذي حصل على 13 مليوناً و538 ألفاً و179 صوتاً.

ويُعتبر الرئيس أرفع مسؤول منتخب، ويأتي في المرتبة الثانية بعد المرشد الأعلى الذي يمسك بزمام السلطة الحقيقية في إيران.

وسيتولى بزشكيان مهمة تطبيق سياسة الدولة التي يحدد ملامحها المرشد الأعلى علي خامنئي.

ويعد الرئيس مسؤولاً عن إدارة الشؤون اليومية للحكومة، ولديه تأثير كبير على السياسة الداخلية والشؤون الخارجية، ولكنّ صلاحياته تعتبر محدودة نسبياً، وبخاصة في المسائل المتعلقة بالأمن، وفق "بي بي سي".

وتدير وزارة الداخلية التابعة للرئيس جهاز الشرطة الوطني. لكنّ قائد الشرطة يتم تعيينه من قبل المرشد الأعلى، وهو مسؤول مباشرة أمامه.

وينطبق الأمر نفسه على قائد قوات الحرس الثوري التي تضم قوات المتطوعين التي تعرف باسم "الباسيج".

ويمكن أن تخضع سلطات الرئيس للتدقيق من قبل البرلمان الذي يمكن أن يطرح قوانين جديدة.

في المقابل، فإنّ مجلس صيانة الدستور، الذي يضم حلفاء مقربين من المرشد الأعلى، يتولى مهمة المصادقة على القوانين الجديدة ويمكنه رفضها.

دلالات انتخاب رئيس إصلاحي

وثمة دلالات ترتبط بالنتائج التي أسفرت عنها الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ويمكن تسليط الضوء عليها على النحو التالي، كما يرى الباحث شريف هريدي في تحليل نشره "مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة":

1-عودة الإصلاحيين للسلطة: في مُفارقة، مع تراجع فرص التيار الإصلاحي في المشاركة في السلطة داخل إيران خلال السنوات الأخيرة، مقابل هيمنة المحافظين على مفاصل الحكم؛ تمكّن المرشح المدعوم من الإصلاحيين والمعتدلين، مسعود بزشكيان، من الفوز بالرئاسة الإيرانية، في تكرار ربما لسيناريو انتخابات 1997، والتي جاءت بأول رئيس إصلاحي لسدّة الحكم في طهران آنذاك، وهو الرئيس محمد خاتمي، والذي فاز على أحد أقطاب الأصوليين في ذلك الوقت وهو رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) حينذاك، علي أكبر ناطق نوري. 

من الذي يمسك بزمام السلطة؟

ونجح الإصلاحيون في جذب بعض ناخبي ما يُسمى بـ"الكتلة الرمادية"، والتي لم تشارك في الجولة الأولى من الانتخابات، وكانت حوالي 36 مليون صوت، لصالحهم؛ لتضيف إلى إجمالي الأصوات التي حصل عليها بزشكيان في الجولة الأولى، والتي كانت تقدر بعشرة ملايين صوت، حوالي ستة ملايين صوت جديد، ليفوز في النهاية بزشكيان بنسبة تُقدر بحوالي 55% من إجمالي المشاركين في الانتخابات. 

2- ارتفاع نسبة المشاركة: سجّل حجم المشاركة في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية في إيران، ارتفاعاً بنحو عشر نقاط مئوية مقارنةً بنسبة المشاركة في الجولة الأولى والتي كانت 40%. كما أنها أعلى بشكل طفيف من نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت عام 2021، وفاز فيها الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، والتي بلغت حينها 48.8%. 

يُضاف إلى ذلك عامل آخر يتعلق بأنّ الانتخابات الرئاسية الحالية قد أجريت بمعزل عن الانتخابات البلدية؛ إذ كان من المقرر أن يُجريا معاً عام 2025، وفقاً للقانون، إلا أنّ الوفاة المفاجئة لرئيسي أسفرت عن تعديل القانون، وإجراء الانتخابات الرئاسية بشكل مُبكر؛ أي إنّ نسبة المشاركة في هذه الانتخابات (50%) هي نسبة معقولة بالنظر إلى هذا العامل.

 

فوز بزشكيان لا يمثل خروجاً عن النص الإيراني في التعامل مع الملفات الداخلية والخارجية، والتي تخضع جميعها للتوجهات التي يرسمها المرشد الأعلى

 

3- سيطرة الجناح المُتشدد داخل التيار المحافظ: بالرغم من هزيمة المحافظين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فإنّ نتائجها أوضحت أنّ ما يُسمى بـ"جبهه پایداری" أو "جبهة ثبات الثورة الإسلامية"، والتي تمثل الجناح اليميني المتشدد داخل التيار المحافظ، ستكون لها السيطرة والغلبة داخل التيار خلال الفترة المقبلة؛ لأنّ المرشح الفائز من الجولة الأولى كان سعيد جليلي، الذي ينتمي لهذه الجبهة، في مقابل المرشح الذي خسر من الجولة الأولى، وهو رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، والذي ينتمي للجناح البراغماتي في التيار المحافظ. وجاء ذلك على خلاف ما كشفت عنه بعض استطلاعات الرأي، والتي كانت ترجح أن يكون قاليباف هو الفائز في تلك الجولة.

4- تراجع رجال الدين: من خلال تقييم نتائج الانتخابات الإيرانية الأخيرة، يبدو أنّ الشارع الإيراني فقد الثقة في رجال الدين؛ إذ حصل المرشح الرئاسي الخاسر، مصطفى بور محمدي، وهو رجل الدين الوحيد الذي ترشح للانتخابات الرئاسية الحالية، على نحو 200 ألف صوت فقط، من إجمالي 24 مليون ناخب شاركوا خلال الجولة الأولى. 

التداعيات على الداخل الإيراني

وبالنظر إلى التصريحات التي أدلى بها بزشكيان وقادة حملته الانتخابية، يمكن، وفق هريدي، استشراف عدد من التداعيات والسياسيات المُحتملة لفوز بزشكيان على الداخل الإيراني، وذلك على النحو التالي:

1- التمسك بمبادئ وقيم النظام الإيراني: حرص بزشكيان على إلقاء الخطاب الأول له، في ضريح الإمام الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية. كما وصف بزشكيان، خلال كلمته، خامنئي بـ"القيادة الحكيمة"، وحرص على أن يكون بجانبه، حسن الخميني، حفيد الإمام الخميني؛ في رسائل تُقرأ على أنّ بزشكيان رئيس إصلاحي ينتمي للنظام في إيران، ولا يرفضه، وهذا بخلاف بعض تيارات المعارضة الإيرانية، ولاسيما المعارضة في الخارج من أنصار "حركة مجاهدي خلق" وأنصار الملكية، ممن يرفضون الثورة والنظام القائم.

2- اختيار حكومة تكنوقراط: صرّح الرئيس الإيراني المُنتخب، في خطابه الأول، بأنه يمد يد الصداقة للجميع من أجل مصلحة البلاد، كما أقر بأنّ "الطريق صعب" ولا يمكن تجاوزه إلا بتعاضد الجميع، وكان استقباله المرشح الأصولي الخاسر، جليلي، تعبيراً على هذا المعنى.

3- إفساح المجال لمزيد من الحريات: أكد بزشكيان، خلال المناظرات التلفزيونية، ضرورة إيجاد حل دائم لقضية إلزامية الحجاب، منتقداً الممارسات التي وصفها بـ"القمعية" لشرطة الأخلاق ضد النساء. كما انتقد بزشكيان ممارسات الحكومة في قمع الاحتجاجات تجاه المتظاهرين في احتجاجات "الحركة الخضراء" عام 2009. وتعهد الرئيس الجديد بضمان منع الرقابة وتقييد الإنترنت، وتمثيل حكومي أوسع نطاقاً للنساء والأقليات القومية والمذهبية خصوصاً الأكراد والبلوش، علماً بأنّ بزشكيان نفسه ينتمي لأب أذري وأم كردية.

 

أكد بزشكيان، خلال المناظرات التلفزيونية، ضرورة إيجاد حل دائم لقضية إلزامية الحجاب، منتقداً الممارسات التي وصفها بـ"القمعية" لشرطة الأخلاق ضد النساء

 

4- صراع الثنائية في الحكم: ليس واضحاً ما إذا كان فوز بزشكيان سوف يعيد صراع الثنائية في الحكم، والذي كان سائداً خلال فترة تولي روحاني أم لا؟ إذ إنّ أغلب مؤسسات صُنع القرار في إيران مُهيمَن عليها من جانب الأصوليين، وعلى رأسها مجلسا الشورى (البرلمان) وخبراء القيادة (المعني باختيار المرشد)، وكذلك مجلس صيانة الدستور (المعني بالنظر في أهلية الترشح للانتخابات)، ومجمع تشخيص مصلحة النظام (الذي يشارك في تحديد السياسات الداخلية والخارجية)، ومجلس الأمن القومي، بالإضافة إلى وجود الحرس الثوري وأجهزة الأمن والاستخبارات؛ ومن ثم تعود الازدواجية بوضوح في عملية اتخاذ القرار، فمثلاً في مجال السياسة الخارجية قد تعود ثنائية الميدان والدبلوماسية، وأيهما له الأولية على الآخر؛ وهو ما حدث في عهد حكومة روحاني ووزير خارجيته ظريف.

5- إشكالية خلافة المرشد: يُعيد انتخاب بزشكيان، باعتباره رئيسياً إصلاحياً، ملف خلافة المرشد الأعلى، للواجهة مرة أخرى، إذ إنّ وفاة رئيسي أفقدت إيران منصبين معاً؛ أحدهما واقعي وهو رئيس الجمهورية، والآخر مُحتمل وهو المرشد؛ وذلك بالنظر إلى تقدم عمر خامنئي وظروفه الصحية، فضلاً عن أنّ رئيسي كان من أبرز المرشحين لمنصب الخلافة. ففي حين نجح النظام في سد الشغور الرئاسي، فإنّ اختيار المرشد القادم ما زال يمثل إشكالية، وربما يسفر عن سيناريوهات معقدة تتعلق إما بالاختيار السلس للمرشد الثالث، أو الصراع بين أجنحة النظام، أو تولي الحرس الثوري زمام الأمور، في حال الفشل في اختياره.

لا خروج عن النص

فوز بزشكيان قد يمثل حالة من تبديل الأدوار داخل النظام الإيراني، والذي أثبت مرة أخرى مرونته وقدرته على التجديد؛ في محاولته تقليل الهوة المُتزايدة بينه وبين الشارع، كما يرى مركز المستقبل.

 ومع ذلك، فإن مجيء بزشكيان لا يمثل خروجاً عن النص الإيراني في التعامل مع الملفات الداخلية والخارجية، والتي تخضع جميعها للتوجهات التي يرسمها المرشد الأعلى والمؤسسات التابعة له، في إطار "الثابت" في السياسة الإيرانية. بيد أنه قد يكون للرئيس المُنتخب قدر من الحركة لإدارة تلك الملفات في إطار "المتغير" في السياسة الإيرانية، يسمح له بترك بصمة خاصة وإحداث تغييرات "مصرح بها" في الداخل بشأن الحقوق والحريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكذلك إدارة العلاقات مع الخارج.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية