الدبيبة يحرم الجيش الليبي من الرواتب

الدبيبة يحرم الجيش الليبي من الرواتب


17/04/2022

مع إعلان وفد القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية (الجيش الوطني) في لجنة (5+5) العسكرية تعليق مشاركته، لأسباب تتعلق بتعنّت حكومة الوحدة الوطنية، المنتهية ولايتها، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في صرف مستحقات منتسبي القيادة العامة، بات الإخفاق مصير المسار الثالث لحلّ الأزمة الليبية، بعد إخفاق المسارَين؛ السياسي والاقتصادي.

وكانت الآمال معلقة على اللجنة العسكرية المشتركة كي تكون القاطرة التي تجرّ بقية المسارات نحو حلّ سياسي ينهي معاناة الشعب، وهي الآمال التي تبخرت حتى قبل إعلان وفد القيادة العامة تعليق عمله، بل والمطالبة بإغلاق الموانئ النفطية والطرق والمجال الجوي.

مهام اللجنة العسكرية

في التاسع من نيسان (أبريل) الجاري، طلب ممثلو قوات القيادة العامة في لجنة (5+5) من القائد العام للقوات المسلحة، المشير خليفة حفتر، إيقاف تصدير النفط، وقفل الطريق الساحلي الرابط بين الشرق والغرب، وإيقاف جميع أوجه التعاون مع حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة ومكوناتها، برئاسة الدبيبة، وإيقاف تسيير الرحلات الجوية بين الشرق والغرب، وذلك في سياق إعلانهم تعليق مشاركتهم في اللجنة لحين تحقيق هذه المطالب. ورأى ممثلو القيادة؛ أنّ تصرفات الدبيبة تعدّ "مخالفة للاتفاق السياسي وانتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، وفق المعايير والمواثيق الدولية والوطنية"، وذلك بسبب تعنته في صرف رواتب منسوبي القيادة العامة.

واتّهم بيان ممثلي القيادة المجتمع الدولي والأمم المتحدة بـ "عدم تحريك ساكن أمام هذه التطورات والمنزلق الخطير".

القيادي الإخواني خالد المشري

وجاء البيان في وقتٍ تشهد البلاد فيه مرحلةً جديدة من الانقسام السياسي، بعد رفض عبد الحميد الدبيبة تسليم السلطة التنفيذية لحكومة، فتحي باشاغا، التي نالت الثقة من مجلس النواب في آذار (مارس) الماضي.

 وعلى ما يبدو؛ فإنّ الدبيبة يستخدم سلاح الرواتب في عقاب القيادة العامة، منذ توليه السلطة في آذار (مارس) 2021، بموجب الاتفاق السياسي الذي نصّ على إجراء الانتخابات العامة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وهو ما لم يتحقق بسبب عدم التوصل لقاعدة دستورية متفق عليها، سواء في ملتقى الحوار السياسي أو في اجتماعات مجلس النواب ومجلس الدولة.

تعدّ أزمة رواتب منسوبي القيادة العامة بمثابة ورقة ضغط من الحكومة في طرابلس على المنطقة الشرقية بالكامل في إطار الصراع السياسي

وكان من المفترض أن يكون عمل اللجنة بعيداً عن الانقسام السياسي، خصوصاً بعد نجاحها في التوصل لمسودة اتفاق لوقف إطلاق النار، في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، وبناءً على الاتفاق، كانت مهام اللجنة كالآتي: بنود تتعلق بفكّ الاشتباك بعد انسحاب القيادة العامة من معركة طرابلس، وتأمين المنشآت النفطية، وفتح الطرق الساحلية والمجال الجوي، والإفراج عن الأسرى والمعتقلين، وهي البنود التي أحرزت اللجنة فيها نجاحاً مقبولاً خلال العام الماضي.

لماذا أخفقت اللجنة؟

وهناك بنودٌ أخرى لم تحرز اللجنة فيها نجاحات تذكر، منها: خروج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية، براً وبحراً وجواً، في مدة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ التوقيع على وقف إطلاق النار، وتجميد العمل بالاتفاقيات العسكرية الخاصة بالتدريب في الداخل الليبي، وخروج أطقم التدريب إلى حين استلام الحكومة الجديدة الموحدة لأعمالها.

إضافةً إلى عملية حصر وتصنيف المجموعات والكيانات المسلحة، بجميع مسمّياتها، على كامل التراب الليبي، سواء التي تمّ ضمّها للدولة، أو التي لم يتم ضمّها، ومن ثم إعداد موقف عنها (من حيث قادتها وعدد أفرادها وتسليحها وأماكن تواجدها)، وتفكيكها ووضع آلية وشروط إعادة دمج أفرادها، وبشكل فردي، في مؤسسات الدولة، وكذلك إيقاف التصعيد الإعلامي وخطاب الكراهية المتفشي.

وتعدّ أزمة رواتب منسوبي القيادة العامة بمثابة ورقة ضغط من الحكومة في طرابلس على المنطقة الشرقية بالكامل في إطار الصراع السياسي، وذلك بسبب المسار القانوني الذي يحظى بدعمٍ دولي، ويحصر بيع النفط واستلام الإيرادات بيد السلطة في طرابلس.

ومقارنةً مع تعامل الحكومة مع القيادة العامة والتشكيلات المسلحة في المنطقة الغربية، يتضح أنّ الأولى لا تحصل سوى على الرواتب، وليس بانتظامٍ، ولولا ورقة ضغط مناطق النفط التي بيدها لما حصلت على أيّ شيء، بينما تحصل التشكيلات المسلحة، التي ضُمَّ معظمها لتشكيلات تابعة للحكومة والمجلس الرئاسي، على الرواتب ودعم مالي لعملياتها ومتطلباتها.

سعد الدينالي: ظلّ التأثير السياسي ينعكس على أعمال اللجنة

وبعد أكثر من عامين على تشكيل لجنة (5+5)، وعام ونصف العام على توقيع وقف إطلاق النار، يرى المحلل السياسي الليبي محمد عامر؛ أنّ "أداء اللجنة كان جيداً، لكنّه اتجه، رويداً رويداً، للانهيار والفشل، لعدة أسباب؛ أهمها أنّ الممثلين الخمسة عن المنطقة الغربية لا يملكون سلطةً على التشكيلات المسلحة التي يتحدثون باسمها، وهم مكبّلون من قبل قادة التشكيلات المسلحة، الذين يفرضون ما يريدونه بحكم الأمر الواقع".

وتابع لـ "حفريات": "الرفض القاطع من التشكيلات المسلحة والداعمين السياسيين لهم، خصوصاً الإخوان، لوجود المشير حفتر على رأس المؤسسة العسكرية، بل وحتى أيّ دور له في ليبيا، كما شهدنا حين ترشح لانتخابات الرئاسة، هو العائق الأهم أمام توحيد المؤسسة العسكرية".

ومن جانبه، قال رئيس مكتب الاستشارات السياسية بالحزب الاتحادي الوطني، سعد الدينالي: "التأثير السياسي واضح على عمل اللجنة، التي تفاءلنا خيراً في بداية عملها، لكنها تعثّرت اللجنة في تنفيذ ما أسند إليها من مهام، وعلى رأسها الإسراع في توحيد المؤسسة العسكرية".

وأفاد السياسي الليبي لـ "حفريات": "حاولت اللجنة تنفيذ بعض بنود وقف إطلاق النار، خاصةً فتح وتأمين الطريق الساحلي، وتقريب وجهات النظر بين العسكريين، لكن ظل التأثير السياسي ينعكس على أعمال اللجنة، وآخر دليل هو بيان وفد القيادة العامة، الذي يوضح بشكلٍ جلي أنّ أسباب الإخفاق سياسية".

البنود المستحيلة

وتتطلب النجاحات التي حققتها اللجنة وقفةً، وهي تثبيت وقف إطلاق النار، وفتح الطريق الساحلي، والمجال الجوي، وإطلاق سراح عددٍ من الأسرى.

أولاً؛ كان الاتفاق تحصيل حاصل، بعد انسحاب قوات القيادة العامة من محيط طرابلس والمنطقة الغربية، حتى خطّ سرت - الجفرة، وأمام عجز التشكيلات المسلحة في المنطقة الغربية، المدعومة من تركيا بالجنود والمرتزقة، عن تجاوز الخط، الذي دعمته مصر، بات وقف إطلاق النار واقعاً، وكان فض الاشتباك بالاتفاق عملاً يسيراً، في ظلّ الضغوط الإقليمية والدولية.

وجاء فتح الطريق الساحلي والمجال الجوي بفعل الضغوط المحلية والدولية، وكذلك تبادل الأسرى، ومع ذلك فهذه نجاحات تُحسب للجنة، حتى لو كانت مهمتها التيسير.

وعن بند خروج المرتزقة، يرى المحلل السياسي محمد عامر أنّه "مرتبط بالقضاء على الهيمنة السياسية التركية في البلاد، وكذلك بالخوف من الجيش الوطني، خصوصاً بعد تأزم المشهد السياسي من جديد، ووجود احتمالات العودة للصراع المسلح".

وأكد عامر؛ أنّ "تركيا لن تسمح لحكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي بإلغاء الاتفاقيتين الأمنية والبحرية معها، طالما أنّ لها الهيمنة السياسية".

تدريبات تركية لعناصر ليبية

وبنظرةٍ أشمل لمسألة الوجود الأجنبي، تظهر عدة عقبات أمام إخراجه، وهي؛ عدم رغبة تركيا أردوغان في التخلي عن مكاسبها في ليبيا، وارتباط وجود الإخوان بالوجود الأجنبي لعدم وجود شعبية لهم، وارتباط مصالح قادة التشكيلات المسلحة بالمرتزقة وتركيا، والخلافات الجهوية بين المناطق الليبية، والتي لها جذور تاريخية، والتجربة المريرة لمعارك طرابلس، وكذلك ما خلقه الانقسام من مصالح وأجسام غير شرعية تحاول الحفاظ على بقائها.

فضلاً عن ذلك، هناك عامل يتمثل في ضبابية الموقف الدولي، خصوصاً الدول الغربية التي ترفض الوجود الروسي في مناطق القيادة العامة، والذي بات غير مرتبطٍ بالقيادة نفسها، وله أدوار مستقلة.

وحول ذلك، علق السياسي سعد الدينالي: "المجتمع الدولي لم ينزل بثقل كبير لدعم عمل اللجنة، أو تهيئة الأجواء، وتركها تكون ضحيةً للصراعات السياسية، وبالتالي تأثيرها لا يكاد يُذكر".

السياسي الليبي سعد الدينالي لـ"حفريات": المجتمع الدولي لم ينزل بثقلٍ كبير لدعم عمل اللجنة، أو تهيئة الأجواء، وتركها تكون ضحيةً للصراعات السياسية

ويتفق المحلل السياسي محمد عامر، ويقول: "يدرك المجتمع الدولي أنّ أساس الأزمة أمني؛ بسبب التشكيلات المسلحة غير النظامية في المنطقة الغربية، ويدركون وجود جيش نظامي في المنطقة الشرقية، ومع ذلك يماطلون في طرح حلولٍ جدية".

وأرجع ذلك إلى "تخوّف الدول الغربية من وجود سلطة لها إرادة وطنية في ليبيا، لأنّها بلد غني، ولهم مصالح واسعة فيها، تتعارض مع إرادة وطنية حقيقية".

وفي سياق متصل، بدأ وفدا مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة اجتماعات في القاهرة برعاية أممية، تستمرّ حتى 20 من الشهر الجاري، بهدف الاتفاق على قاعدة دستورية، من أجل الدفع نحو الانتخابات. وربما تكون هذه الاجتماعات هي الأخيرة قبيل تحديد توجه الأزمة، سواء نحو الانتخابات، وهو احتمالٌ غير واردٍ، أو تجدّد الصراع المسلح، وهو الأكثر رجحاناً.

ويُذكر أنّ لجنة (5+5) العسكرية انبثقت عن مؤتمر برلين الدولي في مطلع العام 2020، وانسحب أعضاؤها من المنطقة الغربية قبيل وقف إطلاق النار احتجاجاً على قصف طال ميناء طرابلس.

مواضيع ذات صلة:

كيف يشكل ترشح الدبيبة خطراً على الانتخابات الليبية؟

الدبيبة يناقض التوجهات المحلية والدولية بما يتعلق بالمرتزقة.. ماذا طلب من أردوغان؟

الانقسامات تعصف بليبيا: ما مصير حكومة الدبيبة؟

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية