الدبيبة في تونس... فك حصار حكومة الوحدة الوطنية أم تنفيس الأزمة المالية التونسية؟

الدبيبة في تونس... فك حصار حكومة الوحدة الوطنية أم تنفيس الأزمة المالية التونسية؟

الدبيبة في تونس... فك حصار حكومة الوحدة الوطنية أم تنفيس الأزمة المالية التونسية؟


01/12/2022

تزامناً مع تحركات إقليمية هذه الأيام لاستبدالها بحكومة جديدة تشرف على المسار الانتخابي المعطل، وحاجة تونسية للتنفيس عن أزمة مالية خانقة، وصل رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها عبد الحميد الدبيبة أمس الأربعاء إلى تونس، على أن تتواصل إلى اليوم الخميس.

الزيارة تأتي وسط برود في العلاقات بدا واضحاً خلال زيارة وفد اقتصادي تونسي إلى طرابلس في الفترة الأخيرة كان يفترض أن تقوده رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن، لكنّها غابت عنه، فيما تبدو تونس عالقة في مأزق يتعلق بالنزاع على الشرعية بين الشرق والغرب، في مرحلة أولى، ثم بين الدبيبة ورئيس حكومة البرلمان فتحي باشاغا في مرحلة ثانية.

وحافظت تونس منذ 25 تموز (يوليو) 2021 على الحياد في الملف الليبي، وذلك في ظل الصراع على الشرعية، غير أنّ هذا الحياد قوبل بردة فعل غاضبة، خاصة من الدبيبة الذي صدرت عنه في السابق تصريحات مسيئة لتونس، قبل أن يتراجع عنها في تصريحات لاحقة.

التعاون الأمني والاقتصادي أولوية

خلال الزيارة دعا الدبيبة في كلمته إلى التوجه نحو تعزيز وترسيخ التعاون والتكامل وتبادل الخبرات والقدرات في كل المجالات، والعمل على تشكيل فرق عمل مشتركة تضم خبراء من البلدين في كل القطاعات لتحديد الأهداف السياسية والأمنية والاقتصادية المشتركة.

وشدّد الدبيبة على ضرورة وضع الآليات اللازمة، خاصة ما يتعلق بأولويات التعاون وعلى رأسها التنسيق الأمني، وتبادل المعلومات ومحاربة التنظيمات الإرهابية وعصابات الإجرام المنظم، كما أبرز أهمية التنسيق المشترك في تسيير المنافذ الحدودية بين البلدين والعمل على إنهاء الإشكاليات التي يواجهها عدد كبير من المواطنين ورجال الأعمال الليبيين في المعابر الحدودية، وفق بيان لرئاسة الحكومة التونسية.

اعتبرت رئيسة الحكومة التونسية لقاءها مع الدبيبة مناسبة متجددة من أجل المزيد من تعزيز علاقات التضامن والتعاون بين تونس وليبيا

من جانبها، اعتبرت رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن لقاءها مع الدبيبة "مناسبة متجددة من أجل المزيد من تعزيز علاقات التضامن والتعاون بين تونس وليبيا، في ظلّ سياق إقليمي ودوليّ بات يفرض توحيد الجهود لزيادة التقارب والتعاون، تأكيداً للطابع الاستراتيجي للعلاقات التونسية الليبية".

وجددت "موقف تونس الثابت للوقوف إلى جانب الأشقاء الليبيين، ودعم جهودهم من أجل إيجاد تسوية مستدامة للوضع في ليبيا تُعيد إليها الأمن والاستقرار"، مشددةً على أنّ "تونس لن تدخر أيّ جهد من أجل المساعدة على المضي قُدماً نحو حوار ليبي-ليبي، وتحقيق المصالحة بما يحفظ وحدة ليبيا وسيادتها الوطنية".

يُذكر أنّ الزيارة كانت منتظرة من عبد الحميد الدبيبة إلى تونس في شهر نيسان (أبريل) الماضي، لكن تم تأجيلها وتم تداول وجود فتور في العلاقات بين قيادات البلدين، لكن في مقابلة معه لإذاعة موزاييك التونسية، كان الدبيبة قد نفى مؤخراً وجود خلافات، واعتبر أنّ ارتباطات لقيادات البلدين حالت دونها.

تونس عالقة في مأزق يتعلق بالنزاع على الشرعية بين الشرق والغرب وبين الدبيبة وباشاغا

ومن بين نتائج زيارة الوفد الوزاري الليبي لتونس قرار بإلغاء جميع القيود المفروضة على حركة السلع بين البلدين، وتدشين خط الشحن البحري في كانون الأول (ديسمبر) الحالي، والاتفاق على تسوية الديون المستحقة على الدولة الليبية في قطاعات الصحة، والكهرباء، والطيران المدني.

كما تم الاتفاق على بدء إجراءات توحيد المتطلبات الجمركية في معبر رأس جدير، مع اقتراب افتتاح البوابات بالمعبر، فضلاً عن إطلاق الخطوات التمهيدية لإنشاء المنطقة الاقتصادية رأس جدي، ومراجعة ما يعرف بالأسماء المتشابهة لإزالة غير المطلوبين.

واتفق أيضاً الجانبان، الليبي والتونسي، على تفعيل اللجنة العليا التونسية الليبية المتوقفة منذ 2009، بعودة انعقاد اجتماعاتها، ومناقشة المجالات الفنية والثقافية بين البلدين وأهمية عودة النشاط لها من جديد، وتفعيل التعاون بين وزارتي العدل لاستمرار التشاور وحل مشكلة "غرف التحكيم".

فك عزلة حكومة الدبيبة

ويرى مراقبون أنّ زيارة الدبيبة هي زيارة فرضتها التطورات الجيوسياسية، فقد اعتبر رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير أنّ زيارة العمل التي يقوم بها الدبيبة إلى تونس هي زيارة "فك العزلة عن الحكومة الليبية والتونسية معاً، بالنظر إلى ما تعيشه الحكومتان من صعوبات داخلية وخارجية على كل المستويات"، وفق تعبيره.

يرى مراقبون أنّ زيارة الدبيبة هي زيارة فرضتها التطورات الجيوسياسية

وأضاف عبد الكبير، في تصريح لـ "بوابة أفريقيا الإخبارية"، أنّ هذه الزيارة تأتي "في ظل وضع متقلب تمر به المنطقة المغاربية والعالم ككل ومتغيرات متسارعة".

وذكّر عبد الكبير أنّ الدبيبة "سبق أن أدلى بتصريحات إعلامية مسيئة لتونس تسببت في فتور كبير بين حكومته ونظيرته التونسية، غير أنّ الدبيبة سرعان ما تدارك الأمر خاصة أنّ حكومته تعيش عزلة داخلية نوعاً ما، وهو يرغب حالياً في الظهور بمظهر الحاكم الليبي الوحيد والشرعي، ولذلك يسعى لتكثيف الزيارات الرسمية خارج ليبيا".

مصطفى عبد الكبير: زيارة الدبيبة إلى تونس هي زيارة فك العزلة عن الحكومة الليبية والتونسية معاً

وأوضح عبد الكبير أنّ حكومة الدبيبة تعيش صراعات حقيقية، خاصة بعد ظهور الحكومة المكلفة من البرلمان، وتابع بقوله: "حكومة الدبيبة تتمسك بالمشروعية وترفض تسليم الحكم إلا بعد إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية تشرف عليها الأمم المتحدة وذلك بالعودة إلى مقررات لجنة (5+5) بجنيف".

من جانبه، أكد الخبير المتخصص في الشؤون الليبية غازي معلّى في تصريح لإذاعة "جوهرة إف إم" التونسية، أنّه ليس لدى عبد الحميد الدبيبة القدرة القانونية لمساعدة تونس، من خلال إسنادها وديعة أو قرضاً، معلقا بالقول: إنّ مجاله المالي ضيق.

جدير بالذكر أنّ تونس ظلت على مدى أعوام بوابة ليبيا نحو العالم، سواء في عهد العقيد الراحل معمر القذافي أو بعد ثورة شباط (فبراير)، وقد وجد الليبيون في تونس ملاذاً لهم في خضم الفوضى الأمنية والسياسية التي عاشتها بلادهم.

أزمة مالية تونسية

هذا، وترى أوساط تونس أنّ الرئيس التونسي قيس سعيّد يحاول الحصول على دعم اقتصادي ومالي من جيرانه، دون حسابات أو مساع لجرّ تونس إلى مربعات إقليمية، لافتة إلى أنّ التلكؤ الجزائري في تقديم الدعم لتونس قد يكون وراء دعوة سعيّد للدبيبة إلى زيارة تونس.

يشار إلى أنّ البلاد تعيش أزمة مالية خانقة تسببت في ارتفاع نسبة التضخم إلى 9.2% في أيلول (سبتمبر) الماضي، وفي نقص حاد للمواد الاستهلاكية.

وكانت تونس قد توصلت إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل بقيمة (1.9) مليار دولار، لكنّ الاتفاق النهائي مرتبط بموافقة مجلس إدارة الصندوق في كانون الأول (ديسمبر).

ومن المنتظر دخول الحكومة التونسية في خلاف مع الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية بتونس ذات ثقل سياسي وازن)، بشأن حزمة من الإصلاحات الاقتصادية يطالب بها الممولون الدوليون وتأجيج التوتر الاجتماعي في البلاد.

بدوره، انتقد الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي بشدة ما اعتبره عدم جدية من جانب الحكومة في التفاوض على إصلاح المؤسسات العمومية، قائلاً: إنّها "تتحايل لبيعها"، وأضاف في كلمة أمام تجمع احتجاجي لعمال النقل بتونس العاصمة الأربعاء: "أقولها وأعيدها وأكررها في كل محطة ومناسبة: تونس ليست للبيع".

الدبيبة أساء إلى تونس

وعبّر الدبيبة سابقاً عن  تحفظه على الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في 25 تموز (يوليو) من العام الماضي، وعزل بموجبها منظومة الحكم التي قادتها حركة النهضة الإسلامية.

وشكك الدبيبة في الاتهامات التونسية بشأن محاولة اغتيال الرئيس سعيد، حيث كشف "عن إرسال جهات أمنية تونسية رسالة إلى نظيرتها الليبية تدّعي فيها أنّ مجموعة من تونس قادمة لاغتيال الرئيس".

الزيارة تأتي وسط برود في العلاقات بدا واضحاً خلال زيارة وفد اقتصادي تونسي إلى طرابلس

وفي تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي وصف الدبيبة تهريب الليبيين لأموالهم عبر تونس بـ "الغباء"، قائلاً: إنّ "تونس من بين الدول التي تحيّلت على الليبيين"، وإنّ "بلجيكا ومالطا وكذلك دولة جارة وهي تونس، تحيّلت على الليبيين".

وفي تصريحات خلال آب (أغسطس) 2021 اتهم الدبيبة تونس بالإرهاب، وقال: "لن نقبل باتهامنا بالإرهاب، أنتم من جلب لنا (في إشارة إلى التونسيين) الإرهابيين، وحاسبوا أنفسكم قبل الاتهام، نحن شعب حر، ولا يمكن أن نقبل اتهامنا بالإرهاب، وأنتم حاسبوا أنفسكم يا من تتهموننا بالإرهاب".

مواضيع ذات صلة:

استئناف إرسال مرتزقة بالتزامن مع اتفاقية التفاهم النفطي.. تركيا تصر على التواجد في ليبيا

هل أحكمت تركيا سيطرتها على ليبيا؟

قطر وتركيا في ليبيا: صديقتان دائماً


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية