
يشهد المجتمع الأوروبي، مؤخرا، تصاعدا لافتا لخطاب التطرف، كظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه، حيث يتجلى بأشكال مختلفة، تشمل التطرف اليميني، والتطرف الإسلاموي، اليساري، الليبرالي والتطرف الانفصالي، وتُشكل هذه الأشكال من التطرف تحديات كبيرة لبلدان الاتحاد الأوروبي.
هذا الخطاب المتطرف وصناعة الكراهية في أوروبا، تناولته دارسة حديثة نشرها موقع الاتحاد الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والتطرف، وأشارت إلى انعكاسات ذلك على الأمن المجتمعي الأوروبي، كما تطرقت إلى خطاب الكراهية لدى جماعات الإسلام السياسي واليمين المتطرف في أوروبا، وناقشت التشريعات والتدابير التي اتخذتها الحكومات الأوروبية للحد من صناعة الكراهية.
محاربة التطرف في ألمانيا ـ مخاطر الخطاب المتطرف على الأمن المجتمعي
وتشترك جماعات الإسلام السياسي واليمين المتطرف، بحسب الدراسة، في دعاياها وخطاباتها المتطرفة من حيث مقدماتها الأيديولوجية واستراتيجياتها ووسائلها، وذلك من خلال التأثير السياسي والاجتماعي. ويمكن أن يُعزى ذلك التطور والعدد المتزايد بشكل كبير من المتابعين على وجه الخصوص إلى الدعاية المكثفة، على أرض الواقع، والواقع الافتراضي. وعلى خلفية هذا التطور، تهيئ تلك الجماعات أرضا خصبة للتطرف والإرهاب.
تشترك جماعات الإسلام السياسي واليمين المتطرف في دعاياها وخطاباتها المتطرفة من حيث مقدماتها الأيديولوجية
وتصدر جماعات الإسلام السياسي في خطاباتها ودعايتها إلى خلق مجتمع مواز، فقد أفاد استطلاع للرأي في 26 نيسان/أبريل 2024، أن أكثر من ثلثي الذين شملهم الاستطلاع يعتبرون أن الخطابات التي تتضمن التفسير المتشدد للشريعة الإسلامية أكثر أهمية من القوانين في ألمانيا، فنحو (45.8 %) يرون أن شكل من أشكال الحكم.
إلى ذلك، يريد المتطرفون اليمينيون تقويض الثقة في استقرار الدولة وقدراتها على التحرك من خلال خطابات الكراهية على الإنترنت، وقد شاركوا هذا الهدف مع بعض الجهات الأجنبية بحسابات مزيفة، وتخترع قصصا باستخدام صور تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتتظاهر بالمصداقية من خلال مواقع الصحف الإلكترونية، وتجري محاولات للتلاعب بتكوين الرأي والنقاش السياسي وإضعاف الديمقراطية في 13 شباط/فبراير 2024.
ولفتت الدراسة إلى أن المنصات الإلكترونية تعتبر قنوات مركزية لنشر الخطابات المتطرفة، ويمكن الوصول بسهولة إلى الشباب، وحتى الأطفال، عبر التطبيقات، وبالتالي فهم هدف للتطرف المرغوب فيه.
وقد أحصى مكتب مكافحة الجريمة الألماني (PKA) وتقرير مكتب حماية الدستور الاستخبارات الداخلية، بأن عدد جرائم الكراهية لسنة 2023 خلال (9) أشهر بلغ (686) جريمة معادية للمسلمين أو حالة معاداة المسلمين تتجاوز إحصاءات عام 2022، حيث كان (610) فقط.
كما واجه حوالي (15.8) مليون مستخدم للإنترنت تتراوح أعمارهم بين (16 و74 ) عاما منشورات تحتوي على خطاب كراهية وكان مستخدمو الإنترنت الأصغر سنا أكثر عرضة لملاحظة خطاب الكراهية عبر الإنترنت مقارنة بالمستخدمين الأكبر سنا.
المتطرفون اليمينيون تقويض الثقة في استقرار الدولة وقدراتها على التحرك من خلال خطابات الكراهية على الإنترنت
وخلص تقرير في يونيو 2023 إلى أن ما يعانيه مسلمون من تمييز متزايد في المجتمع الألماني يبرّر اتخاذ إجراءات متضافرة لمكافحة خطاب الكراهية.
لمواجهة ذلك، اعتمدت السلطات الألمانية برنامج “التحدث مع بعضنا البعض” التابع للوكالة الفيدرالية للتربية المدنية و برنامج تمويل “الديمقراطية على الإنترنت”، وتنفيذ (100) مشروع حواري بحلول نهاية عام 2024.
كما أعلنت السلطات الألمانية مداهمة عشرات المواقع التابعة لجماعة يمينة متطرفة داهمت المقر الرئيسي للجماعة التي يطلق عليها اسم “أرتجماينشافت و26 منزلا تعود إلى 39 عضوا في 12 ولاية يواصلون نشر الأيديولوجيا والدعايا النازية.
تعمل السلطات الألمانية على إصلاح مقترح المادة (130) المتعلق بخطاب الكراهية وتقييم أكثر من (300) دعوى جنائية بتهمة التحريض على الكراهية بين عامي 2016 و2021.
محاربة التطرف في فرنسا ـ مخاطر الخطاب المتطرف على الأمن المجتمعي
لفتت الدراسة إلى أن التطرف الإسلاموي يُعد تهديدًا أمنيًا كبيرًا لفرنسا، حيث شهدت البلاد خلال السنوات الأخيرة العديد من الهجمات الإرهابية التي نفذها متطرفون إسلاميون، تعود أسباب تنامي التطرف الإسلاموي إلى عدة أسباب منها الشعور بالتهميش.
كما تلعب بعض الدول والجماعات الخارجية دورًا في نشر التطرف الإسلاموي في فرنسا. كذلك يُعاني بعض المسلمين الفرنسيين من نقص في المعرفة الدينية الصحيحة، مما يجعلهم أكثر عرضة للتأثيرات المتطرفة.
التطرف الإسلاموي يُعد تهديدًا أمنيًا كبيرًا لفرنسا حيث شهدت البلاد خلال السنوات الأخيرة العديد من الهجمات الإرهابية
وتحتضن فرنسا أحد أكبر التجمعات المسلمة في أوروبا، حيث يُقدّر عدد المسلمين المقيمين على أراضيها بحوالي 6 ملايين نسمة، وهو الرقم الأعلى بين الدول الأوروبية. ويمثل مسلمو المغرب العربي الغالبية العظمى من مسلمي فرنسا، حيث تصل نسبتهم إلى 82%.
هذا وشهدت فرنسا في السنوات الأخيرة صعودًا ملحوظًا لليمين المتطرف، يروج لخطاب قومي متشدد يُعزز الهوية الوطنية الفرنسية ويُعارض الهجرة والاندماج.
يعادي اليمين المتطرف الإسلام والمسلمين، وينشر الخوف والكراهية تجاههم. يستغلّ خطابًا شعبويًا يُلعب على مشاعر الغضب والاستياء لدى بعض فئات المجتمع، ويُقدم حلولًا بسيطة لمشكلات معقدة.
وبحسب الدراسة، فإن الخطاب المتطرف عبر الإنترنت يُعدّ ظاهرة مقلقة تُشكل تحديًا كبيرًا للمجتمع الفرنسي، حيث تُساهم في نشر الكراهية والعنف، وتُهدد قيم الديمقراطية والتسامح، ويدعو إلى الكراهية ضد المهاجرين والمسلمين، وينشر الأفكار القومية المتشددة.
ووفقا لما رصدته الدراسة فإن المحتوى المتطرف ينتشر بسرعة كبيرة على الإنترنت، مما يجعل من الصعب رصده وإزالته.
في سياق متصل، توظف تنظيمات الإسلام السياسي حرب غزة في خطابها المتطرف ضد المجتمع الفرنسي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 202. فقد اعتقلت الأجهزة الأمنية الفرنسية (486) شخصا لارتكابهم جرائم معاداة السامية، بينهم (102) من الأجانب منذ تصعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وفي منطقة باريس اعتقل (90) شخصا.
وقد زاد عدد الهجمات الإرهابية في فرنسا في السنوات الأخيرة. في عام 2023، وقع 20 هجومًا إرهابيًا في فرنسا، مما أسفر عن مقتل 60 شخصًا. وارتفع عدد الأشخاص الذين تم إيقافهم بتهمة التطرف. في عام 2023، حيث تم إيقاف 12,000 شخص بتهمة التطرف في فرنسا. كما زاد عدد الأشخاص الذين تم تجنيدهم من قبل الجماعات المتطرفة، إذ تم في 2023 تجنيد 1,500 شخص من قبل الجماعات المتطرفة في فرنسا.
يُعاني بعض المسلمين الفرنسيين من نقص في المعرفة الدينية الصحيحة مما يجعلهم أكثر عرضة للتأثيرات المتطرفة
كذلك، شهدت فرنسا (1159) عملا معاديا للسامية منذ السابع من أكتوبر 2023، أي أكثر من (3) أمثال العدد المسجل في عام 2022. تشمل رسم الصليب المعقوف، أو نجمة داود على الجدران، واعتداءات، ففي منطقة باريس سجل (257) حادثا معاديا للسامية.
ومن أبرز التشريعات الفرنسية لمكافحة التطرف، قانون مكافحة الإرهاب، حيث تم سنّ هذا القانون في عام 2015 بعد هجمات باريس. ويُعزز صلاحيات أجهزة إنفاذ القانون لمراقبة الأفراد المشتبه بهم في التطرف ومكافحة التمويل الإرهابي.
كما تم سن قانون مكافحة خطاب الكراهية في عام 2016، ويُجرم خطاب الكراهية والتحريض على العنف والكراهية على أساس الدين أو العرق أو الجنسية أو التوجه الجنسي. وتم سنّ قانون مكافحة المحتوى المتطرف على الإنترنت هذا القانون في عام 2020، ويُلزم شركات التكنولوجيا بإزالة المحتوى المتطرف من منصاتها الإلكترونية بسرعة.
محاربة التطرف في هولندا ـ مخاطر الخطاب الإسلاموي واليميني المتطرف على الأمن المجتمعي
الدراسة أشارت إلى أن المسلمين أكبر أقلية أجنبية في هولندا، وتقدر أعدادهم ما بين (6-8%) من سكان هولندا، لذا تستغل الجماعات الإسلاموية هذه النقطة من أجل إيجاد مساحة خاصة لها ونشر أفكارها المتطرفة.
كما أشارت إلى أنه، ومنذ عام 1996، بدأت الجماعات الإسلاموية وفي مقدمتها الإخوان في التغلغل داخل المؤسسات المجتمعية والمساجد.
واستغل الإخوان العلاقات مع حزبي العمل واليسار الأخضر، واخترقوا رابطة “المجتمع المسلم” في لاهاي والتي تضم بداخلها منظمة “اليوروب تراست نيديرلاند” و”هيئة الإغاثة الإسلامية” و”المعهد الهولندي للعلوم الإنسانية” و”مركز السلام الإسلامي الثقافي” و”مركز الوسطية”.
وتشير التقديرات إلى سيطرة الفكر الإخواني على (60%) من المساجد في هولندا والتي تقدر أعداها بنحو (453) مسجداً، ويتبع الإخوان في أمستردام “المسجد الأزرق” و”الحزب الإسلامي الإقليمي” و”حزب دينك” و”حزب نداء الإسلامي” الذي استطاع خوض انتخابات المقاطعات شمال هولندا في مارس 2019.
وسيطرت قيادات من الإخوان مثل “محمد عكاري” و”إبراهيم عكاري” و”نور الدين العوالي” و”علي أزوزي”، على أحزاب وكيانات اقتصادية في مجال العقارات في أمستردام وروتردام ولاهاي، كبوابة لنشر نفوذهم داخل المؤسسة الحكومية والدينية.
هذه الجماعات الإسلاموية تعتمد على شبكات صغيرة وكبيرة منتشرة في المدن الكبرى بهولندا، ورغم أن هذه الشبكات منقسمة أيدلوجياً واجتماعياً، إلا أنها على تواصل دائم لتبادل الأفكار.
وقد رفع المنسق الوطني لمكافحة الإرهاب والأمن مستوى التهديد من (3) إلى (4) في 12 كانون الأول/ديسمبر 2023، وأشار إلى أن التهديد الإرهابي متزايد، نظراً لانتشار الخطاب المتطرف من قبل الجماعات الجهادية التي أعلنت استعدادها لارتكاب هجمات إرهابية في أوروبا، جراء تأزم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
أما التيار اليميني المتطرف فقد أصبح له وجوداً في المشهد السياسي، بعد تأسيس خيرت فيلدرز حزب الحرية (PVV) في 2006، ومشاركته في الانتخابات البرلمانية لأول مرة في يونيو 2010، ما جعل الحزب ثالث أكبر قوة سياسية في هولندا.
وخلال حملته الانتخابية تعهد الحزب بفرض حظر على المساجد والحجاب والقرآن، وردد زعيم الحزب خيرت فيلدرز شعار “مسلمين أقل في هولندا”.
أشار تقرير في 30 أيار/مايو 2024، إلى أن التطرف اليميني أكثر انتشاراً ولا يمكن التنبؤ به في السنوات الأخيرة، وتشكل أقلية منه تهديداً عنيفاً، وجزء آخر يعمل على تطبيع أفكاره المتعصبة والمتطرفة في المجالين الاجتماعي والسياسي. وتوغل الخطاب المتطرف المعادي للأجانب على مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة ما بين نهاية 2023 وحتى أيار/مايو 2024.
هذا ويتسبب الخطاب المتطرف اليميني والإسلاموي على شبكة الإنترنت وفي المؤسسات الدينية والمجتمعية، في زيادة الانقسام داخل المجتمع الهولندي، ويؤثر على عملية اندماج المسلمين في الحياة السياسية والفعاليات المشتركة، لمعاناة فئات كثيرة من الجالية المسلمة في هولندا من صعوبة التأقلم مع باقي الثقافات.